معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٤٣

وأما التفضيل فهو غالب أحوالها ، كما تقدم ؛ وكقوله (١) : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ). (وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ). (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ).

وقد يترك تكريرها استغناء بأحد القسمين عن الآخرين ، وقد تقدم (٢) فى أنواع الحذف.

وأما التوكيد ، فقال الزمخشرى (٣) : فائدة أما فى الكلام أن تعطيه فضل توكيد ، تقول : زيد ذاهب ، فإذا قصدت توكيد ذلك ، وأنه لا محالة ذاهب ، وأنه بصدد الذهاب ، وأنه منه عزيمة قلت : أما زيد فذاهب ، ولذلك قال سيبويه فى تفسيرها : مهما يكن من شىء فزيد ذاهب.

ويفصل بين أمّا والفاء إما بمبتدإ كالآيات السابقة ، أو خبر ، نحو : أما فى الدار فزيد ، أو جملة شرط ، نحو (٤) : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ ...) الآيات. أو اسم منصوب بالجواب ، نحو (٥) : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ). أو اسم معمول لمحذوف يفسّره ما بعد الفاء ، نحو (٦) : «فأمّا ثمود فهديناهم» ـ فى قراءة بعضهم بالنصب.

تنبيه

ليس من أقسام أمّا ـ أمّا التى فى قوله تعالى (٧) : (أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). بل هى كلمتان : «أم» المنقطعة ، و «ما» الاستفهامية.

__________________

(١) الكهف : ٧٩ ، ٨٠ ، ٨٢ على الترتيب.

(٢) صفحة ٣٣٣

(٣) البرهان : ٤ ـ ٢٤٢

(٤) الواقعة : ٨٨

(٥) الضحى : ٩

(٦) فصلت : ١٧

(٧) النمل : ٨٤

٦٠١

(إمّا) بالكسر والتشديد ـ ترد لمعان :

الإبهام ، نحو (١) : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ).

والتخيير ، نحو (٢) : (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً). ((٣) إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى). ((٤) فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً).

والتفصيل ، نحو (٥) : (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً).

تنبيهات

الأول : لا خلاف فى أن إما الأولى فى هذه الأمثلة ونحوها غير عاطفة. واختلف فى الثانية : فالأكثرون على أنها عاطفة ، وأنكره جماعة منهم ابن مالك ، لملازمتها غالبا الواو العاطفة. وادعى ابن عصفور الإجماع على ذلك ، قال : وإنما ذكروها فى باب العطف لمصاحبتها لحرفه. وذهب بعضهم إلى أنها عطفت الاسم على الاسم ، والواو عطفت إما على إما ، وهو غريب.

الثانى : ستأتى هذه المعانى لأو ، والفرق بينهما وبين «إما» إما لأنّ «إما» ينبى الكلام معها من أول الأمر على ما جىء بها لأجله ، ولذلك وجب تكرارها ، وأو يفتتح الكلام معها على الجزم ثم يطرأ الإبهام ، أو غير ذلك ، ولهذا لم تتكرر.

__________________

(١) محمد : ١٠٦

(٢) الكهف : ٨٦

(٣) طه : ٦٥

(٤)؟؟؟

(٥)؟؟؟

٦٠٢

الثالث : ليس من أقسام إمّا التى فى قوله تعالى (١) : (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) بل هى كلمتان : إن الشرطية ، وإما الزائدة.

(إن) بالكسر والتخفيف ـ على أوجه :

الأول : أن تكون شرطية ، نحو (٢) : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ). وإذا دخلت على لم فالجزم بلم لا بها ، نحو (٣) : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) [٩٧ ا] ، وعلى لا فالجزم بها لا بلا ، نحو (٤) : (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي). ((٥) إِلَّا تَنْصُرُوهُ).

والفرق أن لم عامل يلزم معموله ، ولا يفصل بينهما بشيء ، و «إن» يجوز الفصل بينها وبين معمولها بعد وله (٦) ، ولا لا تعمل الجزم إذا كانت نافية ، فأضيف العمل إلى إن.

الثانى : أن تكون نافية ، وتدخل على الاسمية والفعلية ؛ نحو (٧) : (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ). ((٨) إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ). ((٩) إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى). ((١٠) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً). قيل :ولا تقع «إن» إلا وبعدها إلا كما تقدم ، أو لمّا المشددة ، نحو (١١) : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) ـ فى قراءة التشديد.

ورد بقوله (١٢) : (إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا). ((١٣) إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ).

__________________

(١) مريم : ٢٦

(٢) الأنفال : ٣٨

(٣) البقرة : ٢٤

(٤) هود : ٤٧

(٥) التوبة : ٤٠

(٦) فى البرهان : وبين معمولها معمول معمولها.

(٧) الملك : ٢٠

(٨) المجادلة : ٢

(٩) التوبة : ١٠٢

(١٠) النساء : ١١٧

(١١) الطارق : ٤

(١٢) يونس : ٦٨

(١٣) الأنبياء : ١١١

٦٠٣

ومما حمل على النافية قوله (١) : (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ). ((٢) قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ). وعلى هذا فالوقف هنا. ((٣) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ). وقيل هى زائدة ، ويؤيد الأول قوله (٤) : (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) ، وعدل عن ما (٥) لئلا يتكرر فيثقل اللفظ.

قلت : وكونها للنفى هو الوارد عن ابن عباس كما تقدم.

وقد اجتمعت الشرطية والنافية فى قوله (٦) : (وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ).

وإذا دخلت النافية على الاسمية لم تعمل عند الجمهور ، وأجاز الكسائى والمبرد إعمالها عمل ليس ، وخرج عليه قراءة سعيد بن جبير (٧) : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ).

فائدة

أخرج ابن أبى حاتم عن مجاهد قال : كل شىء فى القرآن إن فهو إنكار.

الثالث : أن تكون مخففة من الثقيلة ، فتدخل على الجملتين ، ثم الأكثر إذا دخلت على الاسمية إهمالها ، نحو (٨) : (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا). ((٩) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ). ((١٠) إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) ـ فى قراءة حفص وابن كثير.

__________________

(١) الأنبياء : ١٧

(٢) الزخرف : ٨١

(٣) الأحقاف : ٢٦

(٤) الأنعام : ٦

(٥) أى فيما ما مكناكم فيه

(٦) فاطر : ٤١

(٧) الأعراف : ١٩٤

(٨) الزخرف : ٣٥

(٩) يس : ٣٢

(١٠) طه : ٦٣

٦٠٤

وقد تعمل ، نحو (١) : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) ـ فى قراءة الحرميين.

وإذا دخلت على الفعل فالأكثر كونه ماضيا ناسخا ، نحو (٢) : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً). ((٣) وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ). ((٤) وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ). ودونه أن يكون مضارعا ناسخا ، نحو (٥) : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا). ((٦) وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ). وحيث وجدت إن وبعدها اللام المفتوحة فهى المخفّفة من الثقيلة.

الرابع : أن تكون زائدة ، وخرج عليه (٧) : (فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ).

الخامس : أن تكون للتعليل كإذ ، قاله الكوفيون وخرجوا عليه (٨) : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). ((٩) لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ). ((١٠) وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). ونحو ذلك مما الفعل فيه محقق الوقوع.

وأجاب الجمهور عن هذه المشيئة بأنه تعليم للعباد كيف يتكلمون إذا أخبروا عن المستقبل ، وبأن أصل ذلك الشرط ، ثم صار يذكر للتبرك. أو بأن المعنى لتدخلن المسجد جميعا إن شاء الله ولا يموت منكم أحد قبل الدخول.

وعن سائر الآيات بأنه شرط جىء به للتهييج والإلهاب ، كما تقول لابنك : إن كنت ابني فأطعنى.

السادس : أن تكن بمعنى قد ، ذكره قطرب ، وخرج عليه (١١) : (فَذَكِّرْ

__________________

(١) هود : ١١٢

(٢) البقرة : ٤٥

(٣) الإسراء : ٧٣

(٤) الأعراف : ١٠٢

(٥) القلم : ٥١

(٦) الشعراء : ١٨٦

(٧) الأحقاف : ٢٦

(٨) المائدة : ٥٧

(٩) الفتح : ٢٧

(١٠) آل عمران : ١٣٩

(١١) الأعلى : ٩

٦٠٥

إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) ؛ أى قد نفعت. ولا يصح معنى الشرط فيه ، لأنه مأمور بالتذكير على كل حال.

وقال غيره : هى للشرط ، ومعناه ذمّهم واستبعاد لنفع التذكير فيهم. وقيل التقدير : وإن لم تنفع ، على حد قوله (١) : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ).

فائدة

قال بعضهم : وقع فى القرآن إن بصيغة الشرط ، وهو غير مراد فى ستة مواضع (٢) : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً). ((٣) وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ). ((٤) وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ). ((٥) إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ). ((٦) أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ). ((٧) وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً).

(أن) بالفتح والتخفيف ـ على أوجه :

الأول : أن تكون حرفا مصدريّا ناصبا للمضارع ؛ وتقع فى موضعين : الابتداء ، [٩٧ ب] فتكون فى محل رفع ؛ نحو (٨) : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ). ((٩) وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى).

وبعد فعل دالّ على معنى غير اليقين ، فتكون فى محل رفع ؛ نحو (١٠) :

__________________

(١) النحل : ٨١

(٢) النور : ٣٣

(٣) النحل : ١١٤

(٤) البقرة : ٢٨٣

(٥) الطلاق : ٤

(٦) النساء : ١٠١

(٧) البقرة : ٢٢٢

(٨) البقرة : ١٨٤

(٩) البقرة : ٢٣٧

(١٠) الحديد : ١٦

٦٠٦

(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ). ((١) وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ). ونصب ؛ نحو (٢) : (نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ). ((٣) وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى). ((٤) فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها). وخفض ؛ نحو (٥) : (أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا). ((٦) مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ).

وأن هذه موصول حرفى ، وتوصل بالفعل المتصل : مضارعا كما مر وماضيا ؛ نحو (٧) : (لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا). ((٨) وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ).

وقد يرفع المضارع بعدها إهمالا لها ، حملا على ما أختها ، كقراءة ابن محيصن : ((٩) لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ).

الثانى : أن تكون مخففة من الثقيلة ، فتقع بعد فعل اليقين ، أو ما نزّل منزلته ، نحو (١٠) : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً). ((١١) عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ). ((١٢) وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) ـ فى قراءة الرفع.

الثالث : أن تكون مفسرة بمنزلة أى ، نحو (١٣) : (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا). ((١٤) وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ).

وشرطها أن تسبق بجملة ؛ فلذلك غلط من جعل منها (١٥) : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). وأن يتأخر عنها جملة ، وأن يكون

__________________

(١) البقرة : ٩٦

(٢) المائدة : ٥٢

(٣) يونس : ٣٧

(٤) الكهف : ٧٩

(٥) الأعراف : ١٢٩

(٦) المنافقون : ١٠

(٧) القصص : ٨٢

(٨) الاسراء : ٧٤

(٩) البقرة : ٢٣٣

(١٠) طه : ٨٠

(١١) المزمل : ٢٠

(١٢) المائدة : ٧١

(١٣)؟؟؟؟

(١٤)؟؟؟؟

(١٥)؟؟؟؟

٦٠٧

فى الجملة السابقة معنى القول. ومنه (١) : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا) ، إذ ليس المراد بالانطلاق المشى ، بل انطلاق ألسنتهم بهذا الكلام ، كما أنه ليس المراد بالمشى المتعارف ، بل الاستمرار على المشى. وزعم الزمخشرى أن التى فى قوله (٢) : (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) ـ مفسرة. ورد بأن قوله : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) ؛ والوحى هنا إلهام باتفاق ، وليس فى الإلهام معنى القول ، وإنما هى مصدرية ؛ أى باتخاذ الجبال.

وألا يكون فى الجملة السابقة أحرف القول ؛ وذكر الزمخشرى فى قوله (٣) : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) ـ إنه يجوز أن تكون مفسرة بالقول على تأويله بالأمر ؛ أى ما أمرتهم إلا بما أمرتنى به أن اعبدوا الله.

قال ابن هشام (٤) : وهو حسن. وعلى هذا فيقال فى الضابط : ألا يكون فيها حروف القول إلا والقول مؤوّل بغيره.

قلت : وهذا من الغرائب كونهم يشترطون أن يكون فيها معنى القول ، فإذا جاء لفظه أوّلوه بما فيه مع صريحه ، وهو نظير ما تقدم من جعلهم «ال» فى الآن زائدة مع قولهم بتضمنه معناها وألا يدخل عليها حرف جر.

الرابع : أن تكون زائدة ؛ والأكثر أن تقع بعد لمّا التوقيفية ؛ نحو (٥) : وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً). وزعم الأخفش أنها قد تنصب المضارع وهى زائدة ، وخرج عليه (٦) : (وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ). ((٧) وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) ؛ قال : فهى زائدة ، بدليل (٨) : وما لنا لا نؤمن بالله.

__________________

(١) ص : ٦

(٢) النحل : ٦٨ ، وانظر المغنى : ١ ـ ٣٠

(٣) المائدة : ١١٧

(٤) المغنى : ١ ـ ٣٠

(٥) العنكبوت : ٣٣

(٦) البقرة : ٢٤٦

(٧) إبراهيم : ١٢

(٨) المائدة : ٨٤

٦٠٨

الخامس : أن تكون شرطية كالمكسورة ، قاله الكوفيون ؛ وخرج عليه (١) : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما). ((٢) أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ). ((٣) صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ). قال ابن هشام (٤) : ويرجّحه عندى تواردهما على محل واحد. والأصل التوافق. وقد قرئ بالوجهين فى الآيات المذكورة ؛ ودخول الفاء بعدها فى قوله : «فتذكر».

السادس : أن تكون نافية ، قاله بعضهم فى قوله (٥) : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) ؛ أى لا يؤتى. والصحيح أنها مصدرية ؛ أى ولا تؤمنوا أن يؤتى ، أى بإيتاء أحد.

السابع : أن تكون للتعليل كإذ ؛ قاله بعضهم فى قوله (٦) : (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ). ((٧) يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا). والصواب أنها مصدرية وقبلها لام التعليل مقدرة.

الثامن : أن تكون تعنى لئلا ؛ قاله بعضهم فى قوله (٨) : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) ، أى لئلا تضلوا. والصواب أنها مصدرية ، والتقدير كراهة أن تضلوا.

(إنّ) بالكسر والتشديد ـ على أوجه :

أحدها : التأكيد والتحقيق ، وهو الغالب ، نحو : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). ((٩) إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ). قال عبد القاهر : والتأكيد بها أقوى

__________________

(١) البقرة : ٢٨٢

(٢) المائدة : ٢

(٣) الزخرف : ٥

(٤) المغنى : ١ ـ ٣٣

(٥) آل عمران : ٧٣

(٦) ق : ٢

(٧) الممتحنة : ١

(٨) النساء : ١٧٦

(٩) يس : ١٦

٦٠٩

من التأكيد باللام. قال : وأكثر مواقعها بحسب الجواب لسؤال ظاهر أو مقدر إذا كان للسائل فيه ظن.

الثانى : التعليل ، أثبته ابن جنى وأهل البيان ، ومثّلوه بنحو (١) : (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). ((٢) وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ). ((٣) وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) ـ وهو نوع من التأكيد.

الثالث : معنى نعم ، أثبته الأكثرون ، وخرّج عليه قوم (٤) : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ).

(أنّ) بالفتح والتشديد ـ على وجهين :

أحدهما : أن تكون حرف تأكيد. والأصحّ أنها فرع المكسورة ، وأنها موصول حرفىّ تؤوّل مع اسمها وخبرها بالمصدر ؛ فإن كان الخبر مشتقا فالمصدر المؤول به من لفظه ؛ نحو (٥) : (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ؛ أى قدرته. وإن كان جامدا قدّر بالكون.

وقد استشكل كونها للتأكيد بأنك لو صرحت بالمصدر المنسبك لم يفد توكيدا.

وأجيب بأن التأكيد للمصدر المنحل ؛ وبهذا لم يفرق بينها وبين إن المكسورة ، لأن التأكيد فى المكسورة للإسناد ، وهذه لأحد الطرفين.

الثانى : أن تكون لغة فى لعل ؛ وخرج عليها (٦) : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) ـ فى قراءة الفتح ؛ أى لعلها.

__________________

(١) البقرة : ١١٩

(٢) التوبة : ١٠٤

(٣) يوسف : ٥٣

(٤) طه : ٦٣

(٥) الطلاق : ١٢

(٦) الأنعام : ١٠٩

٦١٠

(أنّى) اسم مشترك بين الاستفهام والشرط ؛ فأما الاستفهام فترد فيه بمعنى كيف ، نحو (١) : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها). ((٢) فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ).

ومن أين ، نحو (٣) : (أَنَّى لَكِ هذا؟). أى من أين. ((٤) قُلْتُمْ أَنَّى هذا) ؛ أى من أين جاءنا.

قال فى عروس الأفراح : والفرق بين أين ومن أين أن أين سؤال عن المكان الذى حلّ فيه الشيء. ومن أين سؤال عن المكان الذى برز منه الشيء ؛ وجعل من هذا المعنى ما قرئ شاذا (٥) : «أنّى صببنا الماء صبّا» (٦).

وبمعنى متى ؛ وقد ذكرت المعانى الثلاثة فى قوله تعالى (٧) : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) ؛ فأخرج ابن جرير الأول من طريق ابن عباس ، وأخرج الثانى عن الربيع بن أنس واختاره ، وأخرج الثالث عن الضحاك ، وأخرج قولا رابعا عن ابن عمر وغيره : أنها بمعنى حيث شئتم.

واختار أبو حيان وغيره أنها فى الآية شرطية ، وحذف جوابها لدلالة ما قبلها عليه ؛ لأنها لو كانت استفهامية لا كتفت بما بعدها كما هو شأن الاستفهامية أن يكتفى بما بعدها وأن (٨) يكون كلاما يحسن السكوت عليه أو اسما أو فعلا.

__________________

(١) البقرة : ٢٥٩

(٢) العنكبوت : ٦١

(٣) آل عمران : ٣٧

(٤) آل عمران : ١٦٥

(٥) عبس : ٢٤

(٦) أى من أين؟ فيكون الوقف عند قوله : إلى طعامه (البرهان : ٤ ـ ٢٤٩).

(٧) البقرة : ٢٢٣

(٨) فى الإتقان : أى تكون كلاما يحسن السكوت عليه إن كان اسما أو فعلا.

٦١١

(أو) حرف عطف ترد لمعان :

الشك من المتكلم ؛ نحو (١) : (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ).

والإبهام على السامع ؛ نحو (٢) : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).

والتخبير بين المعطوفين بأن يمتنع الجمع بينهما.

والإباحة بألا يمتنع الجمع.

ومثّل الثاني بقوله تعالى (٣) : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ ...) الآية. ومثل الأول بقوله (٤) : (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ). وقوله (٥) : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ).

واستشكل بأن الجمع فى الآيتين غير ممتنع.

وأجاب (٦) ابن هشام بأنه ممتنع بالنسبة إلى وقوع كلّ كفارة أو فدية ، بل تقع واحدة منهن كفّارة أو فدية. والثانى (٧) قربة مستقلة خارجة عن ذلك.

قلت : وأوضح من هذا التمثيل قوله (٨) : (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا ...) الآية. على قول من جعل الخيرة فى ذلك إلى الإمام ، فإنه يمتنع عليه الجمع بين هذه الأمور ؛ بل يفعل منها واحدا يؤدى اجتهاده إليه.

والتفصيل بعد الإجمال ؛ نحو (٩) : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى

__________________

(١) الكهف : ١٩

(٢) سبأ : ٢٤

(٣) النور : ٦١

(٤) البقرة : ١٩٦

(٥) المائدة : ٨٩

(٦) المغنى (١ ـ ٥٥).

(٧) فى المغنى : والباقى.

(٨) المائدة : ٣٣

(٩) البقرة : ٢٣٥

٦١٢

تَهْتَدُوا). ((١) قالُوا : ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) ؛ أى قال بعضهم كذا ، وقال بعضهم كذا.

والإضراب كبل ؛ وخرّج عليه قوله (٢) : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ). ((٣) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى). وقراءة بعضهم (٤) : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً) ـ بسكون الواو.

ومطلق الجمع كالواو ؛ نحو (٥) : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى). ((٦) لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً).

والتقريب ، ذكره الحريرى وأبو البقاء (٧) ، وجعل منه (٨) : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ).

وردّ بأن التقريب مستفاد من غيرها.

ومعنى إلا فى الاستثناء ، ومعنى إلى ، وهاتان ينصب المضارع بعدهما بأن مضمرة ، وخرج عليه (٩) : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً). فقيل : إنه منصوب لا مجزوم بالعطف على «تمسّوهن» ، لئلا يصير المعنى : لا جناح عليكم فيما يتعلق بمهور النساء إن طلقتموهنّ فى مدة انتفاء أحد هذين الأمرين ، مع أنه إذا انتفى الفرض دون المسيس لزم مهر المثل ، وإذا انتفى المسيس دون الفرض لزم نصف المسمّى ، فكيف يصح رفع الجناح عند انتفاء أحد الأمرين؟ ولأن المطلقات المفروض لهنّ

__________________

(١) الذاريات : ٣٩

(٢) الصافات : ١٤٧

(٣) النجم : ٩

(٤) البقرة : ١٠٠

(٥) طه : ٤٤

(٦) طه : ١٠٣

(٧) فى املاء ما من به الرحمن : ٢ ـ ٨٤

(٨) النحل : ٧٧

(٩) البقرة : ٢٣٦

٦١٣

قد ذكر ثانيا بقوله : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ...) الآية. وترك ذكر المسوسات بما تقدم من المفهوم. ولو كان «تفرضوا» مجزوما لكانت المسوسات والمفروض لهن مستويات فى الذكر. وإذا قدرت «أو» بمعنى إلا خرجت المفروض لهن عن مشاركة المسوسات فى الذّكر ؛ وكذا إذا قدرت بمعنى «إلى» وتكون غاية لنفى الجناح لا لنفى المسيس.

وأجاب ابن الحاجب عن الأول بمنع كون المعنى مدة انتفاء أحدهما ؛ بل مدة لم يكن واحد منهما ؛ وذلك ينفيهما جميعا ؛ لأنه نكرة فى سياق النفى الصريح.

وأجاب بعضهم عن الثانى بأن ذكر المفروض لهن إنما كان لتعيّن النصف لهن لا لبيان أن لهن شيئا فى الجملة.

ومما خرج على هذا المعنى قراءة أبىّ (١) : (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ).

تنبيهات

الأول : لم يذكر المتقدمون لأو هذه المعانى ؛ بل قالوا : هى لأحد الشيئين أو الأشياء.

قال ابن هشام (٢) : وهو التحقيق ؛ والمعانى المذكورة مستفادة من القرائن.

الثانى : قال أبو البقاء (٣) : أو فى النهى نقيضة أو فى الإباحة ، فيجب اجتناب الأمرين ؛ كقوله (٤) : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) ؛ فلا يجوز فعل

__________________

(١) الفتح : ١٦٢

(٢) المغنى : ١ ـ ٦٤

(٣) إملاء ما من به الرحمن : ١ ـ ١٤٩

(٤) الانسان : ٢٤

٦١٤

أحدهما ؛ فلو جمع بينهما كان فاعلا للمنهى عنه مرّتين ؛ لأن كل واحد منهما كان منهيّا عنه لأحدهما.

وقال غيره : «أو» فى هذا بمعنى الواو تفيد الجمع.

وقال الخطيبى (١) : الأولى أنها على بابها ؛ وإنما جاء التعميم فيها من النهى الذى فيه معنى النفى ؛ والنكرة فى سياق النفى تعمّ ؛ لأن المعنى قبل النهى : تطيع آثما أو كفورا ؛ أى واحدا منهما ، فإذا جاء النهى ورد على ما كان ثابتا ، فالمعنى لا تطع واحدا منهما ؛ فالتعميم فيها من جهة النفى ، وهى على بابها.

الثالث : لكون (٢) مبناها على عدم التشريك عاد الضمير إلى مفردها بالإفراد ، بخلاف الواو. وأما قوله (٣) : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) ؛ فقيل إنها بمعنى الواو. وقيل المعنى إن يكن الخصمان غنيّين أو فقيرين.

فائدة

أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس ، قال : كل شىء فى القرآن فيه «او» فهو مخيّر ، فإذا كان ممن لم يخير (٤) فهو الأول فالأول.

وأخرج البيهقى فى سننه عن ابن جريج. قال : كل شىء فى القرآن فيه «أو» فالتخيير إلا قوله (٥) : (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا) ليس بمخيّر فيهما. قال الشافعى بهذا أقول.

__________________

(١) البرهان : ٤ ـ ٢١٣ والخطيبى : هو محمد بن ظفر. كان إماما فى العلوم العقلية والنقلية ، شرح التلخيص وتوفى سنة ٧٤٥ (بغية الوعاة : ١٠٦).

(٢) البرهان : ٤ ـ ٢١٣

(٣) النساء : ١٣٥

(٤) فى ب : فإذا كان «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ» *.

(٥) المائدة : ٣٣

٦١٥

(أولى) فى قوله (١) : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى). وفى قوله (٢) : (فَأَوْلى لَهُمْ). قال فى الصحاح : قولهم : أولى لك : كلمة تهدد ووعيد ؛ قال الشاعر (٣) :

فأولى ثم أولى ثم أولى

قال الأصمعى : معناه قاربه ما يهلكه ، أى نزل به.

قال الجوهرى : ولم يقل أحد فيها أحسن مما قاله الأصمعى.

وقال قوم : هو اسم فعل مبنى ، ومعناه أولى لك (٤) شر بعد شر ، ولك تبيين.

وقيل : هو علم للوعيد غير معروف ؛ ولذا لم ينون ، وإن محله رفع على الابتداء ولك الخبر ، ووزنه على هذا فعلى للإلحاق. وقيل افعل.

وقيل معناه الويل لك ، وإنه مقلوب منه. والأصل أويل ؛ فأخّر حرف العلة.

ومنه قول الخنساء (٥) :

هممت بنفسى بعض (٦) الهموم

فأولى لنفسى أولى لها

وقيل معناه الذم لك أولى من تركه ، فحذف المبتدأ لكثرة دورانه فى الكلام.

وقيل المعنى أنت أولى وأجدر بهذا العذاب ، كأنه يقول : قد وليت الهلاك ، أو قد دانيت الهلاك. وأصله من الولى وهو القرب ؛ ومنه قوله تعالى (٧) : (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) ، أى يقربون منكم.

__________________

(١) القيامة : ٣٥

(٢) محمد : ٢٠

(٣) اللسان (ولى) غير منسوب. وعجزه : وهل؟ قدر؟ بحلب مرد.

(٤) فى الإتقان : وليك ..

(٥) الديوان : ٧٣

(٦) فى الديوان : كل الهموم.

(٧) التوبة : ١٢٤

٦١٦

وقال النحاس : العرب تقول أولى لك ؛ أى كدت تهلك ، وكأنّ تقديره أولى لك الهلكة.

(إى) بالكسر والسكون ـ حرف جواب بمعنى نعم ، فتكون لتصديق المخبر ولإعلام المستخبر ، ولوعد الطالب. قال النحاة : ولا تقع إلا قبل القسم.

قال ابن الحاجب : وإلا بعد الاستفهام ؛ نحو (١) : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ؟ قُلْ إِي وَرَبِّي).

(أىّ) بالفتح والتشديد ـ على أوجه :

الأول : أن تكون شرطية ؛ نحو (٢) : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ). ((٣) أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى).

الثانى : استفهامية ؛ نحو (٤) : (أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً). وإنما يسأل بها عما يميز أحد المتشاركين فى أمر يعمهما ؛ نحو (٥) : (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً)؟ أنحن أم أصحاب محمد؟

الثالث : موصولة ؛ نحو (٦) : (لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ).

وهى فى الأوجه الثلاثة معربة. وتبنى فى الوجه الثالث على الضم إذا حذف عائدها وأضيفت كالآية المذكورة. وأعربها الأخفش فى هذه الحالة أيضا ، وخرّج عليه قراءة بعضهم بالنصب. وأول قراءة الضم على الحكاية ، وأوّلها غيره على التعليق للفعل. وأوّلها الزمخشرى على أنها خبر مبتدأ محذوف. وتقدير الكلام

__________________

(١) يونس : ٥٣

(٢) القصص : ٢٨

(٣) الاسراء : ١١٠

(٤) التوبة : ١٢٥

(٥) مريم : ٧٣

(٦) مريم : ٦٩

٦١٧

لننزعنّ بعض كلّ شيعة ، فكأنه قيل من هذا البعض؟ فقيل : هو الذى بالمكر أشدّ ، فحذف المبتدآن ثم المكتنفان لأى.

وزعم ابن الطراوة على (١) أنها فى الآية مقطوعة عن الإضافة مبنية ، وأيهم (٢) أشدّ مبتدأ وخبر.

ورد برسم الضمير متصلا بأى ، وبالإجماع على إعرابها إذا لم تضف.

الرابع : أن تكون وصلة إلى نداء ما فيه أل ، نحو : يأيها الناس. يأيها النبى.

(إيّا) زعم الزّجّاج أنه اسم ظاهر. والجمهور أنه ضمير. ثم اختلفوا فيه على أقوال :

أحدها : أنه كله ضمير هو وما اتصل به.

والثانى : أنه وحده ضمير ، وما بعده اسم مضاف له يفسّره ما يراد به من تكلّم أو غيبة أو خطاب ، نحو (٣) : (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ). ((٤) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ). ((٥) إِيَّاكَ نَعْبُدُ).

والثالث : أنه وحده ضمير وما بعده حروف تفسر المراد.

والرابع : أنه عماد وما بعده هو الضمير. وقد غلط من زعم أنه مشتق.

وفيه سبع لغات ـ وقرئ بها : تشديد الياء ، وتخفيفها مع الهمزة ، وإبدالها هاء مفتوحة ومكسورة. هذه ثمانية يسقط منها فتح الهاء مع التشديد.

__________________

(١) هكذا بالأصلين.

(٢) فى الاتقان : وأن «هم أشد» مبتدأ وخبر.

(٣) النحل : ٥١

(٤) الأنعام : ٤١

(٥) الفاتحة : ٥

٦١٨

(أيّان) اسم استفهام ؛ وإنما يستفهم به مع الزمان المستقبل ، كما جزم به ابن مالك وأبو حيان ، ولم يذكرا فيه خلافا. وذكر صاحب إيضاح المعانى مجيئها للماضى.

وقال السكاكى : لا تستعمل إلا فى مواضع التفخيم وغيره. وقال بالأول من النحاة على بن عيسى الرّبعي ، وتبعه صاحب البسيط ، فقال : إنها تستعمل فى الاستفهام عن الشيء المعظّم أمره.

وفى الكشاف (١) : قيل إنها مشتقة من أىّ ، فعلان منه ، لأن معناه أى وقت؟ وأى فعل؟ من أويت إليه ، لأن البعض أوى إلى الكل ومتساند له ، وهو بعيد. وقيل أصله أى آن. وقيل أى أوان ، حذفت الهمزة من أوان والياء الثانية من أى ، وقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء الساكنة فيها. وقرئ بكسر همزتها.

(أين) اسم استفهام عن المكان ، نحو (٢) : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ).

ويرد شرطا عامّا فى الأمكنة.

وأينما أعمّ منها ، نحو (٣) : (أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ).

__________________

(١) الكشاف : ١٤٣

(٢) التكوير : ٢٦

(٣) النحل : ٧٦

٦١٩

حرف الباء المفردة

(بطائنها (١)) أى ظواهرها بالقبطية ؛ قاله الزركشى وابن شيذلة.

(بلاء) على ثلاثة معان : نعمة ، واختبار ، ومكروه ؛ ومنه : ابتلى. ونبلوكم.

(بارئكم) خالقكم. وإنما خص هنا اسم البارئ لأن فيه توبيخا للذين عبدوا العجل ، كأنه يقول : كيف عبدتم غير الذى برأكم. وروى أن من لم يعبد العجل قتل من عبده حتى بلغ القتل سبعين ألفا ، فعفا الله عنهم.

(باءوا) انصرفوا بذلك. ولا يقال «باء» إلا بشرّ. ويقال باء بكذا إذا أقرّ به. والضمير فى هذه الآية راجع إلى بنى إسرائيل ؛ فتارة دعاهم بالملاطفة. وذكر الإنعام عليهم وعلى آبائهم ؛ وتارة بالتخفيف ، وتارة بإقامة الحجة وتوبيخهم على سوء أعمالهم ، وذكر العقوبات التى عاقبهم بها.

فذكر من النعم عليهم عشرة أشياء ؛ وهى (٢) : (إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ). ((٣) وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ). ((٤) بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ). ((٥) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى). و ((٦) عَفَوْنا عَنْكُمْ). (فَتابَ (٧) عَلَيْكُمْ). و (نَغْفِرْ (٨) لَكُمْ). و ((٩) آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ). ((١٠) فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً).

__________________

(١) فى سورة الرحمن : ٥٤ : بطائنها من استبرق.

(٢) إبراهيم : ٦

(٣) البقرة : ٥٠

(٤) البقرة : ٥٦

(٥) البقرة : ٥٧

(٦) البقرة : ٥٢

(٧) البقرة : ٥٤

(٨) البقرة : ٥٨

(٩) البقرة : ٥٣

(١٠) البقرة : ٦٠

٦٢٠