لاثت خمارها على
رأسها واشتملت بجلبابها ، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ، ما
تخرم مشيتها مشية رسول الله حتى دخلت عليَّ وأنا في حشد من المهاجرين والأنصار
وغيرهم ، فنيطت دونها ملاءة.
ثمّ أجهشت وأجهش لها القوم بالبكاء ،
وارتجّ المجلس ، ثمّ أمهلت هنيهة حتى إذا سكن نشيج القوم ، وهدأت فورتهم ، افتتحت
كلامها بالحمد لله عزّ وجلّ والثناء عليه ، والصلاة على رسول الله ، ثمّ قالت :
( لَقَدْ جاءَكُمْ
رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ
بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيم ).
فإن تعزّوه تجدوه أبي دون آبائكم ، وأخا
ابن عمّي دون رجالكم ، فبلّغ الرسالة صادعاً بالنذارة ، مائلا عن سنن المشركين ،
ضارباً ثبجهم ، يدعوا إلى سبيل ربِّه بالحكمة والموعظة الحسنة ، آخذ بأكظام
المشركين ، يهشم الأصنام ، ويفلق الهام ، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر ، وحتى تفرى
الليل عن صبحه ، وأسفر الحقّ عن محضه ، ونطق زعيم الدين ، وخرست شقائق الشياطين ،
وتمّت كلمة الإخلاص ، وكنتم على شفا حفرة من النار ، نهزة الطامع ، ومذقة الشارب ،
وقبسة العجلان ، وموطىء الأقدام ، تشربون الطرق وتقتاتون القد والورق ، أذلّة
خاسئين ، يختطفكم الناس من حولكم ،