عز وجل يقول : « فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ » (١) ومنها عقوق الوالدين
______________________________________________________
وأمثال ذلك في الآيات كثيرة لا تخفى على من تتبعها.
« جعل العاق جَبَّاراً شَقِيًّا » إشارة إلى قوله تعالى حاكيا عن عيسى عليهالسلام : « وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا » (٢) قال الطبرسي (ره) : وبرا بوالدتي أي وجعلني بارا بها أؤدي شكرها فيما قاسته بسببي « وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً » أي متجبرا « شَقِيًّا » والمعنى أني بلطفه وتوفيقه كنت محسنا إلى والدتي متواضعا في نفسي ، حتى لم أكن من الجبابرة الأشقياء ، انتهى.
وأقول : الآية وإن وردت في بر الوالدة لما لم يكن لعيسى عليهالسلام والد لكن الظاهر شمول الحكم للوالد بطريق أولى ، مع أنه تعالى قال في قصة يحيى عليهالسلام « وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا » (٣) فعلى سياق ما تقدم يدل على أن العاق جبار عاص ، ولا يبعد أن يكون أشار عليهالسلام إلى الآيتين معا لاشتراك الجبار بينهما ، والاكتفاء بالشقي لأنه أبلغ من العصي في الذم وكون الآيتين غاية في الذم ظاهر ، وأما استلزام الوعيد بالنار فلان الجبار في الآيات تطلق على الكفار والمعاندين للحق والبالغين في الظلم ، قال الراغب : الجبار في صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها ، وهذا لا يقال إلا على طريق الذم كقوله تعالى « وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ » (٣) وقوله : « وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا » وقوله : « إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ » (٤) وقوله : « كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ » (٥) أي متعال عن قبول الحق والإذعان له ، ويقال للقاهر غيره جبارا ، انتهى.
__________________
(١) سورة الأعراف : ٩٩.
(٢ و ٣) سورة مريم : ٣٢ و ١٤.
(٣) سورة إبراهيم : ١٥.
(٤) سورة المائدة : ٢٢.
(٥) سورة غافر : ٣٥.