ضلّت الأفهام في جبروته ، وتحيّرت الأوهام في ملكوته ، فلا وصول إليه إلّا به ولا ملجأ منه إلّا إليه ، ذلكم الله ربُّ العالمين .
الصحيفة الثانية صحيفة الخلق
فازيا أخنوخ من عرفني ، وهلك من أنكرني ، عجباً لمن ضلَّ عنّي وليس يخلو في شيء من الأوقات منّي ، كيف يخلوا وأنا أقرب إليه من كلِّ قريب ، وأدنى إليه من حبل الوريد ، ألست أيّها الانسان العظيم عند نفسه في بنيانه ، القويّ لدى همّته في أركانه ، مخلوقاً من النطفة المذرة ، ومخرجاً من الأماكن القذرة ، تنحطُّ من أصلاب الاٰباء كالنُّخاعة إلى أرحام النساء ، ثمَّ يأتيك أمري فتصير علقة ، لو رأتك العيون لاستقذرتك ، ولو تأمّلتك النفوس لعافتك ، ثمَّ تصير بقدرتي مضغة لا حسنةً في المنظر ، ولا نافعة في المخبر ، ثمَّ أبعث إليك أمرا من أمري ، فتخلق عضواً عضواً وتقدَّر مفصلاً مفصلاً ، من عظام مغشيّة ، وعروق ملتوية ، وأعصاب متناسبة ، و رباطات ماسكة ، ثمَّ يكسوك لحماً ويلبسك جلداً تجامع من أشياء متبائنة ، وتخلق من أصناف مختلفة .
فتصير بقدرتي خلقاً سويّاً لا روح فيك تحرّكك ، ولا قوَّة لك تقلّك ، أعضاؤك صو بلا مرية (١) وجثث بلا مرزبّة (٢) فأنفخ فيك الرُوح ، وأهب لك الحياة ، فتصير باذني إنساناً ، لا تملك نفعاً ولا ضرّاً ، ولا تفعل خيراً ولا شرَّاً ، مكانك من اُمّك تحت السُّرَّة ، كأنّك مصرور في صرَّة إلى أن يلحقك ما سبق منِّي من القضاء ، فتصير من هناك إلى وسع الفضاء ، فتلقى ما قدَّرك من السّعادة أو الشقاء ، إلى أجل من البقاء
______________________
(١) كذا في نسخة الكمباني ، وفى نسخة اخرى مخطوطة : « صور » ـ وضبطه بضم الصاد وفتح الواو ـ جمع الصورة . ولا تناسب قوله بعد « وجثث بلا مرزبة » كانه يريد أن أعضاءك رخو ، أو صبو ، أو صوب يميل الى حيث تشاء وسيأتي في البيان ، فتحرر .
(٢) الجثث جمع جثة ، وهو كل ماله شخص وشخص الانسان قائماً أو قاعداً والمجثة حديدة يقلع بها الفسيل ، والمرزبة : العصية من الحديد ، فالمراد أن الاعضاء لها قوام معتدل كعصا الحديد من دون أن يركب فيها حديد .