وممّا لا شكّ فيه أنّ انتشار تلك المذاهب وشهرتها وعلوّ شأنها كان بتأييد ومباركة الحكّام.
وممّا لا شكّ فيه أيضاً بأنّ أُولئك الحكّام كلّهم بدون استثناء كانوا يعادون الأئمة من أهل البيت ؛ لشعورهم الدّائم بأنّ هؤلاء يهدّدون كِيَانهم وزوال ملكهم ، فكانوا يعملون دائماً على عزلهم عن الأُمّة وتصغير شأنهم وقتل من يتشيّع لهم.
فبديهي أن يُنصب أُولئك الحكّام بعض العلماء المتزلّفين إليهم ، والذين يفتونهم بما يتلاءم مع حكمهم ووجودهم ، وذلك لحاجة الناس المستمرة لوجود الحلول في المسائل الشرعية.
ولمّا كان الحكّام في كلّ العصور لا يعرفون من الشريعة شيئاً ولا يفهمون الفقه ، فكان لابدّ أنْ ينصّبوا عالماً باسمهم يفتي ، ويُموّهون على الناس بأنّ السياسة شيء والدّين شيء آخر.
فكان الخليفة الحاكم هو رجل السياسة والفقيه رجل الدّين ، كما يفعل
__________________
السياط : كيف أقول ما لم يقل؟ فإيّاكم أن تبتدعوا في مذهبه ما ليس منه ) راجع كلامه في ٥ ـ ٩.
ومن الواضح أنّ هذه الصفات التي ينكر ابن الجوزي أن تكون عقيدة الإمام أحمد بن حنبل هي عقيدة الوهابية الآن ، وهم يتمسّكون بها ويحملونها على ظاهرها ، ويكفرون من لا يعتقد بها ، فقول التيجاني : « وأصبح أحمد بن حنبل في خبر كان » يقصد به ما ذكرناه من أنّ الوهابية وإن رفعت شعار السلفية واتباع أحمد بن حنبل ، لكنّها عملياً خرجت عليه في كثير من القضايا ، ويكفينا مراجعة الكتب التي أُلّفت في الردّ على الوهابية من قبل أهل السنّة وبعض الحنابلة. وعثمان الخميس كثيراً ما يطلق الكلام من دون وعي أو تدقيق.