معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ٢

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ٢

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٨

الركعات على القول بأنها المغرب ؛ لأنها بين الركعتين والأربع ، ولتوسّط وقتها على القول بأنها الصبح لأنها متوسطة بين الليل والنهار. وإنما أجرى ذكرها بعد دخولها فى الصلوات وأخفاها للاعتناء بها. وبالجملة ما من صلاة إلا وقيل فيها وسطى.

(صَفْوانٍ (١)) : حجر كبير أملس. وهو اسم واحد معناه جمع ، واحدتها صفوانة.

(صَلْداً (٢)) : أملس. وهذا تمثيل للذى يمنّ ويؤذى بالذى ينفقه رياء ، وهو غير مؤمن [٢٠٢ ب] ، كحجر عليه تراب فيظنّه من يراه أرضا منبته طيبة ، فإذا نزل عليها المطر انكشف التراب ، فبقى الحجر لا منفعة فيه ؛ فكذلك المرائى يظنّ أن له أجرا ، فإذا كان يوم القيامة انكشف سرّه ولم تنفعه نفقته.

(صَدُقاتِهِنَ (٣)) : أى مهورهنّ ؛ يؤمر الزوج بإعطائها ذلك ، واحدتها صدقة.

(صَعِيداً (٤)) : وجه الأرض عند مالك ، كان ترابا أو رملا أو حجارة ، فأجاز التيمم بذلك كله. وعند الشافعى التراب لا غير. واختلف فى التيمم بالذهب والملح ، وبالآجر والجص المطبوخ ، وبالجدار وبالنبات الذى على وجه الأرض ؛ وذلك كله على الاختلاف فى معنى الصعيد.

(صَيْدُ (٥)) : كلّ ما كان ممتنعا ولم يكن له مالك ، وكان حلالا أصله ، فإذا اجتمعت فيه هذه الخلال فهو صيد.

__________________

(١) البقرة : ٢٦٤

(٢) البقرة : ٢٦٤

(٣) النساء : ٤

(٤) المائدة : ٦

(٥) المائدة : ٩٦

٦٠١

(صَدَفَ عَنْها (١)) ؛ أى أعرض عن آيات الله.

(صَغارٌ (٢)) : أشد الضر ، وهو الذل.

(صَدِيدٍ (٣)) : قيح ودم.

(صوم (٤)) : أصله فى اللغة الإمساك مطلقا ، ثم استعمل فى الشرع فى الإمساك عن الطعام والشراب. وقد جاء بمعنى الصّمت فى قول مريم (٥) : (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا). وقيل تعنى الصيام ؛ لأن من شرطه فى شريعتهم الصمت ؛ وإنما أمرت بالصمت صيانة لها عن الكلام مع المتهمين لها ؛ ولأنّ عيسى تكلّم عنها وأخبرها بأنها نذرت الصمت ، ولا يجوز فى شريعتنا نذر الصمت.

وانظر ما أثمر الصمت لها من تبرئتها على لسان ولدها بقوله : إنى عبد الله ـ ألهمه الله بذلك ، لأنه علم أن بعض الكفّار سيقولون ما ليس لهم به علم ، كما قال : ما اتخذ الله من ولد. وقال : إن يقولون إلا كذبا ؛ فهذه حجّته عليهم إلى يوم القيامة بقول الله : أأنت قلت للناس اتّخذونى وأمّى إلهين من دون الله ... إلى قوله : أن اعبدوا الله ربّى وربكم ؛ وقد قلت فى الأولى : إنى عبد الله.

وقد كان امتحان عيسى متصلا بمحنة أمّه ، كما كان امتحان يوسف متصلا بامتحان أبيه ؛ لأن الله تعالى قال : كلّما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا ... الآية. فقيل لها : يا مريم ؛ إن كنت صادقة فى دعواك فاصبرى على المحنة ، فنفخ جبريل فى جيبها ، فقالت : إنى أعوذ بالرحمن منك ... الآية. قال تعالى (٦) : (فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ ...) الآية ؛ أى قبل أن

__________________

(١) الأنعام : ١٥٧

(٢) الأنعام : ١٢٤

(٣) إبراهيم : ١٦

(٤) مريم : ٢٦

(٥) مريم : ٢٦

(٦) مريم : ٢٣

٦٠٢

ترفع الواسطة بينى وبين حبيبى ، فقيل لها فى سرّ : إنه دعواك ، حيث قلت : إنه من عند الله.

كذلك امتحن يوسف بمحنة أبيه يعقوب ، فكان فى الأمر ما كان ؛ لأنه قال : لا تقصص رؤياك على إخوتك ؛ إذ عاقبه ؛ فلما قيل له : بلغت المحنة غايتها قال : إنما أشكو بثّى وحزنى إلى الله ؛ أى دعواك حين قلت : لا تقصص رؤياك على إخوتك.

كذلك النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما سمع قول الكفار فى ربّه ضاق صدره ، فأنزل الله : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ). (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) ... الآية ، ولو قالوا ما قالوا من الجنون والسحر ، فأنا أجبت شانئك عنك بقولى : همّاز مشّاء بنميم ؛ أى شانئك هو الأبتر.

كذلك قصة مريم فى قولها : إنى نذرت للرحمن صوما ، قالوا : هذا أنكر وأعظم ؛ فإن من عرف ربّه كلّ لسانه ، فأشارت إليه ، فأجاب الله عنها على لسان ولدها.

كذلك المؤمن أمره الله تعالى بالسكون ، وترك الخصومة عمن ظلمه حتى يتولّى الجواب الملك الوهّاب ؛ قال تعالى (١) : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ). وفى الحديث : إذا أراد الله أن يرفع درجة عبد فيّض الله له من يظلمه. وحكى أن وزيرا ظلم بعض الرعية فى أخذ جنان له طلب بيعه منه ، فأبى ؛ فقال له : إنى آخذه منك. فقال له : أشكوك إلى الملك. فقال له : إن بينى وبينه معرفة ، قال : أشكوك إلى ربك. فلما لقيه بعد مدة قال له : ما قال لك

__________________

(١) إبراهيم : ٤٢

٦٠٣

الذى شكوت له؟ قال : قال لى (١) : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ...) الآية. فارتعدت فرائص الوزير ، ونزل من سرجه ، فقبّل يده ، وطلب منه العفو.

هذا شأن من عرفه ووله فى عظمته وتفكره فى كلامه ؛ بخلاف [٢٠٣ ا] ما نحن عليه من ظلم أنفسنا. ما أرى بصائرنا إلا عميت عن مشاهدة مشاهد القوم إذا أشخصت لنا الصفات منهم شخصا هرب ، كأننا ضدّان لا نجتمع.

اللهم أقل عثراتنا ، وارحم ضراعتنا ، ولا تؤاخذنا بأفعالنا ؛ لأنا علمنا أنك عفوّ تحبّ العفو ، فاعف عنا بجاه سيدنا ومولانا ومنقذنا من الهول العظيم صلى الله عليه وعلى آله أفضل صلاة وأزكى تسليم.

(صَفًّا (٢)) : ذكر فيه أبو عبيدة وجهين : الصف الذى يصلّى فيه ، كما قال بعضهم : ما استطعت أن آتى الصفّ اليوم. وصفوف الناس كما قال : (ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا). وأما قوله تعالى (٣) : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) ، فقد قدمنا أنه ليس المراد به نفس التصافّ ؛ وإنما المقصود به الثبوت والجدّ فى القتال ، خلافا لمن قال : إن قتال الرجالة أفضل من قتال الفرسان ؛ لأن التراصّ فيه يمكن أكثر مما يمكن للفرسان. قال ابن عطية : وهذا ضعيف ، خفى على قائله مقصد الآية.

(صَفًّا صَفًّا (٤)) : مستوى من الأرض أملس لا نبات فيه.

(صَوافَ (٥)) : معناه قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن ؛ وهو منصوب

__________________

(١) إبراهيم : ٤٢

(٢) طه : ٦٤

(٣) الصف : ٤

(٤) الفجر : ٢٢

(٥) الحج : ٣٦

٦٠٤

على الحال من الضمير المجرور ، ووزنه فواعل ، وواحده صافة. وقرئ صوافى ؛ أى خوالص لا يشركون فى نحرها أو فى التسمية على نحرها.

(صَوامِعُ (١)) : منازل الرهبان ، جمع صومعة ـ بفتح الميم ـ وهى موضع العبادة ، وكانت للصابئين. وسمّى بها فى الإسلام موضع الأذان. والمعنى لو لا دفاع الله لاستولى الكفّار عليها.

فإن قلت : قد استولى الكفّار عليها فهدموها وخرّبوا المساجد؟

فالجواب أن ذلك بذنوب أهلها ، وما اجترحوا فيها من المعاصى ؛ لأن الله وعد بنصر من ينصر دينه فى مواضع من كتابه : إن تنصروا الله ينصركم. ولينصرنّ الله من ينصره.

(صَرْفاً وَلا نَصْراً (٢)) ؛ أى حيلة ولا نصرة. يعنى أنهم لا يستطيعون أن يصرفوا عن أنفسهم عذاب الله. والصرف والمنع والحيلولة بمعنى واحد. ومنه قوله تعالى (٣) : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ). وقرئ بالتاء المثناة. ويحتمل على هذا أن يكون الخطاب للمشركين أو المعبودين. والصرف على هذين الوجهين صرف العذاب عنهم. أو يكون الخطاب للمسلمين ، والصرف على هذا ردّ التكذيب.

(صَرْحٌ (٤)) ؛ أى قصر. وقيل صحن الدار ؛ وإنما صنع سليمان هذا الصّرح لأنّ الجن كرهوا تزوّج سليمان لبلقيس ، فقالوا له : إن عقلها مخبول ، وإن رجلها كحافر الحمار ؛ فاختبر عقلها بتنكير العرش ، فوجدها عاقلة ؛ لأنها قالت : كأنه هو ، ولم تقل نعم ؛ لأنها تغيّر عليها أمره ، ولم تقل لا ؛ لأنها كانت ترى

__________________

(١) الحج : ٤٠

(٢) الفرقان : ١٩

(٣) سبأ : ٥٤

(٤) النمل : ٤٤

٦٠٥

بعض علاماته. ثم أمر بأن يتخذوا قصرا من زجاج ، ويحفروا حوله نهرا ، ويجعلوا فيه السمك والضفادع ، وأمر بأن يتّخذوا على الماء قنطرة من زجاج ، ففعلوا ما أمروا ، ثم أمرها أن تدخل الصّرح ، فعزمت على الدخول ، فرأت الزجاج على الماء ، فحسبته لجّة وكشفت عن ساقيها ؛ فرأى سليمان أنها ليس فيها شىء من العيوب والمنقصة ؛ وأسلمت فتزوّجها سليمان ، وكان يأتيها فى كل شهر مرة.

(صَياصِيهِمْ (١)) : حصونهم. وصياصى البقر قرونها ؛ لأنها تمنع بها وتدفع عن أنفسها ، وصيصاء الدّيك : شوكانه ، ونزلت الآية فى يهود بنى قريظة ؛ وذلك أنهم كانوا معاهدين لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنقضوا عهده ، وصاروا مع قريش ؛ فلما انصرفت قريش عن المدينة حصرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فحكم بأن يقتل رجالهم ، وتسبى نساؤهم ، وذراريهم.

(صَرِيخَ (٢)) : هو المغيث والمنقذ من الغرق.

(صَدِيقٍ (٣)) : من صدقك محبته ، وآثرك على نفسه ؛ وهو أقلّ من القليل. وفى قوله تعالى (٤) : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) إشارة إلى كثرة الشفعاء فى العادة وقلّة الأصدقاء.

(صافات (٥)) : اختلف فيها ؛ فقيل هى الملائكة التى تصفّ فى السماء صفوفا لعبادة [٢٠٣ ا] الله. وقيل : هى من يصفّ من بنى آدم فى الصلاة والجهاد. والأول أرجح ؛ لقوله عن الملائكة (٦) : (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ). وأما قوله :

__________________

(١) الأحزاب : ٢٦

(٢) يس : ٤٣

(٣) الشعراء : ١٠٠ ، ١٠١

(٤) الشعراء : ١٠٠ ، ١٠١

(٥) الصافات : ١

(٦) الصافات : ١٦٥

٦٠٦

((١) وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ) ـ فمعناه أنهن يصففن أجنحتهنّ فى الهواء.

(صافنات (٢)) : جمع صافن ، وهو الفرس الذى يرفع إحدى يديه أو رجليه ، ويقف على طرف الآخر. وقيل : الصافن هو الذى يسوّى يديه. والصفن علامة على فراهة الفرس والجياد السريعة الجرى.

واختلف الناس فى قصص هذه الآية ؛ فقال الجمهور : إنّ سليمان عليه‌السلام عرضت عليه خيل كان ورثها عن أبيه. وقيل : أخرجتها له الشياطين من البحر ، وكانت ذوات أجنحة ، وكانت ألف فرس ، وقيل أكثر ؛ فتشاغل بالنظر إليها حتى غربت الشمس وفاتته صلاة العشىّ ، وقيل العصر ؛ فأسف لذلك ، وقال : ردّوا علىّ الخيل ، فطفق يضرب أعناقها وعراقيبها بالسيف حتى عقرها لمّا كانت سببا لفوت الصلاة ، ولم يترك منها إلا اليسير ؛ فأبدله الله أسرع منها وهى الريح.

فإن قلت : تفويت الصلاة ذنب لا يفعله سليمان ، وعقر الخيل لغير فائدة لا يجوز ؛ فكيف يفعله سليمان؟ وأى ذنب للخيل فى تفويت الصلاة؟

فالجواب : إنما عقرها لمجاعة كانت بالناس ؛ فتقرّب بها إلى الله فى إطعامهم لها ، لا سيما على قول : إنه لم تفته صلاة ، ولا عقر الخيل ؛ بل كان يصلّى فعرضت عليه الخيل ، فأشار إليهم فأزالوها حتى دخلت اصطبلاتها ، فلما فرغ من الصلاة قال : ردّوها علىّ فطفق يمسح عليها بيده كرامة لها ومحبة.

وقيل المسح عليها إنما كان وسما فى سوقها وأعناقها ، للحبس فى سبيل الله.

وقد حكى أنّ عبد الله بن المبارك فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام

__________________

(١) النور : ٤١

(٢) ص : ٣١

٦٠٧

بسبب بيع باعه ، فربح فيه ألف دينار ، فتصدّق بها عسى أن يكون كفّارة كتلك التكبيرة.

فاقتد أيها المسكين بتأسّفك على ما فاتك من أوقاتك فى المخالفة ، ولا يشغلك شاغل عن الطاعة بجهد الاستطاعة ؛ فإن سليمان أنعم الله عليه بأنواع النعم ، ولم يعاتبه باشتغاله لقوله : هذا من فضل ربّى. ويوسف أعطاه الله الملك ولم يعاتبه على اشتغاله به ؛ لأنه قال : هذا من فضل الله علينا. وقال فى شأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وكان فضل الله عليك عظيما. ولم يأذن له فى نظرة واحدة إلى الدنيا غيرة منه عليه ؛ فقال (١) : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ...) الآية ؛ فأظهر أن فضله عليه فى المنع أفضل منه فى العطاء ، وكذلك قال لأمّته (٢) : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).

وروى أنّ وجوه هذه الأمة تحشر يوم القيامة كالكوكب الدرّىّ ، فتقول الملائكة : ما عملكم فى الدنيا؟ فيقولون : كنا إذا سمعنا الأذان قمنا إلى الطهارة لا يشغلنا غيرها ، ثم تحشر طائفة وجوههم كالأقمار فيقولون بعد السؤال : كنا نتوضأ قبل الوقت. ثم تحشر طائفة وجوههم كالأقمار فيقولون بعد السؤال : كنا نسمع الأذان فى المسجد.

وروى أن السلف كانوا يعزون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتتهم التكبيرة الأولى ويعزّون سبعا إذا فاتتهم الجماعة.

وحكى أنه كان شدّاد بن حكيم البلخى الحاكم يمرّ يوما بمسجد من مساجد البلخى ومؤذّنه يؤذّن بحذاء هذا المسجد حانوت رجل معدل ، فلما فرغ المؤذّن من الأذان اشتغل ذلك المعدّل بجمع المتاع الذى بين يديه ، ثم خرج إلى الصلاة ؛

__________________

(١) طه : ١٣١

(٢) يونس : ٥٨

٦٠٨

فلما كان فى الغد جاء المعدّل وشهد على رجل بحق ، فرد شهادته وقال : إنك مستخفّ بأمر الصلاة حيث استقبلت أولا إلى رفع الأمتعة التى بين يديك بعد الأذان ، ثم خرجت إلى الصلاة. ذكره فى الإحياء.

(صَرْصَرٍ (١)) : أحد رياح العقوبة ، وثانيها العقيم ، وثالثها القاصف ، كما قال تعالى (٢) : (فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً) ؛ وهذه الرياح تهبّ [٢٠٤ ا] فى البحر دون البر برحمة الله ، إلا من أراد الله هلاكه بها. ورياح الرحمة ثلاثة : منشرات ، كقوله تعالى (٣) : (وَالنَّاشِراتِ نَشْراً). والمبشرة ، كقوله (٤) : (مُبَشِّراتٍ). والثالث الذاريات. فهذه رياح الرحمة تهبّ على كل شىء فى الدنيا. وقيل ثلاث رياح تهبّ من الجنة : الجنوب ، والشمال ، والصبا. ومنها خلق الله الفرس ، وبها نصر الله نبيّه ؛ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدّبور» ؛ وريح الصبا ريح مباركة تهبّ من قبل الكعبة وقت الإسحار ، وتحمل الأنين والاستغفار إلى الملك الجبار ؛ وهى الريح التى أوصلت ريح يوسف إلى يعقوب حيث قال : إنى لأجد ريح يوسف ؛ ولهذا قال أبو على الدقاق : والريح رسول العشاق.

(صَفْحاً (٥)) : مفعول من أجله ، أو مصدر فى موضع الحال ؛ ومعناه على هذا : أنمسك عنكم الذّكر عفوا عنكم وغفرانا لذنوبكم ؛ أو مصدر من المعنى ، أو مفعول من أجله ؛ تقول : صفحت عنه إذا أعرضت عنه ، كأنه قال : أنترك تذكيركم إعراضا عنكم.

(صَرَّةٍ (٦)) : من صرّ القلم وغيره إذا صوّت. وقيل معناه فى جماعة النساء ؛

__________________

(١) الحاقة : ٦

(٢) الإسراء : ٦٩

(٣) المرسلات : ٣

(٤) الروم : ٤٦

(٥) الزخرف : ٥

(٦) الذاريات : ٢٩

٦٠٩

يعنى أن امرأة إبراهيم صاحت بقولها : يا ويلتا أألد وأنا عجوز ؛ فاستغربت من ولادة العجوز ؛ ولذلك (١) : «صكت (وَجْهَها) ؛ أى غطّته حياء من المبشرين لها ، أو تعجّبا من ولادتها.

(صَلْصالٍ (٢)) : قد قدمنا أنه الطين اليابس الذى يصلصل ؛ أى يصوّت ، وهو غير مطبوخ ؛ فإذا طبخ فهو فخار. ويقال الصلصال المنتن ، مأخوذ من صلّ اللحم وأصلّ : إذا أنتن ، فكأنه أراد صلّالا ، فقلبت أحد اللامين ؛ وفيه إشارة إلى ما كان فى تربة آدم من الطين الحر ؛ وذلك أنّ الله خلقه من طيّب ، وخبيث ، ومختلف اللون ، مرة ذكر فى خلقه هذا ومرة هذا.

(صَغَتْ قُلُوبُكُما (٣)) ؛ أى مالت عن الصواب. وقرأ ابن مسعود بالزاى. والمعنى : إن تتوبا إلى الله فقد صدر منكما ما يوجب التوبة ؛ وهذا الخطاب لعائشة وحفصة مما جرى من تسبّههما فى تحريم رسول الله الجارية أو العسل الذى تقدم ذكرهما.

(صريم (٤)) : ليل ؛ يعنى أنهم حلفوا أن يقطعوا غلّة جنّتهم عند الصباح ، فأصبحت كالليل ، لأنها اسودّت لما أصابها. وقيل : أصبحت كالنهار ، لأنها ابيضّت كالحصيد. ويقال صريم لليل والنهار. وقيل الصريم : الرماد الأسود ، بلغة بعض العرب. وقيل : أصبحت مصرومة ، أى مقطوعة.

(صارِمِينَ (٥)) ؛ أى حاصدين لثمرها.

(صَعَداً (٦)) : شاقا ، يقال تصعّدنى الأمر : أى شقّ علىّ ، ومنه قول عمر رضى الله عنه : ما تصعّدنى شىء ما تصعّدتنى خطبة النكاح. ومنه :

__________________

(١) الذاريات : ٢٩

(٢) الحجر : ٢٦

(٣) التحريم : ٤

(٤) القلم : ٢٠

(٥) القلم : ٢٢

(٦) الجن : ١٧

٦١٠

(سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) ؛ أى عقبة شاقّة ، يعنى أن الوليد بن المغيرة يكلّف أن يصعد جبلا فى النار من صخرة ملساء ، فإذا صعد أعلاها لم يترك أن يتنفّس وجذب إلى أسفلها ، ثم يكلف مثل ذلك.

(صَواباً (١)) : إصابة المراد. ويقال فى المثل (٢) : أصاب الصواب. ومنه : رخاء حيث أصاب. وقد يعبّر بالصواب عن الحق ، فيقال : هذا صواب ؛ أى حق ؛ فكلّ مصيب محقّ وبالعكس.

(صاخة (٣)) : من أسماء القيامة ، وهى مشتقّة من قولك : صخّ الأذان إذا أصمّها بشدة إصخاخها ، فكأنه إشارة إلى النفخ فى الصور ، أو إلى شدة حتى يصخّ من يسمعه لصعوبته. وقيل : هى من قولك أصاخ للحديث إذا استمعه. والأول هو الموافق للاشتقاق.

(صَدَقَةٍ (٤)) : تنطلق على الزكاة الواجبة ، وعلى التطوّع : ((٥) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ) ـ التشديد ؛ أى المتصدقين والمتصدقات. وأما قوله تعالى (٦) : (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) ـ بالتخفيف ـ فهو من التصديق.

(صَدَّ (٧)) : له معنيان : بالتعدى بمعنى منع غيره من شىء ، ومصدره صدّا ، ومضارعه بالضم. وغيره بمعنى أعرض ، ومصدره صدودا.

(صار) : له معنيان : من الانتقال ، ومنه (٨) : (تَصِيرُ الْأُمُورُ) ، والمصير. وبمعنى ضمّ ، ومضارعه يصور ، ومنه (٩) (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ).

(صمد) : هو الذى يلجأ إليه فى الحوائج ، ليس فوقه أحد. وقيل :

__________________

(١) النبأ : ٣٨

(٢) جمهرة الأمثال : ١ ـ ١٩٧ ، ٤٩١ ، وتكملته : فأخطأ الجواب.

(٣) عبس : ٣٣

(٤) البقرة : ١٩٦

(٥) الحديد : ١٨

(٦) الصافات : ٥٢

(٧) النساء : ٥٥

(٨) الشورى : ٥٣

(٩) البقرة : ٢٦٠

٦١١

إنه الذى لا يأكل ولا يشرب لقوله : وهو يطعم ولا يطعم [٢٠٤ ب]. وقيل : إنه الذى لا جوف له. والأول هو المراد. ورجّحه ابن عطية ؛ فإن الله هو موجد الموجودات وبه قوامها ، فهى مفتقرة إليه ؛ إذ لا تقوم بأنفسها وحيثما ورد فى القرآن فنفى الولد عنه ؛ كقوله فى مريم (١) : (قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) ، ثم أعقبه بقوله (٢) : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً). وقوله (٣) : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ). وقوله (٤) : (قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، وكذلك فى الإخلاص ذكره مع قوله (٥) : (لَمْ يَلِدْ) ؛ ليكون برهانا على نفى الولد.

(صرهن (٦)) : بالنبطية فشققهن. وأخرج ابن المنذر عن وهب بن وهب قال : ما فى اللغة شىء إلا منها فى القرآن شىء ، قال : وما فيه من الرومية؟ قال : فصرهنّ ، يعنى قطعهنّ بكسر الصاد (٧). والضمير راجع إلى الطيور الذى أمر الخليل بذبحها وتقطيع أجزائها ، وهى الديك والطاوس والحمام والغراب ، لما سأل الله رؤية إحياء الموتى.

فإن قلت : كيف يشكّ الخليل فى إحياء الموتى ، فيطلب رؤيته؟

فالجواب أنه لم يشكّ ؛ وإنما طلب معاينة الكيفية لمّا رأى دابّة قد أكلتها السباع والحيتان ، فسأل عن الكيفية ، وصورة الإحياء ؛ لا عن وقوعه ؛ وذلك لا يقدح فى رسالته ، وهو معصوم.

واشتكى بعض الفقراء لشيخه تهمّمه فى الرزق ، فقال له : خذ كفّا من تراب ومره يرجع ذهبا ؛ فقال : ومن إمامى فى هذا؟ قال : الخليل حين قال : ربّ

__________________

(١) مريم : ٨٨

(٢) مريم : ٩٣

(٣) الأنعام : ١٠١

(٤) البقرة : ١١٦

(٥) الإخلاص : ٣

(٦) البقرة : ٢٦٠

(٧) والمحتسب : ١ ـ ١٣٦

٦١٢

أرنى كيف تحيى الموتى. قال : أو لم تؤمن؟ فالذى يقدر على رجوع التراب ذهبا فى يديك يقدر على رزقك حيثما كنت.

والحكمة فى هذا أن النفس لا تطمئن إلا بالمعاينة ، وليس الخبر كالعيان.

(صُواعَ الْمَلِكِ (١)) ؛ أى مكياله ، وهو السقاية ؛ وكان يشرب بها يوسف ، ويكال بها الطعام ، وكان من فضة. وقيل من ذهب. وقصد بجعله فى رحل أخيه الاحتيال فى أخذه ؛ إذ كان شرع يعقوب أنّ من سرق استعبده المسروق منه. والسرّ فيه أن بنيامين لما تعرّف إليه يوسف ؛ وتحقّق عنده بالمعرفة ، لم يتنكر بأن نودى عليه بالسرقة. ولما رضى فى معرفته بالبلاء كان ثمرته أن آواه إلى نفسه ؛ كأنّ مولاك يتول لك : لا تبال يا مؤمن ببلائى ؛ فإن الجنة مثواك.

وورد فى الحديث : إن الله يطهّر المؤمن فى الدنيا بأنواع البلاء ، فإن بقيت عليه بقية طهّره بشدة الموت ، حتى يلقى الله وليس عليه ذنب.

وقرأ يحيى بن يعمر : صواغ الملك ـ بغين معجمة : يذهب إلى أنه كان مصوغا ، فسماه بالمصدر.

(صَخْرَةٍ (٢)) : قيل أراد لقمان الصخرة التى عليها الأرض. وهذا ضعيف ؛ وإنما معنى الكلام أن مثقال خردلة من الأعمال أو من الأشياء لو كانت فى أخفى موضع كجوف صخرة ، فإن الله يأتى بها يوم القيامة. وكذلك لو كانت فى السموات أو فى الأرض.

وأما قول موسى (٣) : (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ) ـ فإن المراد بها التى نام عندها. ومعنى أرأيت ؛ أى أخبرنى.

__________________

(١) يوسف : ٧٢

(٢) لقمان : ١٦

(٣) الكهف : ٦٣

٦١٣

فإن قلت : ما وجه التئام هذا الكلام ، وإن كلّ واحد من أرأيت ، وإذ أوينا ، فإنى نسيت الحوت ـ لا متعلّق له.

والجواب أنه لما طلب موسى الحوت ذكر يوشع ما رأى منه ، وما اعتراه من نسيانه ، فدهش فطفق يسأل موسى عن سبب ذلك ، فكأنه قال : أرأيت ما دهانى إذا أوينا إلى الصخرة فإنى نسيت الحوت ، فحذف بعض الكلام.

(صدفين (١)) ، بضم الصاد وفتحها ؛ بمعنى الجبلين.

(صُنْعَ (٢) اللهِ) : مصدر العامل فيه محذوف. وقيل هو منصوب على الإغراء ؛ أى انظروا صنع الله ، وهو فعله فى مرور الجبال وهى جامدة.

(صُحُفاً مُطَهَّرَةً (٣)) ، يعنى القرآن فى صحفه. وأما قوله تعالى (٤) : (صُحُفاً مُنَشَّرَةً) ـ فقد قدمنا أنهم طلبوا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يعطى كلّ واحد منهم صحيفة يأمره فيها بالإيمان. وقوله تعالى (٥) : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى) ـ فالمراد به أن هذا الكتاب ثابت فى كتب الأنبياء المتقدمين ، كما ثبت فى هذا الكتاب.

قلت (٦) : من أمثلة ما نزل على بعض الأنبياء سورة الأعلى ؛ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كلّها فى صحف موسى وإبراهيم. ولما نزلت : والنجم إذا هوى [٢٠٥ ا] فبلغ (٧) : وإبراهيم الذى وفّى ـ قال : وفّى ألا تزر وازرة وزر أخرى إلى قوله : هذا نذير من النّذر الأولى.

وأخرج الحاكم من طريق ابن القاسم ، عن أبى أمامة ، قال : أنزل الله

__________________

(١) الكهف : ٩٦

(٢) النمل : ٨٨

(٣) البينة : ٢

(٤) المدثر : ٥٢

(٥) الأعلى : ١٨

(٦) الإتقان : ١ ـ ١١٣

(٧) النجم : ٣٧ ـ ٥٩

٦١٤

على إبراهيم مما أنزل على محمد : ((١) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ ...) إلى قوله : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ). و ((٢) قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ...) إلى قوله : (هُمْ فِيها خالِدُونَ). و ((٣) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ ...) الآية. والتى فى المعارج (٤) : (والَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ...) إلى قوله (٥) : (قائِمُونَ) ، فلم يف بهذه السهام إلا إبراهيم ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأخرج البخارى ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أنّ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم موصوف فى التوراة ببعض صفته فى القرآن : يأيها النبىّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا للآمنين ـ الحديث.

وأخرج ابن الضّريس وغيره عن كعب قال : فتحت التوراة بالحمد لله الذى خلق السموات والأرض ... وختمت ب الحمد لله الذى لم يتخذ ولدا ، إلى قوله : وكبّره تكبيرا.

وأخرج عنه من وجه آخر ، قال : أول ما نزل فى التوراة عشر آيات من سورة الأنعام : ((٦) قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ...) الخ. قال بعضهم : هذه الآيات العشر التى كتبها الله لموسى فى التوراة أول ما كتب ، وهى توحيد الله ، والنهى عن الشرك ، واليمين الكاذبة ، والقتل ، والعقوق ، والزنى ، والسرقة ، والزور ، ومدّ العين إلى ما فى يد الغير ، والأمر بتعظيم السّبت.

وأخرج الحاكم عن أبى ميسرة أنّ هذه الآية مكتوبة فى التوراة بسبعمائة آية : أول سورة الجمعة : يسبّح لله ما فى السموات وما فى الأرض.

وأخرج ابن أبى حاتم عن محمد بن كعب القرظى ، قال : البرهان الذى أرى

__________________

(١) التوبة : ١١٢

(٢) المؤمنون : ١

(٣) الأحزاب : ٣٥

(٤) المعارج : ٢٣

(٥) المعارج : ٣٣

(٦) الأنعام : ١٥١

٦١٥

يوسف ثلاث آيات من كتاب الله (١) : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ. كِراماً كاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ). وقوله تعالى (٢) : (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً). وقوله تعالى (٣) : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ). زاد غيره آية أخرى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى).

وأخرج ابن أبى حاتم ، عن ابن عباس ، فى قوله (٤) : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) ـ قال : رأى آية من كتاب الله نهته ، مثّلت له فى جدار الحائط ، فهذا ما وقفت عليه مما أنزل على غير نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

واختلف فى بسم الله الرّحمن الرّحيم. والصحيح أنّ سليمان تلفّظ بها ؛ لحديث الدار قطنى من حديث بريدة أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لأعلّمنّك آية لم تنزل على نبىء بعد سليمان غيرى : بسم الله الرّحمن الرّحيم.

ومن أمثلة ما خص به الفاتحة ، وآية الكرسى ، وخاتمة البقرة.

وروى مسلم عن ابن عباس : أتى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ملك ؛ فقال : أبشر بنورين ، قد أوتيتهما لم يؤتهما نبىء قبلك : فاتحة الكتاب. وخواتيم سورة البقرة.

وأخرج أبو عبيدة فى فضائله ، عن كعب ، قال : إنّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطى أربع آيات لم يعطهن موسى ، وإن موسى أعطى آية لم يعطهن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهى : اللهم لا تولج الشيطان فى قلوبنا ، وخلّصنا منه من أجل أنّ لك الملكوت والأيد والسلطان والملك والحرم (٥) والأرض والسماء ، الدهر الداهر ، أبدا

__________________

(١) الانفطار : ١٠ ـ ١٢

(٢) يونس : ٦١

(٣) الرعد : ٣٣

(٤) يوسف : ٢٤

(٥) فى الإتقان : والحمد.

٦١٦

أبدا ، آمين آمين. وأما الأربع التى لم يعطهن موسى فهى : خواتيم البقرة. لله ما فى السموات وما فى الأرض ، وآية الكرسى.

(صِراطَ (١)) : هو فى اللغة الطريق ، ثم استعمل فى القرآن ، بمعنى الطريقة الدينية ، وأصله السين تم ينقلب صادا لحرف الإطباق بعدها. وفيه ثلاث لغات : بالصاد ، والسين ، وبين الصاد والزاى. وحيثما ورد فى القرآن فمعناه الطريق الموصّل إلى الصراط الحسّى المنصوب على متن جهنم ، ليمرّ المؤمنون عليه ، أرقّ من الشعر ، وأحدّ من السّيف ، وفى حافتيه كلاليب معلّقة مأمورة بأخذ من أمرت بأخذه ، فمخدوش ناج ، ومكردس فى نار جهنم ؛ ويمرون عليه بحسب اتّباعهم لهذا الصراط المعنوى ؛ فأولهم كالبرق ، ثم كمر الريح ، ثم كمر الطير ، وكأشد الرجال حتى يجيء الرجل ولا يستطيع السير إلا زحفا. وقد صح أنّ له عقبات سبع لا يجاوزها إلا من قطع عقبات الدنيا. وأنكره أكثر المعتزلة ، لعدم إمكان العبور عليه. ويسهّله الله على المؤمن [٢٠٥ ب] كأنه واد واسع.

(صِبْغَةَ اللهِ (٢)) : يعنى دين الله ، وهو استعارة من صبغ الثوب وغيره ؛ ونصبه على الإغراء ، أو على المصدر من المعانى المتقدمة ، أو بدل من ملّة إبراهيم.

(صِرٌّ (٣)) : برد شديد ، أصاب حرث الذين ظلموا أنفسهم ، وهم الكفار ، فلم ينتفعوا به ، وكذلك لا ينتفعون فى الآخرة بأعمالهم.

(صِدِّيقَةٌ (٤)) : بناء مبالغة من الصدق أو من التصديق ، ووصف مريم بهذه الصفة دون النبوءة يدفع قول من قال إنها نبيئة.

__________________

(١) الفاتحة : ٧

(٢) البقرة : ١٣٨

(٣) آل عمران : ١١٧

(٤) المائدة : ٧٥

٦١٧

(صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ (١)) : هى النخلات الكثيرة ، ويكون أصلها واحدا. وغير الصّنوان المتفرق ، وواحد الصّنوان صنو.

(صِبْغٍ (٢)) : الصبغ والصباغ ما يصبغ به ، أى يغمس فيه الخبز ويؤكل به.

(صِهْراً (٣)) : النسب والصهر يعمّان كلّ قربى ؛ فالنسب أن يجتمع إنسان مع آخر فى أب وأم قرب ذلك أو بعد. والصهر : هو الاختلاط بالتناكح.

وقيل : أراد بالنسب الذكور ؛ أى ذوى نسب ينتسب إليهم ؛ وأراد بالصهر الإناث ؛ أى ذوات الصهر يصاهر بهن ؛ فهو كقوله (٤) : (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى).

__________________

(١) الرعد : ٤.

(٢) المؤمنون : ٢٠

(٣) الفرقان : ٥٤

(٤) القيامة : ٣٩

٦١٨

حرف الضاد المعجمة

(ضَرَبَ) : له أربعة معان : من الضرب باليد وشبهه. ومن ضرب الأمثال. ومن السفر. ومنه (١) : (ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ). ومن الإلزام ؛ ومنه (٢) : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) ؛ أى ألزموها. «(٣) وضربنا (عَلَى آذانِهِمْ) ؛ ألقينا عليهم النوم. و ((٤) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ) ؛ أى نمسك عنكم التذكير.

(ضُرٍّ) ؛ بفتح الضاد وضمها بمعنى ، وكذلك الضّير ـ بالياء ؛ ومنه (٥) : (لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ). والضراء : ما يصيبه من المرض وسوء الحال.

(ضَيْقٍ (٦)) ، وضيّق مثل ميت وميت ، ويجوز أن يكون الضيق والضيق مصدر. وفى قوله تعالى (٧) : (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) ـ تسلية له صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ أى لا يضيق صدرك بمكرهم ، وهو منسوخ بآية السيف.

فإن قلت : أىّ فرق بين هذه الآية فى حذف النون منها ، وبين إثباتها فى آية النمل (٨)؟

والجواب : إنما حذفها فى النمل موافقة لما قبلها ، وهو قوله : ولم يك من المشركين. وأيضا فقد قدمنا أنه سلّى بها قتل عمّه حمزة ، فبالغ فى الحذف ؛ ليكون ذلك مبالغة فى التسلّى. وجاء فى النمل على القياس ، ولأن الحزن هناك دون الحزن هنا.

__________________

(١) المائدة : ١٠٦

(٢) البقرة : ٦١

(٣) الكهف : ١١

(٤) الزخرف : ٥

(٥) آل عمران : ١٢٠

(٦) النحل : ١٢٧

(٧) النحل : ١٢٧

(٨) فى النمل (٧٠) : ولا تحزن عليهم ولا تكن. وفى النحل : ولا تحزن عليهم ولا تك فى ضيق.

٦١٩

وهذه الكلمة كثر ورودها فى القرآن ، فحذف النون منها تخفيفا من غير قياس ؛ بل تشبيها بحروف العلة ، وأتى ذلك فى بضعة عشر موضعا : سبعة (١) منها (يَكُ) بالياء ، وموضعان (نَكُ) بالنون ، وموضع آخر أك بالهمزة. والله أعلم.

(ضَنْكاً (٢)) ؛ أى ضيقة. والمعنى أن الله تعالى ضيّق عليه المعيشة ؛ وهكذا حال من أنعم الله بوجوده من سبع ورزقه من سبع ، فكفر بأنعم الله ، وأعرض عنها ، وصرف همّته لغير ربّه أن يضيق عليه فى الدنيا ، ويحشر أعمى فى العقبى ، قال (٣) : (كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى).

فإن قلت : أما خلقتنا من سبع ، فقد فهمناها من الآية الكريمة ، وأما رزقنا من سبع فلم نفهم معناها.

والجواب أنّ الله خلقنا فى سبعة أحوال من سبعة أشياء ، وأرواحنا من سبعة أشياء ، وخلق لنا سبعة أركان ظاهرة ، وسبعة أركان باطنة ، ثم رزقنا من سبعة أشياء ، ثم وعدنا بسبع مقامات.

أما الأحوال السبعة فقال تعالى (٤) : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ...). وأما الأرواح فمن النار ، والنور ، والريح ، والطيب ، والعلم ، والأنس ، والبقاء ، ثم جمعه فى قلبك فحينئذ تتحرك فى بطن أمك ؛ فحرارة الروح من النار ، وضياؤه من النور ، وطهارته من الطيب ، ونفسه من الريح ، وذهنه من العلم ، وألفته من الأنس ، وحياته من البقاء.

ثم رزقك من دم الحيض إلى حال الخروج ، ثم اللبن إلى الفطام ، ثم بعد ذلك خمسة أشياء : الماء من السماء ، والنبات من الأرض ، واللبن من الثدى ، والثمار من الشجر ، واللحم من الأنعام.

__________________

(١) هى ثمانية

(٢) طه : ١٢٤

(٣) طه : ١٢٦

(٤) المؤمنون : ١٢

٦٢٠