فإذا كانت هذه أقوالهم تشهد على عقيدتهم ، فمن الطبيعي جدّاً أن يتناقض هؤلاء مع ما يقوله أهل البيت من عرض كلّ حديث على كتاب الله ووزنه عليه ؛ لأنّ القرآن هو القاضي على السنّة ، ومن الطبيعي أيضاً أن يرفضوا هذه الأحاديث ، ولا يعترفوا بها ولو رواها أئمة أهل البيت ؛ لأنّها تنسف مذهبهم نسفاً.
فقد ذكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة بأنّ الحديث الذي رُوي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو قوله : « إذا جاءكم الحديث عنّي فاعرضوه على كتاب الله » ، قال البيهقي : هذا حديث باطل لا يصحّ ، وهو ينعكس على نفسه بالبطلان ، فليس في القرآن دلالة على عرض الحديث على القرآن (١).
وصرّح ابن عبد البر نقلا عن عبد الرحمان بن مهدي بأنّ الحديث الذي روي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : « ما أتاكم عنّي فاعرضوه على كتاب الله ، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته ، وإن خالف كتاب الله فلم أقله » ، هذه الألفاظ لا تصحّ عنه عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه ، وقال بأنّ هذا الحديث وضعه الزنادقة والخوارج (٢).
أُنظر إلى هذا التعصّب الأعمى الذي لم يترك لهم سبيلا للتحقيق العلمي والخضوع للحقّ ، فأصبحوا يسمون رواة هذا الحديث ـ وهم أئمة الهدى من العترة الطاهرة ـ بالزنادقة والخوارج ، ويتهمونهم بوضع الحديث!
وهل لنا أن نسألهم : ما هو هدف الزنادقة والخوارج من وضع هذا
__________________
١ ـ دلائل النبوة ١ : ٢٧ ، فصل في قبول الأخبار.
٢ ـ جامع بيان العلم : ٤٢٨ ، ( باب ٦٥ ، موضع السنّة من الكتاب ).