.................................................................................................
______________________________________________________
فطووا بساط الشرع والأحكام ، وزعموا أن ذلك من صفاء توحيدهم حيث اعتقدوا أن الله مستغن عن عبادة العباد.
وظن طائفة أخرى أن المقصود من العبادات المجاهدة حتى يصل العبد بها إلى معرفة الله سبحانه ، فإذا حصلت المعرفة فقد وصل ، وبعد الوصال يستغني عن الوسيلة والحيلة ، فتركوا السعي والعبادة وزعموا أنه ارتفع محلهم في معرفة الله سبحانه سبحانه أن يمتحنوا بالتكاليف ، وإنما التكليف على عوام الخلق.
ووراء هذا مذاهب باطلة وضلالة هائلة وخيالات فاسدة يطول إحصاؤها إلى أن يبلغ نيفا وسبعين فرقة ، وإنما الناجي منها فرقة واحدة وهي السالكة ما كان عليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه ، وهو أن لا يترك الدنيا بالكلية ولا يقمع الشهوات بالكلية أما الدنيا فيأخذ منها قدر الزاد ، وأما الشهوات فيقمع منها ما يخرج عن طاعة الشرع والعقل فلا يتبع كل شهوة ولا يترك كل شهوة ، بل يتبع العدل ، ولا يترك كل شيء من الدنيا ولا يطلب كل شيء من الدنيا ، بل يعلم مقصود كل ما خلق من الدنيا ويحفظه على حد مقصوده ، فيأخذ من القوت ما يقوى به البدن على العبادة ، ومن المسكن ما يحفظ به من اللصوص والحر والبرد ، ومن الكسوة كذلك حتى إذا فرغ القلب من شغل البدن أقبل على الله بكنه همه ، واشتغل بالذكر والفكر طول العمر ، وبقي ملازما لسياسة الشهوات ، ومراقبا لها حتى لا يجاوز حدود الورع والتقوى (١).
ولا يعلم تفصيل ذلك إلا بالاقتداء بالفرقة الناجية الذين صحت عقائدهم واتبعوا الرسول والأئمة الهدى صلوات الله عليهم في أقوالهم وأفعالهم ، فإنهم ما كانوا يأخذون الدنيا للدنيا ، بل للدين ، وما كانوا يترهبون ويهجرون الدنيا بالكلية وما كان لهم في الأمور تفريط ولا إفراط بل كانوا بين ذلك قواما ، وذلك هو العدل
__________________
(١) إلى هنا تلخيص لكلام الغزالى في احياء العلوم والباقي من كلام الشارح (ره).