.................................................................................................
______________________________________________________
ما عند صاحبه ويمتريه ، كما يمتري الحالب اللبن من الضرع ، قال أبو عبيد : ليس وجه الحديث عندنا على الاختلاف في التأويل ، ولكنه على الاختلاف في اللفظ وهو أن يقول الرجل على حرف فيقول الآخر : ليس هو هكذا ، ولكنه على خلافه وكلاهما منزل مقروء بهما ، فإذا جحد كل واحد منهما قراءة صاحبه لم يؤمن أن يكون يخرجه ذلك إلى الكفر لأنه نفى حرفا أنزله الله على نبيه وقيل : إنما جاء هذا في الجدال والمراء في الآيات التي فيها ذكر القدر ونحوه من المعاني على مذهب أهل الكلام وأصحاب الأهواء والآراء دون ما تضمنت من الأحكام وأبواب الحلال والحرام لأن ذلك قد جرى بين الصحابة ومن بعدهم من العلماء ، وذلك فيما يكون الغرض منه والباعث عليه ظهور الحق ليتبع دون الغلبة والتعجيز والله أعلم.
وقال : فيه : ما أوتي الجدل قوم إلا ضلوا ، الجدل مقابلة الحجة بالحجة والمجادلة المناظرة والمخاصمة والمراد به في الحديث الجدل على الباطل ، وطلب المغالبة به ، فأما المجادلة لإظهار الحق فإن ذلك محمود ، لقوله تعالى : « وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » (١).
وقال الراغب : الخصم مصدر خصمته أي نازعته خصما يقال : خصمته وخاصمته مخاصمة وخصاما ، وأصل المخاصمة أن يتعلق كل واحد بخصم الآخر أي جانبه ، وأن يجذب كل واحد خصم الجوالق من جانب.
وأقول : هذه الألفاظ الثلاثة متقاربة المعنى ، وقد ورد النهي عن الجميع في الآيات والأخبار وأكثر ما يستعمل المراء والجدال في المسائل العلمية ، والمخاصمة في الأمور الدنيوية ، وقد يخص المراء بما إذا كان الغرض إظهار الفضل والكمال ،
__________________
(١) سورة النحل : ١٢٥.