وأكل الربا لأن الله عز وجل يقول : « الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ » (١) والسحر لأن الله عز وجل يقول :
______________________________________________________
ذكر الأكل لأنه أعظم منافع المال ، ولأن الربا شائع في المطعومات « لا يَقُومُونَ » إذا بعثوا من قبورهم « إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ » إلا قياما كقيام المصروع ، وهو وارد على ما يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع ، والخبط ضرب على غير اتساق كخبط العشواء « مِنَ الْمَسِ » أي الجنون ، وهذا أيضا من زعماتهم أن الجني يمسه فيختلط عقله ، ولذا قيل : جن الرجل ، وهو متعلق بلا يقومون أي لا يقومون من المس الذي بهم بسبب أكل الربا ، أو يقوم أو يتخبط فيكون نهوضهم وسقوطهم كالمصروعين ، لا لاختلال عقلهم ، ولكن لأن الله أربى في بطونهم ما أكلوا من الربا فأثقلهم ، انتهى.
وحاصله كما صرح به بعض الأصحاب أنهم لا يقومون من قبورهم بسبب الربا ووزره وثقله عليهم قياما مثل قيام صحيح العقل ، بل مثل قيام المجانين فيسقطون تارة ، ويمشون على غير الاستقامة أخرى ، ولا يقدرون على القيام أخرى فكان ما أكلوا من الربا أربى في بطونهم فصار شيئا ثقيلا على ظهورهم ، فلا يقدرون على القيام والمشي على الاستقامة.
وقال في المجمع : لا يقومون يوم القيامة إلا مثل ما يقوم الذي يصرعه الشيطان من الجنون ، ويكون ذلك أمارة لأهل الموقف على أكله الربا عن ابن عباس وجماعة ، وقيل : إن هذا على وجه التشبيه لأن الشيطان لا يصرع الإنسان على الحقيقة ، ولكن من غلب عليه المرة السوداء وضعف ، ربما يخيل إليه الشيطان أمورا هائلة ويوسوس إليه فيقع الصرع عند ذلك من فعل الله تعالى ، ونسب ذلك إلى الشيطان مجازا لما كان ذلك عند وسوسته عن الجبائي ، وقيل : يجوز أن يكون الصرع من فعل الشيطان في بعض الناس دون بعض عن ابن الهزيل وابن الإخشيد
__________________
(١) سورة البقرة : ٢٧٧.