.................................................................................................
______________________________________________________
وأيضا كما يستبعد في العقل صعود الجسم الكثيف من مركز العالم إلى ما فوق العرش فكذلك يستبعد نزول الجسم اللطيف الروحاني من فوق العرش إلى مركز العالم ، فإن كان القول بمراجعة في الليلة الواحدة ممتنعا في العقول كان القول بنزول جبرئيل فإن كان القول بمعراجه في الليلة الواحدة ممتنعا في العقول كان القول بنزول جبرئيل من العرش إلى مكة في اللحظة الواحدة ممتنعا ، ولو حكمنا بهذا الامتناع كان طعنا في نبوة جميع الأنبياء عليهمالسلام والقول بثبوت المعراج فرع على تسليم جواز أصل النبوة ، فلما كانت هذه الحركة ممكنة الوجود في نفسها وجب أن لا يكون حصولها في جسد محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ممتنعا ، لأنا قد بينا أن الأجسام متماثلة في تمام ماهياتها ، فلما صح حصول مثل الحركة في حق بعض الأجسام وجب إمكان حصولها في سائر الأجسام.
فيلزم من مجموع هذه المقدمات أن هذا المعراج أمر ممكن الوجود في نفسه ، أقصى ما في الباب أنه يبقى التعجب ، إلا أن هذا التعجب غير مخصوص بهذا المقام بل هو حاصل في جميع المعجزات ، كانقلاب العصا ثعبانا يبتلع سبعين ألف حبل من الحبال والعصي ، ثم تعود في الحال عصا صغيرة كما كانت أمر عجيب ، وكذا سائر المعجزات.
وأما وقوعه فقد قال أهل التحقيق : الذي يدل على أنه تعالى أسرى بروح محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وجسده من مكة إلى المسجد الأقصى القرآن والخبر ، أما القرآن فهو قوله تعالى : « سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى » (١) والعبد اسم للجسد والروح ، فيجب أن يكون الإسراء حاصلا بجميع الجسد والروح وأما الخبر فهو الحديث المروي في الصحاح وهو مشهور ، وهو يدل على الذهاب من مكة إلى بيت المقدس ، ثم منه إلى السماوات ، انتهى ملخص كلامه.
وقال شيخ الطائفة قدس الله روحه في التبيان : وعند أصحابنا وعند أكثر أهل التأويل وذكر الجبائي أيضا أنه عرج به في تلك الليلة إلى السماوات حتى بلغ سدرة المنتهى في السماء السابعة ، وأراه الله من آيات السماوات والأرض ما ازداد به معرفة
__________________
(١) سورة الإسراء : ١.