صلوا كيف شئتم فإن المشرق والمغرب لله عز وجل فحيث استقبلتم فثم وجه الله لا يخلو منه مكان كما قال تعالى ( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ ) (١) .. قال ابن زيد كانوا ينحون أن يصلوا الى أي قبلة شاءوا لأن المشارق والمغارب لله جل ثناؤه فأنزل الله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : « هؤلاء يهود قد استقبلوا بيتا من بيوت الله تعالى يعني بيت المقدس فصلوا إليه فصلّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه بضعة عشر شهرا فقالت اليهود ما اهتدى لقبلة حتى هديناه فكره النبي صلىاللهعليهوسلم قولهم ورفع طرفه الى السماء فأنزل الله تعالى ( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ) » (٢) [ قال أبو جعفر ] فهذا قول .. وقال مجاهد في قوله تعالى ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) معناه أينما تولوا من مشرق أو مغرب فثم جهة الله التي أمر بها وهي استقبال الكعبة فجعل الآية ناسخة وجعل قتادة وابن زيد الآية منسوخة .. وقال إبراهيم النخعي من صلّى في سفر ومطر وظلمة شديدة الى غير القبلة ولم يعلم فلا إعادة عليه فأينما تولوا فثم وجه الله .. والقول الرابع أن قوما قالوا لما صلّى النبي صلىاللهعليهوسلم على النجاشي صلّى عليه وكان يصلي الى غير قبلتنا فأنزل الله عز وجل ( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) (٣) .. والقول الخامس أن المعنى أدعوا كيف شئتم مستقبلي القبلة وغير مستقبليها فأينما تولوا فثم وجه الله يستجيب لكم .. والقول السادس من أجلها قولا وهو أن المصلي في السفر على راحلته النوافل جائز له أن يصلي الى قبلة والى غير قبلة [ قال أبو جعفر ] وهذا القول عليه فقهاء الأمصار ويدلك على صحته أنه قرأ على أحمد بن شعيب عن محمد بن المثنى وعمرو بن علي عن يحيى بن سعيد عن عبد الملك قال حدثنا سعيد بن جبير عن ابن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يصلي وهو مقبل من مكة الى المدينة على دابته وفي ذلك أنزل الله ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) (٣) قال أنبأنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن عبد الله بن دينار وعن ابن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يصلي على راحلته حيثما توجهت به [ قال أبو جعفر ] والصواب أن يقال إن الآية ليست بناسخة ولا منسوخة لأن العلماء قد تنازعوا القول فيها وهي محتملة لغير النسخ وما كان محتملا لغير النسخ لم يقل فيه ناسخ ولا منسوخ إلا بحجة يجب التسليم لها .. فأما ما كان يحتمل المجمل والمفسر والعموم
__________________
(١) سورة : المجادلة ، الآية : ٧
(٢) سورة : البقرة ، الآية : ١٤٤
(٣) سورة : البقرة ، الآية : ١١٥