تراثنا ـ العدد [ 132 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 132 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٣٣٤

٢٦ من شرح الأبحاث ، ص ٦٢ ـ ٦٥) ، وكذلك قد يكون المراد من الرقم (١٢) في الفهرس : (العزائم والرخص) ، ربّما كان المراد منه هو الرقم (٣٣) في الفهرس : (آيات فيها رخصة وإطلاق بعد العزيمة).

٥ ـ العناوين التي ورد شرحها في المتن ولم تذكر في الفهرس :

وهي عبارة عن :

الرقم ١١ ـ الرخصة التي هي الإطلاق بعد النهي (ص ٢٨).

الرقم ٣٧ ـ ما تأويله مع تنزيله (ص ٧٨ ـ ٨٢)(١) ـ وفي ص ٦٨ تمّت الإشارة له أيضاً ، وجاء في ص ٧٩ : (وأمّا ما أنزل الله تعالى في كتابه ممّا تأويله حكاية في نفس تنزيله) ومن ثمّ شرح معناه.

الرقم ٣٨ ـ الردّ على من أنكر خلق الجنّة والنار (ص ٨٢).

الرقم ٣٩ ـ [الردّ على] من أنكر البداء (٨٣ ـ ٨٤).

الرقم ٤٦ ـ الردّ على المشبّهة (ص ٩٠).

الرقم ٤٩ ـ الاحتجاج على من أنكر الحدوث (ص ٩٠ ـ ٩١) ، وقد ذكر في هذا الرقم بحث كلامي عقلي دون الاستناد إلى أىّ آية.

الرقم ٥٠ ـ الردّ على من قال بالرأي ، والقياس ، والاستحسان ، والاجتهاد ، ومن يقول إنّ الاختلاف رحمة (ص ٩١ ـ ٩٧) ، وحلّ المباحث الواردة من هذا القبيل هي كلامية أيضاً ، وقد استند أحياناً في تضاعيف البحث إلى بعض الآيات.

__________________

(١) عنوان هذه الصفحة من إضافات مصحّح البحار استناداً إلى تفسير القمّي.

٢١

إذن فما الوجه في مثل هذا النوع من الاختلاف بين فهرس المباحث وشرحها؟

يبدو أنّه يعود إلى حدوث سقط في سائر أرقام النسخ المتوفّرة للفهرس ، باستثناء الرقم ٤٩ و ٥٠ ، ولكنّ هذين الرقمين نظراًإلى الاختلاف الفاحش بينهما وبين سائر بحوث الرسالة ـ يمكن أن لا يكونان من أصل الرسالة ، بل إنّها من المسائل الملحقة بها.

إنّ الاختلافات الموجودة بين فهرس تفسير النعماني وشرح أبحاثه إذا أرجعناها إلى خطأ الناسخين ووقوع التحريف ، أو حدوث سقط في النسخ المتوفّرة ، فإنّه لا يمكن تبرير جميع هذه الاختلافات بمثل هذه التبريرات ، علماً بأنّني لم أجد توضيحاً شافياً لهذه الاختلافات ، وعلى كلّ حال فإنّ هذه الاختلافات تساهم بدورها في التقليل من قيمة واعتبار هذا الكتاب ، خاصّة إذا نظرنا إليه بوصفه نصّاً روائيّاً.

وفيما يلي نقدّم مزيداً من التوضيح بشأن أبحاث هذا الكتاب ، وفي البداية نذكر عبارة من هذا الكتاب ـ ترتبط بمبحث المهدوية ـ تيمّناً وتبرّكاً.

المهدوية في تفسير النعماني :

إنّ من البحوث القرآنية التي تمّت الإشارة إليها في مقدّمة تفسير النعماني : (أخبار خروج القائم منّا عجّل الله فرجه) (رقم ٥٥) ، ولكن للأسف الشديد إنّ هذا العنوان لم يتمّ تناول شرحه في التفسير.

أمّا العنوان الآخر في المقدّمة والذي يرتبط بمبحث المهدوية فهو : (ردٌّ

٢٢

على من أنكر الرجعة ، ولم يعرف تأويلها) (رقم ٥١) ، وقد جاء في توضيح هذا المبحث :

«وأمّا الردّ على من أنكر الرجعة ، فقول الله عزّ وجلّ : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّة فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ)(١) ، أي : إلى الدنيا. وأمّا معنى حشر الآخرة ، فقوله عزّ وجلّ : (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا)(٢) ، وقوله سبحانه : (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ)(٣) ، في الرجعة ، فأما في القيامة ، فإنّهم يرجعون».

وفي هذه الفقرة تمّ التأكيد على هذه المسألة ، وهي أنّ الحشر في القيامة حشر عام لا يُستثنى فيه أيّ شخص ، وإنّ الحشر الذي يخصّ (فوجاً) من الكافرين والمكذّبين لا يمكن أن يكون في القيامة ، وإنّما يعود إلى عصر الظهور ، وبذلك يُشير إلى ما يذهب إليه الشيعة من القول بالرجعة.

ومن ثمّ استطرد في كلامه قائلاً :

«ومثل قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَاب وَحِكْمَة ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ)(٤) ، وهذا لا يكون إلاّ في الرجعة».

طبقاً لهذه الآية الشريفة أخذ الله على النبيّين عهداً بأن يؤمنوا بالنبيّ

__________________

(١) النمل : ٨٣.

(٢) الكهف : ٤٧.

(٣) الأنبياء : ٩٥.

(٤) آل عمران : ٨١.

٢٣

الخاتم (صلى الله عليه وآله) وأن ينصروه ، وإنّ الإيمان بنبيّ الإسلام من قبل أنبياء السلف مفهومه واضح ، إلاّ أنّ نصرة نبيّ الإسلام من قبل الأنبياء الماضين لا يمكن تصوّره إلاّ في عصر الظهور ، وهذا يثبت مفهوم الرجعة.

«ومثله ما خاطب الله تعالى به الأئمّة ووعدهم بالنصر والانتقام من أعدائهم ، فقال سبحانه : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)(١) ، وهذا إنّما يكون إذا رجعوا إلى الدنيا. ومثله قوله تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)(٢) ، وقوله سبحانه : (اِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَاد)(٣) ، أي : رجعة الدنيا».

وإنّ الوعد بالنصر المؤزّر للمؤمنين والمتديّنين ، وحكومتهم على الأرض ، وانتشار الأمن والسلام ، وانحسار الخوف والرعب ، لا يتحقّق إلاّ في عصر الرجعة.

ثمّ أجاب عن استبعاد عودة الناس إلى الدنيا قبل يوم القيامة ، وذلك من خلال ذكر أمثلة قرآنية فيها دلالة على عودة بعض الناس إلى الحياة في هذه الدنيا ، من قبيل قوله تعالى :

__________________

(١) النور : ٥٥.

(٢) القصص : ٥.

(٣) القصص : ٨٥.

٢٤

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمْ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ)(١) ، ثمّ ماتوا. وقوله عزّ وجلّ : (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا)(٢) ، فردّهم الله تعالى بعد الموت إلى الدنيا وشربوا ونكحوا ، ومثله خبر العزير.

وفي تضاعيف تفسير النعماني ثمّة عبارات ملفتة للانتباه بشأن إمام العصر (عج) ، ففي بحث المحكم والمتشابه ـ وبمناسبة البحث عن معاني (الضلال) ـ أشار إلى معنى من بين معاني هذه المفردة ـ الضلال ـ التي وردت في رواية عن النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله) خاطب فيها الإمام الوصيّ عليه‌السلام يذكر فيها أمر الناس في عصر الغيبة ؛ حيث فقدوا إمامهم ، واستقاموا على الصبر في انتظار بزوغ شمس الهداية ، وقد ورد التعبير عنهم بـ : (أهل الضلال) ، إذ يقول :

«يا أبا الحسن ، حقيق على الله أن يُدخل أهل الضلال الجنّة ، وإنّما أعني بهذا المؤمنين الذين قاموا في زمن الفتنة على الائتمام بالإمام الخفيّ المكان ، المستور عن الأعيان ، فهم بإمامته مقرّون ، وبعروته مستمسكون ، ولخروجه منتظرون ، موقنون غير شاكّين ، صابرون مسلمون ، وإنّما ضلّوا عن مكان إمامهم وعن معرفة شخصه».

ففي عصر الغيبة إنّما يكون الضالّ هم الناس ، حيث يفتقدون بركة ظهور الإمام ولا يدركون حضور شخصه الكريم ، علماً بأنّ وجود إمام

__________________

(١) البقرة : ٢٤٣.

(٢) الأعراف : ١٥٥.

٢٥

العصر(عج) كلّه حضور دائم.

وبعد ذكر هذا المثال ، قال :

«فكذلك المنتظر لخروج الإمام عليه‌السلام ، المتمسّك بإمامته ، موسّعٌ عليه جميع فرائض الله الواجبة عليه ، مقبولة منه بحدودها ، غير خارج عن معنى ما فرض الله ، فهو صابر محتسب ، لا تضرّه غيبة إمامه»(١).

في توضيح أقسام النور ومعانيه في القرآن ـ من خلال الإشارة إلى أنّ القرآن والأوصياء المعصومين عليهم‌السلام هم أنوار إلهية تضاء بها المدن ، ويهتدي بها عباد الله ـ عمد إلى تأويل قوله تعالى : (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاة فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَة الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ)(٢) ، وتمّ تطبيق مقاطع الآية على النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) ، والصدّيقة الطاهرة وأولادها المعصومين عليهم‌السلام ، وممّا جاء في هذا التطبيق ، قوله : «والكوكب الدرّي القائم المنتظر الذي يملأ الأرض عدلاً»(٣).

وتطغى مباحث الإمامة على جميع مواضيع تفسير النعماني.

الناسخ والمنسوخ في تفسير النعماني :

إنّ أوّل بحث تمّ شرحه في تفسير النعماني هو مبحث (النسخ) ، ويبدأ

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٩٣ ، ص ١٦.

(٢) النور : ٣٥.

(٣) المصدر أعلاه ، ص ٢١.

٢٦

هذا المبحث ببيان السرّ في ظهور النسخ. وإنّ النسخ مرتبط بالتدرّج فيالتشريع ، فقد كان الناس في عصر نزول القرآن قريبو عهد من الأفكار والتقاليد الجاهلية ، وكان من الصعب عليهم تقبّل الأحكام الجديدة المغايرة لما ألفوه طوال حياتهم السابقة ، لذلك فقد اقتضت رحمة الله أن يتمّ إنزال الأحكام الشرعية بشكل تدريجي وعبر برنامج مرحلي(١).

ثمّ أشار إلى ستّ عشرة آية من الآيات المنسوخة في القرآن ، وأغلبها من الآيات المعروفة في كونها منسوخة ، من قبيل آية حدّ الزنا(٢) ، وآية عدّة الوفاة(٣) ، وآية الكفّ(٤) ، وآية الأمر بالهدنة مع الكافرين(٥) ، وآية عدد

__________________

(١) المصدر أعلاه ، ص ٦.

(٢) محمّد هادي معرفت ، التمهيد في علوم القرآن ، ج ٢ ، ص ٣٠٧ ؛ بحوث في تاريخ القرآن وعلومه ، ص ٢٢١ ؛ ابن المتوّج ، الناسخ والمنسوخ ، ص ٨٧ ؛ شرح عبد الجليل القارئ على الناسخ والمنسوخ ، ص ١٣٦.

(٣) محمّد هادي معرفت ، التمهيد في علوم القرآن ، ج ٢ ، ص ٣٠٥ ؛ بحوث في تاريخ القرآن وعلومه ، ص ٢١٣ ؛ ابن المتوّج ، الناسخ والمنسوخ ، ص ٧٠ ؛ شرح عبد الجليل القارئ على الناسخ والمنسوخ ، ص ١٠٨.

(٤) الناسخ والمنسوخ ص ١٧٢ ، شرح عبد الجليل القارئ على الناسخ والمنسوخ ، ص ٢٦١ ؛ وفي التمهيد في علوم القرآن ، ج ٢ ، ص ٣٨٠ هناك مناقشة في نسخ هذه الآية.

(٥) الناسخ والمنسوخ ص ١٢١ ، شرح عبد الجليل القارئ على الناسخ والمنسوخ ، ص ١٩٠ ؛ وانظر أيضاً : محمّد هادي معرفت ، التمهيد في علوم القرآن ، ج ٢ ، ص ٣١٧ ، وفي ص ٣٥٤ نقل عن صاحب مجمع البيان أنّه لم يذهب إلى القول بنسخ هذه الآية.

٢٧

المقاتلين(١) ، وآية ميراث الأخوة في الدين(٢).

بيد أنّ مفاد النسخ في تفسير النعماني أوسع من معناه الاصطلاحي ، فقد تطرّق في هذا التفسير إلى بيان أحكام منسوخة لم تنزل آية في القرآن على طبقها ؛ وتوضيح ذلك : إنّ بعض أحكام الشريعة الإسلامية كان يتمّ تطبيقها في بداية الأمر دون أن تنزل آية على طبقها ، وقد تمّ إلغاء هذه الأحكام بعد مدّة ، وقد تمّ بيان إبطال هذا الحكم وإلغاؤه من خلال آية أو آيات ، من قبيل الآية التي حوّلت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرّفة(٣) ، في حين نحن لا نرى الآية المنسوخة هنا(٤).

هو هناك إشارة في تفسير النعماني إلى أنّ الحكم كان في بادئ الأمر هو حرمة مقاربة الزوجة في شهر رمضان حتّى في الليل ، وأنّ الصائم لو نام في الليل لم يجز له تناول الطعام ، ولكنّ هذا الحكم قد ألغي بالآية رقم ١٨٧ من

__________________

(١) محمّد هادي معرفت ، التمهيد في علوم القرآن ، ج ٢ ، ص ٣٠٣ ؛ بحوث في تاريخ القرآن وعلومه ، ص ٢٢٨ ؛ ابن المتوّج ، الناسخ والمنسوخ ، ص ١٢١ ؛ شرح عبد الجليل القارئ على الناسخ والمنسوخ ، ص ١٩٠.

(٢) محمّد هادي معرفت ، التمهيد في علوم القرآن ، ج ٢ ، ص ٣١١ ؛ ابن المتوّج ، الناسخ والمنسوخ ، ص ١٢٢ ؛ شرح عبد الجليل القارئ على الناسخ والمنسوخ ، ص ١٩٢.

(٣) البقرة : ١٤٤.

(٤) وقد نقل عن قتادة أنّ آية تحويل القبلة ناسخة لقوله تعالى : (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) ، البقرة : ١١٥. انظر : محمّد هادي معرفت ، (التمهيد في علوم القرآن ، ج ٢ ، ص ٣١٩ بحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص ٢٠٠) ، بيد أنّ هذا الكلام على فرض صحّته ، لا ربط له بكلام النّعماني في تفسيره.

٢٨

سورة البقرة. وهنا كذلك لا يوجد تصريح بالآية المنسوخة ، ولكن مع ملاحظة عبارة : «على معنى صوم بني إسرائيل في التوراة» يُحتمل أن تكون الآية التي اعتبرت منسوخة هي قوله سبحانه وتعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)(١)(٢).

وقد استعمل مؤلّف تفسير النعماني أحياناً مصطلح (النسخ) بشأن أحكام كانت في الشرائع السابقة ولم ترد في الشريعة الإسلامية ، من قبيل الأحكام القاسية التي فرضت على بني إسرائيل(٣) ، أو كيفية قصاص الأنفس في التوراة حيث لم يشترط التساوي بين القاتل والقتيل في الجنس (ذكر أو أنثى) ، ولم يشترط المنزلة الاجتماعية (حرّ أو عبد) ، بينما هذه الشروط موجودة في الشريعة الإسلامية(٤). علماً بأنّ التعبير بـ : (الناسخ) في هذه الموارد لا ينسجم مع معناه الاصطلاحي.

ورد ذكر بعض الآيات في هذا التفسير ضمن الآيات المنسوخة ، مع أنّ

__________________

(١) البقرة : ١٨٣.

(٢) الناسخ والمنسوخ ، ص ٥١ ؛ شرح عبد الجليل القارئ على الناسخ والمنسوخ ، ص ٧٧ ؛ وانظر أيضاً : محمّد هادي معرفت ، التمهيد في علوم القرآن ، ج ٢ ، ص ٣٢١ حيث ناقش في كون هذه الآية منسوخة.

(٣) محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٩٣ ، ص ٩.

(٤) محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٩٣ ، ص ٩ ، ومن الجدير ذكره أنّ الرجل إذا قتل امرأة أمكن لأوليائها أن يقتصّوا من القاتل ، ولكن عليهم ـ في هذه الحالة ـ أن يدفعوا لورثته وذويه نصف ديته. وفيما يتعلّق بآية القصاص ، انظر أيضاً : الناسخ والمنسوخ ، ص ٤٧ ؛ شرح عبد الجليل القارئ على الناسخ والمنسوخ ، ص ٦٨ ؛ محمّد هادي معرفت ، التمهيد في علوم القرآن ، ج ٢ ، ص ٢٢٠.

٢٩

هناك بحثاً ونقاشاً في كونها منسوخة أو غير منسوخة ، وقد رفض البعض اعتبارها منسوخة. وقد تمّ البحث حول ذلك في كتب التفسير والعلوم القرآنية بالتفصيل(١) ، ولا نرى حاجة إلى الخوض في طرح هذه المسائل في هذه الدراسة ، إلاّ أنّنا سنكتفي هنا بالبحث في آية واحدة فقط. فقد ورد في تفسير النعماني أنّ قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)(٢) ، قد تمّ نسخه بقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(٣)(٤) وقد نقل عن بعض المفسّرين من أمثال : ابن عباس والسدّي وقتادة وربيع اعتبار نسخ الآية الأولى. كما وردت بعض الروايات في هذا الشأن أيضاً(٥). ولكنّ هذا الادّعاء

__________________

(١) كما في قوله تعالى : (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) ، النساء : ٨. فقد ذهب سعيد بن المسيّب إلى اعتبارها منسوخة بآية المواريث ، وتدلّ على ذلك بعض الروايات عن الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما‌السلام أيضاً ، إلاّ أنّ بعض الروايات الأخرى لا تعتبر الآية منسوخة ، انظر : الناسخ والمنسوخ ، ص ٨٣ ؛ شرح عبد الجليل القارئ على الناسخ والمنسوخ ، ص ١٣١ ؛ محمّد هادي معرفت ، التمهيد في علوم القرآن ، ج ٢ ، ص ٣٣١ ؛ بحوث في تاريخ القرآن وعلومه ، ص ٢٥٤. وقوله تعالى : (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقاً حَسَناً) ، النحل : ٦٧ ، فقد دلّت بعض الروايات على أنّها منسوخة ، واعتبرها الفيض الكاشاني من باب نسخ السكوت. انظر : محمّد هادي معرفت ، التمهيد في علوم القرآن ، ج ٢ ، ص ٣٦٥. وقوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) ، البقرة : ٨٣ ، التي قال قتادة إنها منسوخة بآيات السيف ، انظر : محمّد هادي معرفت ، التمهيد في علوم القرآن ، ج ٢ ، ص ٣١٩.

(٢) آل عمران : ١٠٢.

(٣) التغابن : ١٦.

(٤) بحار الأنوار ، ج ٩٣ ، ص ١١.

(٥) محمّد هادي معرفت ، التمهيد في علوم القرآن ، ج ٢ ، ص ٣٢٩. وقال الشيخ

٣٠

يبدو غريباً للوهلة الأولى ؛ لأنّ الشرط في النسخ أن يكون مضمون الآيتين متنافياً. بالالتفات إلى أنّ الآية الأولى ـ بحكم العقل القطعي والبديهي ـ مقيّدة بالقدرة ، لا يكون هناك تناف بين الآيتين ، كي يمكن لنا أن ندّعي النسخ(١).

بيد أنّ هذا الإشكال غير صحيح(٢) ، ولتوضيح عدم صحّة هذا الاستدلال من المناسب أن نلاحظ هنا ثلاثة أمور ، وهي كالآتي :

المسألة الأولى : صحيح أنّ التكاليف بحكم العقل مقيّدة بالقدرة ، بيد أنّ القدرة التي يشترطها العقل في التكاليف هي القدرة العقلية ، وليست العرفية ؛ فالتكليف الذي يقترن امتثاله بالحرج والمشقّة التي لا تحتمل جائز عقلاً ، رغم أنّه غير مقدور عرفاً.

المسألة الثانية : لو ورد ذكر مفاهيم من قبيل : القدرة والاستطاعة في الأدلّة الشرعية ، فالظاهر منها القدرة العرفية ، ولذلك فإنّها لا تشمل موارد الحرج.

المسألة الثالثة : إنّ الأحكام الشرعية مقيّدة بعدم الحرج بأدلّة خاصّة دلّت على نفي الحرج ، من قبيل قوله تعالى : (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ

__________________

الطبرسي رحمه‌الله : (وأنكر الجبائي نسخ هذه الآية ؛ لما فيه من إباحة بعض المعاصي) ، لم يتّضح مراد الجبائي من هذا الكلام. هذا وقد ذكر ابن عبّاس في مجمع البيان بوصفه من الذين قالوا بعدم نسخ الآية.

(١) ذكر هذا الإشكال في كتاب (التمهيد) على صورة إشكالين. انظر : محمّد هادي معرفت ، التمهيد في علوم القرآن ، ج ٢ ، ص ٣٣٠.

(٢) ورد بيان عدم صوابية هذا الإشكال في (بحوث في تاريخ القرآن وعلومه) ، ص ٢٠٩ ، حيث إنّ أصل كلامه وأصل كلامنا واحد ، ولكن هناك بعض الفوارق بينهما في كيفية تقريب الكلام.

٣١

مِنْ حَرَج)(١) ، بيد أنّ هذا التقييد لا يرد في جميع الموارد ، فإذا كان الحكم من البداية ناظراً إلى حالة الحرج ـ من قبيل آيات الجهاد ـ فإنّ أدلّة نفي الحرج لا ترفع وذلك الحكم ، بعبارة أخرى : إذا كان الفرد الظاهر لدليل هو حالة الحرج ، حيث لا يصحّ إخراج الفرد الظاهر من الدليل ، فإنّ أدلّة نفي الحرج لا يمكنها أن تقيّد هذا الدليل ، وفيما يتعلّق بقوله تعالى : (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)(٢) يمكن اعتبار الفرد الظاهر للتقوى الإلهية بالشكل الذي يستحقّها المقام الربوبي صورة حرجية ، حيث تقترن بمشقّة كبيرة(٣) ؛ لذلك لا يمكن اعتبار مورد الحرج خارجاً عن مفاد هذه الآية ، وعليه فإنّ هذه الآية ستنافي قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(٤) قهراً.

علماً بأنّنا لسنا بصدد إثبات النسخ في هذه الآية(٥) ، وإنّما أقصى ما نريد قوله هو إنّ هذه الدعوى غير مُستبعدة ، ولا يمكن أن يكون هذا

__________________

(١) الحج : ٧٨.

(٢) آل عمران : ١٠٢.

(٣) جاء في (بحوث في تاريخ القرآن وعلومه) ، ص ١١٠ ، قوله : (إنّ تعبيرات من قبيل : "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ" ، و : "فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا" ناظرة بأجمعها إلى أمر يفوق المتعارف ، ولكن هل تشتمل هذه الآيات على ذمّ الفرد على عدم قيامه بالتكليف الذي فيه حرج عليه؟ ليس واضح تماماً.

(٤) التغابن: ١٦.

(٥) إذ أوّلاً : لم يثبت كون صورة الحرج هي الفرد الظاهر في مورد قوله تعالى (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ). وثانياً : يحتمل أن يكون قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) قرينة على أنّ الأمر في قوله تعالى (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) ليس أمراً إلزاميّاً شرعيّاً ، بل هو أمر استحبابي ، أو أمر إلزامي أخلاقي. وإذا كان هذا المعنى خلاف الظاهر البدويّ لهذه الآية ، لن يكون دليلاً على نسخ هذه الآية.

٣٢

الإشكال دليلاً على عدم متانة تفسير النعماني.

والنقطة التي تستحقّ التأمّل ـ فيما يتعلّق ببحث النسخ في تفسير النعماني ـ هي أنّ هذا الكتاب قد ذكر آيتين بوصفهما من الآيات المنسوخة ، وهو أمر لم نشاهده في أيّ كتاب آخر ، وهاتان الآيتان هما :

أوّلاً : قوله تعالى : (وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)(١) ، فقد ورد في تفسير النعماني أنّ المشار إليه في عبارة (وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) هو الرحمة ، أي : خلقهم للرحمة بهم. وقال : إنّ هذه الآية قد نسخت بقول الله تبارك وتعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ)(٢)(٣) بيد أنّي لم ألحظ تنافياً بين هاتين الآيتين ـ حتّى على المستوى البدوي ـ كي يمكن الحديث عن النسخ ، فإذا كانت الغاية من خلق الجنّ والإنس عبادة الله تعالى فهل يكون ذلك منافياً لكونه قد خلق الناس رحمة بهم؟! وهل عبادة الحقّ تعالى تتنافى مع رحمته؟!

هذا وأنّ هذه الآية هي من سنخ الأخبار وليست بياناً للأحكام ، والنسخ إنّما يأتي في الأحكام دون الأخبار(٤).

__________________

(١) هود : ١١٨ ـ ١١٩.

(٢) الذاريات : ٥٦.

(٣) بحار الأنوار ، ج ٩٣ ، ص ١٠. ويحتمل أن يكون المراد في تفسير النعماني هو نسخ الآية في سورة الذاريات ، بالآية الواردة في سورة هود.

(٤) محمّد هادي معرفت ، التمهيد في علوم القرآن ، ج ٢ ، ص ٢٨٣. وقد روى الطبرسي في هامش تفسيره لقوله تعالى : (اِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى

٣٣

والآية الثانية هي : (إنّ الذّيْنَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنّا الحُسْنى ... لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ)(١) ـ والتي مفادها الأخبار ـ قد ذكرها النعماني في تفسيره بأنّها نسخت بقوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمَاً مَقْضِيّاً)(٢)(٣).

__________________

وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) ، البقرة : ٦٢ ، عن ابن عبّاس أنّه قال بنسخ هذه الآية بقوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) في سورة آل عمران ، الآية رقم : ٨٥. وأضاف قائلاً : (وهذا بعيد ؛ لأنّ النسخ لا يجوز أن يدخل الخبر الذي هو متضمّن للوعد ، وإنّما يجوز دخوله في الأحكام الشرعية التي يجوز تغيّرها وتبدّلها بتغيّر المصلحة) ، ثمّ قال : (فالأولى تفنيد هذه النسبة إلى ابن عبّاس). [وجدنا العبارة الأخيرة في الكتاب المتوفّر عندنا من مجمع البيان لعلوم القرآن ، كالآتي : (فالأولى أن يحمل على أنه لم يصحّ هذا القول عن ابنعباس) ، المعرّب].

إنّ أصل ما ذكره العلاّمة الطبرسي كلام صحيح ، بيد أنّ تطبيقه على هذا البحث لا يصحّ ؛ إذ يمكن اعتبار مضمون الآية مرتبطاً بالشريعة ، وذلك بأن نقول : إنّ الالتزام بالشرائع السابقة في بداية الأمر والعمل بها كان جائزاً ، ثمّ نُسخ هذا الحكم ، وإنّ الوعد في الآية إنّما يقتصر على أولئك الذين كانوا متمسّكين بالأديان السابقة بعد نزول الآية ، وقبل نزول الآية الثانية ، أمّا بعد نزول الآية الثانية فلا وجود لوعد في البين. وبطبيعة الحال فإنّنا لا نروم تصحيح دعوى النسخ ؛ لأنّ مضمون الآية الواردة في سورة البقرة لا يفيد تأييد الأديان السابقة ، وإنّما مرادها شيء آخر ذكرته كتب التفسير. وكلّ ما نريد قوله هنا هو إنّ ادّعاء النسخ في هذه الآية ليس مستغرباً.

(١) سورة الأنبياء : ١٠١ ـ ١٠٣.

(٢) سورة مريم : ٧١.

(٣) بحار الأنوار ج٩٣ / ص١١ ، يحتمل من عبارة تفسير النعماني أن يكون مرادها نسخ الآية الثانية مع الآية الأولى.

٣٤

فإنّ هذه الآية التي تطرّقت للإخبار عن يوم القيامة لا يمكن لها أن تكون منسوخة ، وقد ذكر المفسّرون في تفسير الآية الثانية وجوهاً مختلفة بحيث عدّ بعضهم موضوع الآية في الكفّار خاصّة ، وفسّر بعضهم الآية بوجوه أخرى نستغني عن ذكرها في هذا المقال(١) ، ونحن نشير هنا إلى ما ذكرها أحد أولئك المفسّرين :

فقد ذهب أحد المفسّرين إلى أنّ كلمة الورود في الآية إنّما هي بمعنى الوصول إلى جهنّم ومشارفها لا الدخول بها(٢) ، ومنهم الزجّاج ، وقد عدّ آية (إنّ الذّيْنَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنّا الحُسْنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُوْنَ) دليلا قاطعاً على هذا التفسير ، ولسنا هنا في صدد البحث عن مدى صحّة وسقم هذا الإستدلال(٣) وإنّ الفخر الرازي عدّ الآية دليلا على تفسير الورود بالدخول في جهنّم(٤) ، وعلى كلّ حال فإنّه يمكن أن يُستشعر نوع من التنافي بين مدلول تلك الآية مع الظهور البدوي لآية (وَإِنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُهَا) ، وربّما يكون مثل هذا الاستشعار ـ مع عدم التوجّه بشرائط النسخ ـ سبباً جعل النعماني يعدّ

__________________

(١) تفسير الطبري (تحقيق محمود شاكر) ، ج١٦ ص١٢٦ ـ ١٣٢ ، التفسير الكبير للفخر الرازي (منشورات محمّد علي بيضون) ج٢١ ، ص ٢٠٧ ـ ٢٠٩ مجمع البيان (أوفسيت طبعة مصر) ج٦ ، ص٥٠٤ ـ ٥٠٦ و ...

(٢) مجمع البيان ج٦ ، ص ٥٠٥.

(٣) إنّ الآية المذكورة لا تنفي دخول المؤمنين في النار فقط بل تبيّن أنّ المؤمنين مبعدون عن النار كذلك ، فإذا كان الورود في الآية الأخرى بمعنى الوصول فإنّها لا تتلائم مع معنى ابتعادهم عنها.

(٤) التفسير الكبير ، ٢١ / ٢٠٨.

٣٥

الآية الأولى منسوخة في تفسيره.

خلاصة الكلام في هذا القسم هو أنّ توضيحات تفسير النعماني في شأن النسخ والآيات المنسوخة بالرغم من أنّها لا تخلو من فائدة إلاّ أنّها لا تخلو من التأمّل الذي يقلّل من شأن الكتاب ، خصوصاً إذا أردنا اعتباره متناً حديثيّاً.

وللبحث صلة ...

٣٦

(طبقات الإجازات بالروايات)

إجازة آية الله السيّد حسن الصدر

لآية الله السيّد صدر الدين الصدر

والعلاّمة الشيخ محمّد باقر النجفي الإصفهاني

الشيخ ناصر الدين الأنصاري القمّي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أجازنا أن نحدّث بنعمته ونروي حديث علمه وقدرته ، والصلاة على خير الرواة من ربّ السماوات محمّد وآله الهداة ، ثمّ الرحمة والرضوان على حفظة الشريعة وقادة الشيعة.

هذه إجازة ثمينة لطيفة ـ وهى احدى الإجازات الطويلة ـ تحتوي على فوائد كثيرة كتبها الإمام العلاّمة آية الله السيّد حسن الصدر (١٢٧٢ ـ ١٣٥٤ هـ) لآية الله السيّد صدر الدين الصدر (١٢٩٩ ـ ١٣٧٣ هـ) والمحقّق الأديب الشيخ محمّد باقر النجفي الإصفهاني الشهير بـ : (أُلفت) (١٣٠١ ـ ١٣٨٤ هـ) ، وبما أنّها مشتملة على فوائد رجالية وتاريخية كثيرة ، قمت بتحقيقها والتعليق عليها وأقدّمها إلى روّاد العلم ، وقد سبق لي أن حقّقت إجازته الكبيرة للعلاّمة الشيخ

٣٧

آقا بزرگ الطهراني وطبعت لأوّل مرّة مزيّنة بتعاليق الفقيه الرجالي آية الله السيّد موسى الشبيري الزنجاني ـ مشكوراً ـ والتي كتبها بطلب منّي.

والنسخة المعتمدة هي بخطّ المحقّق الفقيد الحجة السيّد أحمد الروضاتي ، المستنسخة من الأصل ـ بخطّ المؤلّف ـ والمطبوعة في كتابه نفحات الروضات(١).

وفي الختام أسأل الله تعالى أن يتغمّد المجيز والمجازَيْن والمستنسخ والأعلام التي ذكرت أسماؤهم في هذه الإجازة برحمته الواسعة وأن تشملنا بركاتهم ، إنّه عليّ قدير.

المجيز :

العلاّمة السيّد حسن الصدر (١٢٧٢ ـ ١٣٥٤ هـ) :

شيخ المحدّثين آية الله العظمى السيّد حسن صدر الدين الموسوي الكاظمي.

ولد بمشهد الكاظمين في يوم الجمعة التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة (١٢٧٢ هـ) ، ونشأ وترعرع في كنف والده المقدّس آية الله السيّد هادي صدر الدين منشأً كريماً حبّذ له العلم وهيأ له أسبابه وقرأ على أعلام الكاظمية كالشيخ باقر آل يس والسيّد باقر الحيدري والشيخ أحمد العطّار والشيخ باقر السلماسي وتتلمذ على أبيه الفقه والأصول سطحاً.

__________________

(١) نفحات الروضات : ٣٩٥ ـ ٤٦٣.

٣٨

الهجرة إلى النجف :

ثمّ هاجر إلى النجف الأشرف في سنة (١٢٩٠ هـ) ، فأسحر الليل وأكبّ على التعلّم والتحصيل باذلاً أقصى جهده في أخذ العلم من كبار شيوخها ، فقرأ الفلسفة والكلام على الشيخ محمّد باقر الشكّي والشيخ محمّد تقي الگلپايگاني والشيخ عبد النبي النوري ، واستفاد علم الفقه وأصوله من الأعاظم والأكابر كالسيّد المجدّد الشيرازي والميرزا حبيب الله الرشتي والشيخ محمّد حسين الكاظمي والفاضل الإيرواني والحاج ملاّ علي الخليلي الطهراني والسيّد مهدي القزويني وغيرهم.

الهجرة إلى سامراء :

وفي سنة (١٢٩٧ هـ) ، هاجر إلى سامرّاء ـ حيث هاجر إليها الإمام المجدّد الشيرازي في سنة (١٢٩١ هـ) ـ للاستفادة الأكثر من الإمام الشيرازي ، بعد أن جاء إليها في سنة (١٢٩٢ هـ) وبقي بها سنة ونصف ولكنّه رجع إلى النجف ، وهذه المرّة الثانية الّتي التحق بحوزة الإمام المجدّد ، فعكف على دروسه ينتهل من نميره العذب ولا تفوته محاضراته العلمية إلى حين وفاته سنة (١٣١٢ هـ) وكان لاستاذه الإمام الشيرازي به عناية تامّة واهتمّ بشأنه كلّ الاهتمام ، لما كان يرى فيه من آثار التفوّق العلمي والمواصلة والمثابرة على الدراسة والتحصيل ، وكانت إقامة السيّد فيها سبع عشرة سنة ، ما جفّ فيها لبده ولا فاتته فيها نهزه ، وكان فيها تعقّب خطوات أستاذه الإمام وسائر

٣٩

أساتذته الأعلام ، متتبّعاً أطوار الأبطال من أركان تلك الحوزة في سامرّاء ، مستقرئاً طرائق الماضين من أساطين الإمامية ، يتعرّف بذلك مداخل العلماء في التحقيق والتدقيق ومخارجهم ويتدبّر أساليبهم في النقض والإبرام واستنباط الأحكام ـ وكان بينه وبين الإمام العلاّمة الميرزا محمّد تقي الشيرازي مذاكرة ومناظرة في وقت خاصّ من كلّ يوم استمّرت اثنتي عشر سنة ، وما برح السيّد في سامراء مجدّاً مجتهداً يقظ الجنان ، نافذ الهمّة في العلم والعمل حتّى رجع منها إلى مسقط رأسه الكاظمية بعد وفاة أستاذه بعامين(١).

العودة إلى الكاظمية :

عاد إلى الكاظمية المقدّسة سنة (١٣١٤ هـ) وبقي فيها وكانت أوقاته منقسمة بين المحراب والمكتبة والكتابة والدرس والإرشاد ، وبعد سنتين من عودته (١٣١٦ هـ) فجع بوفاة والده وزادت مسؤليّاته الاجتماعية والدينية ، وبعد وفاة ابن عمّه العلاّمة السيّد إسماعيل الصدر في (١٣٣٨ هـ) رجع إليه في التقليد جماعة من أهل العراق وظهرت رسالته العلمية رؤوس المسائل المهمّة ، فأصبح بعد ذلك مرجعاً عظيماً قلّده الناس.

قال العلاّمة الطهراني عنه :

«رجع إلى الكاظمية فاشتغل بالتصنيف والتأليف في جميع العلوم

__________________

(١) مأخوذ من كلام السيّد عبد الحسين شرف الدين في بغية الراغبين ١/٣٠١.

٤٠