______________________________________________________
فجعلهم سبيله ووجهه الذي يؤتى منه ، لا يقبل الله من العباد غير ذلك لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، فقال فيما أوجب من محبته لذلك : « مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً » (١) فمن قال لك إن هذه الفريضة كلها إنما هي رجل ، وهو يعرف حد ما يتكلم به فقد صدق ، ومن قال على الصفة التي ذكرت بغير الطاعة فلا يغني التمسك بالأصل بترك الفروع ، كما لا يغني شهادة أن لا إله إلا الله بترك شهادة أن محمدا رسول الله ، ولم يبعث الله نبيا قط إلا بالبر والعدل والمكارم ومحاسن الأخلاق ومحاسن الأعمال والنهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، فالباطن منه ولاية أهل الباطل ، والظاهر منه فروعهم ، ولم يبعث الله نبيا قط يدعو إلى معرفة ليس معها طاعة في أمر ولا نهي ، فإنما يقبل الله من العباد العمل بالفرائض التي افترضها الله على حدودها مع معرفة من جاءهم به من عنده ، ودعاهم إليه ، فأول ذلك معرفة من دعا إليه ثم طاعته فيما يقر به عن الطاعة له ، وإنه من عرف أطاع ومن أطاع حرم الحرام ظاهره وباطنه ، ولا يكون تحريم الباطن واستحلال الظاهر ، إنما حرم الظاهر بالباطن والباطن بالظاهر معا جميعا ، ولا يكون الأصل والفروع وباطن الحرام حرام وظاهره حلال ، يحرم الباطن ويستحل الظاهر.
وكذلك لا يستقيم أن يعرف صلاة الباطن ولا يعرف صلاة الظاهر ، ولا الزكاة ولا الصوم ولا الحج ولا العمرة ولا المسجد الحرام وجميع حرمات الله وشعائره ، أن يترك لمعرفة الباطن ، لأن بطنه ظهره ، ولا يستقيم أن يترك واحدة منها إذا كان الباطن حراما خبيثا ، فالظاهر منه إنما يشبه الباطن.
فمن زعم أن ذلك إنما هي المعرفة وأنه إذا عرف اكتفى بغير طاعة فقد كذب وأشرك ، ذاك لم يعرف ولم يطع وإنما قيل اعرف واعمل ما شئت من الخير ، فإنه لا
__________________
(١) سورة النساء : ٨٠.