______________________________________________________
إن الله تعالى خلقهم وفوض إليهم أمر الخلق فهم يخلقون ويرزقون ويحيون ويميتون وهذا يحتمل وجهين :
« أحدهما » أن يقال : إنهم يفعلون جميع ذلك بقدرتهم وإرادتهم وهم الفاعلون لها حقيقة فهذا كفر صريح ، دلت على استحالته الأدلة العقلية والنقلية ، ولا يستريب عاقل في كفر من قال به.
وثانيها : أن الله تعالى يفعلها مقارنا لإرادتهم كشق القمر وإحياء الموتى وقلب العصا حية وغير ذلك من المعجزات ، فإن جميعها إنما تقع بقدرته سبحانه مقارنا لإرادتهم لظهور صدقهم فلا يأبى العقل من أن يكون الله تعالى خلقهم وأكملهم وألهمهم ما يصلح في نظام العالم ، ثم خلق كل شيء مقارنا لإرادتهم ومشيتهم ، وهذا وإن كان العقل لا يعارضه كفاحا (١) لكن الأخبار الكثيرة مما أوردناها في كتاب بحار الأنوار يمنع من القول به فيما عدا المعجزات ظاهرا بل صريحا ، مع أن القول به قول بما لا يعلم ، إذ لم يرد ذلك في الأخبار المعتبرة فيما نعلم ، وما ورد من الأخبار الدالة على ذلك كخطبة البيان وأمثالها فلم توجد إلا في كتب الغلاة وأشباههم ، مع أنه يمكن حملها على أن المراد بها كونهم علة غائبة لإيجاد جميع المكنونات (٢) وأنه تعالى جعلهم مطاعا في الأرضين والسماوات ، ويطيعهم بإذن الله تعالى كل شيء حتى الجمادات ، وأنهم إذا شاءوا أمرا لا يرد الله مشيتهم ، لكنهم لا يشاءون إلا أن يشاء الله.
وما ورد من الأخبار في نزول الملائكة والروح لكل أمر إليهم ، وأنه لا ينزل من السماء ملك لأمر إلا بدأ بهم فليس لمدخليتهم في تلك الأمور ، ولا للاستشارة بهم فيها ، بل له الخلق والأمر تعالى شأنه ، وليس ذلك إلا لتشريفهم وإكرامهم وإظهار رفعة مقامهم.
وقد روى الطبرسي (ره) في الاحتجاج عن علي بن أحمد القمي قال : اختلف
__________________
(١) أي مواجهة.
(٢) في نسخة « الممكنات » وهو الظاهر.