متعقّب لا شكَّ بالفنآء ، أأنت خلقت نفسك ، وسوَّيت جسمك ، ونفخت روحك .
إن كنت فعلت ذلك . وأنت النطفة المهينة ، والعلقة المستضعفة ، والجنين المصرور في صرَّة ، فأنت الاٰن في كمال أعضائك وطراءة مائك وتمام مفاصلك ، و ريعان شبابك ، أقوى وأقدر ، فاخلق لنفسك عضواً آخر ، استجلب قوَّة إلى قوَّتك ، وإن كنت أنت دفعت عن نفسك في تلك الأحوال طارقات الأوجاع والأعلال ، فادفع عن نفسك الاٰن أسقامك ، ونزِّه عن بدنك آلامك ، وإن كنت أنت نفخت الروح في بدنك وجلبت الحياة الّتي تمسكك ، فادفع الموت إذا حلَّ بك ، وابق يوماً واحداً عند حضور أجلك .
فان لم تقدر أيّها الانسان على شيء من ذلك ، وعجزت عنه كلّه ، فاعلم أنّك حقّاً مخلوق ، وأنّي أنا الخالق ، وأنّك أنت العاجز ، وأنّي أنا القويُّ القادر ، فاعرفني حينئذ واعبدني حقَّ عبادتي ، واشكر لي نعمتي أزدك منها ، واستعذ بي من سخطتي اُعذك منها ، فانّي أنا الله الّذي لا أعبا بما أخلق ، ولا أتعب ولا أنصب فيما أرزق ، ولا ألغب ، إنّما أمري إذا أردت شيئاً أن أقول له كن فيكون .
الصحيفة الثالثة صحيفة الرزق
يا
أيّها الانسان انظر وتدبّر ، واعقل وتفكّر ، هل لك رازق سواي يرزقك ؟ أو منعم غيري ينعم عليك ؟ ألم اُخرجك من ضيق مكانك في الرحم إلى أنواع من النّعم ؟ أخرجتك من الضيق إلى السعة ، ومن التعب إلى الدَّعة ، ومن الظلمة إلى النور ، ثمَّ عرفت ضعفك عمّا يقيمك ، وعجزك عمّا يفوتك ، فأدررت لك من صدر اُمّك عينين منهما طعامك وشرابك ، وفيهما غذاؤك ونماؤك ، ثمَّ عطفت بقلبها عليك ، وصرفت بودِّها إليك ، كي لا تتبرَّم بك مع إيذائك لها ، و لا تطرحك مع إضجارك إيّاها ، ولا تقزِّزك مع كثرة عاهاتك ، ولا تستقذرك مع توالي آفاتك وقاذوراتك ، تجوع لتشبعك ، وتظمأ لترويك ، وتسهر لترقدك ، وتنصب