والعقلي لا يدرك الا في التركيب ، ووراء كل منهما معان غير ما يفهم من تكوين الجملة النحوي في الإيحاءات النفسية التي يستند إليها التصوير القرآني (١).
وهذا التقسيم لم يكن واضحا بدقته هذه قبل عبد القاهر بل كان المجاز بجملته يشمل صور البيان بعامة ، وقد يتخصص بالاستعارة والمجاز كما هي الحال عند الشريف الرضي كما أسلفنا.
وقد استنار بهذه التسمية كل من فخر الدين الرازي ( ت : ٦٠٦ هـ ) وأبي يعقوب السكاكي ( ت : ٦٢٦ هـ ) بل هما قد نسخا رأي عبد القاهر نسخا حرفيا.
فالرازي يقسم المجاز الى قسمين : مجاز في الإثبات ، ومجاز في المثبت ، وهما العقلي واللغوي ، وعنده أن المجاز في الإثبات إنما يقع في الجملة ، وأن المجاز في المثبت إنما يقع في المفرد(٢).
والسكاكي يقسم المجاز الى قسمين : لغوي وعقلي ، واللغوي الى قسمين : خال من الفائدة ، ومتضمن لها ويسميها الاستعارة. إلا أنه يغض النظر عن المجاز العقلي ، ويؤكد على اللغوي ، وكأنه يميل الى عدّه أساس المجاز (٣).
وفي « دلائل الإعجاز » نجد عبد القاهر يحقق القول الدقيق في المجال الحكمي عنده ، والعقلي عنده وعند غيره ممّن تبعه فيه حتى في التسمية ، وهو برؤيته الثاقبة يلمس أن وراء الكناية والاستعارة في البيان مجازا آخر غير المجاز اللغوي ، وهو المجاز الحكمي المستفاد من طريق العقل في أحكام تجريها على اللفظ وهو متروك على ظاهره(٤).
والقول عنده في التفريق بين المجاز والاستعارة ، أن المجاز هو
__________________
(١) ظ : فتحي أحمد عامر ، فكرة النظم بين وجوه الإعجاز : ١٢٣.
(٢) ظ : الرازي ، نهاية الإيجاز : ٤٨.
(٣) ظ : السكاكي ، مفتاح العلوم : ١٩٤ ـ ١٩٨.
(٤) ظ : عبد القاهر ، دلائل الإعجاز : ٢٩٣ وما بعدها ، تحقيق : محمود شاكر.