الاستعارة ، لأنه ليس هو بشيء غيرها ، وإنما الفرق أن « المجاز » أعم ، من حيث أن كل استعارة مجاز ، وليس كل مجاز استعارة (١).
ان الوعي المجازي الذي أدركه عبد القاهر ، وميّز فروقه وخصائصه من أبلغ ما توصل إليه العمق البلاغي للمجاز ، ومن أفضل ما أنتجه النقد الموضوعي في صياغة المنهج المتطور لدقائق الاصطلاح المجازي.
وستجد ـ فيما بعد ـ في كل من فصلي « المجاز العقلي في القرآن » و « المجاز اللغوي في القرآن » سبرا لنظريته البلاغية في المجاز القرآني ، وإشارة مغنية لطائفة من آرائه التطبيقية في الموضوع ، فهناك موضعها الطبيعي من البحث.
والذي نؤكد عليه هنا أن تنظير عبد القاهر في المجاز جاء طافحا بآيات القرآن المجيد فهي أصل ، وجاء الشعر والأمثال فرعا فيه ، لأنه معنيّ ببيان إعجاز القرآن ، فهو يستدل عليه بآياته الكريمة.
انظر إليه وهو يتحدث عن المجاز العقلي.
« وهذا الضرب من المجاز كثير في القرآن ، فمنه قوله تعالى : ( تؤتي أُكلها كلّ حين بإِذن ربّها ) (٢) ، وقوله عز إسمه : ( وإذا تُليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا )(٣) ، وفي الأخرى : ( فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيمانا )(٤) ، وقوله : ( وأخرجت الأرض أثقالها (٢) )(٥) ، وقوله عزّ وجلّ : ( حتى إذا أقلّت سحابا ثقالا سقناه لبلد مّيّت )(٦).
أثبت الفعل في جميع ذلك لما لا يثبت له فعل إذا رجعنا الى المعقول على معنى السبب ، وإلا فمعلوم أن النخلة ليست تحدث الأكل ،
__________________
(١) ظ : عبد القاهر ، دلائل الإعجاز : ٤٦٢ تحقيق : محمود شاكر.
(٢) إبراهيم : ٢٥.
(٣) الأنفال : ٢.
(٤) التوبة : ١٢٤.
(٥) الزلزلة : ٢.
(٦) الأعراف : ٥٧.