الإمام الصادق عليه السلام - ج ٢

الشيخ محمّد حسين المظفّر

الإمام الصادق عليه السلام - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد حسين المظفّر


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
الصفحات: ١٨٧
الجزء ١ الجزء ٢

قبل الحديث ».

وهو القائل : اذا نظرت الى جعفر بن محمّد عليهما‌السلام علمت أنه من سلالة النبيّين ، وقد روى الفريقان عنه هذه الكلمة ، وله مقام معروف عند الفرقتين ، وجاء عن الصادق عليه‌السلام فيه قول يدلّ على صلاحه وارتفاع مقامه عند الله تعالى ، فقد قيل والصادق قاعد بفناء الكعبة : ما اكثر الحاجّ ، فقال عليه‌السلام : ما أقل الحاجّ ، فمرّ عمرو بن أبي المقدام فقال : هذا من الحاجّ ، انظر الكشي ص ٢٤٨.

وله كتاب يرويه عنه الثقات ، قال النجاشي : وله كتاب لطيف ، ثمّ ذكر سنده إليه.

ابن أبي نصر السكوني :

عمرو بن أبي نصر الأنماطي السكوني الشرعبي ، كان من الثقات الذين لا غمز فيهم بوجه ، وله كتب يرويها عنه جماعة من الثقات وبعضهم من أصحاب الإجماع ، وعداده في أصحاب الصادق عليه‌السلام.

عمر بن اذينة :

عمر بن اذينة ، روى عن الصادق عليه‌السلام مكاتبة ، وروى عن الكاظم عليه‌السلام سماعا ، وكان شيخ أصحابنا البصريّين وو جهم كما قال النجاشي ، وكان قد هرب من المهدي ومات باليمن ، ولذا لم يرو عن الكاظم عليه‌السلام كثيرا.

وقال الكشي ص ٢١٥ : ويقال اسمه محمّد بن عمر بن اذينة غلب عليه اسم أبيه ، غير أنه ذكر أنه كوفي وهو ينافي ما ذكره النجاشي إلاّ أن يكون كوفي

١٦١

الأصل سكن البصرة وله كتاب الفرائض رواه عنه جماعة من الثقات.

عمر بن حنظلة :

أبو صخر عمر بن حنظلة العجلي البكري الكوفي ، روى عن الباقر والصادق عليهما‌السلام ، وله عند أهل البيت منزلة رفيعة دلّت على علوّ كعبه في الايمان والوثاقة ، وقد قال فيه الصادق عليه‌السلام : إذن لا يكذب علينا هذا حين قال للصادق عليه‌السلام يزيد بن خليفة (١) أن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت ، كما في فروع الكافي ، باب وقت الصلاة ، وقال له الصادق أيضا يا أبا صخر أنتم والله على ديني ودين آبائي لنشفعنّ والله ، ثلاث مرّات ، حين يقول عدوّنا : « فما لنا من شافعين ولا صديق حميم » الى ما سوى ذلك ممّا جاء فيه ، فهو كما ترى وتقرأ صادق عند الصادق عليه‌السلام ، وعلى دينه ودين آبائه ، وهم الشفعاء له ولأمثاله ، وأيّ مقام أرفع من هذا؟

وله عن الصادقين عليهما‌السلام حديث كثير ، رواه عنه أعيان الثقات ومنهم بعض أصحاب الإجماع.

عمر بن علي بن الحسين عليهما‌السلام :

عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام مات وله ٦٥ سنة ، وقيل ٧٠ ، قال الشيخ المفيد في إرشاده : كان فاضلا جليلا ، ولّي صدقات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصدقات أمير المؤمنين عليه‌السلام وكان ورعا

__________________

(١) الحارثي ، عداده في أصحاب الصادق والكاظم عليهما‌السلام ونسب الى الوقف ، وروي فيه عن الصادق عليه‌السلام مدح.

١٦٢

سخيّا وعن الباقر عليه‌السلام أنه قال : عمر بصري الذي أبصر به ، وهو جدّ الشريفين المرتضى والرضي من قبل الأم ، وعن علم الهدى في شرح المسائل الناصريّة عند ترجمة أجداده من قبل أمّة : وأمّا عمر بن علي بن الحسين عليهما‌السلام ولقبه الأشرف فإنه كان فخم السيادة ، جليل القدر والمنزلة في الدولتين معا الأمويّة والعبّاسيّة ، وكان ذا علم وقد روي عنه الحديث ، الى غير هذا ممّا جاء في تقريظه وإطرائه.

الفضيل بن يسار :

الفضيل بن يسار النهدي عربي بصري ، روى عن الباقر والصادق عليهما‌السلام ، ومات في أيام الصادق عليه‌السلام ، وهو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ، والإقرار لهم بالفقه من الستة أصحاب أبي جعفر عليه‌السلام ، وكان أبو عبد الله اذا نظر إليه مقبلا قال : بشّر المخبتين ، وكان يقول : إن فضيلا من أصحاب أبي ، وإني لأحبّ الرجل أن يحبّ أصحاب أبيه ، والأحاديث في فضله وصلاحه كثيرة حتّى قال الصادق عليه‌السلام : رحم الله الفضيل بن يسار وهو منّا أهل البيت ، وذلك حين أخبروه أن يده لتبقى الى عورته عند غسله ، ودلّت بعض الأحاديث أنه مستودع أسرار له ، وهل بعد هذا من كرامة وجلالة ووثاقة؟ رضوان الله عليه.

أبو بصير :

ليث بن البختري أبو بصير المرادي الكوفي ، روى عن الباقر والصادق عليهما‌السلام ، ومقامه أرفع من أن يطرى ، وكان من المقدّمين عند الصادقين عليهما‌السلام ، وللصادق فيه كلمات تكشف عن محلّ لا ينال ، ودرجة لا يساوقه

١٦٣

فيها إلاّ قلائل من نخبة رجالهم ، وقد تقدّم البعض منها في بريد العجلي مثل قوله : أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة ، وعدّ منهم ليثا هذا ، وقوله : أصحاب أبي كانوا زينا أحياء وأمواتا ، وعدّ منهم ليثا هذا ، وقوله : بشّر المخبتين بالجنّة ، وعدّه منهم ، الى كثير سوى هذا ، وقد رأى في نفسه كرامات من الصادق عليه‌السلام ، منها مسحه على عينيه حتّى أبصر ثمّ إعادته الى حاله الاولى ، ومنها نهيه عن دخوله عليه جنبا ، وكان قد دخل عليه وهو جنب اختبارا.

وصفوة القول أن الرجل كان من أعاظم المحدّثين ، وأعيان الفقهاء ، ومن نظر في كتب الحديث عرف كثرة ما له من الحديث ، وهو من الستة أصحاب الباقر عليه‌السلام الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه ، وشأنه اكبر من أن يذكر بوثاقة وجلالة قدر.

مؤمن الطاق

(١) محمّد بن علي بن النعمان أبو جعفر والأحول الصيرفي الكوفي ، الملقّب بمؤمن الطاق عند الخاصّة ، وبشيطان الطاق عند العامّة ، ومن عرف مواقفه في مناظرات أعلامهم في الإمامة اتضح له المنشأ في تلقيبهم إيّاه بهذا اللقب ، وبغضهم له ، فإن الحقّ ثقيل على النفس.

وهو يروي عن الصادقين عليهما‌السلام ، وجاء فيه ثناء جميل وتقريظ ومدح من إمامه ومثقفه الصادق عليه‌السلام ، منها قوله : زرارة بن أعين ، ومحمّد بن مسلم ، وبريد بن معاوية العجلي ، والأحول أحبّ الناس إليّ أحياء وأمواتا ، الى ما سوى ذلك.

__________________

(١) وقد توفّقت بلطفه سبحانه لإفراد رسالة فيه غير مطبوعة.

١٦٤

وحديثه شائع في كتب الحديث ، ومن نظر في مناظراته عرف كيف كان قويّ الحجّة ، شديد العارضة ، سريع الجواب ، نبيه الخاطر ، ذكيّ القلب ، وكان في طليعة متكلّمي الاماميّة ، على أن له القدح المعلّى في الفقاهة.

وشأنه أرفع من أن يطنب في إطرائه ، وأعرف من أن يكثر الكلام في تعريفه.

محمّد بن مسلم :

محمّد بن مسلم الثقفي الكوفي القصير ، روى عن الصادقين عليهما‌السلام وأدرك زمن الكاظم عليه‌السلام ، وكان من الأفذاذ الذين لا يأتي بهم الدهر إلاّ صدفة ، وقد كان المثل الأعلى في الصلاح والطاعة لأئمّته ، والامتثال لأوامرهم ، والاقتداء بسيرتهم ، والأمين عند جماعة الناس ، فكان فضله وصلاحه معروفين حتّى عند من يخالفه في سيرته وسريرته ، غير أنهم طعنوا فيه بالرفض ، الذي كان يراه وأهل طريقته سمة جميلة ، ومفخرة سامية ، ولربّما رجعوا إليه فيما أشكل عليهم أمره ، وجهلوا الحكم فيه ، ولو لا الإطالة لأوردنا من ذلك أمثلة.

وقد عدّ فقيه عصره ، الذي هو خيرة العصور في الفقه والفقهاء حتّى قال فيه عبد الرحمن بن الحجّاج ، وحمّاد بن عثمان ، وهما من علمت : ما كان أحد من الشيعة أفقه من محمّد بن مسلم ، وأن فقهاء عصره هم الذين حفظوا شرع أحمد المختار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما قال ذلك إمامهم الصادق عليه‌السلام ، وكيف لا يكون الفقيه الأوحد وقد سمع من أبي جعفر عليه‌السلام ثلاثين ألف حديث ، ومن أبي عبد الله عليه‌السلام ستة عشر ألف حديث ، ومن ألقى نظرة على كتب الحديث عرف كيف بلغت روايته كثرة ووفرة.

وأمّا ثناء أئمته عليه فهو جمّ كثير ، وقد سبق بعضه في بريد العجلي ، ولو أردنا

١٦٥

استيفاء ما جاء فيه لخرجنا عن الصدد ، وهو من الستة أصحاب أبي جعفر عليه‌السلام الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه.

وكانت وفاته عام ١٥٠ ، وله نحو من سبعين سنة ، فيكون قد أدرك من عصر أبي الحسن عليه‌السلام سنتين ، فرضوان الله عليه.

مرازم :

مرازم بن حكيم الأزدي المدائني ، روى عن الصادق والكاظم عليهما‌السلام ، وقتل أيام الرضا عليه‌السلام ، وكان مرازم هذا مع الصادق هو ومصادف مولى الصادق لمّا بعث عليه المنصور الى الحيرة ، ولمّا سمح له بالعودة سار من الحيرة في أوّل الليل فعارضه عاشر ، وحال بينه وبين المسير فطلب مصادف من الإمام أن يستعين هو ومرازم هذا على قتله ، فأبى عليه الإمام ، وما زال الإمام بالعاشر حتّى رضي بعد أن ذهب اكثر الليل ، وهذا يدلّنا على اختصاصه بالإمام وشدّة حبّه وولائه له ، وامتثاله لأمره.

وقال النجاشي وغيره : إنه ممّن بلي باستدعاء الرشيد له وأخوه (١) أحضرهما الرشيد مع عبد الحميد بن غواص (٢) فقتله وسلما ، فرحمة الله عليه وألحقه الله

__________________

(١) إن لمرازم أخوين هما محمّد وجرير ، وقيل إن جريرا مصحف وإنما هو حديد ، على أيّ حال فهما معا ثقتان ومن أرباب الكلام ، وإن الكاظم عليه‌السلام كان يرتضي كلام محمّد ويأمره أن يناظر ، ولا أدري أيّ الاخوين المعني هاهنا.

(٢) قيل : إن في غواص ثلاث لغات اعجام العين والصاد ، واعجام الاولى وإهمال الثانية ، وبالعكس ، وهو من أصحاب الكاظم عليه‌السلام وقيل : ومن أصحاب الصادقين عليهما‌السلام أيضا وهو من ثقات الرواة.

١٦٦

بالرفيق الأعلى مع أئمته الأطهار.

مسمع كردين :

مسمع كردين أبو سيار بن عبد الملك ، عربي صميم من بكر بن وائل ومسمع اسمه وكردين لقبه ، قال النجاشي ص ٢٩٨ : شيخ بكر بن وائل بالبصرة ووجهها وسيّد المسامعة ، روى عن أبي جعفر عليه‌السلام رواية يسيرة وروى عن أبي عبد الله عليه‌السلام واكثر واختصّ به ، وقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : إني لأعدّك لأمر عظيم يا أبا سيار ، وروى عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام وله نوادر كثيرة ، انتهى.

وله أخبار كثيرة تشهد بتمسّكه الشديد بأهل البيت عليهم‌السلام وإطاعته لإمامه ، وإخراجه لحقوق أمواله على كثرتها ، بل أراد أن يجمع كلّ ماله ويحمله الى الإمام ولكن الإمام أبى عليه ذلك ، بل سمع له بحقّ ماله الذي حمله إليه.

معاوية بن عمّار :

معاوية بن عمّار بن خباب البجلي الدهني الكوفي ، وقد سبق ذكر أبيه عمّار ، وكان معاوية وجها من أصحابنا مقدّما كبير الشأن ، فوق عظم المحلّ والوثاقة ، وفي الوسائل كتاب النكاح باب نظر المملوك الى مالكه قول الصادق عليه‌السلام له : « يا بني » وهذا ممّا يرشدك الى عطفه عليه وحبّه له وعنايته به ، وهل اكبر مقاما من إحلاله له هذا المحل.

وقد سبق في عمّار ذكر صاحب القاموس له في ـ دهن ـ وصاحب التاج لأبيه عمّار ، وهذا ممّا يدلّ على معروفيّة معاوية وأبيه عمّار ، وشهرتهم بالتشيّع.

١٦٧

معروف بن خربوذ :

معروف بن خربوذ المكّي ، روى عن السجّاد والباقر والصادق عليهم‌السلام ، وهو من الستة أصحاب أبي جعفر الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه ، وقد جاءت فيه أحاديث دلّت على جلالته وكبير مقامه ، بل وكونه من أهل الأسرار ، وكان من العبّاد الطويل سجودهم.

المعلّى بن خنيس :

المعلّى بن خنيس مولى أبي عبد الله عليه‌السلام ، إن من تتبع أحاديثه عرف أنه من أهل الفقه والمعرفة بمنزلة الإمام ، ومن أعيان الأصحاب ، والذي يدلّ على علوّ مقامه عند الإمام حزن الإمام على قتله ، وخروجه من داره مغضبا يجرّ رداءه وإسماعيل ابنه خلفه ، وهو يقول « إن المرء يصبر على الثكل ولا يصبر على الحرب » حتّى دخل على قاتله داود بن علي العبّاسي والي المنصور ، وقال له : يا داود قتلت مولاي وأخذت مالي ، وما هدأ حاله حتّى اقتصّ ممّن قتله ، وهو السيرافي صاحب شرطة داود ، ولمّا قدّموه لأن يقتل اقتصاصا جعل يصيح : يأمروني أن أقتل لهم الناس ثمّ يقتلونني.

وقال الصادق عليه‌السلام لمّا قتل المعلّى : أما والله لقد دخل الجنّة ، وقال : أفّ للدنيا ، سلّط الله فيها عدوّه على وليّه ، الى ما سوى ذلك ممّا يشهد له بالمنزلة الرفيعة ، وما قتله داود إلاّ لأنه كان من قوام أبي عبد الله عليه‌السلام ، وبعث عليه ليدلّه على شيعة الصادق وأصحابه ، فأبى عليه المعلّى فهدّده بالقتل إن لم يخبره فأصرّ على الكتمان ، وهذا شاهد على تحرّجه في الدين ، وسخائه بنفسه

١٦٨

دون تلك الصفوة المنتجبة ، فرضوان الله عليه وعليهم ، وقد سبق ذكره في « ١ : ١٢٢ و ٢٥٩ ».

المفضّل بن عمر :

أبو عبد الله المفضّل بن عمر الجعفي الكوفي ، روى عن الصادق والكاظم عليهما‌السلام وجمع من فواضل الخصال ما قلّ أن يجمعه سواه من فقهاء الرواة وأعيان الثقات ، فهو قد جمع الى العلم الجم ، والفضل الغزير ، والصلاح والورع ، الوكالة عن الإمامين عليهما‌السلام ، يجمع لهما حقوق الأموال ، ويصلح ما بين الناس من أموالهما ، ويداري الضعفاء امتثالا لأمرهما ، الى غير هذا من كريم الصفات ، وكفى به نبلا ومعرفة أن يعتمدا عليه في هذه المهمّة الكبرى ، التي يحتاج القائم بها الى سعة صدر ، وعلوّ همّة ، وجدّ في قضاء حوائج إخوانه ، وإيمان كامل ، وأن أعماله لتشهد بكفاءته للاعتماد ، وقد جعله الصادق وكيله بعد مضي عبد الله بن أبي يعفور كما سلف في عبد الله ، وكيف ترى أهليّة من يكون خلفا عن مثل ذلك السلف ، وما زال مضطلعا بأعباء هذه الوكالة مع كثرة رجالهما في الكوفة الى أن وافاه القدر المحتوم ، وهو محمود السيرة زكيّ السريرة.

وكفى من رفيع مقامه أن يقول فيه أبو عبد الله عليه‌السلام « نعم العبد والله الذي لا إله إلاّ هو المفضّل بن عمر الجعفي » حتّى أحصي عليه بضعا وثلاثين مرّة يقولها ويكرّرها ، ويقول فيه أبو الحسن عليه‌السلام بعد موته « إن المفضّل كان انسي ومستراحي » وقال أيضا « رحم الله المفضّل قد استراح » الى كثير من أمثال هذا البيان ، وجملة القول إن الرجل أرفع شأنا من أن يذكر بتوثيق ، وأجلّ مقاما من أن يزان بثناء.

وله كتب رواها عنه جملة من الثقات ، وإليه تنسب رواية التوحيد

١٦٩

والاهليلجة عن الصادق عليه‌السلام ، كما سبق « ١ : ١٤٩ و ١٦٤ ».

ميسر بن عبد العزيز :

ميسر بن عبد العزيز النخعي الكوفي المدائني ، روى عن الصادقين عليهما‌السلام ، وروى عنه عدّة من أعيان الثقات ، وكثير منهم من أصحاب الإجماع ، وعدّه ابن شهر اشوب في المناقب من خواصّ الصادق عليه‌السلام وقيل إنه توفي أيام الصادق عام ١٣٦.

والثناء عليه كثير كقول أبي جعفر عليه‌السلام « يا ميسر أما أنه قد حضر أجلك غير مرّة ولا مرّتين ، كلّ ذلك يؤخّر الله بصلتك لقرابتك » وجاء مفاد هذا الحديث مكرّرا ، وكقوله أيضا له « إني لأحبّ ريحكم وأرواحكم ، وإنكم على دين الله ودين ملائكته » الى ما سوى هذه الأحاديث الشاهدة له بالكرامة والجلالة.

هشام بن الحكم :

(١) أبو محمّد هشام بن الحكم مولى كندة ، وقد يكنّى بأبي الحكم ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام ، وله كتب كثيرة ذكرها الرجاليّون في ترجمته.

وكان سابقا في الكلام لا يشقّ غباره ، ومجليا قد أمن فيه عثاره ، ومناظراته في فنونه ترشدك الى تلك القوّة في الحجّة ، وفلّه لحجج مناظريه ، وكان الصادق عليه‌السلام يمنع أصحابه من المناظرة والخصام إلاّ شاذا منهم ، وكان هشام في طليعة من سمح له ، وكان الصادق عليه‌السلام يحترمه ويقدّمه وهو شاب على

__________________

(١) توفّقت بحمده تعالى الى تأليف رسالة مستقلة فيه.

١٧٠

شيوخ أصحابه ذوي الرتب العليّة ويقول فيه « هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده » ويقول فيه أيضا « هشام بن الحكم رائد حقّنا ، وسائق قولنا ، المؤيّد لصدقنا ، والدامغ لباطل أعدائنا ، من تبعه وتبع أثره تبعنا ، ومن خالفه وألحد فيه فقد عادانا وألحد فينا » الى كثير سوى ذلك.

وقد اثنى عليه غير الصادق عليه‌السلام من أئمة أهل البيت كالرضا عليه‌السلام في قوله « كان عبدا صالحا » وكالجواد عليه‌السلام في قوله : « رحمه‌الله ما كان اذبّه عن هذه الناحية » الى كثير من أمثال هذا.

وإن أمثال هذه الكلمات من أئمة أهل البيت في شأنه لتغني الفطن اليقظ عن تنميق كلّ ثناء ، ونسج كلّ مدح ، وإن هذه الكلم الفارطة تريك موقف الرجل في الذبّ عن الحقّ ، ومحاربة الباطل ، وإن صارم مقوله في الدفاع عن الإمامة أمضى من مائة ألف سيف ، كما يقول الرشيد ، وهل هو إلاّ الرجل الفرد الذي فتق الكلام في الإمامة وهذّب المذاهب بالنظر ، وقد أسرع إليه الموت من جرّاء تلك المناظرات في الإمامة ، وذلك حين علم بمكانه الرشيد وخافه على نفسه ، فهرب الى الكوفة فزع القلب ، فمات بهذا الفزع ، وقيل إن موته كان عام ١٧٩.

وجاءت فيه بعض المطاعن ، ومثله بتلك المنزلة في الذبّ عن أهل البيت ذلك الذبّ الذي ما زال أثره حيّا حتّى اليوم ، كيف لا يحتال حسّاده وأعداؤه في إنقاصه ، وهدم ما بناه ، على أنه قد يطعن فيه الإمام نفسه ليدفع بذلك عنه السوء.

هشام بن سالم :

هشام بن سالم الجواليقي الجعفي العلاّف ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن

١٧١

عليهما‌السلام ، وكان من المجلين في الكلام ، الذين أشرقوا أعداءهم بالريق ، وألزموهم الحجّة ، وأوضحوا للناس المحجّة ، وكان ممّن سمحوا له بالمناظرة والكلام ، ولو كان يخشى من عثاره ، ويخاف من سقوطه ، ما سمحوا له بتلك المخاصمات في يوم فيه العلم قد حلّق بأعلى الجو ، والسلطة عدوّة أهل البيت ونصيرة مخاصميهم في الإمامة ، بل وفي كلّ فنّ وعلم.

وما كان متخصّصا بالكلام فحسب ، بل كان من أجلّة الفقهاء الكرام وجاءت فيه مدائح دلّتنا على علوّ مقامه ، ورفيع قدره.

وجاءت فيه مطاعن كما جاءت في غيره من أجلّة أنصار أهل البيت وأصحابهم الثقات ، والجواب عنها عامّة مفهوم ، كما أنهم يذكرون الجواب عن كلّ طعن طعن ، وكيف يصحّ في أمثال هؤلاء الأعاظم قدح ، وهل قام دين الحق ، وظهر أمر أهل البيت إلاّ بصوارم حججهم ، وقواطع براهينهم ، فهم من المجاهدين في الله الذين لا تنهض لمواضي ألسنتهم وأدلّتهم الجيوش والعساكر ، والسلطان والإرهاب.

يونس بن يعقوب :

يونس بن يعقوب البجلي الدهني الكوفي ، روى عن الصادق والكاظم عليهما‌السلام ، ومات في عهد الرضا عليه‌السلام بالمدينة ، فبعث إليه بحنوطه وكفنه وجميع ما يحتاج إليه ، وأمر مواليه وموالي أبيه وجدّه أن يحضروا جنازته ، وأمر بدفنه بالبقيع ، وأيّ كرامة أعظم من هذه.

وكان من أعلام الفقهاء ورؤسائهم الذين يؤخذ عنهم الحلال والحرام وكان وكيلا لأبي الحسن موسى عليه‌السلام وذا حظوة عند الأئمة عليهم‌السلام ، ووردت فيه عنهم عدّة أحاديث تدلّ على جليل منزلته عندهم ، وكبير عنايتهم

١٧٢

به ، مثل قول الكاظم عليه‌السلام « فنحن لك حافظون » وقول الصادق أو الكاظم عليهما‌السلام « إنما أنت منّا أهل البيت ، فجعلك الله مع رسوله وأهل بيته ، والله فاعل ذلك إن شاء الله » الى ما سوى هذه ، فبهذا ومثله تتجلى حاله من الجلالة وعظم المقام ، فضلا عن الوثاقة في الرواية.

وبهذا نختم الكلام عن المشاهير من ثقات الرواة لأبي عبد الله عليه‌السلام ، الذين أخذوا عنه معالم الدين ومكارم الأخلاق وسائر العلوم ، ومن ذلك تعرف قدر الرواة والرواية عنه ، ومبلغ العلوم والفنون المرويّة عنه ، والمأخوذة منه.

* * *

١٧٣

مواليه

كان لأبي عبد الله عليه‌السلام موال كثيرة ، ولكن الذي جاء في ترجمة معتب الآتي ذكره أنهم عشرة وقال عليه‌السلام « وفيهم خائن فاحذروه وهو صغير » ولم يضبط أنه بالفاء ، أو بالعين المهملة فيكون اسما ، أو بالغين المعجمة فيكون وصفا ، على أنه يحتمل أن يكون اسما أيضا ، وعلى أيّ حال فإن الذي وجدته منهم يتجاوز العشرة ، ولعلّهم كانوا عشرة في وقت من الأوقات ، ونحن نستطرد ذكر من عثرنا عليه منهم :

١ ـ المعلّى بن خنيس :

كان المعلّى بن خنيس من موالي أبي عبد الله عليه‌السلام الذين يعتمد عليهم في تدبير شئونه ، ومن الثقات الذين قد يفضي إليهم بسرّه ، وكان من مشاهير الثقات من رواته ، كما ذكرناه فيهم.

٢ ـ معتب (١)

ومنهم معتب ، وقد عدّه الرجاليّون في أصحاب الصادق والكاظم

__________________

(١) بضمّ الميم وفتح العين المهملة وتشديد التاء المثناة الفوقانيّة المكسورة وباء موحّدة كما في الخلاصة للعلاّمة الحلّي طاب ثراه.

١٧٤

عليهما‌السلام ، وعن الصادق أن مواليه عشرة ، وأن خيرهم وأفضلهم معتب وقال : وفيهم خائن فاحذروه ، وهو صغير ، وفي آخر قال عليه‌السلام : مواليّ عشرة خيرهم معتب ، وما يظن معتب إلاّ أني أحقّ الناس.

وروى عنه من مشاهير الثقات وأعيانهم أمثال يونس بن يعقوب والمعلّى بن خنيس ، وإسحاق بن عمّار ، وغيرهم ، ومن هذا ومثله تعرف أنه من أهل المعرفة والفضيلة ، والوثاقة في الحديث ، وقد وثّقه العلاّمة في الخلاصة من دون ريب وتوقّف.

٣ ـ مسلم :

ومنهم مسلم ، وعن أبي الحسن عليه‌السلام أن مسلما سندي ، وأن الصادق جعفر عليه‌السلام قال له « أرجو أن تكون وفّقت الاسم » وعنه عليه‌السلام « إن مسلما علّم القرآن في النوم وأصبح قد علمه » ، وروى عن الرضا عليه‌السلام مثله ، وبعض الأحاديث تدلّ على موالاته للإمام بل ومن أهل سرّه.

٤ ـ مصادف :

ومنهم مصادف ، وعدّه أرباب الرجال في أصحاب الصادق والكاظم عليهما‌السلام ، وروى عنه من أعلام الثقات أمثال الحسن بن محبوب ، وعلي بن رئاب وغيرهما ، وهذا شاهد على وثاقته وعرفانه بالحديث ومقام الإمامة.

وهو الذي أرسله الصادق عليه‌السلام الى مصر ببضاعة قدرها ألف دينار ، وعاد وربحها ألف دينار ، فاستكثر الصادق الربح ، فأعلمه مصادف أن المتاع الذي معهم ليس منه شيء في مصر ، فحلفوا ألاّ يبيعوه إلاّ بربح دينار دينارا ،

١٧٥

فأنكر الصادق عليه‌السلام هذا الحلف وهذا الربح وعدّه حراما ، فأخذ الأصل وترك الربح ، وقال له : يا مصادف مجالدة السيوف أهون من طلب الحلال ، وقد ذكرنا هذا في عطفه « ١ : ٢٣٣ ».

وهو الذي كان مع الإمام عليه‌السلام ومرازم معهما لمّا استدعاه المنصور الى الحيرة ، ولمّا سمح له المنصور بالرجوع الى المدينة خرج ليلا فمنعه عاشر هناك عن الذهاب فحاول مصادف ومرازم أن يقتلاه فأبى عليهما الإمام ، وما زال الإمام بالعاشر حتّى اقتنع فخلا عن السبيل ، وقد مضى اكثر الليل فقال الصادق : يا مرازم هذا خير أم الذي قلتماه ، وقد ذكرنا ذلك في حلمه « ١ : ٢٣٢ » وفي مرازم من هذا الجزء.

٥ ـ سعيد الرومي :

ومنهم سعيد الرومي ، وعدّه الشيخ طاب ثراه في رجاله من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، وروى عنه ابن مسكان وأبان وحمّاد وهؤلاء ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه ، كما سبق في تراجمهم ، وهذا دليل واضح على وثاقته في الرواية ، واعتماد هؤلاء الأعيان الثقات عليه ، وعلى معرفته بالحديث والأحكام ، وأخذه عن الإمام.

٦ ـ صباح :

ومنهم صباح ، والظاهر أنه بتخفيف الباء الموحدة ، وكان عداده في أصحاب الصادق عليه‌السلام ، وهذا يدلّ أن له رواية عنه ، وحظّا للأخذ منه ، ودلالة على المعرفة بالإمام وكفى بها توفيقا وسعادة ، زيادة على السعادة بخدمه

١٧٦

الإمام عليه‌السلام ، والقيام بحوائجه.

٧ ـ طاهر :

ومنهم طاهر ، ولم يذكر في ترجمته غير أنه من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، وهذا كما ذكرناه في صباح كاشف عن أخذه عن سيّده وروايته عنه وهو سعادة وحظوة ، ودلالة على المعرفة.

والظاهر أن طاهرا الذي روى عتاب الصادق عليه‌السلام لابنه عبد الله الأفطح وتوبيخه على ما لا يرضاه الإمام من فعله ، هو طاهر هذا مولى الصادق عليه‌السلام.

٨ ـ عباس بن زيد :

ومنهم عباس بن زيد وهو مدني ، وعداده في أصحاب الصادق عليه‌السلام ، وأن له أحاديث ، ولم يذكر فيه اكثر من هذا.

وإن خدمة الإمام حظوة كبرى ، والنظر الى وجهه الكريم كلّ حين من أسعد الطوالع ، والأخذ عنه والانتهال من نميره من أفضل الباقيات الصالحات ، لو كان يفعله المرء عن بصيرة ومعرفة وقصد وإرادة ، منتبها الى هذه الكرامة العظمى ، شاكرا الله على بلوغ هذه النعمة السابغة.

٩ ـ الفضيل :

ومنهم الفضيل ، وعداده أيضا في أصحاب الصادق ، وقد وقع في طريق الصدوق في باب نوادر الوصايا ، ولم يذكر بشيء اكثر من هذا.

١٧٧

١٠ ـ المغيرة

ومنهم المغيرة ، وعدّوه في أصحابه عليه‌السلام وأن له رواية وهذا كلّ ما يذكر فيه.

١١ ـ موسى

ومنهم موسى ، وعداده في أصحابه عليه‌السلام ، وهذا كلّ ما يذكر فيه ، وهذا كما عرفت حظّ سعيد ، وتوفيق رفيع يسوقه وليّ التوفيق جلّ شأنه.

١٢ ـ نصر بن ساعد

ومنهم نصر بن ساعد ، وقد ذكروا فيه أن له رواية عن أبي عبد الله عليه‌السلام وهو كسوابقه ممّن حظي بالكرامة والتوفيق.

١٣ ـ سالمة

ومنهم سالمة ، وقد عدّها الشيخ طاب ثراه في رجاله من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، وهي التي روت أنها كانت عند أبي عبد الله عليه‌السلام حين حضرته الوفاة وقد اغمي عليه ، ولمّا أفاق قال « اعطوا الحسن الأفطس سبعين دينارا ، واعطوا فلانا كذا ، وفلانا كذا » فقلت : أتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك ، قال : أتريدين ألاّ اكون من الذين قال الله عزّ وجلّ فيهم : « والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربّهم ويخافون سوء الحساب » (١) وقد سبق ذلك في هباته السرّية « ١ : ٢٢٩ » وفي حاله

__________________

(١) الرعد : ٢١.

١٧٨

عند الموت من هذا الجزء ص ١٠٤.

ومن هذه الرواية يستفاد أن سالمة كانت مقرّبة لدى الإمام عليه‌السلام يصغي لكلامها ، ويجيب عنه من دون زجر وردع بل بالتعليم والوعظ.

هذا آخر ما توفّقت له من التحبير عن شخصية الإمام الصادق عليه‌السلام ، راجيا منه جلّ شأنه أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن يعفو عمّا زلّ به القلم ، ويسمح لي ما خالط قصدي فيه ما لا يرتضيه.

كما أرجو من سيّدي أبي عبد الله عليه‌السلام أن يغمرني بألطاف قبوله لهذه الهديّة المزجاة التي أرفعها لمقامه الكريم ، فإن الهدايا على مقدار مهديها.

وله الحمد كما بدأ يعود ، والصلاة والسلام على خيرته من العباد ، محمّد المصطفى ، وعترته الأطايب الأمجاد.

* * *

١٧٩

الى القارئ الكريم

لعلّك تجد ـ كما أجد ـ هذه الصحائف غير كافلة بالابانة عن تلك الشخصيّة الفذّة الكريمة ـ الإمام الصادق ـ ولا بدع فإن المرتقى ليس بسهل فالقصور عذري الذي سجّلته واسجله على نفسي أبدا ، ولا أدفع التقصير.

وأرجو أن تتحفني ـ بعد أن تجيل الطرف فيها ـ بما يحضرك من ملاحظات ، فإن أحبّ اخواني من أهدى إليّ عيوبي ، لنتدارك ذلك في طبعة اخرى.

محمّد الحسين المظفّر

١٨٠