بالمعاني الأصلية ، أو هي مقاربة ومجاورة لها ، كما هي الحال في استعمالات المجاز العقلي في القرآن ، بما يتوصل اليه بقرينة ذهنية نصل معها الى مناخ مجازيته الفعلية بما أضفته من مسلك دقيق قد لا تتوصل اليه الا الأفهام الثاقبة ، والطباع الرقيقة ، كما في قوله تعالى : ( والسماء ذات الرّجع (١١) والأرض ذات الصّدع (١٢) إنه لقول فصل (١٣) وما هو بالهزل (١٤) ) (١).
فأنت ترى أن الفصل والهزل ، وهما ههنا وصفان للقرآن الكريم ، والوصفية هنا قد تكون أدل على المعنى المراد من المصدرية ؛ وذلك لأن الوصفية قد تغطي الدلالة الإيحائية مضافا الى الدلالة المركزية بأن : هذا الوصف فضلا عن كونه مصدرا فهو مما يصلح أن يوصف به هذا الكتاب العظيم ، فيكون التأكيد على جديته وحاكميته أرقى من خلال التعبير النافذ ، فيكون ذلك ألصق به ، والمراد منه أشد وضوحا من إرادة المصدر بمفرده ، فاشتمل على المعنيين بوقت واحد ، وهذا أبرز معلم من معالم الاستعمال المجازي في القرآن.
وقد عقب أستاذنا الجليل المرحوم الدكتور أحمد عبد الستار الجواري على هذا الملحظ الدقيق فقال مشيرا للنموذج القرآني الآنف :
« ولعل من أهم الأسباب التي ميزت أساليب العربية بمثل هذه المزية قدم اللسان العربي ، وطول تداوله ، وكثرة تصرفه في المعاني ، بحيث تكتسب الألفاظ المفردة فيه معاني مضافة مجاورة لمعانيها الأصلية ، فتمتد هذه فضل امتداد ، حتى تصير المعاني المجاورة ، بعد لأي وطول إلاف ، كأنها جزء من تلك المعاني الأصلية ، أو قرين مقارن مساو لها في الدلالة ، وذلك هو الذي يعبر عنه علماء البلاغة بقولهم في ( المجاز العقلي ) أنه : إسناد الفعل أو ما هو بمنزلته (٢).
وما يقال هنا يقال بالنسبة لقوله تعالى : ( فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين (٢٩) ) (٣). ومعلوم أن إسناد البكاء الى السماء والأرض معا ،
__________________
(١) الطارق : ١١ ـ ١٤.
(٢) أحمد عبد الستار الجواري ، نحو المعاني : ١٢٤.
(٣) الدخان : ٢٩.