معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ٢

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ٢

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٨

ومن نطفة سعيدا ، ومن أخرى شقيا ؛ ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين.

وأما قوله تعالى (١) : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ ...) الآية. ففيه قولان : أحدهما قول علىّ بن أبى طالب وابن عباس رضى الله عنهما : إنّ الدّخان يكون قبل يوم القيامة يصيب المؤمن منه مثل الزكام ، وينضج رءوس الكافرين والمنافقين ؛ وهو من أشراط الساعة. وروى حذيفة أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ أوّل الآيات الدخان».

والثانى قول ابن مسعود : إنّ الدخان عبارة عما أصاب قريشا حين دعا عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجدب ، فكان الرجل يرى دخانا بينه وبين السماء من شدة الجوع. قال ابن مسعود (٢) : خمس قد مضين : الدخان ، واللّزام ، والبطشة ، والقمر ، والرّوم. وقيل : إنه يقال للجدب دخان ليبس الأرض وارتفاع الغبار ، فشبه ذلك بالدخان. وربما وضعت العرب الدخان فى موضع الشرّ إذا علا ؛ فتقول كان بيننا أمر ارتفع له دخان.

(دُسُرٍ (٣)) : مسامير ، واحدها دسار. وقيل : مقادم السفينة. وقيل : أضلاعها ، والأول أشهر. والدسار : أيضا الشرط التى تشد بها السفينة.

(دُولَةً (٤)) ـ بالضم والفتح : ما يدول الإنسان ، أى يدور عليه. ويحتمل أن يكون من المداولة ، أى كى لا يتداول ذلك المال الأغنياء بينهم ، وهو الفيء

__________________

(١) الدخان : ١٠

(٢) فسر بأنه يوم بدر (النهاية). واللزام يراد به قوله تعالى : فسوف يكون لزاما ، أى يكون عذابهم لزاما. قالوا : وهو ما جرى عليهم يوم بدر من القتل والأسر. والحديث فى صحيح مسلم : ٢١٥٧

(٣) القمر : ١٣

(٤) الحشر : ٧

١٠١

الذى أفاء الله على رسوله من أهل القرى ، ويبقى الفقراء بلا شىء ، وذلك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قسّم أموال بنى النّضير على المهاجرين ، فإنهم كانوا حينئذ فقراء ، ولم يعط الأنصار منها شيئا ، لأنهم كانوا أغنياء ، فقال بعض الأنصار : لنا سهمنا من هذا الفيء ، فأنزل الله الآية (١). ويقال الدّولة فى المال بالضم. والدّولة فى الحرب بالفتح. ومنه الحديث : «إنهم يدالون كما تنصرون». ويقال الدولة ـ بالضم : اسم الشّيء الذى يتداول بعينه. والدّولة بالفتح : الفعل.

(دِينِ) : له خمسة معان : الملة ، والعادة ، والجزاء ، والحساب ، والقهر. قال تعالى (٢) : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ). (٣) (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ).(٤) (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ). (٥) (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) ، أى فى حكم الملك. (٦) (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ) ، أى الحساب.

والدّين بمعنى الدينونة والمذهب ، يقال دين فلان. قال عليه‌السلام :«كما تدين تدان»

. (دُكَّتِ الْأَرْضُ (٧)) : أى دقّت جبالها حتى استوت مع وجه الأرض.

(دِفْءٌ (٨)) : ما استدفئ به من جلود الأنعام وأصوافها من الثياب.

(دهان) : جمع دهن. وأما قوله تعالى (٩) : (فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) ـ فإنما شبّه السماء يوم القيامة به لأنها تذوب من شدة الهول. وقد شبّه لمعانها بلمعان الدّهن. وقيل : إن الدّهن هو الجلد الأحمر.

__________________

(١) الحشر : ٧

(٢) آل عمران : ١٩

(٣) الفاتحة : ٤

(٤) يوسف : ٧٦

(٥) النور : ٢

(٦) النور : ٣٥

(٧) الفجر : ٢١

(٨) النحل : ٥

(٩) الرحمن : ٣٧

١٠٢

(دينار (١)) حكى الجواليقى وغيره أنه فارسى.

(دِهاقاً (٢)) : أى ملأى. وقيل صافية ؛ والأول أشهر.

(دُونِ) : ترد ظرفا نقيض فوق فلا تتصرف على المشهور. وقيل : تنصرف ؛ وبالوجهين قرئ : ومنا دون ذلك بالرفع والنصب. وترد اسما بمعنى غير ؛ نحو (٣) : (اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) ؛ أى غيره. وقال الزمخشرى : معناه أدنى مكان من الشيء ؛ وتستعمل للتفاوت فى الحال ؛ نحو : زيد دون عمر ؛ أى فى الشرف والعلم. واتّسع فيه فاستعمل فى تجاوز حدّ إلى حد ؛ نحو (٤) : (أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) أى لا تجاوزوا ولاية المؤمنين إلى ولاية [١٢٠ ا] الكافرين.

__________________

(١) آل عمران : ٧٥

(٢) النبأ : ٣٤

(٣) الكهف : ١٥

(٤) آل عمران : ٢٨

١٠٣

حرف الذال المعجمة

(ذو الْكِفْلِ (١)) : قيل : هو ابن أيّوب. فى المستدرك عن وهب ـ أن الله بعث بعد أيوب ابنه ، واسمه بشر بن أيوب نبيئا ، وسماه ذا الكفل ، وأمره بالدعاء إلى توحيده ، وكان مقيما بالشام عمره حتى مات وعمره خمس وسبعون سنة

وفى العجائب للكرمانى : قيل : هو إلياس. وقيل يوشع بن نون. وقيل هو نبىّ الله ذو الكفل. وقيل كان رجلا صالحا تكفل بأمور فوفّى بها. وقيل : هو زكرياء فى قوله (٢) : (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا). وقال ابن عسكر : هو نبىء تكفّل الله له فى عمله بضعف عمل غيره من الأنبياء. وقيل : لم يكن نبيا ، وأن اليسع استخلفه فتكفّل له أن يصوم النهار ويقوم الليل. وقيل أن يصلى كل يوم مائة ركعة. وقيل هو اليسع ، وإن له اسمين.

(ذو الْقَرْنَيْنِ) : اسمه اسكندر. وقيل : عبد الله بن الضحاك بن سعد. وقيل هو المنذر بن ماء السماء. وقيل : الصعب بن قرين بن الهمال ؛ حكاه ابن عسكر.

ولقّب ذا القرنين ؛ لأنّه بلغ قرنى الأرض المشرق والمغرب. وقيل : لأنه ملك فارس والروم. وقيل : كان على رأسه قرنان ؛ أى ذؤابتان. وقيل : كان له قرنان من ذهب. وقيل : لأنه ضرب على قرنه فمات ؛ ثم بعثه الله فضربوه على قرنه الآخر. وقيل : لأنه كان كريم الطرفين. وقيل : لأنه انقرض فى وقته قرنان من الناس ، وهو حىّ. وقيل : لأنه أعطى علم الظاهر والباطن. وقيل : لأنه دخل النور والظلمة.

__________________

(١) ص : ٤٨ ، والأنبياء : ٨٥

(٢) آل عمران : ٢٧

١٠٤

(ذَلُولٌ (١)) : أى ذلّلت للحرث ، والمراد بها بقرة بنى إسرائيل ـ يعنى أنها غير مذلّلة للعمل.

(ذَكَّيْتُمْ (٢)) : قطعتم أوداجه ، ونهرتم دمه ، وذكرتم اسم الله عليه. وأصل الذكاة فى اللغة تمام الشيء ؛ ومن ذلك ذكاء السن ؛ أى تمام السن ؛ أى النهاية فى الشباب. والذكاء فى الفهم أن يكون فهما تامّا سريع القبول. وذكّيت النار : أتممت إشعالها. وقوله : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) ؛ أى أدركتم ذبحه على التمام. قيل : إنه العرق المنقطع ؛ وذلك إذا أريد بالمنخنقة ونحوها ما مات من الاختناق والعقد والتردّى والنطح وأكل السبع.

والمعنى حرّمت عليكم هذه الأشياء لكن ما ذكّيتم من غيرها فهو حلال.

وهذا القول ضعيف ؛ لأنها إذا ماتت بهذه الأسباب فهى ميتة ؛ فقد دخلت فى عموم الميتة ؛ فلا فائدة لذكرها بعدها.

وقيل : إنه استثناء متّصل ، وذلك إن أريد بالمنخنقة وأخواتها ما أصابته تلك الأسباب ، وأدركت ذكاته.

والمعنى على هذا : إلا ما أدركتم ذكاته من هذه الأشياء فهو حلال. ثم اختلف أهل هذا : القول : هل يشترط أن تكون لم ينفذ مقاتلها أم لا. وأما إذا لم تشرف على الموت من هذه الأسباب فذكاته جائزة باتفاق.

(ذات الصُّدُورِ (٣)) : حاجاتها وما يخطر لها.

__________________

(١) البقرة : ٧١

(٢) المائدة : ٣

(٣) آل عمران : ١١٩

١٠٥

(ذَرَأَكُمْ) : خلقكم. ومنه (١) : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ).

(ذَنُوبِ) ـ بفتح المعجمة : نصيب. ومنه (٢) : (ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ). ويريد به هنا نصيبا من العذاب. وأصل الذّنوب الدّلو ، والمراد بالضمير كفّار قريش وأصحابهم ممّن تقدم ذكرهم.

(ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً (٣)) : أى طولها ، ومبلغ كيلها. واختلف فى مبلغ هذا الذراع ؛ فقيل : إنه الذراع المعروف. وقيل : بذراع الملك. وقيل : سبعون باعا كل باع كما بين مكّة والمدينة. ولله در الحسن البصرى فى قوله : الله أعلم بأىّ ذراع هى ، فإن السبعين من الأعداد التى تقصد بها العرب التكثير.

ويحتمل أن تكون هذه السلسلة لكل واحد من أهل النار ، أو تكون بين جميعهم. وروى أن هذه السلسلة تدخل فى فم الكافر ، وتخرج من (٤) دبره ، فاسلكوه على هذا من المقلوب فى المعنى ؛ كقولهم : أدخلت القلنسوة فى رأسى. وروى أنها تلوى عليه حتى تلمّه [١٢٠ ب] وتضغطه ؛ فالكلام على هذا على وجهه ؛ وهو السلوك فيها. وإنما قدّم قوله : فى سلسلة ـ على : «اسلكوه» لإرادة الحصر ؛ أى لا تسلكوه إلا فى هذه السلسلة ، وكذلك قدّم الجحيم على صلّوه لإرادة الحصر أيضا.

(ذُلُلاً) : جمع ذلول ، وهو السهل اللين الذى ليس بصعب. ومنه (٥) : (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً) ـ يعنى الطرق فى الطيران ؛ وأضافها إلى الرّبّ لأنها ملكه وخلقه. ويحتمل أن يكون قوله : ذللا ـ حالا من السّبل.

__________________

(١) الأعراف : ١٩٧

(٢) الذاريات : ٥٩

(٣) الحاقة : ٣٢

(٤) فى ب : على.

(٥) النحل : ٦٩

١٠٦

قال مجاهد : لم يتوعّر قط على النحل طريق. أو حالا من النحل ؛ أى منقادة لما أمرها الله به.

(ذُرِّيَّةٌ) : فعليّة من الذّر ؛ لأن الله تعالى أخرج الخلق من صلب آدم كالذّر. وقيل : أصل ذرية ذرّورة على وزن فعلولة ، فلما كثر التصريف أبدلت الراء الأخيرة ياء فصارت ذروية ، ثم أدغمت الواو فى الياء فصارت ذرية ، وهم أولاد الرجل وأولاد الأولاد وإن بعدوا. وقيل : ذرية فعلية أو فعيلة من ذرأ الله الخلق فأبدلت الهمزة ياء ، كما أبدلت فى نبى.

وذكر فى العقد لابن عبد ربه أن الحجاج عتب على يحيى بن يعمر فقال له : أنت الذى تقول إنّ الحسين ابن رسول الله؟ فقال : نعم. قال : والله لئن لم تأتنى بالمخرج لأضربنّ عنقك. فقال : قال تعالى (١) : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ ...) إلى قوله تعالى : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ ...) الخ. فقال له : فمن أبعد ؛ عيسى عليه‌السلام من إبراهيم أم الحسين من محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال الحجاج : والله ما كأنى قرأتها. ثم ولّاه قضاء بلده ؛ فلم يزل بها قاضيا حتى مات.

وتأمّل هذا ؛ فإنّ النزاع إنما هو فى تسمية ابن البنت ابنا ؛ وغاية ما فى هذه الآية أنه جعل عيسى من الذرية ؛ لأن عيسى ليس له أب فهو ابن بنت نوح. ولا شك أن الابن أخص من الذرية. والنص فى القضية قوله عليه‌السلام : إن ابني هذا سيّد ... الحديث. وقوله تعالى (٢) : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ) ؛ فإن اللخمىّ وغيره حكى الإجماع فى مذهب مالك وغيره على دخول ابن البنت فيها.

__________________

(١) الأنعام : ٨٣ ، ٨٤

(٢) النساء : ٢٢

١٠٧

(ذِلَّةٌ) : صغار ومسكنة.

(ذكرى لهم) : فيه وجهان :

أحدهما أن المعنى ليس على المؤمنين حساب الكفار ، ولكن عليهم تذكير لهم ووعظ ، وإعراب ذكرى على هذا نصب على المصدر ؛ تقديره يذكرونهم ذكرى. أو رفع على المبتدأ تقديره عليهم ذكرى. والضمير فى لعلهم عائد على الكفّار ؛ أى تذكرونهم رجاء أن يتّقوا ، أو عائد على المؤمنين ؛ أى يذكرونهم ليكون تذكيرهم ووعظهم تقوى الله.

والثانى أن المعنى ليس نهى المؤمنين عن القعود مع الكافرين بسبب أنّ عليهم من حسابهم شيئا ؛ وإنما هو ذكرى للمؤمنين. وإعراب ذكرى على هذا خبر ابتداء مضمر ، تقديره : ولكن نهيه ذكرى. أو مفعول من أجله ، تقديره : إنما نهوا ذكرى. والضمير فى لعلهم على هذا للمؤمنين لا غير.

(ذِكْرٌ) : ورد على أوجه : ذكر اللّسان (١) : (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ). وذكر القلب (٢) : (ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ). والحفظ (٣) : (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ). والطاعة والجزاء (٤) : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ). والصلوات الخمس (٥) : (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ). والعظمة (٦) : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ). والبيان (٧) : (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ). والحديث (٨) : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) ؛ أى حدثه بحالى. والقرآن (٩) : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي). (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ). والتّوراة : (فَسْئَلُوا

__________________

(١) البقرة : ٢٠٠

(٢) آل عمران : ١٣٥

(٣) البقرة : ٣.

(٤) البقرة : ١٥٢

(٥) البقرة : ٢٣٩

(٦) المائدة : ١٣

(٧) الأعراف : ٨٣

(٨) يوسف : ٤٢

(٩) طه : ١٢٤

١٠٨

أَهْلَ الذِّكْرِ). والخبر (١) : (سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً). والشرف (٢) : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ). والعيب (٣) : (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ). واللوح المحفوظ : (مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ). والثناء : (وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً). والوحى (٤) : (فَالتَّالِياتِ ذِكْراً). والرسول : (ذِكْراً. رَسُولاً). والصلاة : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ). وصلاة الجمعة : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ). وصلاة العصر : (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي).

(ذِمَّةً (٥)) : عهد. وقيل : الذمة التذمّم ممن لا عهد له ؛ وهو أن يلزم الإنسان ذمّا أى حقائق واجبة عليه ، يجرى مجرى المعاهدة من غير [١٢١ ا] معاهدة ولا تحالف.

(ذبح عَظِيمٍ (٦)) : اسم لما يذبح ، وأراد به الكبش الذى ذبحه ولد آدم ، وفدّى الله إسماعيل من الذبح ، ولذلك وصفه بعظيم ؛ لأنه تقبّله الله منه وربّاه فى الجنة. وفى القصص : إن الذبيح قال لإبراهيم : اشدد برباطى لئلا اضطرب ، واصرف بصرك عنى لئلا ترحمنى. فلما أمرّ الشفرة على حلقه ولم تقطع ؛ لأن المراد الوصل لا القطع ، كأنه يقول : يا إبراهيم ؛ امتثل ، ويا سكّين لا تقطع ؛ لأن لى فى أمره سرا وتدبيرا. وقد أكثر الناس فى قصص هذه الآية تركناه لطوله وعدم صحته.

فإن قلت : كيف قال (٧) : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا). ولم يذبح؟

__________________

(١) الكهف : ٢٣.

(٢) الزخرف : ٤٤

(٣) الأنبياء : ٣٦

(٤) الصافات : ٣

(٥) التوبة : ٨ ، ١٠

(٦) الصافات : ١٠٧

(٧) الصافات : ١٠٤ ، ١٠٥

١٠٩

فالجواب : أنه فعل ما قدر عليه ، ونيّته امتثال الأمر ولو لم يفده الله لذبحه ؛ وامتناع الذّبح إنما كان من عند الله. والمدح إنما يكون على النية ، ونيّة المؤمن خير من عمله.

(ذَرِ) حيثما ورد فى القرآن بمعنى اترك ، وهى منسوخة بآية السيف. وقيل : تهديد ؛ فلا متاركة ولا نسخ فيها.

(ذَكِّرْ بِهِ (١)) الضمير عائد على الدين ، أو على القرآن.

(ذُو) : بمعنى صاحب ، وضع للتوصل إلى وصف الذوات (٢) بأسماء الأجناس ، كما أن الذى وضعت وصلة إلى وصف المعارف بالجمل. ولا يستعمل إلا مضافا ، ولا يضاف إلى ضمير ولا مشتق. وجوّزه بعضهم ؛ وخرج عليه قراءة ابن مسعود (٣) : «وفوق كلّ ذى عالم عليم».

وأجاب الأكثرون عنها بأن العالم هذا (٤) مصدر كالباطل ؛ أو بأن ذى زائدة.

قال السهيلي (٥) : والوصف بذو أبلغ من الوصف بصاحب. والإضاء بها أشرف ؛ فإن ذو يضاف للتابع وصاحب يضاف إلى المتبوع ؛ تقول أبو هريرة صاحب النبى ، ولا تقول النبى صاحب أبى هريرة. وأما ذو فإنك تقول ذو المال وذو الفرس ، فتجد الاسم الأول متبوعا غير تابع ، وبنى على هذا الفر أنه قال تعالى فى سورة الأنبياء (٦) : (وَذَا النُّونِ). فأضافه إلى النون وهو الحوت. وقال فى سورة ن (٧) : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ)

__________________

(١) الأنعام : ٧٠

(٢) فى ا : إلى وصف الذى لقب بأسماء الأجناس.

(٣) يوسف : ٧٦

(٤) فى البرهان : هنا.

(٥) البرهان : ٤ ـ ٢٧٩

(٦) الأنبياء : ٨٧

(٧) ن : ٤٨

١١٠

قال : والمعنى واحد ؛ ولكن بين اللفظين تفاوت كبير فى حسن الإشارة إلى الحالين ؛ فإنه لما ذكره فى معرض الثناء عليه أتى بذى ؛ فإن الإضافة بها أشرف ، وبالنون ؛ لأنه لفظه أشرف من لفظ الحوت ، لوجوده فى أوائل السور ؛ وليس فى لفظ الحوت ما يشرفه لذلك ؛ فأتى به وبصاحب حين ذكره فى معرض النهى عن اتباعه.

١١١

حرف الراء المهملة

(رَبِّ) له أربعة معان : الإله. والسيّد. والمالك للشيء. والمصلح للأمر. وكلّها تصلح فى ربّ العالمين ؛ إلا أن الأرجح معنى الإله ؛ لاختصاصه بالله تعالى ، كما أن الأرجح فى العالمين أن يراد به كل موجود سوى الله تعالى ، فيعمّ جميع المخلوقات.

(رحمن) : ذو الرحمة ، ولا يوصف به غير الله.

(رَحِيمٌ) : عظيم الرحمة.

(رَسُولٌ) : قد ذكرنا أن الرسالة والإرسال بمعنى واحد. والرسول : المتحمّل للرسالة إلى الأمة ، فكلّ رسول نبى وليس كل نبىء رسولا ؛ فالرسول الذى يأتيه جبريل بالوحى من عند الله لإنذار الخلق. وأما من أوحى إليه فى المنام فليس برسول. وقد اجتمع أنواع الوحى فى قوله تعالى (١) : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ...) الآية ؛ وكلها اجتمعت فى نبينا ومولانا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(رَيْبَ) : شك. ومنه (٢) : (ارْتابُوا). ومريب ، «(٣) و (رَيْبَ الْمَنُونِ) : حوادث الدهر.

فإن قلت : هلّا قدم قوله تعالى (٤) : (لا رَيْبَ فِيهِ) ، كقوله تعالى (٥) : (لا فِيها غَوْلٌ)؟

__________________

(١) الشورى : ٥١

(٢) النور : ٥٠

(٣) الطور : ٣٠

(٤) البقرة : ٢

(٥) الصافات : ٤٧

١١٢

فالجواب أنه إنما قصد نفى الرّيب عنه ، ولو قدم (فِيهِ) لكان إشارة إلى أن ثمّ كتابا آخر فيه ريب ، كما أن (لا فِيها غَوْلٌ) إشارة إلى أن خمر الدنيا فيها غول. وهذا المعنى يبعد قصده ؛ فلم يقدم الخبر ؛ وإنما نفى الشك عنه أنه من عند الله فى اعتقاد أهل الحق ، وفى نفس الأمر. وأما اعتقاد أهل الباطل فلا عبرة به.

وقد قيل : إنّ خبر لا فى قوله : (فِيهِ) ، فيوقف عليه. وقيل خبرها محذوف فيوقف على لا ريب. والأول أرجح لتعيّنه فى قوله : لا ريب فيه فى مواضع أخر.

(رَغَداً) : كثيرا واسعا [١٢١ ب] بلا غنى.

(رَفَثَ (١)) : نكاح. ويقال أيضا للافصاح بما يجب أن يكنى عنه من ذكر النكاح. ويقال أيضا : للفحش من الكلام.

(رَؤُفٌ) : شديد الرحمة.

(الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) : هم الذين رسخ إيمانهم ، وثبت ، كما يرسخ النخل فى منابته.

(راعِنا (٢)) : أخرج أبو نعيم فى دلائل النبوة عن ابن عباس ، قال : راعنا ـ سبّ بلسان اليهود ، وكان المسلمون يقولون لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : راعنا ؛ وذلك من المراعاة ؛ أى راقبنا وانظرنا ؛ فكان اليهود يقولونها ويعنون بها معنى الرعونة على وجه الإذاية للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وربما كانوا يقولونها

__________________

(١) البقرة : ١٨٧

(٢) البقرة : ١٠٤

١١٣

على معنى النداء. فنهى الله المسلمين أن يقولوا هذه الكلمة لاشتراك معناها بين ما قصده المسلمون وما قصده اليهود ؛ فالنّهى سدّ للذريعة. وأمروا أن يقولوا : (انْظُرْنا) ؛ لخلوّه عن ذلك الاحتمال الملزوم ؛ وهو من النظر ، أو الانتظار.

وقيل : إنما نهى المسلمون عنها لما فيه من الجفاء وقلة التوقير.

(رَمْزاً (١)) : إشارة باليد أو بالرّأس أو غيرهما ؛ فهو استثناء منقطع. قال ابن الجوزى فى فنون الأفنان : من المعرّب. وقال الواسطى : هو تحريك الشفتين بالعبرانية.

(رَبَّانِيِّينَ (٢)) : جمع ربّانىّ ، وهو العالم. وقيل الذى يربّ الناس بصغار العلم قبل كبره.

قال الجواليقى (٣) : قال أبو عبيدة : العرب لا تعرف الربانيين ؛ وإنما يعرفها الفقهاء وأهل العلم. قال : وأحسب الكلمة ليست بعربية ، وإنما هى عبرانية أو سريانية. وجزم أبو القاسم بأنها سريانية. قال محمد بن الحنفية حين مات ابن عباس : اليوم مات ربانىّ هذه الأمة. وقال أبو العباس ثعلب : إنما قيل للفقهاء ربّانيّون ، لأنهم يربّون العلم ؛ أى يقومون به.

(رابِطُوا (٤)) : أقيموا فى الثّغور مرابطين ، واربطوا خيلكم مستعدين للجهاد.

وقيل : هو مرابطة العبد فيما بينه وبين الله تعالى ؛ أى معاهدته على فعل

__________________

(١) آل عمران : ٤١

(٢) آل عمران : ٧٩

(٣) المعرب : ١٦١

(٤) آل عمران : ٢٠٠

١١٤

الطاعات وترك المعصية. والأول أظهر وأشهر ؛ لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رباط يوم فى سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه». وأما قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى انتظار الصلاة : «فذلكم الرّباط» ـ فهو تشبيه بالرباط فى سبيل الله لعظم أجره. والمرابط عند الفقهاء : هو الذى يسكن الثغور ليرابط فيها ، وهى غير موطنه. وأما سكناها دائما للمعاش فليسوا بمرابطين ، ولكنهم حماة. حكاه ابن عطية. وقال غيره : إذا سكن بأهله بقصد إعفافه وقيامها بشئونه فيعد منهم. وفضل الله أوسع.

(رَبَّكُمُ) : أى مربّيكم بالنعم. قال الطيبى بعد كلام نقله : الفرق بين قوله اعبدوا الله ـ وبين قوله : اعبدوا ربكم ـ أن فى الثانى إيجاب العبادة بواسطة النعمة التى بها قوامهم ، وفى : اعبدوا إيجاب عبادته لمراعاته عزوجل من غير واسطة ، فحيث ذكر الناس بقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) ذكر الربوبية ، كقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ). وحيث ذكر الإيمان بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ).

(رَقِيباً (١)) : أى حافظا ، وهو من أسماء الله. وإذا تحقّق العبد بهذا الاسم العظيم وأمثاله استفاد مقام المراقبة ، وهو مقام شريف ، أصله علم وحال ، ثم يثمر حالين. أما العلم : فهو معرفة العبد بأن الله مطّلع عليه ، ناظر إليه ، يرى جميع أعماله ، ويسمع جميع أقواله ، وكلّ ما يخطر على باله.

وأما الحال : فهو ملازمة هذا العلم للقلب بحيث يغلب عليه ولا يغفل عنه ، ولا يكفى العلم دون هذه الحال.

فإذا حصل العلم والحال كانت ثمرتهما عند أصحاب اليمين الحياء من الله ـ

__________________

(١) النساء : ١

١١٥

وهو يوجب بالضرورة ترك المعاصى ، والجد فى الطاعات ، وكانت ثمرتهما عند المقرّبين المشاهدة التى توجب التعظيم والإجلال لذى الجلال ، وإلى هاتين الثمرتين أشار صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله : «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» ؛ إشارة إلى الثمرة الثانية [١٢٢ ا] وهى المشاهدة الموجبة للتعظيم ، كمن يشاهد ملكا عظيما فإنه يعظمه إذ ذاك بالضرورة.

وقوله : «فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» ؛ إشارة إلى الثمرة الأولى. ومعناه إن لم تكن من أهل المشاهدة التى هى مقام المقربين فاعلم أنه يراك ؛ فإنه من أهل الحياء الذى هو مقام أصحاب اليمين ، فلما فسر الإحسان أول مرة بالمقام الأعلى رأى أن كثيرا من الناس قد يعجزون عنه ، فنزل عنه إلى المقام الآخر.

واعلم أنّ المراقبة لا تستقيم حتى تتقدّم قبلها المشارطة والمرابطة ، ويتأخر عنها المحاسبة والمعاقبة.

فأما المشارطة : ففي اشتراط العبد على نفسه التزام الطاعة ، وترك المعاصى. وأما المرابطة : فهى معاهدة العبد لربّه على ذلك ، ثم بعد المشارطة والمرابطة فى أوّل الأمر تكون المراقبة إلى الرب. وبعد ذلك يحاسب العبد نفسه على ما اشترطه وعاهد عليه ؛ فإن وجد نفسه قد وفّى بما عاهد عليه الله حمد الله ، وإن وجد نفسه قد حلّ عقد المشارطة ، ونقض عقد المرابطة ـ عاقب النفس عقابا بأن يزجرها عن العودة إلى مثل ذلك. ثم عاد إلى المشارطة والمرابطة وحافظ على المراقبة ، ثم اختبر بالمحاسبة ، فهكذا يكون العبد مع ربه.

(رَبائِبُكُمُ (١)) : بنات نسائكم من غيركم ، الواحدة ربيبة. وسمّيت بذلك لأنه يربّيها ؛ فلفظها فعيلة بمعنى مفعولة.

__________________

(١) النساء : ٢٣

١١٦

(رجفة (١)): حركة الأرض ، بمعنى الزلزلة الشديدة حيث وقعت ، وذلك أن الله أمر جبريل فصاح صيحة بين السماء والأرض ، فمات منها قوم صالح.

(رَحُبَتْ (٢)) : أى ضاقت على كثرة اتساعها.

(روع) : فزع.

(رَعْدٌ (٣)) : اسم ملك ، وصوته المسموع تسبيح. وروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن الله ينشئ السحاب ، فينطق أحسن المنطق ، ويضحك أحسن الضحك ، فمنطقة الرّعد ، وضحكه التبسم»

. وقد جاء فى الأثر أن صوته زجر للسحاب ؛ فعلى هذا يكون تسبيحه غير ذلك. وقال أهل اللغة : الرّعد : صوت السحاب. والبرق : نور وضياء يصحبان السحاب.

(رابِياً (٤)) : عاليا على الماء. ومنه الربوة.

(ردوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ (٥)) : فيه ثلاثة أقوال :

أحدها ـ أن الضمائر لقوم الرّسل. والمعنى أنهم ردّوا أيديهم فى أفواه أنفسهم غيظا على الرسل ، كقوله تعالى (٦) : (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) ؛ واستهزاء وضحكا ، كمن غلبه الضحك ، فوضع يده على فيه.

الثانى ـ أن الضمائر لهم ـ والمعنى أنهم ردّوا أيديهم فى أفواه أنفسهم ؛ إشارة على الأنبياء بالسكوت.

__________________

(١) الأعراف : ٧٨

(٢) التوبة : ٢٥

(٣) البقرة : ١٩ ، والرعد : ١٣

(٤) الرعد : ١٧

(٥) إبراهيم : ٩

(٦) آل عمران : ١١٩

١١٧

والثالث ـ أنهم ردّوا أيديهم فى أفواه الأنبياء ؛ تسكيتا لهم ودفعا لقولهم.

(رَجِلِكَ (١)) : جمع راجل ، وهو الذى (٢) يمشى على رجليه ، لتقدم الخيل. وقيل : هو مجاز واستعارة ؛ فهو بمعنى افعل جهدك. وقيل : إن له من الشيطان خيلا ورجلا. وقيل : المراد فرسان الناس ورجالتهم المتصرّفون فى الشر.

(رقيم) (٣) : لوح كتب فيه خبر أهل الكهف ، ونصبه على باب الكهف. وقيل : كتاب فيه شرعهم ودينهم. وقيل : هى القرية التى كانت بإزاء الكهف. وقيل : الجبل الذى فيه الكهف. وقيل : اسم كلبهم. قال الأصمعى : كنت لا أدرى ما الرّقيم حتى مررت بولد أعرابى ، وهو يقول : يا أبت تعلق الرقيم بالأديم ؛ فطردته فتبارك الجبل ؛ أى ارتفع.

وقال ابن عباس : لا أدرى ما الرّقيم.

(رتق) (٤) : مصدر وصف به ، ومعناه الملتصق بعضه ببعض الذى لا صدع فيه ولا قبح.

(رَبَتْ (٥)) : ارتفعت.

(رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) : المراد به نبينا ومولانا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وانتصاب رحمة على أنه حال من ضمير المخاطب المفعول. والمعنى على هذا أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الرحمة. ويحتمل أن يكون مصدرا فى موضع الحال من ضمير الفاعل ؛ تقديره أرسلناك راحما للعالمين. أو يكون مفعولا من أجله.

والمعنى على كلّ وجه : أنّ الله رحم العالمين بإرسال هذا النبىّ الرحيم إليهم ؛

__________________

(١) الإسراء : ٦٤

(٢) فى المفردات : راجل : أى قوى على المشى.

(٣) الكهف : ٩

(٤) الأنبياء : ٣٠

(٥) الحج : ٥

١١٨

لأنه جاءهم بالسعادة الكبرى ، والنجاة من الشقاوة [١٢٢ ب] العظمى ، ونالوا على يديه الخيرات الكثيرة فى الآخرة والأولى ، وعلّمهم بعد الجهالة ، وهداهم بعد الضلالة.

فإن قلت : رحمة للعالمين عموم ، والكفار لم يرحموا به.

فالجواب من وجهين :

أحدهما ـ أنهم كانوا معرّضين للرحمة به لو آمنوا ، فهم الذين تركوا الرحمة بعد تعريضها.

والآخر ـ أنهم رحموا به لكونهم لم يعاقبوا بمثل ما عوقب به الكفّار المتقدمون ، من الطوفان والصيحة وغير ذلك.

(رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (١)) ـ بضم الراء وفتحها وكسرها : الأرض المرتفعة. والقرار المستوى من الأرض ؛ فمعناه أنها بسيطة يتمكّن فيها الحرث والغراسة. وقيل : القرار هنا الثمار والحبوب. والمعين : الماء الجارى ، فقيل : إنه مشتقّ من العين ، فالميم زائدة ووزنه مفعول.

واختلف فى موضع هذه الرّبوة ، فقيل : بيت المقدس ، وقيل : بغوطة دمشق. وقيل : فلسطين.

(رَؤُفٌ رَحِيمٌ) : من أسمائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مشتقّان من أسماء الله ، وقد اشتق له من اسمه نحو السبعين اسما ، وهذه خصوصية له صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كالكريم ، والخير ، والحق المبين ، والشاهد ، والشهيد ، والعظيم ، والجبّار ، والفاتح ، والشكور ، وغير ذلك مما يطول ذكرها.

__________________

(١) المؤمنون : ٥٠

١١٩

(رَكُوبُهُمْ (١)) ـ بفتح الراء : هو المركوب.

(رس (٢)) : معدن ، وكل ركيّة لم تطو فهى رسّ. وفى العجائب للكرمانى : أنه أعجمى ، ومعناه البئر.

(رَدِفَ لَكُمْ (٣)) : أى تبعكم ، واللام زائدة ، أو ضمّن معنى قرب ، فتعدى باللام.

ومعنى الآية : أنهم استعجلوا العذاب بقولهم : متى هذا الوعد؟ فقيل لهم : عسى أن يكون قرب لكم بعض العذاب الذى تستعجلون ، وهو قتلهم يوم بدر.

(رَمِيمٌ (٤)) : بالية متفتّتة.

(راغ إِلى آلِهَتِهِمْ (٥)) : أى مال إليها ، فقال لهم : ألا تأكلون! على وجه الاستهزاء بالذين يعبدون تلك الأصنام.

فإن قلت : ما وجه دخول الفاء فى آية الصافّات (٦) وحذفها من الذاريات؟

فالجواب : إنما أدخلها فى الصافّات لأنها لم تتكرر ، فقالها للأصنام على جهة التوقيف على الأكل والنطق والمخاطبة للأصنام ؛ والقصد الاستهزاء بعابديها ؛ إذ كانوا يتركون فى بيوت الأصنام طعاما ، ويعتقدون أنها تصيب منه شيئا ،

__________________

(١) يس : ٧٢

(٢) الفرقان : ٣٨ ، ق : ١٢

(٣) النمل : ٧٢

(٤) يس : ٧٨ ، الذاريات : ٤٢

(٥) الصافات : ٥١

(٦) فى الصافات : فراغ إلى آلهتهم فقال : ألا تأكلون ـ وفى الذاريات : فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال : ألا تأكلون سبقت قال فى الآية الأولى بالفاء ، وأما قال الثانية فلم تدخل عليها الفاء.

١٢٠