الثائر من أجل الحسين عليه السلام المختار الثقفي

المؤلف:

عباس غيلان الفياض


الموضوع : التراجم
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-52-2
الصفحات: ١٣٢

في نقاء المختار ، ومبدئيّته

ممّا لا جدال فيه ، أنّ لكل شخصية بارزة في التاريخ محبّين ، وخصوم سواء ممن عاصروا تلك الشخصية ، أو جاءوا في زمن متأخّر عنها.

وهكذا نرى ، أن شخصيةً فاعلةً مثل المختار لا يمكن أن تخرج عن هذا القانون ، ومن هنا كان من الطبيعي أن تحتوي كتب السير والتاريخ ، وجهات نظر المحبّين والمخاصمين ، باعتبارها مرآة للحركة ، وموقف المجتمع في فتراته المتعاقبة وهي تعكس الرؤيا المتناقضة حول هذه الشخصية التاريخية أو تلك ، ومن أجل أن يقف المرء على الرأي الصائب نرى أن عليه التأمّل فيما بين يديه من وجهتي النظر المتناقضتين محتكما إلى الفعل التاريخي الثابت للشخص المعني وما كان يحكم ذلك الشخص من مبادئ ، وهنا نتساءل ترى ما هو موقف الأمويين ، والعباسيين ، ومن شايعهم من المختار؟ ثمّ ما هو موقف الهاشميين ، والشيعة منه؟ وأخيرا ما هو موقف الذين أعادوا كتابة التاريخ من غير العرب والمسلمين ، ونعني بهم (المستشرقين) ، على وجه الخصوص؟

إنّ الإجابة عن هذه التساؤلات هي التي ستقودنا دونما شك إلى الرأي الصائب وعلى أساسها يصبح بإمكاننا غربلة ما ورد من خليط الأخبار ، والروايات لنرمي من ثم النخالة جانبا.

١٢١

فموقف الأمويين ، والعباسيين ، هو العداء ، وما دمنا نعرف ذلك فلا يخرج ما ورد من حكايات عن المختار ، عن دائرة العداء المطلق.

ومن الطبيعي أن يتّخذ هذا العداء أشكالاً شتّى منها : لصق التهم بالطرف المقابل ، واختلاق شتّى المعايب به. ولما كان كتبة التاريخ منقسمين بدورهم إلى طرفي النزاع يصبح من البديهي ، أن يختلقوا ما شاء لهم الخيال من وقائع ، وأحداث يصبّ كل منها في المجرى الذي يعنيه ، ولكوننا نعلم أن كتابة التاريخ والروايات التاريخية نشأت في أحضان الانحراف السياسي والأخلاقي والتربوي والديني لرموز السلطة ، فجاءت تلك الكتابة لإرضاء السلطة الذين سخّروا بدورهم أيادي قذرة كثيرة لتشوّه حقائق التاريخ ، والمعلوم أن التاريخ كان في بداياته يعتمد على الرواية الشفهية فقد ناله كثير من الوضع والاختلاق ، وحين ابتدأ التدوين كان الغالب على معظم المدوّنين جمع أكبر ما سمع من الروايات دون تمحيص ، هذا لو افترضنا فيه الإنصاف.

فالمادة الأولى للتاريخ هي ليست أكثر من خليط احتوى الكذب ، والحقيقة.

أما موقف الذين أعادوا كتابة التاريخ من المستشرقين ، وأشياعهم ، فيعتمد على أمور من المؤكّد أن تنتهي بهم إلى الإيغال في العداء ، والإساءة للإسلام ، والمسلمين بشكل عام ، وإن تستّروا بالمنهجية العصرية ، وبكونهم دعاة يبحثون عن الحقيقة التاريخية ، وموقفهم هذا واضح ، وعليه شواهد كثيرة لسنا بمقام تناولها هنا ، لأنّ ذلك الموضوع قد أخذ مكانه في كتابات كثيرة أبطلت ما ابتدعه المستشرقون وافتراه موظفو الدوائر اليهودية ، والرأسمالية ، والاستعمارية ونأتي الآن بذكر ما يعنينا ، وهو ما يتعلّق

١٢٢

بشخصية المختار ، فقد ذكروا أنّه ادّعى النبوة (١) ، وأنّه يأتيه جبرائيل.

وهذه الفرية واضحة البطلان من خلال كون المختار مسلما في عقيدته ، وسيرته كما ذكرنا ذلك فيما تقدّم ، كما ذكروا بأنّه كان يبتغي من وراء ثورته ، ومواقفه نيل الجاه ، والسلطان ، والتحكّم بأمور المسلمين ، إلى جانب كونه قد تذبذب في مواقفه السياسية ، كما ورد في كتاب (المختار الثقفي لمؤلّفه الدكتور علي حسني الخربوطلي) ، نقلاً عشوائيا عن البلاذري ، وتبنّيا منه لآراء بعض المستشرقين.

وكما ورد عن الأئمة عليهم‌السلام ، بشأنه من فضائل ، ونحن في مقام الردّ على ممن شكّك في سلامة دين المختار ـ وموقفه المبدئي ـ خير مادة لإبطال مفترياتهم تلك ، فقد ورد عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، أنّه قال : « إنّ بعض بني إسرائيل أطاعوا فأكرموا ، وبعضهم عصوا فعذّبوا فلذلك تكونون أنتم» ، فقالوا : فمن العصاة يا أمير المؤمنين؟ قال : «الذين أمروا بتعظيمنا أهل البيت وتعظيم حقوقنا ، فخانوا وخالفوا ذلك ، وجحدوا حقوقنا واستخفّوا بها ، وقتلوا أولادنا ، أولاد رسول اللّه الذين أمروا بإكرامهم ومحبّتم ».

قالوا : يا أمير المؤمنين إن ذلك لكائن.

قال : « بلى خبرا حقّا ، وأمر كائنا سيقتلون ولديّ هذين الحسن والحسين ».

ثم قال عليه‌السلام : « وسيصيب الذين ظلموا رجزا في الدنيا بسيوف بعض

__________________

(١) الخلافة الأموية / د. عبد الأمير دكسن : ١١١.

١٢٣

من يسلّط اللّه تعالى عليهم للانتقام بما كانوا يفسقون كما أصاب بني إسرائيل الرجز» ، قيل ومن هو؟

قال : « غلام من ثقيف ، يُقال له المختار بن أبي عبيد » (١).

وقال الإمام علي بن الحسين عليهما‌السلام : (فكان ذلك بعد قوله هذا بزمان.

وأن هذا الخبر اتّصل بالحجّاج بن يوسف لعنه اللّه من قول علي بن الحسين عليه‌السلام). قال : « أما رسول اللّه ما قال هذا ».

وأما علي بن أبي طالب فأنا أشك ، هل حكاه عن رسول اللّه ، وأما علي بن الحسين فصبي مغرور ، يقول الأباطيل ويغرّ بها متبّعوه ، أطلبوا لي المختار ، فطلب فأخذ فقال ، قدموه إلى النطع فاضربوا عنقه ، فأتى بالنطع فبسط وأبرك عليه المختار ، ثم جعل الغلمان يجيئون ويذهبون لايأتون بالسيف. قال الحجاج : ما بالكم؟ قالوا : لسنا نجد مفتاح الخزانة وقد ضاع منا والسيف في الخزانة. فقال المختار : لن تقتلني ، ولن يكذب رسول اللّه ، ولئن قتلتني ليحييني اللّه حتى أقتل منكم ثلاثمائة وثلاثة وثمانين ألفا ، فقال الحجاج لبعض حجابه ، أعط السياف سيفك يقتله ، فأخذ السياف سيفه ، وجاء ليقتله به والحجاج يحثه ، ويستعجله ، فبينما هو في تدبيره إذ عثر والسيف بيده فأصاب السيف بطنه فشقه فمات ، فجاء بسياف آخر ، وأعطاه السيف فلما رفع يده ليضرب عنقه لدغته عقرب فسقط فمات ، فنظروا وإذا العقرب فقتلوها.

فقال المختار : يا حجاج إنك لا تقدر على قتلي ، ويحك يا حجاج أما تذكر ما قال نزار بن معد بن عدنان لسابور ذي الأكتاف حين كان يقاتل

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٥ : ٣٠٤.

١٢٤

العرب ، فأمر نزار ولده ، فوضع في (زبيل) في طريقه فلمّا رآه قاله له ، من أنت؟ قال : أنا رجل من العرب أريد أن أسألك ، لم تقتل هؤلاء العرب ولا ذنب لهم إليك ، وقد قتلت الذين كانوا مذنبين في عملك والمفسدين؟ قال : لأني وجدت في الكتاب إنّه يخرج منهم رجل يقال له محمد يدّعي النبوة فيزيل دولة ملوك الأعاجم ، ويفنيها فأقتلهم حتى لا يكون منهم ذلك الرجل ، فقال نزار : لئن كان ما وجدته في كتب الكذّابين فما أولاك أن تقتل البراء غير المذنبين وإن كان ذلك من قول الصادقين فإنّ اللّه سيحفظ ذلك الأصل الذي يخرج منه هذا الرجل ، ولن تقدر على إبطاله ويجري قضاءه وينفذ أمره ولو لم يبقَ من جميع العرب إلاّ واحدا ، فقال سابور ، صدقت هذا نزار يعني بالفارسية ـ المهزول ـ كفّوا عن العرب ، فكفّوا عنهم ، ولكن يا حجّاج اللّه قد قضى أن أقتل منكم ثلاثمائة ألف وثلاثة وثمانين ألف رجل ، فإن شئت فتعاط قتلي ، وإن شئت فلا تتعاط ، فإنّ اللّه إما أن يمنعك عنّي ، وإما أن يحييني بعد قتلك ، فإنّ قول رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حقّ لا مرية فيه.

فقال للسيّاف : إضرب عنقه. فقال المختار : إنّ هذا لن يقدر على ذلك أحبّ أن تكون أنت المتولّي لما تأمره فكان يسلّط عليك أفعى كما سلّط على هذا الأوّل عقربا.

فلمّا همّ السيّاف أن يضرب عنقه إذا برجل من خواص عبد الملك بن مروان قد دخل فصاح بالسيّاف كفّ عنه ، ومعه كتاب من عبد الملك بن مروان ، فإذا فيه :

(أما بعد يا حجّاج بن يوسف فإنّه قد سقط إلينا طير عليه رقعة إنّك أخذت المختار بن أبي عبيد ، تريد قتله ، تزعم أنه حكى عن رسول اللّه فيه ، إنّه

١٢٥

سيقتل من أنصار بني أمية ثلاثمائة وثلاثة وثمانين ألف رجل ، فإذا أتاك كتابي هذا فخلِّ عنه ولا تعرض له إلاّ سبيل خير فإنّه زوج ظئر ابني الوليد بن عبد الملك بن مروان ، وقد كلّمني فيه الوليد ، وإنّ الذي حكى إن كان باطلاً فلا معنى لقتل رجل مسلم بخبر باطل وإن كان حقّا فإنّك لا تقدر على تكذيب قول رسول اللّه). فخلّى عنه الحجاج (١).

ونحن نرى ، أن الذي عقب على قول الإمام المتقدّم لم يكن الحجّاج ، وإنّما هو عبيد اللّه بن زياد ، وذلك لأنّ الحجّاج لم يأتِ إلى الكوفة إلاّ في سنة ٧٢ هجرية. أي بعد استشهاد المختار رحمه‌الله بخمسة سنوات ، ضمن الجيش الذي قاده عبد الملك بن مروان لمحاربة مصعب بن الزبير ، وبعد مقتل مصعب توجّه الحجّاج لقتال عبد اللّه بن الزبير في مكة ، وبعد مصرع عبد اللّه ، ولاّه عبد الملك حكم مكة والمدينة ، واستمرّ الحجّاج واليا على الحجاز واليمن واليمامة ثلاثة أعوام ، ثم ولاّه عبد الملك على الكوفة والبصرة في رجب من عام ٧٥ هجرية (٦٩٤م) (٢).

كما ورد عن الإمام الحسين عليه‌السلام ، أنه حذّر جيش المملكة الأموية بعذاب اللّه النازل عليهم حيث قال عليه‌السلام : «تبّا لكم وترحا أيتها الجماعة ، حين استصرختمونا والهين ، فاصرخناكم موجفين مستعدّين ، سللتم علينا سيفا لنا في إيمانكم ، وحثثتم علينا نارا قد أجّجناها على عدوكم ، وعدونا. إلى أن يقول عليه‌السلام : اللهمّ احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٥ : ٣٤١.

(٢) أنساب الأشراف / البلاذري ٥ : ٢٥٧ ، مروج الذهب ٣ : ٥٦ ، الإمامة والسياسة ٢ : ٢٣ ـ ٢٤ تحقيق طه محمد الرايني ، تاريخ ابن الأثير ٥ : ١٣٥.

١٢٦

سنين كسني يوسف ، وسلّط عليهم غلام (ثقيف) ، يسقيهم كأسا مصبّرة ، ولا يدع فيه أحدا إلاّ قتلة بقتلة وضربة بضربة ، ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي ، منهم فإنّهم غرّونا وكذبونا ، وخذلونا وأنت ربّنا عليك توكّلنا ، وإليك أنبنا وإليك المصير» (١).

ونحن نجد أن لفظة (غلام ثقيف) من غير الممكن أن يكون المقصود بها هو الحجّاج ، لأنّ الحجّاج لم يقم بقتل قتلة الإمام الحسين عليه‌السلام ، وأهل بيته ، وأصحابه ، وإنّما الذي قام بذلك هو المختار الثقفي.

وروي (٢) ، أنه دخل جماعة على الإمام الباقر عليه‌السلام وفيهم عبد اللّه بن شريك ، قال : فقعدت بين يديه إذ دخل عليهم شيخ من أهل الكوفة ، فتناول يده ليقبّلها ، فمنعه ثم قال : من أنت؟

قال : أنا أبو الحكم بن المختار بن أبي عبيد الثقفي ، وكان متباعدا منه عليه‌السلام ، فمدّ يده فأدناه حتى كان يقعده في حجره ، فقال : أصلحك اللّه ، أن الناس قد أكثروا في أبي ، والقول واللّه قولك ، قال : وأي شيء يقولون؟ قال : يقولون كذّاب ، ولا تأمرني بشيء إلاّ قبلته.

فقال عليه‌السلام «سبحان اللّه أخبرني أبي أن مهر أمي مما بعث به المختار إليه ، أو لم يبن دورنا ، وقتل قاتلنا ، وطلب بثأرنا ، فرحم اللّه أباك ـ كرّرها ثلاثا ـ ما ترك حقّا عند أحد ، إلاّ طلبه».

ويجدر بنا أن نلاحظ على هذه الرواية أمرين هما :

__________________

(١) بلاغة الحسين / مصطفى محسن الموسوي : ٧٦ ـ ٨٠.

(٢) بحار الأنوار ٤٥ : ٣٤٣.

١٢٧

أولاً : أنّها لا تصحّ إلاّ إذ كانت مرويّة عن زيد بن علي وليس عن الإمام الباقر عليه‌السلام ، لأنّ الباقر كان موجودا أثناء واقعة الطف ، وهو ابن سنتين وشهور ، وقيل خمس سنوات (١) ، ومن المعروف أن أُمّه هي فاطمة بنت الإمام الحسين ابن علي عليهما‌السلام ، وأن المرأة التي أرسلها المختار إلى الإمام علي السجّاد عليه‌السلام ، هي (حورية) ، أم زيد بن علي السجّاد عليهما‌السلام (٢).

الأمر الثاني : فواضح في أن مضمونها يدلّ على شكر وتقدير لأعماله الحسنة.

يذكر الأستاذ حسين باقر في كتابه (٣) ، أن المختار أرسل إلى الإمام علي ابن الحسين عليهما‌السلام ، عشرين ألف دينار فتقبّلها وبني بها دار لعقيل بن أبي طالب وكذلك دورهم التي هدمت. ثم أرسل له بعد ذلك بأربعين ألفا فرفضها الإمام عليه‌السلام ، بعد ما أظهر الكلام الذي أظهر (أي المختار) فردّها ولم يقبلها منه. وينقل روايته تلك عن كتاب رجال الكشي (٤) ، ثمّ يستطرد حسين باقر فيقول ، أن المختار أرسل بهدايا إلى الإمام السجّاد عليه‌السلام ، وأن الإمام لم يتقبّلها بل قال : «نحن لا نقبل هدايا الكذّابين» ، وأن رسل المختار محو العنوان وكتبوا المهدي محمد بن علي بن الحنفية.

وهذه الرواية ساقطة عن الاعتبار لأنّها ضعيفة جدا كما صرح بذلك السيد الخوئي في ترجمة المختار بن أبي عبيدة الثقفي (٥).

__________________

(١) اللهوف / ابن طاووس. حيث ولد الإمام عليه‌السلام في ٣ صفر سنة ٥٧ هـ وتوفي في ٧ ذي الحجة سنة ١١٤ هـ.

(٢) مقاتل الطالبيين : ٨٦.

(٣) الإمام السجاد : ١٠٦.

(٤) رجال الكشي : ١٨٦.

(٥) معجم رجال الحديث ١٨ : ٩٧ / ١٢١٥٦.

١٢٨

مكانته في التاريخ

في ضوء ما قدّمناه من حقائق عن سيرة المختار الثقفي ، وأعماله ، نستطيع أن نقول بأن مكانته في التاريخ أصبحت واضحة ، فهذه المكانة تحدّدها الجوانب الرئيسية التالية :

١ ـ أنّه نَبّه الناس بجرائم الأمويين ، وبنى قاعدة ثورية أخذت على عاتقها حماية رسالة اللّه ، التي بشّر بها نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك من خلال الثورات التي حدثت بعد ثورته رحمه‌الله سواء كانت من الثورات العلوية أو من غيرها والتي اشتركت جميعا في هدم دولة الخبيث معاوية التي كانت وبالاً على الإسلام والمسلمين.

وبهذا يكون المختار رضي‌الله‌عنه من أوائل من عجّلوا بسقوط تلك الدولة الخبيثة التي اجتُثّت من عروقها فما لها من قرار.

٢ ـ أنّه ساوى جميع طبقات المجتمع العربي من العرب ، والموالي ، وأهل الذمّة ، والرقيق ، عندما استولى على الكوفة ، وأظهر العدالة والأمن للجميع.

٣ ـ أنّه قتل جميع أولئك الذين استطاع أن يجدهم ، ممن شاركوا في مقتل الإمام الحسين عليه‌السلام ، وهدم بيوت الذين تمكّنوا من الهرب إلى البصرة ، إذ نامت العرب عن ذلك (١).

__________________

(١) الدينوري : ٣١٣.

١٢٩

٤ ـ أشرك الموالي ، ضمن جيشه وجعلهم يشاركون العرب بالفيء ، وركوب الخيل بعد أن اضطهدهم الأمويون ، ومنعوهم عن ذلك.

٥ ـ أنّه لم يبايع لنفسه بالخلافة ، وهذا إن دلّ ، إنّما يدلّ على عدم رغبته في الملك ، وعدم رغبته في متاع الدنيا. ولما كان خصومه هم الغالبون ، فمن الطبيعي أن تُصاغ هذه الأكاذيب في روايات مسندة ، لتدخل التاريخ بوجه (مشروع) حين يكون منهج المؤرّخ هو جمع الأخبار ، دون التحقيق فيها.

٦ ـ أنّه استُشهد من أجل الدين ، ومن أجل قضيته التي نذر نفسه إليها (أخذ الثأر) ، وقد استمرّت الثورات التحررية بعد ثورة المختار ، محتفظة بنفس طابعها التحرري في مقارعة الظلم والطغيان الأموي ، لأنّ ثورة المختار رحمه‌الله كسرت حاجز الخوف بين الناس وبين الثورة ، التي أسقطت دولة البغي الأموية عام ١٣٢ هـ.

٧ ـ وأخيرا ، وإذا كان المختار قد استُشهد وقُتل بسبب تفكّك أنصاره وقلّة إخلاص القادة الذين حوله أمثال إبراهيم بن مالك ، الذي بايع للمختار علانية ، وارتداده في وقت كان المختار في أشدّ الحاجة إليه ، وقد أثّرت دعاية محمد بن الأشعث : «والمختار اليوم ليس معه جيش ، إنّما هو في شرذمة قليلة» (١) ، القوية على معنويات جيش المختار وعلى قادته وأنصاره من القبائل الأخرى.

إذا كان كلّ ذلك قد حدث فإنّه لم يحدث بسبب القابليات الخارقة لجيش مصعب ذلك إنّنا يجب أن نحذر من المبالغات والدعايات التي بثّها أنصار مصعب وهي الكتلة التي انتصرت في نهاية المطاف للأسباب أعلاه.

__________________

(١) الفتوح / ابن أعثم الكوفي ٦ : ٢٨٤.

١٣٠

وكذلك نلاحظ الكثير من الروايات التي أوردها الكُتّاب والرواة كانت إلى جانب مصعب ، وهم حين يذكرون المختار رحمه‌الله ، يلقون عليه لقب (الكذّاب) ، بغضا للشيعة وأهل البيت ، ويثنون على مصعب المجرم ابن الناكث بيعة إمام زمانه ومن شابه أباه فما ظُلم.

لقد استُشهد المختار رضوان اللّه تعالى عليه وقُتل فيما بعد بسنوات قليلة فقط ابنا الزبير الناكث ، وظلّ اسم المختار شامخا عظيما. مثل حضارة أهل البيت عليهم‌السلام ، واختفى هؤلاء الذين حاربوه في حياته. فلم نعد نسمع لهم صوتا. اللهمّ إلاّ نقيق الضفادع ، الذي (يزعج) هدوء الليل وسكونه. ومنعه في دورة الحياة واستمرارها.

١٣١

المحتويات

مقدّمة المركز.................................................................... ٥

المقدّمة.......................................................................... ٧

اسمه ونسبه ولقبه................................................................ ٩

اسمه ونسبه ................................................................... ٩

ولادته ، ولقبه ، وقرابته ...................................................... ١٠

نشأة المختار................................................................... ١٤

موقف المختار من التحوّلات السياسية............................................ ٢٣

بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله............................................ ٢٣

علاقة المختار بمسلم بن عقيل.................................................... ٢٥

في غيابة السجن ............................................................. ٢٩

مع ابن الزبير ................................................................ ٣٠

المختار قائدا................................................................... ٣٣

التوّابون....................................................................... ٣٧

بوادر ثورة المختار............................................................. ٤٧

المختار ، وابن الأشتر........................................................... ٥٤

تمرُّد الكوفيِّين.................................................................. ٦٤

مقتل ابن زياد لعنه اللّه......................................................... ٦٩

المختار والموالي................................................................. ٧٦

ارتداد إبراهيم عن نصرة المختار الثقفي.......................................... ٨٥

المحكمة الميدانية................................................................ ٩٨

المختار وولاية علي بن الحسين عليهما السلام................................... ١٠٦

استشهاده................................................................... ١١٠

مسجد الكوفة ، ومرقد المختار................................................ ١١٦

في نقاء المختار ، ومبدئيّته...................................................... ١٢١

مكانته في التاريخ............................................................. ١٢٩

المحتويات.................................................................... ١٣٢

١٣٢