انظر إليه وهو يتحدث عن أصالة « علم البيان » والمجاز أساسه وقاعدته الصلبة ببيان ساحر ، ومنطق جزل ، وهو يصرح باسمه اصطلاحا فيقول :
« ثم إنك لا ترى علما هو أرسخ أصلا ، وأبسق فرعا ، وأحلى جنى ، وأعذب وردا ، وأكرم نتاجا وأنور سراجا من « علم البيان » الذي لولاه لم تر لسانا يحوك الوشي ، ويصوغ الحلي ، ويلفظ الدرر ، وينفث السحر ويقري الشهد ، ويريك بدائع من الزهر ، ويجنيك الحلو اليانع من الثمر ، والذي لولا تحفيه بالعلوم وعنايته بها ، وتصويره إياها ، لبقيت كامنة مستورة ، ولما استبنت لها ـ يد الدهر ـ صورة ، ولاستمر السرار بأهلتها ، واستولى الخفاء على جملتها ، الى فوائد لا يدركها الإحصاء ، ومحاسن لا يحصرها الاستقصاء » (١).
لقد بحث عبد القاهر في أسرار البلاغة مفردات « علم البيان » وفي طليعتها المجاز ، وبحث في دلائل الإعجاز أغلب مفرجات علم المعاني ، وكرّ أيضا على المجاز. والسبب في هذا واصح لأن المجاز القرآني من أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز.
فالمجاز عنده في أسرار البلاغة نوعان : مجاز عن طريق اللغة ، وهو المجاز اللغوي ، ومضماره الاستعارة والكلمة المفردة.
ومجاز عن طريق المعنى والمعقول ، وهو المجاز الحكمي ، وتوصف به الجمل في التأليف والإسناد (٢).
وحد المجاز الحكمي « أن كل جملة أخرجت الحكم المفاد بها عن موضعه من العقل لضرب من التأويل فهي مجاز (٣).
وقد فرّق بين المجاز العقلي واللغوي في الحدود والاستعمال والإرادة ، وقال : « أنه إذا وقع في الإثبات فهو متلقى من العقل ، وإذا عرض في المثبت فهو متلقى من اللغة » (٤). وكل من المجازين اللغوي
__________________
(١) عبد القاهر ، دلائل الإعجاز : ٤.
(٢) ظ : عبد القاهر ، أسرار البلاغة : ٣٧٦.
(٣) المصدر نفسه : ٣٥٦.
(٤) ظ : المصدر نفسه : ٣٤٤.