الاسلام ينابيعه. مناهجه. غاياته

محمّد أمين زين الدين

الاسلام ينابيعه. مناهجه. غاياته

المؤلف:

محمّد أمين زين الدين


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: رابطة الثقافة والعلاقات الإسلاميّة
المطبعة: سپهر
الطبعة: ٠
ISBN: 964-6177-75-1
الصفحات: ٣٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

مناهجه والتعريف بأهدافه وغاياته ، وكل مبدأ حقيقي يجب ان تكون هذه خليقته. أما الختل والخداع والمواربة وتلبيس الحق بالباطل واستخدام الجهل فلا يرتكبها مبدأ يحترم نفسه ، أو بالاحرى لا يرتكبها مبدأ يطلب من الناس العقلاء أن يصدقوه. وليس أدل على إفلاس المبدأ أن يتناقض ، وليس أدل على كذبه من أن يدعي ماليس له ، وليس أدل على صغاره من أن يتخذ الجهل عوناً على نشر دعوته.

* * *

وفريق آخر من الكتاب المسلمين ملكت عليهم العصبيات الطائفية مذاهب القول ، وأوصدت عليهم منافذ التفكير. يبغون أن يعرفوا الإسلام فيصدعون شمل المسلمين ويقطعون أواصرهم ويمزقون وحدتهم ، نعم. ويثكلون الإسلام غايته الأثيرة التي قاسى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لانشائها ماقاسى ، وكابد المسلمون السابقون لتوطيدها ما كابدوا ، وتحمل التابعون في تعزيزها ما تحملوا !!

مستبدون ينظرون في الإسلام من نافذة ضيقة. ثم يحكمون في أمره ويتحكمون ويقولون في أهله ويتقولون ، والله حسيبهم على ما يصنعون.

أرأيت المسلم يكيل التهم لأخيه المسلم دون عد ، ويختلق الأكاذيب عليه دون مراقبة ؟!

أرأيت المؤمن يصور قريبه المؤمن كما يصور الغول. ويتحدث عنه كما يتحدث عن الخرافة ، ويقسو عليه كما يقسو على الخصم الألد ؟!.

ثم أتريد أن أضع بيديك ثبتاً طويلاً بأسماء هذه الكتب ، وبأعلام هؤلاء الكتاب ؟

٢١

نعم مسلمون. محمديون. يتلون كتاب الله قوله تعالى لنبيه :

( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ).

ويقرأون من نذره التي تقدم بها لأتباعه :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ ... وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ).

هؤلاء هم. باعيانهم .. يعدون ما قبح من اللفظ ، وما شنع من الوصف وما وخز من النسب .. لا للبعيد القصي الذي يكيدهم بالقول ، ويسخر منهم في الدين ، ويمنهنهم في المشاعر ، ويستعبدهم في النفوس ، ويستبيحهم في الحريات والاموال. بل لأدنى الناس منهم في الدين ، وأمسهم بهم في العقيدة ، وألمسهم لهم في العاطفة.

.... لأكفائهم في الصلة بالحق ، ونظرائهم في القوامة عليه ، وأوليائهم بحكم الله وبنص كتابه ، لاخوانهم الذين يشاركونهم في الشعور ويواسونهم في البأساء.

إطمحوا بأبصاركم عالية أيها الاخوة لتروا أن الإسلام أرفع من هذا الحضيض الذي تتنسمون ، وأرحب من هذا المضيق الذي تتوهمون.

الإسلام دين يعصم العقول أن تنقاد لهوى ، وعقيدة ترفع النفوس ان تتهم بسوء ، ومبدأ ينقي الأفئدة أن تنطوي على ضغينة ، وشريعة تطهر الألسن ان تنطق بكذب ... فهل نحن كذلك ؟

ان كنا كذلك فنحن حقاً مسلمون.

٢٢

والإسلام دين تعاطف وأخوة ، وشريعة مودة ورحمة ، ومبدأ اخلاص وولاء ، أليس المؤمنون أخوة كما يعلن كتاب الإسلام في مواضع منه ، ورحماء بينهم كما يذكر في مواضع أخرى ، وبعضهم أولياء بعض كما يقول في آيات غيرها ولقد كانت هذه نعوت أسلافنا من قبل ، فهل نحن كذلك ؟

إن كنا كذلك فنحن حقاً مسلمون.

نعم أيها الأخوة ، الإسلام دين وعقيدة ومبدأ ، وليس رجالا يتحزب لهم أو يتعصب عليهم ، فاعرفوا حقيقة الدين ، وتمسكوا بلباب العقيدة ، وطبقوا قواعد المبدأ ، ثم اعرفوا من تشاؤون من الرجال بعد ذلك وتنكروا لمن تشاؤون.

اعرفوا الدين خالصاً لا شوب فيه ، صريحاً لا لبس معه ، ثم اعرضوا للرجال في ضوء تعاليمه ـ اذا لم يكن لكم بد من ذلك ـ فان منازل الناس تتفاوت بمقدار اتباعهم للحق ، وعزوفهم عن الباطل ، واخلاصهم في العقيدة.

لا يلام باحث أن يستعرض المذاهب بالموازنة المنطقية ، ويستوعبها بالنقد النزيه ويحكم في قواعدها البرهان الصحيح. لا يلام باحث أن يفعل ذلك تثبيتاً للحجة واستيضاحاً للحق ، وقد يكون مثاباً عند الله سبحانه على فعله متى كان حسن النية فيه.

ولكنه يكون ملوماً يوم يتحزب ويتعصب ، ويكون مؤاخذاً اعنف المؤاخذة وملوماً أعظم اللوم يوم يجره التعصب الى مالا يحمد ، فلا يبصر غير مطاعن ولا يذكر إلا مثالب.

نشأت هذه الاصناف من الكتاب لتضيِّع البقية الباقية من الإسلام على

٢٣

الباحثين ولتضع العراقيل والاشواك في طرق المصلحين ، حتى لو ان أجنبياً رام ان يتعرف الإسلام مما يكتبون لاستبان لدين الله صورة شائهة مفزعة مرعبة يضرب بعضها بعضاً ، ويسخر بعضها من بعض.

أما المصلحون المخلصون الذين عرفوا دين الإسلام حق معرفته ، وفهموا كتاب الإسلام حق فهمه ، والذين نصروا الدين للدين ، واتبعوا الصواب للصواب. أما هذا الفريق الخالص من الكتاب المسلمين فهم القلة القليلة. وإن ضوضاء الفتنة لتكاد تخمد أصواتهم ، وإن رهج المحنة ليكاد يخفي أشباحهم. غير انهم قويون بالله ، كثيرون بمدده ، عزيزون بنصره ، وان المرء ليصل روحه بالله من طريق العقيدة فيصلها بمعدن القوة التى لا تضعف وبينبوع العزة التي لا تذل ، وبمصدر النصرة التي لا تخذل.

( وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ).

أما بعد فقد حاولت جهدي ان اقتدي بهذه الفئة الصالحة من انصار الله فاعرّف الإسلام كما شرعه الله ديناً قيماً لاعوج فيه. وأصور المسلم كما نعته القرآن مثالاً للسمو النفسي والخلق الرفيع فكان من هاتين المحاولتين هذا المجهود الذي أضع حلقته الاولى بين أيدي القراء.

ولم اتبسط في القول لأن البسط يفوِّت على بعض الأغراض ولم أستوعب لأن محاسن دين الله تربو على الحدود ، وتتأبى على الحصر.

وقد يكون هذا الحديث مقدمة لدراسة مفصلة أوافي بها القراء حين يساعدني التوفيق ومن الله سبحانه استمد المعونة والسداد فيما عزمت وفيما رغبت انه الموفق المعين.

محمد أمين زين الدين

٢٤



الدّين في ينابيعه الأولى

يفتح الانسان الذكي القلب المتيقض الفكر الدقيق الملاحظة ، يفتح هذا الانسان بصره على كل مشهد من مشاهد الكون ، وعلى كل مجلى من مجالي الطبيعة وعلى كل منظر من مناظر الحياة ، فيرى لأي موجود يشاهده في هذا الملكوت نظاماً دقيقاً وضابطةً محكمة ، ويرى المكونات بأجمعها ـ حتى الجامدات منها ـ تتبع أنظمتها هذه وتسير على وفقها بأقدام ثابتة وبخطى متزنة.

فالشمس والقمر والكواكب والنجوم (١) والفلك والأثير والقوة والمادة والحيوان والنبات والهواء والماء والحرارة والنور والحركة في المتحرك والنمو في النامي ، وحتى الذرة الصغيرة ونواتها الضئيلة وطاقتها المخزونة

__________________

١ ـ النجوم هي الأجرام الفلكية التي تشع النور والحرارة ، والكواكب هي الأجرام التي تكتسب النور والحرارة من سواها كالأرض.

٢٥

والكتروناتها الدائرة وجسيماتها المؤتلفة ، كل أولئك له نظام ثابت وسنن دقيق لن يحيد عنه أبداً وليس في مكنته أن يحيد وقد فسح العلم الحديث للانسان هذا المجال وأشبع له هذه النهمة.

يفتح هذا الانسان الواعي بصره فيشاهد الانظمة والضوابط ملء الكون الفسيح وملء جنباته ودقائقه وذراته ، فلكل شيء من الأشياء سنة ، ولكل بعض من أبعاضه أو صفة من صفاته سنة ، ولكل شيء مع غيره علاقة تحكمها سنة ، ولكل طائفة من الأشياء سنة ، ولكل مجموعة من الطوائف المتجانسة أو المتخالفة سنة ولمجموعة المجموعات وطائفة الطوائف سنة.

يرى ذلك بعينيه ولا يرتاب في شيء منه ولا يجادل ، ويسخر ممن يشكك أو يجادل فيه ، ثم يغمض عينيه بعد كل هذا الجهد ويهمس في نفسه :

أَلِلإنسان كما لسائر الأشياء سنن ثابت ونظام مفروض ؟

أَلِهذا الكائن العاقل نظام محدد يجب عليه أن يتبعه في خطوات الى غايته ، ولا يسوغ له ان يحيد عنه ، ام هي الفوضى المطلقة المرسلة فلا حد لها ولا شرط ؟

عن الانسان يتسائل !!

عن أرقى نماذج الطبيعة ، وأبدع مظاهر القدرة ، وعن أسمى ناحية في هذا الكائن الراقي ، وأنبه صفة من مميزاته. عن رقيه الى كماله الاختياري !!

عن الانسان وحده من بين موجودات هذا العالم العريض ، وعن سلوكه الاختياري خاصة من بين سائر اتجاهاته الكثيرة. كأنه يريد للعقل أن يعلن الفوضى وأن يخرج على النظم !!أو كأنه يريد للانسان أن يكون أحط منزلة من سائر المخلوقات !

٢٦

وأقول في سلوكة الاختياري خاصة. لأنه لن يملك أن يدخل الفوضى في اتجاهاته الاخرى ، فنشوء الانسان ونموه ، وتفاعل عناصره وتآلف مواده وتمثيل أغذيته ، وتدرج قواه الطبيعية وتحرك كل جهاز من أجهزته واكتمال كل جزء من أجزائه وتكون كل خلية من خلاياه وكل كرَّية من كريات دمه وكل جزء من افرازات غدده كل ذلك يجري بطرائق آلية مححدة ويتبع في جريانه قوانين طبيعية معينة ليس في طاقة الانسان ان يتخف عنها أو يتبع سواها رضي ذلك أم أبى.

وحتى عقله النظري والعملي هذا الذي يطمع الطماعون بخروجه على النظم ، له في تكوينه وفي نشأته الطبيعية نظام رتيب لن يسعه أن يتخلى عنه أبداً.

ومعنى ذلك ان النظام سنة من سنن الكون العامة ، وأن الأشياء كلها متساوية في الأذعان لها ، فلكل شيء نظام معين لن يزيغ عنه الى غاية معينة لا يعدوها.

واذن فلِمَ يريدون من الانسان وحده ان يكون بدعاً من الموجودات فلا يكون له نظام محدد ؟!

وهل في استطاعة كائن ما أن يتخلف عن نواميس الوجود ؟!

وهل لهذا الاستثناء الغريب من سبب يوجب ذلك ؟!

قد يقولون علة هذا الاستثناء ان المرء كائن عاقل ، يفعل بارادة ويريد عن تبصر ، فباستطاعته ان يفكر في العمل قبل إصداره ، وأن يوازن بين جهاته المختلفة قبل التصميم على فعله ، ثم يفعل بعد ذلك أو يترك وفقاً للحكم الذي يصدر ، وللوجهة التي يؤثر ، فلا حاجة بالمرء الى غاية واحدة

٢٧

عامة يتجه اليها في فعله ولا الى نظام شامل ثابت يستن به في سلوكه.

قد يقولون : هذه هي علة الاستثناء ، وإذن ففي قياسهم هذا أن عقل المرء وتفكيره هما السبب في حرمانه من هذا الحق وفي اسقاطه من هذه الكرامة !!.

عقل الانسان وتفكيره ـ أكبر مصادر الخير له واغزر ينابيع الكمال فيه ـ يكونان هما بذاتهما السبب في حرمانه من الخير وابعاده عن الكمال.

انه لحكم غريب جداً يكاد لغرابته يلحق بالمتناقضات !!.

وقد يقولون : عقل الانسان وتفكيره هما اللذان يسنان له منهج الكمال ، ثم يرتفعان به صعداً إلى الغاية ، فلا حاجة بالانسان الى مشرع وراء ذاته يخطط له المنهاج ، ولا الى دليل يقتدي به في السلوك.

وهو قول قد يبدو له وجه مقبول ، وسنعرض له فيما يأتي من المباحث ، وسنتبين مقدار حظه من الوجاهه.

لابد للانسان ( في ارتقائه الى كماله الاختياري ) من نظام محدد أسوة له بسائر الموجودات في الكون وبسائر الاتجاهات المختلفة للانسان.

ولابد من أن يكون قانون الاستكمال في قوانين الانسان كقوانين الاستكمال في الموجودات الاخرى واحداًلا يقبل التعدد وثابتاً لامجال فيه لاضطراب ولا تخلف.

وإذا كانت القوانين الكونية الموجودة لكمالات الأشياء مصنوعة لصانع واحد يدبرها بحكمة واحدة ويسيرها الى وجهة واحدة فلابد وان يكون قانون الاستكمال في الانسان من صنع ذلك الواضع أيضاً ، ومن آثار تلك الحكمة ومن متممات ذلك القصد.

٢٨

لامناص من هذا كله لانه من النواميس المتبعة في الوجود. ولن يملك الانسان أبداً أن يشذ عن واحد من هذه النواميس.

والكون مجموعة واحدة متماسكة الاجزاء متسقة الحركات ، تجري في مدى متشابه الى غايات متشابهة ، والانسان من هذه المجموعة جزء ليس في وسعه أن ينفصل ، وليس من الخير له أن ينفصل فلابد وان يكون كماله شطراً من الكمال الاكبر ، ولابد وأن يكون نظامه جزءاً من النظام العام ، ولابد وان يكون القيم عليه هو باري المجموعة الكونية والقيم على تدبيرها والواضع لنظمها.

والفارق الوحيد مابينها هو أن الاستكمال فيما سوى هذا الاتجاه من الانسان طبيعي فيجب أن تكون سننه سنناً طبيعية لامدخل فيها للارادة ، وان رقي الانسان في كمالاته هذه اختياري فيجب ان تكون شريعته وضعية تقوم على الارادة وتعتمد على الاختيار.

وأخيراً أعرفت ما هو الدين ؟

هو هذا النظام المحكم الشامل الذي يرقى به الانسان إلى نصابه الأعلى من الكمال ...

أفترغب في إيضاح أكثر من ذلك ؟

* * *

يغرس البستاني ساقا من الكرم أو يضع بذرة من القمح ، بعد أن يختار له المنبت الزكي ويتحرى له الجو الصالح ويتربص به الزمن المناسب ، وبعد أن يكدح في تنقية التربة وتمهيد الأرض ، ثم يتعهد ما غرسه بالرواء الكفي ، ويعكف عليه بالنظر الدائم والاصلاح اللازم ، يصنع جميع ذلك ويدأب فيه

٢٩

لأنه يأمل أن الغراس سيؤتيه أكله بعد حين ..

لقد أفادته التجارب أن العود يفرع وأن البذرة تنمو ، وان الزرع ينتج وان النتاج يجنى ، واذن فستورق هذه البذرة وستربو وتثمر ويونع ثمرها ، وسيجني هو قطاف غرسه ونتاج عمله.

هذه الفكرة تعمر قلب الفلاح وهو يغرس ، وتهون من متاع الزارع وهو يكدح ، وتنشط كل عامل في هذه الحياة وهو يعمل.

واذن فالناس كلهم يوقنون بأن القاعدة الطبيعية في الأشياء هي الصحة ، وان القياس العام في الامور كلها ان تتوجه الى غاياتها توجهاً طبيعياً لا عرقلة فيه وان تؤتي ثمارها إيتاءً كاملا لا نقص فيه. أما الآفات والمعوقات فانها قد تعرو الشيء فتعتاقه في المسير أو تبطيء به عن الانتاج ولكنها ـ على أي حال ـ أمور طارئة عليه وليست طبيعية له ، والشيء غير الطبيعي لايطرد له قياس.

هذا هو الاصل العام المتبع في الأشياء كافة ، يدركه الناس بفطرتهم ، ويجرون على وفقه في جميع أعمالهم ولا يختلفون فيه ولا يرتابون ، ولا يجادل أحد منهم في ثبوته ، وهو الأصل كذلك في الانسان وفي قوته المفكرة وفي جهازه الاختياري كله ، بل وفي سائر قوى الانسان وعامة اجزائه.

ذلك أن الانسان موجود من موجودات هذا الكون يعنو لقوانينه ولا يتخلف عنها ، وقوى هذا الكائن واجهزته وطاقاته اجزاء منه تخضع لما يخضع له من قوانين وينفذ فيها ما ينفذ فيه من أحكام.

ومقتضى انطباق ذلك المقياس العام عليها أن السلامة في العقل والاستقامة في التفكير هما الأصل الطبيعي في الانسان وان الميل والنشوز في

٣٠

هذه القوة إنما يكونان لأمور خارجة عنها تنتابها فتبعد بها عن الاتساق وتصرفها عن الاستقامة.

الاعتدال في الطبع والفكر ثم الاستقامة في التصميم والاتزان في العمل ، هذا الانتظام المطلق في الجهاز الاختياري ، المطرد في كل أدواته ومعداته وكل جزء من أجزائه ، الموصل الى تحقيق الغاية المبتغاة منه ، هذا هو الاصل في الانسان ، وهذا معنى الصحة الطبيعية في نواحيه تلك ، وهو كذلك معنى الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.

غير ان العلل التي تعترض هذه القوى فتعتاقها عن التوازن غفيرة وفيرة.

ذلك ان التكامل في شؤون الانسان هذه اختياري لايحدث إلا عن طريق الارادة ، ولا يتم إلا تحت نفوذها ، وصوارف الارادة عن التزام الصواب تفوت الحصر وتمتنع على الحاصر.

ففي المرء جموع أو خنوع في الغرائز ، وتقلب أو تطرف في الأهواء ، وكبت أو انطلاق في الرغبات ، وللمرء طباع يرثها من اسلافه وقد تكون رديئة ، ولديه تقاليد يألفها من مجتمعه وقد تكون ذميمة ، وله عادات يكسبها بارادته وقد تكون ساقطة ، ومعلومات يتلقنها بتربية أو يفيدها بتجربته وقد تكون خاطئة ، وتصادم في الميول ، وتكافؤ في الدوافع ، وعقد نفسانية متأصلة ، وانعالات لا شعورية مكبوتة ، وانحرافات أخرى لاتنحصر أسبابها وكل أولئك صوارف للارادة عن التزام الصواب ، وكلها عوارض للفطرة تطرأ عليها فتكدر صفاءها وتشرد بها عن اتزانها.

فكان من الضروري لهذه القوى أن يقام لها دليل مأمون ينهج بها منهج

٣١

الاستقامة ، ويكشف لها مغبة هذه الطوارلاء ويلمسها اعراض هذه العلل.

من الضروري ان يكون لها هذا المرشد الذي يقيها العثار ويجنبها الخسار ، والاّ فستنزلق ولا نجاة ، بل وستموت ولا حياة.

من الضروري لها هذا الدليل المأمون يسير بها الى الاستقامة خطوة خطوة ويوقفها على المعوقات واحدة واحدة ، ويبصرها علاج تلك الادواء علة علة.

وهذه هي الظاهرة الأولى من ظواهر الدين الحق والسمة البينة من سماته :

( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) (١).

واذا لم تكن للدين هذه السمة واذا لم يقم تشريعه على هذه الركيزة فليس من الحق ولا من الاستقامة في شيء.

وفي الأثر النبوي :

« كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه ويمجسانه ».

كل مولود يولد على الفطرة وينشأ على الاستقامة ، ولو أنه ترك لفطرته لاستكمل رشده واهتدى سبيله ، ولسار هكذا سوياً مستقيماً حتى يبلغ غايته المأمولة.

ولكنها الآفات ، ولكنها الصوارف ، ولكنها التربية الفاسدة وإيحاءاتها

__________________

١ ـ الروم : الآية ٣٠.

٣٢

الملتوية. والتياثها بغرائز الطفل ومشاعره ، وحشو ذهنه بالاباطيل والأضاليل ، هذه الجراثيم الفتاكة التي تحدث العلة وتعمق جذورها وتنشر بذورها ، هذه هي التي تلتوي بالفطرة عن استقامتها ونشوة محاسنها وتحولها عن مجراها ، وتحمل الطفل حملا أن يجري مع الاوهام وأن يخضع للأساطير ، وأن ينحرف في تفكيره وينحرف في عقيدته وينحرف في سلوكه.

* * *

هناك في أعماق الانسان ، وفي قرارة نفسه وطوايا قلبه نزعة متأصلة ، يشعر بها جيداً حين يتجرد لاحكام الغريزة ، ويغفل عنها حين يندفع مع الحياة العامة ، وحين تستبد به ملابساتها وتتقاذفه تياراتها.

نزعة ذاتية في الانسان قديمة بقدم وجوده ، مكينة بتمكن غرائزه وثبات طباعه ، هي نزعة التعلق بغيب مجهول والتوجه الى حقيقة عليها غير محدودة ، تنتهي عندها الأسباب ، ويستند اليها التدبير ، يرغب في رضاها ويحذر من بطشها.

ومما يدل على هذه النزعة من الانسان ، وعلى مدى اصالتها فيه ، وعلى مبلغ استسلامه لها أن فكرة الدين والجانب الإلهي منها على الأخص قد تخللا تأريخ البشرية ، وعما أجيالها ، وتغلغلا في جميع قبائلها وجميع اقطارها. بحيث لم يخل منها عصر من عصور التأريخ ، ولم تنسلخ عن التمسك بهما امة من الامم مهما انتبذ بها الزمن ومهما شطت بها الدار ، ومهما ذهبت بها ( البداءة ) واتضعت بها الهمجية واختلت بينها موازين الاخلاق.

فهي شعور راسخ ثابت في جبلة الانسان ، وفي نزعات أفراده ، وان بدت منحرفة المظاهر لدى كثير من الامم ، فقد اتخذ الانسان من الحجارة ومن

٣٣

التماثيل ومن الحيوان والنبات آلهة مدبرة يعقد على رضاها الأمل ويتزلف اليها بالعبادة ويطلب معونتها في الحوائج ، ويضرع اليها في النوازل ، وقد تسامى به الوعي قليلا لما أله النار والنور ولما عبد الأرواح والكواكب.

وارتقى به الشعور ورام أن يفلسف صنيعه هذا فقال بالتثنية ، بآله للخير وإله للشر ، بإله للنور وإله للظلمة ، وقال بالتثليلث ، بأقانيم يلتئم منها واحد ، أو بأعضاء تتألف منها شركة واحدة ، وقال باله لكل نوع من الأنواع ، وقال باله بكل ظاهرة من الظواهر ، وقال بالتعدد المطلق ، فلا حصر للآلهة ، ولا ضبط وقال بالاتحاد ، وقال بالحلول ، وتناقلته أهواء وتقاذفته أمواج. وهذا التأرجح الدائب وهذه الذبذبة المستمرة إنما هما وليدا هوى مكين يعصف به أن يتوجه ويعصف به كذلك أن يتعرف.

ويشعر المرء شعوراً قويا بهذه النزعة حين يعلق بحبائل القدر فلا يستطيع الفكاك ، وحين يقع في قبضة الظلم فلا يملك الانتصار. هنا وهناك يفزع بفطرته الى قوة غيبية قادرة قاهرة ، لا حدّ لقدرتها. ولا منتهى لسلطانها ، تملك الفرج وتحكم بالعدل. يفزع الى هذه القوة الغالبة العالمة لتنقذه من الشدة ، أو يستعديها لتنصفه من العدوان.

والتطلع إلى الغيب المجهول في صورته المصغرة يوجد لدى الاطفال في أولى درجات التمييز ، ولعل من آثار هذا النزوع المبهم اننا نرى الاذكياء منهم يلحفون في السؤال عن مصدر الشيء ثم يرتفعون بسؤالهم والحافهم مع سلسلة أسبابه ، ولا يقنعهم أن نقف بهم على سببه الأدنى ، ويمنعون كذلك في الاستفهام عن غاية الشيء ، ويتدرجون في الاستفهام والاستقصاء مع سلسلة غاياته ، ولا يروي ظمأهم أن نذكر لهم غايته القريبة.

٣٤

أقول : لعل استقصاء الطفل هذا من أصداء تلك النزعة التي تحدَّث عنها العلماء النفسيون ، فكأن الفطرة توحي إليه أن للأشياء علة أولى يجب أن تستند إليها العلل ، وان لها غاية كبرى يجب أن تنتهي بها الغايات. لعل استقصاءه هذا من آثار نزعته تلك ، ولعله من آثار شعوره ( بقانون السببية ) فهو الآخر فطري من فطريات الانسان ، وهو كذلك ركيزة من ركائز الايمان. ولعله رجع لكلتا الفطرتين ، فولوعه بالمسألة عن العلة استجابة لهذا الشعور ، وارتقاؤه الى سلسلة أسبابه تلبية لتلك النزعة.

ويصرح كثير من علماء الاجتماع وكثير من مؤرخي الأديان وعلماء النفس بأن التدين احدى الغرائز النفسية للانسان ، ويقول معجم ( لاروس ) للقرن العشرين :

( ان الغريزة الدينية مشتركة بين كل الأجناس البشرية حتى أشدها همجية واقربها الى الحياة الحيوانية ، وان الاهتمام بالمعنى الالهي وبما فوق الطبيعة هو إحدى النزعات العالمية الخالدة للإنسان ).

وقد غلا بعض هؤلاء العلماء فذهب الى أن جراثيم هذا الشعور الديني توجد لدى الحيوانات ، وادعى ان بعض انواع الحيوان تشيع فيه نزعة دينية غريبة حين يحس بالموت ، أو حين يشعر بهبوب أنّي جارف أونكبة كونية (١).

وسواء أصحَّت هذه الدعوى من قائلها أم لم تصح فإن ثبوت هذه النزعة

__________________

١ ـ نشأة الدين للأستاذ علي سامي النشار ص ٣٠.

٣٥

للانسان مما لا يسمو اليه ريب ولا تحوم حولها مظنة.

هذه النزعة الاصيلة في الانسان هي الخلية الاولى من خلايا الدين ، والنواة التي يتكون من تطورها تركيب جسمه وائتلاف عناصره.

ويجد المرء نفسه في غمار هذا الكون المزدحم بالعجائب المفعم بالجمال ، ويقلب بصره فيما حوله من مكونات ، ويجيل بصيرته فيما يعيه لها من قوانين ، وفيما يدركه من غايات ، فيجد مظاهر الحكمة ومجالي الإبداع في مايبصر وفي مايعي ، في مايدرك بحسه وفي مايستبين بعقله وفي ما يتلقف بذوقه.

ثم يتحسس نفسه ويتحرى دقائقها ويستعرض خصائصها فيرى بها آية الآيات وبديعة البدائع !

يدرك المرء جميع هذا فيندفع مقسوراً الى التساؤل عن العالم الذي يحيط به. وعن نفسه التي يجهل كنهها ويجهل اكثر خفاياها.

عن المبدأ الاقصى لهذا الوجود ، وعن الغاية الأخيرة من تكوينه.

عن الحياة هذه التي تعمر الكون وعن ظاهرة الموت التي تعقبها.

وعن الموت هذا أله نهاية محتومة كما للحياة تسبقه ، أم هو سرمدي ليس للأنام بعده منقلب ؟

وعن الأسباب القريبة التي تحدث عنها الأشياء ، ألها مسبب أعلى اليه تنتهي ، ومن قوته تستمد ، أم هي مستقلة مترامية ؟ مستقلة فلا مصدر لسببيتها ومترامية فلا بدء لسلسلتها.

وهذا الاستقلال في السببية وهذا الترامي في الوجود أهما من الممكن أم هما من المستحيل ؟.

٣٦

فاذا وجد المرء لهذه المسائل حلولاً مقبولة ، وإذا انطبعت النتائج في نفسه عقيدة وارتسمت على قلبه ركوناً وطمأنينة فقد تألفت لديه العناصر الاولية والمهمة من عناصر الدين.

الدين نزعة مجردة حين تهدي اليه الغريزة وتؤمي اليه الفطرة.

وفكرة محض حين يتناول العقل الواعي حقائقه بالنقد ويعرض أصوله على البرهان.

وعقيدة خالصة حين تستمسك به الروح ويلتزمه القلب.

وايمان ثابت حين يغمر هذين بفيض الاخلاص ، ويعمرهما بأشعة اليقين.

وعمل زكي حين تسلم له الارادة ويخضع له السلوك.

* * *

ضع شيئين متفاضلين بين يدي طفلك وخيره بينهما ثم أرقبه أي الشيئين يؤثر.

فانه سيختار أفضلهما ولا يتردد في ذلك.

وأبدِ إعجابك بفعل يأتي به أو بكلمة يقولها أو حركة يصدرها ، ثم انظر ما يصنع.

فانه سينشط لذلك الفعل وسيكرره ما أبديت إعجابك به وما واليت تشجيعك إياه.

وتشاغل امامه بعمل من اعمال العقلاء ثم ارصد ما يفعل.

فإنه سيقلدك في ذلك العمل ، وسيحاول الابداع في المحاكات.

فلماذا تصدر من الطفل هذه المحاولات ؟

٣٧

ويقول علماء التربية الحديثة ، ويقول علماء علم النفس الحديث : كل ما يعمله الطفل في سنيه الأولى من عمل وكل مايقوم به من تجربة فانما يلبي به نوازع الفطرة ونداءات الغريزة. واذن فمحاولات الصغير المتقدمة انعكاسات للفطرة وانبعاثات مع دواعيها ، فالفطرة هي التي تحفز الانسان ـ منذ طفولته ـ أن يختار الجيد من الامور والأجود منها عند التفاضل. والفطرة هي التي تحمله على أن يصبح مثاراً للاعجاب وموضعاً للاطراء. والفطرة هي التي تفرض عليه أن يحترم الاكابر من الناس وان يتخذ منهم قادة في الأعمال ومُثلا في الصفات. فهل نستطيع ان نعلل هذه الدوافع المتغلغلة في نفس هذا الكائن ؟ وهل نستطيع أن نعرف لماذا يولع الانسان بتحسين مظهره وإتقان أعماله وتنسيق حركاته ؟ بل ولماذا يتكبر المتكبرون من أفراده ويرائي المراؤون ؟ ولِمَ يدعي الناقصون منهم الكمال ويتظاهر الجاهلون بالعلم ؟.

في نفس الانسان رغبة ملحة للارتفاع ، ونزوع قوي الى التسامي ويبدو انه انما يقوم بهذه الاعمال تلبية لهذه الرغبة ، وارواءً لهذه الغلة.

نعم كل هذه المظاهر وكل هذه الأعمال ـ حتى ماشذ منها عن الخلق القويم ـ اصداء لهذه الرغبة النفسانية الملحة ، ولكنها في الشواذ من الاعمال والمظاهر والأخلاق استجابة ملتوية وانقياد غير متزن.

ولعل السر في هذا الالتياث ، في هذه المسالك الملتوية التي يركبها الانسان الملتوي ، وفي هذه الادعاءات الجوفاء التي يفتتن بها الرجل الاجوف ، لعل السر في ذلك أن الانسان يعز عليه أن يخسر الكمال ، ويكبر عليه ـ إذا خسر الكمال ـ ان يعترف على نفسه بهذا الخسران.

٣٨

يعز عليه أن يخسر الكمال لأن التفسير الصريح لذلك أنه منهزم.

ويكبر عليه أن يعترف بالخسارة لأن مدلول ذلك انه يسجل على ذاته هذه الهزيمة ، ولذلك فهو إذا خسر الكمال لجأ الى انتحاله ، واذا أفلس من الرفعة ركن الى ادعائها ، وكأنه ينشد في الانتحال عزاء لنفسه عن الاخفاق ، وتعويضاً لها عن الحرمان. ونزعة التسامي هذه كسائر نزعات الانسان وصفاته يدخلها الاعتدال والانحراف وتتسم بالرقي والهبوط.

واذن فالكمال هو الهدف الاعلى للانسان من جميع افعاله وتصرفاته ، وأخال أنها نتيجة بينة لامساغ فيها لتردد ولا منفذ في دليلها لريبة ، فان دليلها هو الفطرة السليمة.

لا أغلو فأدعي ان الكمال هو غاية الانسان من جميع أعماله ومن جميع تصرفاته حتى ما يكون فيه عابثاً أو مقاربا للعبث ، أو آثماً أو مدانياً للاثم ، بل اقول الكمال غاية الانسان من أعماله حيث يؤثر أن يبقى انساناً يعتز ببشريته ويحتفظ بحدوده.

أما التحلل والترهل فانهما يهويان به عن هذه المنزلة ولا مراء.

وتستتبع النتيجة المتقدمة نتائج اخرى هن مثيلاتها في الوضوح وعديلاتها في القوة ، مقاييس عامة نزن بها الأعمال ونقيس بها الصفات ونفرق بها بين الخير والشر ، وبين موارد الخير وموارد الشر.

فالخير كل عمل أو تصرف ينتهي بنا الى هذه الغاية الفطرية المطلوبة.

والشر كل سلوك أو معاملة تقصينا عنها.

والزكي من الأخلاق كل سجية أو عادة تكون بينها وبين الكمال رابطة وشيجة ونسب عريق.

٣٩

والرديُّ منها مايكون الضد من ذلك.

هذه هي المقاييس الصادقة التي ترتكز في ثباتها على الوجدان وتستمد قوتها من البرهان ، والموازين العامة التي لايختلف عليها امد ولا تنكرها بيئة ولا تنتقص في مورد.

أليس بديهياً أن كل أحد ينشد الكمال بفطرته. ثم يتجه اليه بجبلته ؟.

كل أحد من البشر أياً كان جنسه وأين كان موضعه وأنى كان زمانه.

ثم أليس بديهياً كذلك أن ماحال بين الشيء وبين غايته الطبيعية فانما هو حجر عثرة وقاطع سبيل ؟.

وهذه الحاسة العجيبة المودعة في قرارة الانسان وفي خبيئة نفسه ؟.

هذه الحاسة المرهفة التي أقامها الله رقيباً من الانسان على الانسان ، وقيماً من نفسه على نفسه ؟.

حاكما نزيه الحكومة. وشاهداً مرضي الشهادة. ونصيحاً مقبول العظة ، ومعاقباً مرهوب السطوة مخشي العقوبة.

يزن الافعال فيأمر وينهى ، ويقارن بين الغايات فينصح ويشير ، ويرقب السلوك فيثيب ويعاقب ...

الضمير الأدبي الذي ليس يخلو منه فرد من افراد الانسان ، وليس يندُّ عن سلطانه صغير ولا كبير من الاعمال ..

لأية غاية أرصدت للمرء هذه الذخيرة ، وحشدت في نفسه هذه القوة ؟

طموح نفسي يتقد ، ورغبات فطرية تتوثب ، وغرائز أصيلة مشبوبة تمد ذلك الطموح منه بالقوة ، وترفد تلك الرغبات بالوفرة والشدة ومقاييس ارتكازية عادلة يوزن بها فلا تخطيء ، ويعمل بموجبها فلا تتباين ، وإرادة

٤٠