.................................................................................................
______________________________________________________
فارقت البدن وقطعت تعلقها من شدة قوتها ونوريتها وعلاقتها العشقية مع نور الأنوار والأنوار العقلية ، تتوهم أنها هي فتصير الأنوار مظاهرا لنفوس المفارقة كما كانت الأبدان أيضا ، فهذا هو معنى الاتحاد لا بمعنى صيرورة الشيئين شيئا واحدا فإنه باطل ، انتهى.
وما ذكرنا أوفق بالكتاب والسنة وأنسب بالحق ومصطلحات أهله ولا يتوقف على إثبات ما نفته الشريعة من العقول المفارقة القديمة وغيرها ، وكثيرا ما يشتبه الحق بالباطل كما اشتبه على كثير من الأوائل.
قال المحقق الطوسي قدس الله روحه القدوسي : العارف إذا انقطع عن نفسه واتصل بالحق رأى كل قدرة مستغرقة في قدرته المتعلقة بجميع المقدورات ، وكل علم مستغرقا في علمه الذي لا يعزب عنه شيء من الموجودات ، وكل إرادة مستغرقة في إرادته التي لا يتأبى عنها شيء من الممكنات ، بل كل وجود وكل كمال وجود فهو صادر عنه فائض من لدنه.
فصار الحق حينئذ بصره الذي يبصر به ، وسمعه الذي به يسمع ، وقدرته التي بها يفعل ، وعلمه الذي به يعلم ، وجوده الذي به يجود ، فصار العارف حينئذ متخلقا بأخلاق الله في الحقيقة.
وقال بعض المحققين في شرح هذا الخبر أيضا : معنى محبة الله كشفه الحجاب عن قلبه وتمكينه إياه من قربه ، ومعنى المحبة من العبد ميل نفسه إلى الشيء لكمال إدراكه فيه بحيث يحملها على ما يقربها إليه ، فإذا علم العبد أن الكمال الحقيقي ليس إلا لله ، وأن كل ما يراه كمالا من نفسه أو من غيره فهو من الله وبالله وإلى الله لم يكن حبه إلا لله وفي الله ، وذلك يقتضي إرادة طاعته والرغبة فيما يقربه إليه واتباعه من كان وسيلة له إلى معرفته ومحبته ، قال الله تعالى لرسوله : « قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ » (١) فإن بمتابعة الرسول في عبادته
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣١.