أطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله عز ذكره إلا إخفاءه هيهات
______________________________________________________
المعنى أنه إذا قدر زوال عمر أو دولة فكل تدبير يدبره الإنسان يصير سببا لحصول ما يهرب منه كما أن كل دواء ومعالجة إذا صادف قرب مجيء الأجل كان مضرا بالبدن وإن كان بحيث إذا لم يصادفه كان نافعا مجربا عند الأطباء ، مع أن المرض والمزاج في كلتا الصورتين واحد ، بناء على إبطال أفعال الطبيعة ، وإن نفع الأدوية إنما هو فعل الله عند الدواء ، ومع قطع النظر عن ذلك إذا صادف الدواء الأجل يصير أحذق الأطباء جاهلا غافلا عما ينفع المريض ، فيعطيه ما يضره ، وإذا لم يصادف يلهم أجهل الأطباء بما ينفعه كما هو المجرب.
« كم أطردت الأيام » الطرد الإبعاد ، تقول : طردته أي نفيته عني والطريدة ما طردته من صيد وغيره ، وأطردت الرجل على صيغة الأفعال إذا أمرت بإخراجه ، وبحث عن الأمر كمنع أي فتش ، وقيل : الإطراد أدل على العز والقهر من الطرد.
وأقول في تأويله وجوه :
الأول : ما ذكره شراح النهج حيث قالوا : كأنه عليهالسلام جعل الأيام أشخاصا يأمر بإخراجهم وإبعادهم عنه ، أي ما زلت أبحث عن كيفية قتلي وأي وقت يكون بعينه ، وفي أي أرض يكون يوما يوما ، فإذا لم أجده في يوم طردته واستقبلت يوما آخر فأبحث فيه أيضا فلا أعلم فأبعده وأطرده واستأنف يوما آخر وهكذا ، حتى وقع المقدر ، قالوا : وهكذا الكلام يدل على أنه عليهالسلام لم يكن يعرف حال قتله مفصلة من جميع الوجوه ، وأن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أعلمه بذلك مجملا ، لأنه قد ثبت أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال له : ستضرب على هذه وأشار إلى هامته (١) فتخضب منها هذه وأشار إلى لحيته ، وثبت أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال له : أتعلم من أشقى الأولين؟ قال : نعم عاقر الناقة ، فقال له : أتعلم من أشقى الآخرين؟ قال : لا ، فقال : من يضرب هيهنا فتخضب هذه ، وكلام أمير المؤمنين يدل على أنه بعد ضرب ابن ملجم له لا يقطع على أنه يموت من ضربته ألا تراه يقول : إن ثبتت الوطأة (٢) فذاك « إلخ » وقال بعضهم : ذلك البحث إما بالسؤال
__________________
(١) الهامّة : الرأس وسيأتي في كلام الشارح (ره) أيضا.
(٢) وفي المتن « أن تثبت الوطأة .... ».