كانت في أخلاقهم زعارة مثل أبي سلمة ، الذي كان يماري كثيراً حتى يزعج أستاذه ابن عباس فقد حرم علماً كثيراً ، وقد ندم بعد ذلك حتى عبّر عن ندمه فقال : « لو رفقت بابن عباس لأصبتُ منه علماً كثيراً » (١). بينما نجد ابن عباس مع غيره من تلامذته الأوفياء كسعيد ابن جبير يسعه خلقه ويوسعه علمه وحلمه ، حتى في السفر في الطريق إلى مكة ، فضلاً عن الحضر ، فقد حدث سعيد وقال : « كنت أسير مع ابن عباس في طريق مكة ليلاً ، وكان يحدثني بالحديث فأكتبه في واسطة الرحل حتى أصبح فأكتبه » (٢).
ولمّا كان ابن عباس يرى في سعيد بن جبير أهلية التلقي فكان يسمح له بالكتابة مع تحفظه الكثير في ذلك مع الآخرين ، ومن الشواهد على ذلك التحفّظ ، ما رواه الدارمي في سننه بسنده : « عن هارون بن عنترة ، عن أبيه : حدثني ابن عباس بحديث ، فقلت : أكتبه عنك؟ قال : فرخّص لي ولم يكد » (٣).
وإذا رجعنا إلى أسماء تلامذته والرواة عنه ـ وقد مرّت ـ لم نجد فيهم من اسمه عنترة سوى عنترة بن عبد الرحمن الكوفي الشيباني ، وقد مرّ تعريفه ، فراجع. فالرجل كوفيّ سمع من ابن عباس حديثه فأحبّ أن يكتبه فاستأذنه ، فأذن له بعد أن كاد لا يأذن له ، وهذا معنى كلمة « ولم يكد ».
____________
(١) نفس المصدر ١ / ١١١ و ١٣٧.
(٢) نفس المصدر ١ / ١٢٨.
(٣) نفس المصدر.