لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه .. [ قال أبو جعفر ] وهذا جواب جماعة من الفقهاء أن يضم الحديث الى القرآن كما قال جل ثناؤه ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ) (١) ثم حرم رسول الله صلىاللهعليهوسلم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير فكان مضموما الى الآية وكان أحمد من أكثر الناس اتباعا لهذا حتى قال من احتجم وهو صائم فقد أفطر هو وجماعته كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم .. وفي الأحاديث تأويل آخر فيه لطف ودقة وهو أن الله إنما قال ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى ) ولام الخفض معناها في العربية الملك والايجاب فليس ( لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى ) فإذا تصدق عنه غيره فليس يجب له شيء إلا أن الله يتفضل عليه بما لم يجب له كما يتفضل على الأطفال بإدخالهم الجنة بغير عمل فعلى هذا يصح تأويل الأحاديث .. وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضياللهعنها أن رجلا قال يا رسول الله ان أمي افتلتت نفسها فماتت ولم توص أفأتصدق عنها؟ قال نعم .. [ قال أبو جعفر ] في هذا الحديث ما ذكرنا من التأويلات وفيه من الغريب قوله افتلتت ماتت فجأة ومنه قول عمر رضياللهعنه كانت بيعة أبي بكر فلتة فوقى الله شرها أي فجاءة .. وفي ذلك المعنى ان عمر تواعد من فعل ذلك وذلك ان أبا بكر صار له من الفضائل الباهرة التي لا تدفع ما يستوجب به الخلافة وأن يبايع فجأة وليس هذا لغيره وكان له استخلاف رسول الله صلىاللهعليهوسلم اياه على الصلاة فجاء ممدود مهموز قال عروة بن حزام :
وما هو الا أن أرادها فجاءة |
|
فأبهت حتى ما أكاد أجيب |
قال محمد بن جرير استخلافه إياه على الصلاة بمعنى استخلافه على إمامة المسلمين والنظر في أمورهم لأنه استخلفه على الصلاة التي لا يقيمها الا الأئمة من الجمع والأعياد وروجع في ذلك فقال يأبى الله والمسلمون الا أبا بكر .. وقال غير محمد بن جرير روى شعبة والثوري عن الأعمش ومنصور عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال استقيموا ولا تخطوا واعلموا ان خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الصلاة الا مؤمن فلما استخلف رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا بكر على خير أعمالنا ما كان دونه تابعا له.
__________________
(١) سورة : الأنعام ، الآية : ١٤٥