ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-105-2
الصفحات: ٤٨٣

البسملة في السورة بعد الحمد : يعيد الصلاة (١) وهو يستلزم وجوب السورة.

وعورضا بخبري الحلبي وعلي بن رئاب عن الصادق عليه‌السلام : « فاتحة الكتاب وحدها تجزئ في الفريضة » (٢) وهما من الصحيح. وروى عمر ابن يزيد ـ في الصحيح أيضا ـ عنه عليه‌السلام : أجزاء السورة الواحدة في الركعتين من الفريضة إذا كانت أكثر من ثلاث آيات (٣).

وحمل الشيخ الخبرين الأولين في التهذيب على الضرورة ، لما رواه الحلبي في الصحيح عنه عليه‌السلام : « لا بأس ان يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين ، إذا ما عجلت به حاجة أو تخوّف شيئا » (٤).

وحمل الخبر الثالث على انّ المراد تكررها في الركعة الثانية دون ان يفرقها في الركعتين ، هذا إذا لم يحسن غيرها ، فاما مع التمكّن من غيرها فإنّه يكره ذلك ، لما رواه علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه‌السلام في الرجل يقرأ سورة واحدة في الركعتين من الفريضة وهو يحسن غيرها ، قال : « إذا أحسن غيرها فلا يفعل ، وان لم يحسن غيرها فلا بأس » (٥).

قلت : الحمل الأول حسن ، واما الثاني فمشكل ، لانه لو أراد تكرارها لم يكن في التقييد بزيادتها على ثلاث آيات فائدة ، إذ يكره تكرار ما زاد وما لم يزد ، ولو حملت على الضرورة كما حمل الخبران الأولان عليها كان أحسن ، أي : انّه إذا لم يتمكن من قراءة سورة كاملة في الركعة ، ويتمكن من قراءة سورة في الركعتين ، وجب إذا أصاب كل ركعة آيتين فصاعدا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٣ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٦٩ ح ٢٥٢ ، الاستبصار ١ : ٣١١ ح ١١٥٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٧١ ح ٢٥٩ ، ٢٦٠.

(٣) التهذيب ٢ : ٧١ ح ٢٦٢ ، الاستبصار ١ : ٣١٥ ح ١١٧٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٧١ ، الاستبصار ١ : ٣١٤ والحديث فيهما برقم ٢٦١ ، ١١٧٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٧١ ، الاستبصار ١ : ٣١٥ ، والحديث فيهما برقم ٢٦٣ ، ١١٧٤.

٣٠١

وفيه إشارة الى انّ البسملة ليست معدودة في الآي ، أو انّها مع الآية التي بعدها آية كاملة ، لأنّ أقل السور عددا لا تنقص بالبسملة عن أربع.

قال في المعتبر : حمل الرواية بالسورة على الاستحباب ، وحمل الرواية بعدمها على الجواز أقرب.

وأورد رواية حريز عن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام في السورة تصلّى في الركعتين من الفريضة ، فقال : « نعم ، إذا كانت ست آيات ، نصفها في الركعة الاولى ، والنصف الآخر في الركعة الثانية ».

ورواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام في رجل قرأ سورة فغلط ، أيدع المكان الذي غلط فيه ويمضي في قراءته ، أو يدع تلك السورة ويتحول عنها الى غيرها؟ فقال : « كل ذلك لا بأس به ، وان قرأ آية واحدة فشاء ان يركع بها ركع ».

ورواية إسماعيل بن الفضل ، قال. صلّى بنا أبو عبد الله أو أبو جعفر فقرأ بفاتحة الكتاب وآخر المائدة ، فلما التفت إلينا فقال : « إنما أردت أن أعلمكم » (١).

قلت : يمكن حمل هذه الروايات على التقية ، إذ عمل أكثر الأصحاب على خلافها يشعر باعراضهم عنها لعلّة من العلل ، أو تحمل على العذر.

الرابعة : لا تجزئ القراءة بغير العربية ولا بمرادفها منها‌ بإجماعنا ، لقوله تعالى ( إِنّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ) (٢) ولفوات الاعجاز إذ هو باعتبار لفظه ونظمه ،

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٧٣.

ورواية أبي بصير في التهذيب ٢ : ٢٩٤ ح ١١٨٢ ، والاستبصار ١ : ٣١٥ ح ١١٧٥.

ورواية زرارة في التهذيب ٢ : ٢٩٣ ح ١١٨١.

ورواية إسماعيل في التهذيب ٢ : ٢٩٤ ح ١١٨٣ وفيه : ( وأبو جعفر ) ، والاستبصار ١ : ٣١٦ ح ١١٧٦.

(٢) سورة يوسف : ٢.

٣٠٢

ولأنّ الترجمة مغايرة للمترجم والاّ لكانت ترجمة الشعر شعرا ، ولأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يفعله ولا نقل عن أحد من الأئمة والصحابة.

قالوا : قال الله تعالى ( إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى ) (١).

قلنا : الإشارة إلى معنى قوله تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى ) الآيات (٢) أو الى معنى قوله ( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى ) (٣). سلمنا ، لكن معناه انّ معاني القرآن في الصحف ولا يلزم منه كونها قرآنا ، وكذا قوله تعالى : ( وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ) (٤) ، ولانّه لو كان القرآن سابقا في الكتب المنزلة لم يكن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمته اختصاص ، لكنّه مختص به كما نطق القرآن العزيز بذلك في آي كثيرة ، كقوله تعالى ( بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ ) (٥) ( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ ) (٦) وقوله تعالى ( ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ) (٧).

قالوا : قال : سبحانه ( لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) وإنذار العجم بالعجمية (٨)

قلنا : ذلك تفسير لألفاظ القرآن.

فرع :

لو ضاق الوقت ولا يعلم غير الترجمة ، ففي تقديمها على الذكر الذي هو‌

__________________

(١) الآية في سورة الأعلى : ١٨.

(٢) سورة الأعلى : ١٤ ، ١٥.

(٣) سورة الأعلى : ١٧.

(٤) سورة الشعراء : ١٩٦.

(٥) سورة يوسف : ٣.

(٦) سورة المائدة : ٤٨.

(٧) سورة الأنبياء : ٢.

(٨) قاله أبو حنيفة ، راجع : المغني ١ : ٤٨٦ ، بدائع الصنائع ١ : ١١٢.

والآية في سورة الانعام : ١٩.

٣٠٣

بدل عن القراءة تردّد.

والذي اختاره الشيخ في الخلاف انه يذكر الله ويكبّره ، ولا يقرأ المعنى بغير العربية بأي لغة كانت ، فان فعل ذلك بطلت صلاته. قال : وروى عبد الله ابن أبي أوفى : ان رجلا سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : اني لا استطيع أن أحفظ شيئا من القرآن ، فما ذا أصنع؟ فقال له : « قل : سبحان الله والحمد لله » ، فلو كان معناه قرآنا لقال له : احفظ بأي لغة سهلت عليك ، فلما عدل به الى التسبيح والتحميد دلّ على انه لا يكون قرآنا بغير هذه العبارة (١).

ويحتمل تقديم الترجمة على الذكر ، لقربه إلى القرآن ، ولجواز التكبير بالعجمية عند الضرورة. ولعلّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انما لم يأمر الأعرابي بحفظه بغير العربية (٢) لعلمه بتعذّرها عليه.

ويمكن الفرق بين التكبير وبين القراءة ، بانّ المقصود في التكبير لا يتغير بالترجمة ، إذ الغرض الأهم معناه فالترجمة أقرب إليه ، بخلاف القرآن فإن الإعجاز يفوت ، إذ نظم القرآن معجز ، وهو الغرض الأقصى ، وهذا هو الأصح.

الخامسة : لا يجوز الإخلال بحرف من الفاتحة عمدا ، ولا من السورة بعدها ، لعدم صدق الامتثال. وكذا يجب الترتيب بين كلماتها وآيها على الوجه المنقول بالتواتر ، لأنّ ذلك هو القرآن الذي أمر بقراءته في الصلاة. وكذا التشديد ، لأنّ الإخلال به إخلال بحرف. وكذا حركات الاعراب والبناء ، سواء‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٤٣ المسألة : ٩٤.

والرواية في : مسند الطيالسي : ١٠٩ ح ٨١٣ ، مسند احمد ٤ : ٣٥٢ ، سنن أبي داود ١ : ٢٢٠ ح ٨٣٢ ، سنن النسائي ٢ : ١٤٣ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٣ : ١٤٨ ح ١٨٠٦ ، سنن الدار قطني ١ : ٣١٣ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٢٤١ ، السنن الكبرى ٢ : ٣٨١.

وسيأتي بتمامه في ص ٣٠٦ الهامش ١.

(٢) راجع الهامش ١.

٣٠٤

تغير المعنى بالإخلال بها أو لا ، تأسيا بصاحب الشرع وأهل بيته.

ويجب مراعاة مخارج الحروف حتى الضاد والظاء وان عسر ما لم يتعذر ـ وليس في الحمد ظاء ـ لأنّ إخراج الحرف من غير مخرجه إخلال بحقيقة ذلك الحرف الذي هو إخلال بماهية القراءة.

فرع :

تجوز القراءة بالمتواتر ، ولا تجوز بالشواذ. ومنع بعض الأصحاب من قراءة أبي جعفر ويعقوب وخلف (١) وهي كمال العشر ، والأصح جوازها ، لثبوت تواترها كثبوت قراءة القرّاء السبعة.

السادسة : يجب تعلم الفاتحة على من لم يحسنها ، إجماعا من كل من أوجب القراءة ، لتوقف الواجب عليه.

فان ضاق الوقت ، قرأ ما يحسن منها إجماعا.

فان لم يحسن منها شيئا ، قرأ ما يحسن من غيرها بقدرها ، لعموم : ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) (٢) ، ويقرأ سورة غيرها إذ السورة ممكنة فلا تسقط بفوات الحمد.

فان لم يحسن شيئا من غيرها ، سبّح الله وحمده وهلّله وكبّره بقدر القراءة ، لأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأعرابي ان يحمد الله ويكبّره ويهلّله (٣).

وروى العامة : انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قال له رجل : يا رسول الله لا استطيع شيئا من القرآن ، فعلمني ما يجزئ؟ فقال : « قل : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله » قال : هذا لله‌

__________________

(١) كالعلامة في تذكرة الفقهاء ١ : ١١٥.

(٢) سورة المزمل : ٢٠.

(٣) سنن أبي داود ١ : ٢٢٨ ح ٨٦١ ، الجامع الصحيح ٢ : ١٠٠ ح ٣٠٢ ، السنن الكبرى ٢ : ٣٨٠.

٣٠٥

فما لي؟ قال قل (١) : « اللهم اغفر لي ، وارحمني واهدني ، وارزقني وعافني » (٢).

فروع :

هل يشترط مساواة الذكر للفاتحة قدرا حتى في الحروف؟

قال في المعتبر : لا ، لأنّ الخبر الأول دلّ على مطلق الحمد والتكبير والتهليل. نعم ، الأفضل ان لا يقصر عن حروفها (٣).

ولو قيل : يتعيّن ما يجزئ في الأخيرتين من التسبيح ـ على ما يأتي إن شاء الله ـ كان وجها ، لانّه قد ثبت بدليته عن الحمد في الأخيرتين ، فلا يقصر بدل الحمد في الأوليين عنهما. وروى عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام : « انّ الله فرض من الصلاة الركوع والسجود ، الا ترى لو انّ رجلا دخل في الإسلام لا يحسن يقرأ القرآن أجزأه ان يكبّر ويسبح ويصلي » (٤). وما قلناه مختار ابن الجنيد والجعفي (٥).

ولو لم يحسن شيئا ، وضاق الوقت عن التعلّم ، وأمكن الائتمام وجب ، لانّه يسقط القراءة. وان تعذّر احتمل وجوب قيام بقدر الحمد ، لعموم : « فاتوا منه ما استطعتم » (٦) وهو مختار الفاضل ـ رحمه‌الله ـ (٧).

ولو أمكنه القراءة من المصحف وجبت وقدّمه على الذكر ، لحصول حقيقة القراءة ، ولكنه لا يكفي مع إمكان التعلم ، لأنّ المأمور به القراءة عن ظهر‌

__________________

(١) أثبتناها من ط والمصادر.

(٢) تقدم في ص ٣٠٤ الهامش ١.

(٣) المعتبر ٢ : ١٧١.

والخبر المعني هو ما تقدم في ص ٣٩٦ الهامش ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ١٤٧ ح ٥٧٥ ، الاستبصار ١ : ٣١٠ ح ١١٥٣.

(٥) مختلف الشيعة : ٩٢.

(٦) مسند احمد ٢ : ٢٤٧ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٧٥ ح ١٣٣٧ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٦ : ٧ ح ٣٦٩٦ ، السنن الكبرى ١ : ٢١٥.

(٧) تذكرة الفقهاء ١ : ١١٥.

٣٠٦

القلب إذ هو المتبادر إلى الأفهام ، ولأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأمر الأعرابي بالقراءة من المصحف (١).

وروى الحسن الصيقل عن الصادق عليه‌السلام في المصلي يقرأ في المصحف يضع السراج قريبا منه ، قال : « لا بأس » (٢).

وفي المبسوط والخلاف : يجوز أن يقرأ في الصلاة من المصحف إذا لم يحسن ظاهرا (٣). وقضية كلامه انه إذا أحسن لم يجز ، والتمكن من الحفظ في قوة من يحسنه ظاهرا.

واجتزأ الفاضلان به وان أمكنه الحفظ ، معللين بان الواجب مطلق القراءة (٤) ، وهو محل النزاع. وعلى قولهما يتخيّر المكلف بين الحفظ والقراءة في المصحف ، وحينئذ يجب تحصيل المصحف اما بشراء أو استئجار أو استعارة.

ولو احتاج الى مصباح في الظلمة ، وجب تحصيله مع القدرة ، فإن ترك ذلك بطلت صلاته ولو تلا فيها غير الفاتحة من القرآن.

ولو تتبع قارئا أجزأ عند الضرورة ، وعلى قولهما يجزئ اختيارا. وفي ترجيحه على المصحف احتمال لاستظهاره في الحال ، ولو كان يستظهر في المصحف استويا. وفي وجوبه عند إمكانه احتمال ، لأنه أقرب الى الاستظهار الدائم.

وإذا عدل الى القرآن عن الفاتحة لعجزه عنها ، فالأقرب وجوب كونه بقدرها فزائدا ، وحينئذ يمكن اعتبار الحروف ، ولو أمكن سبع آيات فهو أولى ، ويجب التتالي فيها إن حفظ المتتالي والا أجزأ التفريق ، ويجزئ ولو آية إذا‌

__________________

(١) تقدم في ص ٣٠٤ الهامش ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩٤ ح ١١٨٤.

(٣) المبسوط ١ : ١٠٩ ، الخلاف ١ : ٤٢٧ المسألة : ١٧٥.

(٤) المعتبر ٢ : ١٧٤ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١١٥ ، نهاية الإحكام ١ : ٤٧٣.

٣٠٧

ساوت حروفها.

وفي المبسوط : إذا لم يحسنها وأحسن غيرها قرأ ما يحسنه عند ضيق الوقت ، سواء كان بعدد آيها أو دونها أو أكثر (١). وظاهره قراءة ما شاء ، الاّ ان يحمل ( قراءة دونها ) على من لا يحسن سواه. وفي المعتبر صرّح بعدم وجوب كون المقروء بقدرها (٢).

ولو علم شيئا من الفاتحة اقتصر عليه ، وهل يجب تكراره بقدرها؟ نفاه في المعتبر (٣).

ولو كان يحسن غيره من القرآن ، ففي تكراره أو ضمّ ما يحسن من القرآن اليه نظر ، من ان بعضها أقرب إليها من غيرها فيكرره ، كما لو أحسن غيرها من القرآن فإنه لا يعدل الى الذكر. ومن ان الشي‌ء الواحد لا يكون أصلا وبدلا عن غيره ، فيأتي بما يحسن منها ويضمّ اليه بقدر الباقي. ويدلّ عليه أيضا ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علّم السائل « الحمد لله » (٤) وهي من جملة الفاتحة ولم يأمره بتكررها ، ويضعف بان هذا القدر لا يسمى قرآنا ، ولانه لو سمى قرآنا لكان مراعاته أولى من الذكر.

ولو أحسن النصف الأول منها قرأه ، فإن أحسن غيره قرأ بقدر النصف الثاني ويقدّم ما يحفظ منها. ولو أحسن النصف الأخير قرأ من غيرها أولا ثم أتى بالنصف الأخير. وعلى القول بالتكرار يكرر.

ولو لم يحفظ غيره ، وقلنا بعدم التكرار ، عوّض عن النصف الفائت بالذكر ، فان كان المحفوظ هو الأول قدمه على الذكر والاّ قدم الذكر عليه. وعلى قول الشيخ ومن تبعه يراعى قدر النصف ، امّا وجوبا أو استحبابا. وعلى‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٠٦.

(٢) المعتبر ٢ : ١٧٠.

(٣) المعتبر ٢ : ١٧٠.

(٤) تقدم في ص ٣٠٤ الهامش ١.

٣٠٨

ما قلناه يراعي نصف المجزئ عن الجميع تقريبا.

ولو أحسن وسطها عوّض عن الطرفين من غيرها ، فان لم يحسنه عوّض عنهما بالذكر قبل وبعد.

ولو أحسن بعض آية ، فإن كان يسمى قرآنا قرأة والاّ فالذكر. ولو كان لا يحسن الذكر إلا بالعجمية وضاق الوقت أتى به.

ولو كان يحسن قرآنا مترجما ، ففي ترجيح الذكر المترجم عليه أو العكس نظر ، من حيث انّ ترجمة القرآن أقرب إليه من الذكر ، ومن ان الغرض الأقصى من القرآن نظمه المعجز وهو يفوت بالترجمة ، بخلاف الأذكار كما سلف. وقوّى الفاضل تقديم القرآن هنا (١).

ولو تعلّم في الأثناء ، فإن كان قبل شروعه في البدل قرأ المبدل ، وان كان في أثناء البدل قال في التذكرة : قرأ ما لم يأت ببدله ، لانه امتثل (٢). ولو قيل بوجوب المبدل كلّه كان وجها ، لأنه في محل القراءة بعد وهو متمكن منها ، سواء كان قد شرع في الذكر فتعلم بعض القرآن أو تعلم الفاتحة ، أو كان قد شرع في غيرها من القراءة فتعلم الفاتحة.

نعم ، لو كان قد ركع مضت الركعة واستأنف القراءة فيما بقي. واحتمل الفاضل استحباب العدول الى النفل ، لثبوته في استدراك قراءة الجمعة مع استحبابه ، ففي استدراك الواجب أولى (٣).

ولقائل أن يمنع انه استدراك واجب ، لأنّ إتمام هذه الصلاة الآن مجزئ ، وإذا نقل نيته الى النفل ثم أعادها فقد أتى بصلاة أكمل منها ، فهو في معنى قراءة الجمعة في انه صفة كمال بالنسبة الى هذه الصلاة ، ولما كان القياس عندنا‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١١٥.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١١٥.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ١١٥.

٣٠٩

باطلا بقي الدليل الدال على إبطال العمل خليا عن المعارض ، ومن هذا يظهر ضعف القول بان المتيمم إذا وجد الماء في أثناء الصلاة يعدل إلى النافلة (١) ، وقد سبق.

السابعة : لو لم يحسن السورة وجب عليه التعلم. فلو تعلم بعضها وضاق الوقت أتى به. ولو لم يحسن شيئا منها لم يعوّض عنها بالذكر ، اقتصارا على موضع النقل. ولو كان يحفظ قرآنا غير الفاتحة ، وجب عليه أن يقرأ منه بدل الفاتحة ، ثم يقرأ سورة كاملة. ولو لم يحفظ سوى سورة ، قرأ منها بدل الفاتحة ، وكررها عن السورة بعد الحمد.

الثامنة : يجب تقديم الحمد على السورة ، فإن خالف عمدا أعاد ، وان كان ناسيا أعاد السورة بعد الحمد ، والجاهل لا يعذر هنا. ولو لم نوجب السورة ، لم يضر التقديم على الأقرب ، لانه أتى بالواجب ، وما سبق قرآن لا يبطل الصلاة. نعم ، لا يحصل له ثواب قراءة السورة بعد الحمد ، ولا يكون مؤديا للمستحب.

وكذا يجب تقديم كل آية سابقة على لاحقتها في الحمد والسورة ، لأن الأمر بالقراءة ينصرف الى المنزل على ترتيبه ، فلو خالف عمدا بطلت الصلاة ، ولو كان نسيانا استأنف القراءة ، ولا يجزئه البناء على ما يحصل به الترتيب ، للإخلال بالموالاة ، نعم ، لو قرأ النصف الثاني من الحمد ناسيا ، ثم قرأ الأول مع استمرار النسيان ثم تذكر ، بني.

التاسعة : تجب الموالاة في القراءة. فلو قرأ خلالها من غيرها عمدا بطلت الصلاة ، لتحقق المخالفة المنهي عنها. وفي المبسوط : يستأنف القراءة ولا تبطل الصلاة (٢).

__________________

(١) قاله العلامة في تذكرة الفقهاء ١ : ٦٥.

(٢) المبسوط ١ : ١٠٦.

٣١٠

ولو كان ناسيا استأنف القراءة. وفي المبسوط : يبني على الأول (١).

ولو سكت في أثنائها بما يزيد على العادة ، فإن كان لانه ارتج عليه فطلب التذكر لم يضرّ الاّ ان يخرج عن كونه مصليا ، وإن سكت متعمدا لا لحاجة حتى خرج عن كونه قارئا استأنف القراءة.

ولو خرج بالسكوت عن كونه مصليا بطلت.

ولو نوى قطع القراءة وسكت ، قال في المبسوط : يعيد الصلاة ، بخلاف ما لو سكت لا بنية القطع ، أو نوى القطع ولم يسكت (٢) مع انه يقول : إنّ الصلاة لا تبطل بنيّة فعل المنافي (٣).

وربما يجاب : بان المبطل هنا نيّة القطع مع القطع ، فهو نيّة المنافي مع فعل المنافي.

ويشكل : بان قواطع الصلاة محصورة ، ونيّة قطع القراءة لا تؤثر ، وقطع القراءة بمجرده لا يؤثر كما ذكره الشيخ. اما لو نوى قطع القراءة لا بعزم العود إليها ، فهو كنيّة قطع الصلاة بفعل المنافي ، ان ثبت ان هذا القطع مناف للصلاة من حيث انه لا شغل له الآن سوى القراءة ، فإذا نوى قطع القراءة وترك القراءة فهو قطع للصلاة بالفعل ، لانه ترك واجبا في الصلاة متعمدا.

ولقائل أن يقول : امّا ان نقول نيّة المنافي تؤثر أو لا ، فان قلنا بتأثيرها بطلت ، سواء قطع القراءة أو لا. وان قلنا لا تؤثر حتى يفعل المنافي ، فلا نسلم انّ مطلق ترك القراءة مناف ، وانما تتحقق المنافاة إذا أتى بعده بالركوع فيكون قد أخل بواجب ، أو لبث بعد القطع زمانا يخرج به عن كونه مصليا ، فتتحقق المنافاة لا بمجرد ترك القراءة بل بهذا المنافي.

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٠٥.

(٢) المبسوط ١ : ١٠٥.

(٣) المبسوط ١ : ١٠٢.

٣١١

فروع :

لما كان الركن الأعظم في القرآن نظمه لم تجز القراءة بما يخل بالنظم ، كما لو قرئ مقطّعا كأسماء العدد وأسماء الحروف. اما لو وقف في موضع لا يقف القرّاء عليه ويعدونه من القبيح فإنه لا يبطل ، لحصول مسمى القرآن.

ولو كرّر آية من الحمد أو السورة لإصلاح ، لم يقدح في الموالاة وان لم يأت بالآية التي قبلها ، وبعض العامة قال : يأتي بما قبلها ثم يكررها (١). ولو كررها عمدا فكذلك ، وكذا الآيتان فصاعدا.

ولو شك في كلمة ، أتى بها ، والأجود إعادة ما يسمى قرآنا ، وأولى منه عدم جواز الإتيان بمجرد الحرف الذي شك فيه أو تيقّن فساده ، لانه لا يعدّ بعض الكلمة كلمة فضلا عن كونه قرآنا.

ولو كرر الفاتحة عمدا ، فالأقرب عدم البطلان ، لان الكل قرآن ، ولان تكرار الآية جائز. واحتمل الفاضل بطلان الصلاة ، لمخالفة المأمور به (٢). وكذا لو كرر السورة ، والخطب فيه أسهل لان القران بين السورتين قيل بجوازه ، وهو في قوة القرآن.

اما لو اعتقد المكرّر استحباب التكرار توجّه الإبطال ، لأنه ليس بمشروع على هذا الوجه ، فيكون الآتي به آتيا بغير المشروع ، وأولى بالبطلان ما لو اعتقد وجوبه. ولو كرّر شيئا من ذلك نسيانا فلا شي‌ء عليه.

ولا يقدح في الموالاة سؤال الرحمة والاستعاذة من النقمة عند آيتيهما ، لاستحباب ذلك لما روى حذيفة من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك وقد قرأ سورة البقرة ، وكان مقتديا به (٣). وروى سماعة قال : قال عليه‌السلام : « ينبغي‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٣٥٨.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١١٦.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٥٣٦ ح ٧٧٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٢٩ ح ١٣٥١ ، سنن أبي داود ١ : ٢٣٠ ح ٨٧١ ، سنن النسائي ٢ : ١٧٧.

٣١٢

لمن قرأ القرآن ، إذا مرّ بآية فيها مسألة أو تخويف ، أن يسأل الله عند ذلك خير ما يرجو ، ويسأل العافية من النار ومن العذاب » (١). وكذا لا بأس بالحمد عند العطسة في أثناء القراءة ، وتسميت العاطس.

ولو أخلّ المصلي بالموالاة ساهيا لم تبطل ، الاّ ان يخرج عن كونه مصلّيا.

العاشرة : قراءة الأخرس تحريك لسانه بها مهما أمكن ، ويعقد قلبه بمعناها ، لان « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٢).

وروى الكليني عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « تلبية الأخرس ، وتشهّده ، وقراءته للقرآن ، في الصلاة ، تحريك لسانه وإشارته بإصبعه » (٣). وهذا يدل على اعتبار الإشارة بالإصبع في القراءة كما مرّ في التكبير.

ولو تعذّر إفهامه جميع معانيها ، افهم البعض وحرك لسانه به ، وأمر بتحريك اللسان بقدر الباقي تقريبا وان لم يفهم معناه مفصّلا. وهذه لم أر فيها نصا.

والتمتام والفأفاء والألثغ والأليغ يجب عليهم السعي في إصلاح اللسان ، ولا يجوز لهم الصلاة مع سعة الوقت مهما أمكن التعلم ، فان تعذّر ذلك صحت القراءة بما يقدرون عليه. والأقرب عدم وجوب الائتمام عليهم ، لان صلاتهم مشروعة.

الحادية عشرة : يجزئ بدل الحمد اختيارا ، في الثالثة من المغرب والأخيرتين من الظهرين والعشاء ، التسبيح عند علمائنا أجمع.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠١ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٨٦ ح ١١٤٧.

(٢) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨ ح ٢٠٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٥ ح ١٧.

٣١٣

وروى العامة عن علي عليه‌السلام انه قال : « اقرأ في الأوليين ، وسبّح في الأخيرتين (١) ».

وروينا في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام تجزئ في الركعتين الأخيرتين ان تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، وتكبّر (٢) وتركع.

والمفيد ـ رحمه‌الله ـ اقتصر على منطوق هذه الرواية (٣).

والشيخ في النهاية والاقتصاد كرّر ذلك ثلاثا ، فتكون اثني عشرة (٤). وفي المبسوط ـ وتبعه جماعة ـ عشر ، وهي : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله ، ثلاث مرات ، ثم يقول في الثالثة : والله أكبر (٥).

وفي كتاب حريز تسع : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ، ثلاثا (٦) ، واختاره ابن بابويه (٧) وأبو الصلاح (٨).

وهذه الأقوال لم نجد بها شاهدا صريحا ، الا ما رواه حريز عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال : « ان كنت إماما (٩) فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلاث مرات ، ثم تكبّر وتركع » (١٠).

قال ابن إدريس : يجزئ المستعجل أربع ، وغيره عشر (١١).

__________________

(١) المصنف لابن أبي شيبة ١ : ٣٧٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٩ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٩٨ ح ٣٦٧ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ ح ١١٩٨.

(٣) المقنعة : ١٨.

(٤) النهاية : ٧٦ ، الاقتصاد : ٢٦١.

(٥) المبسوط ١ : ١٠٦ ، السرائر : ٤٦ ، المراسم : ٧٢.

(٦) حكاه عنه المحقق في المعتبر ٢ : ١٨٩.

(٧) مختلف الشيعة : ٩٢.

(٨) الكافي في الفقه : ١١٧.

(٩) في الفقيه زيادة : « أو وحدك ».

(١٠) الفقيه ١ : ٢٥٦ ح ١١٥٨ ، السرائر : ٤٧٩.

(١١) السرائر : ٤٦.

٣١٤

وقال ابن الجنيد : والذي يقال مكان القراءة تحميد وتسبيح وتكبير ، يقدّم ما شاء (١). ويشهد له صحيح عبيد الله الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : « إذا كنت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما ، وقل : الحمد لله وسبحان الله والله أكبر » (٢).

وفي صحيح عبيد بن زرارة عنه عليه‌السلام في الركعتين الأخيرتين من الظهر : « تسبّح وتحمد الله وتستغفر لذنبك ، وان شئت فاتحة الكتاب » (٣).

وروى علي بن حنظلة عنه عليه‌السلام : « إن شئت الفاتحة ، وان شئت فاذكر الله » (٤).

ومال صاحب البشرى جمال الدين ابن طاوس العلوي ـ رحمه‌الله ـ الى أجزاء الجميع ، لعدم الترجيح. وأورد على نفسه التخيير بين الوجود والعدم وهو غير معهود ، وأجاب بالتزامه كالمسافر في مواضع التخيير.

وفي المعتبر : الوجه جواز الكل ، وان كانت رواية الأربع أولى ، والأكثر أحوط ولكنه لا يلزم (٥). وهو قول قوي ، لكن العمل بالأكثر أولى ، مع اعتقاد الوجوب.

تنبيهات :

أحدها : هل يجب الترتيب فيه كما صوّره في رواية زرارة؟ الظاهر نعم ، أخذا بالمتيقن. ونفاه في المعتبر ، للأصل ، مع اختلاف الرواية (٦).

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٩٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٩ ح ٣٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ ح ١٢٠٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٨ ح ٣٦٨ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ ح ١١٩٩.

(٤) التهذيب ٢ : ٩٨ ح ٣٦٩ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ ح ١٢٠٠.

(٥) المعتبر ٢ : ١٩٠.

(٦) المعتبر ٢ : ١٩٠.

٣١٥

وثانيها : هل يجب الاخفاف فيه؟ الأقرب نعم ، تسوية بينه وبين البدل ونفاه ابن إدريس (١) للأصل ، وعدم النص.

قلنا : عموم الإخفات في الفريضة كالنص ، مع اعتضاده بالاحتياط.

وثالثها : هل يسقط التخيير بنسيان القراءة في الأوليين؟ المشهور لا ، لعموم شرعيته.

وقال في المبسوط : ان نسي القراءة في الأوليين لم يبطل تخييره ، وانما الأولى له القراءة لئلا تخلو الصلاة منها ، وقد روي « ، انه إذا نسي في الأوليين القراءة تعيّن في الأخيرتين » (٢).

ولن نظفر بحديث صريح في ذلك ، لكن روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام في ناسي الفاتحة : « لا صلاة له » (٣).

وروى الحسين بن حماد عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قلت له : أسهو عن القراءة في الركعة الأولى ، قال : « اقرأ في الثانية » قلت : أسهو في الثانية ، قال : « اقرأ في الثالثة » قلت : أسهو في صلاتي كلها ، قال : « إذا حفظت الركوع والسجود تمت صلاتك » (٤).

وهذه يظهر منها تعيّن القراءة للناسي لكنه غير مصرّح به ، إذ الأمر بالقراءة وان كان للوجوب الا انه لا ينافي التخيير بينها وبين التسبيح ، فان كل واحدة من خصال التخيير توصف بالوجوب.

وقال في الخلاف : ان نسي القراءة في الأوليين قرأ في الأخيرتين ، واحتجّ بهذه الرواية ، وأورد رواية معاوية بن عمار الآتية دليلا على بقاء التخيير ،

__________________

(١) السرائر : ٤٦.

(٢) المبسوط ١ : ١٠٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٧ ح ٢٨ ، التهذيب ٢ : ١٤٦ ح ٥٧٣ ، الاستبصار ١ : ٣٥٤ ح ١٣٣٩.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٧ ح ١٠٠٤ ، التهذيب ٢ : ١٤٨ ح ٥٧٩ ، الاستبصار ١ : ٣٥٥ ح ١٣٤٢.

٣١٦

ثم جعل القراءة أحوط (١).

ورابعها : في المفاضلة بين القراءة والتسبيح. فقال ابن أبي عقيل : التسبيح أفضل ولو نسي القراءة في الأوليين ، لرواية معاوية بن عمار عن الصادق عليه‌السلام في ناسي القراءة في الأوليين فتذكر في الأخيرتين ، قال : « اني اكره أن أجعل آخر صلاتي أولها » (٢).

وظاهر ابني بابويه أفضلية التسبيح للإمام والمأموم (٣) وهو مختار ابن إدريس (٤).

وفي الاستبصار : الامام الأفضل له القراءة (٥).

وابن الجنيد : يستحب للإمام التسبيح إذا تيقّن انه ليس معه مسبوق ، وان علم دخول المسبوق أو جوّزه قرأ ، ليكون ابتداء الصلاة للداخل بقراءة والمأموم يقرأ فيهما ، والمنفرد يجزئه مهما فعل (٦).

وظاهر الشيخ في أكثر كتبه المساواة (٧).

والذي رواه محمد بن حكيم ، عن أبي الحسن عليه‌السلام أفضلية القراءة (٨) وأطلق.

وروى منصور بن حازم ، عن الصادق عليه‌السلام : يقرأ الامام ، ويتخيّر المأموم (٩).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٤١ المسألة : ٩٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٦ ح ٥٧١ ، الاستبصار ١ : ٣٥٤ ح ١٣٣٧.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٣ ، مختلف الشيعة : ٩٢.

(٤) السرائر : ٤٨.

(٥) الاستبصار ١ : ٣٢٢.

(٦) مختلف الشيعة : ٩٢.

(٧) المبسوط ١ : ١٠٦ ، النهاية : ٧٦ ، الجمل والعقود : ١٨١.

(٨) التهذيب ٢ : ٩٨ ح ٣٧٠ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ ح ١٢٠١.

(٩) التهذيب ٢ : ٩٨ ح ٣٧١ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ ح ١٢٠٢.

٣١٧

وروى معاوية بن عمار ، عنه عليه‌السلام : قراءة الامام ، وتخيّر المنفرد (١).

وروى علي بن حنظلة ، عنه عليه‌السلام : « هما والله سواء ، ان شئت سبّحت ، وان شئت قرأت » وسأله عن الأفضل (٢).

وروى الحلبي عنه عليه‌السلام : « إذا قمت في الركعتين لا تقرأ فيهما » (٣).

وخامسها : أجمع الأصحاب على الاجتزاء بالحمد في الأخيرتين ، وهو في رواية جميل بن دراج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عما يقرأ الإمام في الركعتين في آخر الصلاة؟ فقال : « بفاتحة الكتاب ، ولا يقرأ الذين خلفه ، ويقرأ الرجل فيهما إذا صلّى وحده بفاتحة الكتاب » (٤) وغيرها من الروايات (٥).

وسادسها : يجوز ان يقرأ في ركعة من الأخيرتين ، ويسبّح في الأخرى ، لأن التخيير في الركعتين تخيير في كل واحدة منهما ، وفي رواية الحسين بن حماد اشعار به ، لان قوله : « اقرأ في الثالثة » (٦) مشعر ببقاء التخيير في الرابعة.

وسابعها : ليس فيه بسملة ، لأنها جزء من القراءة لا من التسبيح. والأقرب : انها غير مسنونة هنا ، ولو أتى بها لم يكن به بأس.

وثامنها : انه إذا شرع في القراءة أو التسبيح ، فالأقرب انه ليس له العدول الى الآخر ، لأنه إبطال للعمل ولو كان العدول إلى الأفضل ، مع احتمال جوازه ـ كخصال الكفارة ـ وخصوصا إلى الأفضل.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٩ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٩٤ ح ١١٨٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٨ ح ٣٦٩ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ ح ١٢٠٠.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٩ ح ٣٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ ح ١٢٠٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٩٥ ح ١١٨٦.

(٥) راجع : الكافي ٣ : ٣١٩ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٩٤ ح ١١٨٥.

(٦) تقدمت في ص ٣١٦ الهامش : ٤.

٣١٨

ولو شرع في أحدهما بغير قصد اليه ، فالظاهر الاستمرار عليه ، لاقتضاء نيّة الصلاة فعل أيهما. ولو كان قاصدا إلى أحدهما ، فسبق لسانه الى الآخر ، فالأقرب ان التخيير باق ، فان تخيّر غيره أتى به ، وان تخيّر ما سبق اليه لسانه فالأجود استئنافه ، لأنه عمل بغير نية.

وتاسعها : لو شك في عدده بنى على الأقل ، لأنه المتيقن. ولو ظهر له الزيادة فلا بأس.

وعاشرها : انه يجب فيه الموالاة الواجبة في القراءة ، ومراعاة اللفظ المخصوص به باللسان العربي ، فلا تجزئ ترجمته. نعم ، لو اضطر اليه ولم يمكنه العربية فالأقرب جوازه ، لما سبق في التكبير والأذكار في الأوليين.

وحادي عشرها : المشهور انه لا يستحب الزيادة على اثنتي عشرة.

وقال ابن أبي عقيل : يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، سبعا ، أو خمسا ، وأدناه ثلاث في كل ركعة (١). ولا بأس باتباع هذا الشيخ العظيم الشأن في استحباب تكرار ذكر الله تعالى.

وثاني عشرها : حكمه حكم القراءة في الوجوب وعدم الركنية ، فتبطل الصلاة بتعمّد تركه لا بنسيانه.

المسألة الثانية عشرة : المشهور وجوب الجهر في الصبح والأوليين من المغرب والعشاء الآخرة ، ووجوب الإخفات في البواقي ، فتبطل الصلاة بمخالفة ذلك عمدا.

ونقل الشيخ فيه الإجماع ، واحتج بخبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه ، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال : « ان فعل ذلك متعمدا ، فقد نقض صلاته وعليه الإعادة. وان فعل ذلك ناسيا ، أو ساهيا ، أو لا يدري ، فلا شي‌ء عليه وقد تمت صلاته » (٢).

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٩٢.

(٢) الخلاف ١ : ٣٧٢ المسألة : ١٣٠.

٣١٩

وقال ابن الجنيد : لو جهر بالقراءة فيما يخافت بها ، أو خافت فيما يجهر بها ، جاز ذلك ، والاستحباب ان لا يفعل ذلك في انفراده (١) ، وهو منقول عن المرتضى رحمه‌الله (٢).

وقد روى علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام في الرجل يصلي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة ، هل عليه أن لا يجهر؟ قال : « ان شاء جهر ، وان شاء لم يفعل » (٣) ، وحمل على الجهر العالي (٤).

والشيخ يقول : هذا يوافق العامة ، والعمل على السابق (٥) ، يعني خبر زرارة. قال في المعتبر : هذا تحكّم من الشيخ ، فان بعض الأصحاب لا يرى وجوب الجهر بل يستحبّه (٦).

قلت : لم يعتد الشيخ بخلافه ، ومن القواعد المقررة ان من يعرف اسمه ونسبه لم يعتدّ بخلافه.

ويمكن الاستدلال على وجوب الجهر والإخفات بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتأسي به واجب ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « صلّوا كما رأيتموني أصلي » (٧).

فإن قلت : ما تصنع بقوله تعالى : ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ

__________________

وخبر زرارة في الفقيه ١ : ٢٢٧ ح ١٠٠٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٢ ح ٦٣٥ ، الاستبصار ١ : ٣١٣. ح ١١٦٣.

(١) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة : ٩٣.

(٢) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة : ٩٣.

(٣) قرب الاسناد : ٩٤ ، التهذيب ٢ : ١٦٢ ح ٦٣٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٣ ح ١١٦٤.

(٤) حملها العلامة في مختلف الشيعة : ٩٣.

(٥) التهذيب ٢ : ١٦٢ ، الاستبصار ١ : ٣١٣.

(٦) المعتبر ٢ : ١٧٧.

(٧) مسند احمد ٥ : ٥٣ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٦ ، صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٣ : ٨٥ ح ١٦٥٦ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٣ ، السنن الكبرى ٣ : ١٢٠.

٣٢٠