ومن ذلك يتّضح لك أنّ ما تضمّنته الحاشية (١) من الإشكال على كون النظر إلى الأجنبية لا بدّ أن يكون هو مورد النهي وإن كان صحيحا في نفسه ، إلاّ أنّه غير وارد على ما أفاده شيخنا حسبما وجدته فيما حرّرته عنه ، وحسبما حرّره عنه المرحوم الشيخ محمّد علي ، فإنّه قدسسره (٢) لم يذكر عنه قدسسره أنّه تعرّض لمسألة النظر إلى الأجنبية. وبالجملة : أنّ النظر إلى الأجنبية وإن أمكن كونه علّة في توجّه نهي إلى الصلاة نفسها ، إلاّ أنّه لم يكن هو العمدة في المثال ، وإنّما جلّ الغرض هو تصوير مثال يكون النهي فيه عن العبادة لأجل نفسها لا لأجل علّة أخرى ، فجعل النظر إلى الأجنبية قسما وجعل الباقي مقابلا له لم يتّضح المراد منه.
قوله : فلأنّ الملاك الذي يمكن التقرّب به من المولى بحكم العقل إنّما هو الملاك الذي هو في حدّ العلّة التامّة للبعث ، وليس عدم التكليف به إلاّ من جهة عدم القدرة ، كما في موارد التزاحم في مقام الامتثال ... الخ (٣).
وتوضيح ذلك : أنّ متعلّق النهي في المقام بعد أن كان هو بنفسه متعلّقا للأمر من دون تعدّد جهة في البين ، كان التزاحم حينئذ تزاحما آمريا لا مأموريا ، فإن تساوى الملاكان في نظر الشارع المقدّس لم يجعل الحكم على طبق أحدهما ، بل لا بدّ أن يحكم في ذلك بالتخيير أو الاباحة ، وإن كان الغالب هو ملاك الأمر كان الفعل واجبا من دون أن يكون منهيا عنه ، وإن كان الغالب هو ملاك النهي كان الفعل منهيا عنه ولم يكن واجبا ، سواء كان غلبة ملاك النهي على نحو بحيث ينعدم بسببه ملاك الأمر ، كما في غلبة ذي الرائحة الردية على ما فيه من الرائحة
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٢١٥.
(٢) راجع فوائد الأصول ١ ـ ٢ : ٤٦٤.
(٣) أجود التقريرات ٢ : ٢١٦ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].