فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ » (١) وجعله ملعونا فقال : « إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ » (٢) وليست تشهد الجوارح على مؤمن إنما تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب فأما المؤمن فيعطى كتابه بيمينه قال الله عز وجل : « فَأَمَّا
______________________________________________________
« وجعله » أي الرامي « الْمُحْصَناتِ » أي العفائف « الْغافِلاتِ » مما قذفن به « الْمُؤْمِناتِ » بالله ورسوله وما جاء به « لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ » بما طعنوا فيهن « وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ » لعظم ذنوبهم.
« يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ » ظرف لما في لهم من معنى الاستقرار لا للعذاب « أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ » يعترفون بها بإنطاق الله إياها بغير اختيارهم أو بظهور آثاره عليها.
قوله عليهالسلام : وليست تشهد ، يدل على أن شهادة الجوارح إنما هي للكفار كما ذكره جماعة من المفسرين ، وذكره الشيخ البهائي (ره) في الأربعين.
قوله عليهالسلام : فيعطى كتابه بيمينه ، أي فيقرأه ، ومن تنطق جوارحه يختم على فيه ، لقوله تعالى : « الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ » (٣) أو لأن سياق آيات شهادة الجوارح تدل على غاية الغضب ، والآيات النازلة في المؤمنين مشتملة على نهاية اللطف كقوله سبحانه : « يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ » (٤) أي من المدعوين « كِتابَهُ بِيَمِينِهِ » أي كتاب عمله « فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ » ابتهاجا بما يرون فيه « وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً » أي ولا ينقصون من أجورهم أدنى شيء ، والفتيل : المفتول ، وسمي ما يكون في شق النواة فتيلا لكونه على هيئته ، وقيل : هو ما تفتله بين أصابعك من خيط أو وسخ ويضرب به المثل في الشيء الحقير.
ثم اعلم أن هذا المضمون وقع في مواضع من القرآن المجيد أو لها في بني إسرائيل : « فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ » إلى آخر ما في الحديث.
__________________
(١) سورة الكهف : ٤٨.
(٢) سورة النور : ٢٣ ـ ٢٤.
(٣) سورة يس : ٦٥.
(٤) سورة الإسراء : ٧١.