.................................................................................................
______________________________________________________
وحدة الصانع وحقية ما جاء به النبي صلىاللهعليهوآله ، ولا أظن أن مثل هذا المحقق يلتزم ذلك ، والحاصل أنه إن أراد رحمهالله أن كون الإنسان مؤمنا عند الله سبحانه كما هو ظاهر كلامه لا يتحقق إلا بمجموع الأمرين فالواسطة والالتزام لا زمان عليه ، وإن أراد أن كونه مؤمنا في ظاهر الشرع لا يتحقق إلا بالأمرين معا فالنزاع لفظي فإن من اكتفى فيه بالتصديق يريد به كونه مؤمنا عند الله تعالى فقط ، وأما عند الناس فلا بد في العلم بذلك من الإقرار ونحوه.
واعلم أنه استدل بعضهم على هذا المذهب أيضا بأنا نعلم بالضرورة أن الإيمان في اللغة هو التصديق ، والدلائل عليه كثيرة ، فإما أن يكون في الشرع كذلك أو يكون منقولا عن معناه في اللغة ، والثاني باطل لأن أكثر الألفاظ تكرار في القرآن وكلام الرسول عليهالسلام لفظ الإيمان ، فلو كان منقولا عن معناه اللغوي لوجب أن يكون حاله كحال سائر العبادات الظاهرة في وجوب العلم به فلما لم يكن كذلك علمنا أنه باق على وضع اللغة.
إذا ثبت هذه فنقول : ذلك التصديق إما أن يكون هو التصديق القلبي أو اللساني أو مجموعهما ، والأول باطل لقوله تعالى : « فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ » (١) فأثبت لهم المعرفة مع أنه حكم بكفرهم ولو كان مجرد المعرفة إيمانا لما صح ذلك وأيضا قوله تعالى : « فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا » (٢) ولا يصح أن يكون جحدهم لها بقلوبهم حيث أثبت لهم الاستيقان بها ، فلا بد أن يكون بألسنتهم حيث لم يقروا بها وإذا كان الجحد باللسان موجبا للكفر كان الإقرار به مع التصديق القلبي موجبا للإيمان فيكون الإقرار من محققات الإيمان ، وأيضا قوله تعالى حكاية عن موسى عليهالسلام إذا يقول لفرعون : « لَقَدْ عَلِمْتَ
__________________
(١) سورة البقرة : ٨٩.
(٢) سورة النمل : ١٤.