.................................................................................................
______________________________________________________
تقابل العدم والملكة ، ولا الثاني يعني الإقرار باللسان لقوله تعالى : « قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا » (١) الآية ولقوله تعالى : « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ » (٢) فأثبت لهم تعالى في الآيتين التصديق باللسان ، ونفي عنهم الإيمان.
أقول : الاستدلال على عدم الاكتفاء بالثاني مسلم موجه وكذا عدم الاكتفاء بالأول ، أما على اعتبار الإقرار ففيه بحث فإن الدليل أخص من المدعى ، إذ المدعي أن الإيمان لا يحقق إلا بالتصديق مع الإقرار ، وبدون ذلك يتحقق الكفر ، والآية الكريمة إنما دلت على ثبوت الكفر لمن جحد أي أنكر الآيات مع علمه بحقيقتها وبينهما واسطة ، فإن من حصل له التصديق اليقيني في أول الأمر ، ولم يكن تلفظ بكلمات الإيمان لا يقال أنه منكر ولا جاحد ، وحينئذ فلا يلزم اجتماع الكفر والإيمان في مثل هذه الصورة مع أنه غير مقر ولا تارك للإقرار جحدا كما هو المفروض ، هذا إن قصد بالآية الدلالة على اعتبار الإقرار أيضا ، وإلا لكان اعتبار الإقرار دعوى مجردة ، وقد علت ما عليه ، وأما دلالة الآية الكريمة على كفره في صورة جحده واستيقانه فنقول بموجبه لكن ليس لعدم إقراره فقط بل لأنه ضم إنكارا إلى استيقان.
وبالجملة فهو من جملة العلامات على الحكم بالكفر كما جعل الاستخفاف بالشارع أو الشرع ، ووطي المصحف علامة على الحكم بالكفر ، مع أنه قد يكون مصدقا كما سبقت الإشارة إليه ، نعم غاية ما يلزم أن يكون إقرار المصدق شرطا لحكمنا بإيمانه ظاهرا ، وأما قبل ذلك وبعد التصديق فهو مؤمن عند الله تعالى إذا لم يكن تركه للإقرار عن جحد.
على أنه يلزمه قدسسره أن من حصل له التصديق بالمعارف الإلهية ثم عرض له الموت فجأة قبل الإقرار يموت كافرا ويستحق العذاب الدائم مع اعتقاده
__________________
(١) سورة الحجرات : ١٤.
(٢) سورة البقرة : ٨.