معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٤٣

الأول (١) : أن ما يناظره من كلامهم ، وهو قوله : «القصاص حياة» أقلّ حروفا ؛ فان حروفها عشرة ، وحروف : القتل أنفى للقتل ـ أربعة عشر.

الثانى : أن نفى القتل لا يستلزم الحياة ، والآية ناصّة على ثبوتها التى هى الغرض المطلوب منه.

الثالث : أن تنكير حياة تفيد تعظيما ، فتدل على أن فى القصاص حياة متطاولة ، [٥١ ا] كقوله (٢) : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) ، ولا كذلك المثل ؛ فإن اللام فيه للجنس ، ولذا فسروا الحياة فيها بالبقاء.

الرابع : أن الآية مطردة بخلاف المثل ، فإنه ليس كل قتل أنفى للقتل ، بل قد يكون أدعى له ، وهو القتل ظلما ، وإنما ينفيه قتل خاص ، وهو القصاص ، ففيه حياة أبدا.

الخامس : أن الآية خالية من تكرار لفظ «القتل» الواقع فى المثل ، والخالى من التكرار أفضل من للمشتمل عليه ، وإن لم يكن مخلا بالفصاحة.

السادس : أن الآية مستغنية عن تقدير محذوف ، بخلاف قولهم ، فإن فيه حذف «من» التى بعد أفعل التفضيل وما بعدها ، وحذف قصاصا مع القتل الأول وظلما مع القتل الثانى ، والتقدير : القتل قصاصا أنفى للقتل ظلما من تركه.

السابع : أن فى الآية طباقا ؛ لأن القصاص مشعر بضد الحياة ، بخلاف القتل.

الثامن : أن الآية اشتملت على فن بديع ، وهو جعل أحد الضدين الذى هو الفناء والموت محلا ومكانا لضده الذى هو الحياة ، واستقرار الحياة فى الموت مبالغة

__________________

(١) من الوجوه العشرين

(٢) البقرة : ٩٦

٣٠١

عظيمة ، ذكره (١) فى الكشاف وعبّر عنه صاحب الإيضاح بأنه جعل القصاص كالمنبع للحياة والمعدن لها بإدخال «فى» عليه.

التاسع : أن فى المثل توالى أسباب كثيرة خفيفة ، وهو السكون بعد الحركة وذلك مستكره ، فإن اللفظ المنطوق به إذا توالت حركاته تمكن اللسان من النطق به ، وظهرت فصاحته بخلاف ما إذا تعقب كل حركة سكون ؛ فالحركات تنقطع بالسكنات ، نظيره إذا تحركت الدابة أدنى حركة فجئت (٢) ثم تحركت فجئت (٣) لا يتبين انطلاقها ، ولا تتمكن من حركتها على ما تختاره ؛ فهى كالمقيدة.

العاشر : أن المثل كالمتناقض من حيث الظاهر ؛ لأن الشيء لا ينفى نفسه.

الحادى عشر : سلامة الآية من تكرير قلقلة القاف الموجب للضغط والشدة ، وبعدها عن غنّة النون.

الثانى عشر : اشتمالها على حروف متلائمة ، لما فيها من الخروج من القاف إلى الصاد ؛ إذ القاف من حروف الاستعلاء ، والصاد من حروف الاستعلاء والإطباق ، بخلاف الخروج من القاف إلى التاء التى هى حرف منخفض ؛ فهو غير ملائم للقاف ، وكذا الخروج من الصاد إلى الحاء أحسن من الخروج من اللام إلى الهمزة ، لبعد ما دون طرف اللسان وأقصى الحلق.

الثالث عشر : فى النطق بالصاد والحاء والتاء حسن الصوت ، ولا كذلك تكرير القاف والتاء.

الرابع عشر : سلامتها من لفظ القتل المشعر بالوحشة ؛ بخلاف لفظ الحياة ؛ فإن الطباع أقبل له من لفظ القتل.

__________________

(١) الكشاف : ١ ـ ٨٦

(٢) فى الاتقان : فحبست. وفى البرهان : فخنست.

(٣) فى الاتقان : فحبست. وفى البرهان : فخنست.

٣٠٢

الخامس عشر : أن لفظ القصاص مشعر بالمساواة ، فهو منبئ عن العدل ، بخلاف مطلق القتل.

السادس عشر : الآية مبنية على الإثبات والمثل على النفى ؛ والإثبات أشرف ، لأنه أول ، والنفى (١) ثان عنه.

السابع عشر : أن المثل لا يكاد يفهم إلا بعد فهم أن القصاص هو الحياة. وقوله : ولكم فى القصاص حياة مفهوم من أول وهلة.

الثامن عشر : أن فى المثل بناء أفعل التفضيل من فعل متعد ، والآية سالمة منه.

التاسع عشر : أن أفعل فى الغالب تقتضى الاشتراك ؛ فيكون ترك القصاص نافيا للقتل ؛ ولكن القصاص أكثر نفيا ، وليس الأمر كذلك ، والآية سالمة من ذلك.

العشرون : أن الآية رادعة عن القتل والجرح معا لشمول القصاص لهما ، والحياة أيضا فى قصاص الأعضاء ؛ لأن قطع العضو ينقص مصلحة الحياة ، وقد يسرى إلى النفس فيزيلها ، ولا كذلك المثل.

ثم فى أول الآية : «ولكم». وفيها لطيفة ؛ وهى بيان العناية بالمؤمنين على الخصوص ، وأنهم المراد حياتهم لا غيرهم ؛ لتخصيصهم بالمعنى مع وجوده فمن سواهم.

__________________

(١) فى ا : والمنفى.

٣٠٣

تنبيهات

الأول ـ ذكر قدامة (١) من أنواع البديع الإشارة ، وفسّرها بالإتيان بكلام قليل ذى معان جمّة ، وهذا هو إيجاز القصر بعينه ؛ لكن فرق بينهما ابن أبى الإصبع (٢) بأن الإيجاز دلالته مطابقة ، ودلالة الإشارة إما تضمين أو التزام ؛ فعلم منه أن المراد بها ما تقدم فى مبحث [٥١ ب] المنطوق.

الثانى ـ ذكر القاضى أبو بكر فى إعجاز القرآن (٣) أن من الإيجاز نوعا يسمى التضمين ، وهو حصول معنى فى لفظ من غير ذكر له باسم [أو صفة](٤) هى عبارة عنه ؛ قال : وهو نوعان : أحدهما ما يفهم من البنية ، كقولك : معلوم. فإنه يوجب أنه لا بد من عالم. والثانى من معنى العبارة (٥) ، كبسم الله الرحمن الرحيم ، فإنه تضمن تعليم الاستفتاح فى الأمور باسمه على جهة التعظيم لله والتبرك باسمه.

الثالث ـ ذكر ابن الأثير (٦) وصاحب عروس الأفراح وغيرهما أن من أنواع إيجاز القصر باب الحصر ، سواء كان بإلا أو بإنما أو غيرهما من أدواته ؛ لأن الجملة فيها نابت مناب جملتين. وباب العطف ؛ لأن حرفه وضع للإغناء عن إعادة العوامل. وباب النائب عن الفاعل ؛ لأنه دل على الفاعل بإعطائه حكمه. وعلى المفعول بوضعه. وباب الضمير ؛ لأنه وضع للاستغناء عن الظاهر اختصارا ، ولهذا لا يعدل

__________________

(١) نقد الشعر : ١٧٤

(٢) بديع القرآن : ٨٢

(٣) إعجاز القرآن : ٢٧٢

(٤) من إعجاز القرآن.

(٥) فى إعجاز القرآن : وتضمين يوجبه معنى العبارة من حيث لا يصح إلا به ، كالصيغة ضارب على مضروب ...

(٦) المثل السائر : ٢ ـ ٢٧٥

٣٠٤

إلى المنفصل مكان (١) المتصل.

وباب علمت أنك قائم ؛ لأنه محل لاسم واحد سد مسد المفعولين من غير حذف.

ومنها باب التنازع إذا لم تقدر على رأى الفراء.

ومنها طرح المفعول اختصارا (٢) على جعل المتعدى كاللازم ، وسيأتى تحريره.

ومنها جميع أدوات الاستفهام والشرط ؛ فإنّ «كم مالك؟» يغنى عن قولك : أهو عشرون أم ثلاثون؟ وهكذا إلى ما لا يتناهى.

ومنها الألفاظ الملازمة للعموم كأحد.

ومنها لفظ التثنية والجمع ، فإنه يغنى عن تكرير المفرد ، وأقيم الحرف فيها مقامه اختصارا.

ومما يصلح أن يعد من أنواعه المسمى بالاتساع (٣) من أنواع البديع ؛ وهو أن يأتى بكلام يتسع فيه التأويل بحسب ما تحتمله ألفاظه من المعانى ، كفواتح السور ، ذكره ابن أبى الإصبع (٤).

* * *

القسم الثانى من قسمى الإيجاز إيجاز الحذف ، وله فوائد.

ذكر أسبابه :

منها : مجرّد الاختصار والاحتراز عن العبث لظهوره.

ومنها : التنبيه على أن الزمان يتقاصر عن الإتيان بالمحذوف ، وأن الاشتغال بذكره يفضى إلى تفويت المهم ، وهذه هى فائدة باب التحذير والإغراء ،

__________________

(١) فى الاتقان : مع إمكان.

(٢) فى الاتقان : اقتصارا

(٣) فى ب : بالإشباع.

(٤) بديع القرآن : ١٧٣

٣٠٥

وقد اجتمعا فى قوله (١) : (ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها) ؛ فناقة الله تحذير بتقدير ذروا. وسقياها إغراء بتقدير الزموا.

ومنها : التفخيم والإعظام لما فيه من الإيهام. قال حازم فى «منهاج البلغاء» : إنما يحسن الحذف لقوة الدلالة عليه ، أو يقصد به تعديد أشياء ، فيكون فى تعدادها طول وسآمة ، فيحذف ويكتفى بدلالة الحال وتترك النفس تجول فى الأشياء المكتفى بالحال عن ذكرها. قال : ولهذا القصد يؤثر فى المواضع التى يراد بها التعجب والتهويل على النفوس. ومنه قوله فى وصف أهل الجنة (٢) : (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها). فحذف الجواب إذ كان وصف ما يجدونه ويلقونه عند ذلك لا يتناهى ؛ فجعل الحذف دليلا على ضيق الكلام عن وصف ما يشاهدونه وترك (٣) النفوس تقدر ما شاءته ، ولا تبلغ مع ذلك كنه ما هنالك.

وكذا قوله (٤) : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) ، أى لرأيت أمرا فظيعا لا تكاد تحيط به العبارة.

ومنها : التخفيف لكثرة دورانه فى الكلام ، كما فى حذف حرف النداء ، نحو (٥) : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا). ونون لم يك ، والجمع السالم. ومنه قراءة (٦) : والمقيمى الصلاة. وياء (٧) : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ).

__________________

(١) الشمس : ١٣

(٢) الزمر : ٧٣

(٣) فى الإتقان والبرهان : وتركت.

(٤) الأنعام : ٢٧

(٥) يوسف : ٢٩

(٦) الحج : ٣٥. وهذه القراءة ـ بالنصب ـ قراءة أبى عمر. (القرطبى : ١٢ ـ ٥٩).

(٧) الفجر : ٤

٣٠٦

وسأل المؤرّج السدوسى الأخفش عن هذه الآية ، فقال : عادة العرب أنها إذا عدلت بالشىء عن معناه نقصت حروفه ، والليل لما كان لا يسرى ، وإنما يسرى فيه ، نقص منه حرف ، كما قال تعالى (١) : (وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا). الأصل بغية ، فلما حوّل عن فاعل نقص منه حرف.

ومنها : كونه لا يصلح الإله ؛ نحو (٢) : (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ). ((٣) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ).

ومنها : شهرته حتى يكون ذكره وعدمه سواء ؛ قال الزمخشرى : وهو نوع من دلالة الحال التى لسانها أنطق من لسان المقال ؛ وحمل عليه قراءة حمزة (٤) : (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) ؛ لأن هذا مكان شهر بتكرير الجار ؛ فقامت الشهرة مقام الذكر.

ومنها : [٥٢ ا] صيانته عن ذكره تشريفا ، كقوله (٥) : (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ. قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) الآيات. حذف فيها المبتدأ فى ثلاثة مواضع قبل ذكر الرب ؛ أى هو رب. والله ربكم. والله رب المشرق ؛ لأن موسى استعظم حال فرعون وإقدامه على السؤال فأضمر اسم الله تعظيما وتفخيما.

ومثله فى عروس الأفراح (٦) : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ؛ أى ذاتك.

ومنها : صيانة اللسان عنه تحقيرا له ؛ نحو (٧) : (صُمٌّ بُكْمٌ). أى هم. أو المنافقون.

__________________

(١) مريم : ٢٨

(٢) المؤمنون : ٩٢

(٣) هود : ١٠٧

(٤) النساء : ١

(٥) الشعراء : ٢٣ ـ ٢٨

(٦) الأعراف : ١٤٢

(٧) البقرة : ١٨

٣٠٧

ومنها : قصد العموم ؛ نحو (١) : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ؛ أى على العبادة وعلى أمورنا كلها. ((٢) وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) ؛ أى كل واحد.

ومنها : رعاية الفاصلة ، نحو (٣) : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) ؛ أى وما قلاك.

ومنها : قصد البيان بعد الإبهام ، كما فى فعل المشيئة ، نحو (٤) : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ) ؛ أى فلو شاء هدايتكم ، فإنه إذا سمع السامع «فلو شاء» تعلّقت نفسه بما شاء ، انبهم عليه ، لا يدرى ما هو. فلما ذكر الجواب استبان بعد ذلك.

وأكثر ما يقع ذلك بعد أداة شرط ؛ لأن مفعول المشيئة مذكور فى جوابها ، وقد يكون مع غيرها استدلالا بغير الجواب ، نحو (٥) : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ).

وقد ذكر أهل البيان أن مفعول المشيئة والإرادة لا يذكر إلا إذا كان غريبا أو عظيما ، نحو (٦) : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ). ((٧) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً).

وإنما اطرد أو كثر حذف مفعول المشيئة دون سائر الأفعال ؛ لأنه لا يلزم من وجود المشيئة وجود المشاء ، فالمشيئة المستلزمة لمضمون الجواب لا يمكن أن تكون إلا مشيئة (٨) الجواب ؛ ولذلك كانت الإرادة مثلها فى اطراد حذف مفعولها. ذكره الزملكانى والتنوخى فى الأقصى القريب ؛ قالوا : إذا حذف بعد «لو» فهو المذكور فى جوابها أبدا. وأورد فى عروس الأفراح (٩) : (قالُوا

__________________

(١) الفاتحة : ٥

(٢) يونس : ٢٥

(٣) الضحى : ٣

(٤) الأنعام : ١٤٩

(٥) البقرة : ٢٥٥

(٦) التكوير : ٢٨

(٧) الأنبياء : ١٧

(٨) فى البرهان : إلا مثيلة.

(٩) فصلت : ١٤

٣٠٨

لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً). فإن المعنى لو شاء ربنا إرسال الرسل لأنزل الملائكة ؛ لأن المعنى معين على ذلك.

فائدة

قال الشيخ عبد القاهر : ما من اسم حذف فى الحالة التى ينبغى أن يحذف فيها إلا وحذفه أحسن من ذكره.

وسمى ابن جنّى الحذف شجاعة العربية ، لأنه يشجع على الكلام.

قاعدة

فى حذف المفعول اختصارا واقتصارا

قال ابن هشام (١) : جرت عادة النحويين أن يقولوا بحذف المفعول اختصارا واقتصارا ، ويريدون بالاختصار الحذف لدليل ، وبالاقتصار الحذف لغير دليل ، ويمثلونه بنحو (٢) : (كُلُوا وَاشْرَبُوا) ؛ أى أوقعوا هذين الفعلين.

والتحقيق أن يقال ـ يعنى كما قال أهل البيان : تارة يتعلق الغرض بالإعلام بمجرد وقوع الفعل من غير تعيين من أوقعه ومن أوقع عليه ، فيجاء بمصدره مسندا إلى فعل كون عام ، فيقال حصل حريق أو نهب. وتارة يتعلق بالإعلام بمجرد إيقاع الفعل للفاعل ، فيقتصر عليهما ولا يذكر المفعول ولا ينوى ؛ إذا المنوى كالثابت ، ولا يسمى محذوفا ؛ لأن الفعل ينزل لهذا القصد منزلة ما لا مفعول معه ،

__________________

(١) المغنى (٢ ـ ١٥٣).

(٢) البقرة : ٦٠

٣٠٩

ومنه (١) : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ). ((٢) هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ). (كُلُوا (٣) وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا). (وَإِذا (٤) رَأَيْتَ ثَمَّ) ؛ إذ المعنى ربى الذى يفعل الإحياء والإماتة. وهل يستوى من يتصف بالعلم ومن ينتفى عنه العلم؟ وأوقعوا الأكل والشرب وذروا الإسراف. وإذا حصلت منك رؤية.

ومنه (٥) : (وَلَمَّا (٦) وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ ...) الآية. ألا ترى أنه عليه‌السلام رحمهما إذ كانتا على صفة الذياد وقومهما على السقى لا لكون مذودهما غنما ومسقيّهم إبلا ، وكذلك المقصود من «لا نسقى» السقى لا المسقىّ. ومن لم يتأمل قدّر : يسقون إبلهم ، وتذودان [٥٢ ب] غنمهما ، ولا نسقى غنما.

وتارة يقصد إسناد الفعل إلى فاعله وتعليقه بمفعوله ، فيذكران ، نحو : لا تأكلوا الرّبا. ولا تقربوا الزنا. وهذا النّوع الذى إذا لم يذكر محذوفه (٧) قيل محذوف ، وقد يكون فى اللفظ ما يستدعيه فيحصل الجزم بوجود تقديره ، نحو : ((٨) أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً). ((٩) وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى).

وقد يشتبه الحال فى الحذف وعدمه ، نحو (١٠) : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ). قد يتوهم أن معناه نادوا فلا حذف ، أو سموّا فالحذف واقع.

__________________

(١) البقرة : ٢٥٨

(٢) الزمر : ٩

(٣) الأعراف : ٣١

(٤) الإنسان : ٢٠

(٥) من كلام ابن هشام أيضا.

(٦) القصص : ٢٣

(٧) فى المغنى : مفعوله.

(٨) الفرقان : ٤١

(٩) النساء : ٩٥

(١٠) الإسراء : ١١٠

٣١٠

ذكر شروطه

هى ثمانية :

أحدها ـ وجود دليل إما حالىّ ؛ نحو (١) : (قالُوا سَلاماً). أى سلمنا سلاما. أو مقالىّ ؛ نحو (٢) : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً). أى أنزل خيرا. ((٣) قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ). أى سلام عليكم ، أنتم قوم منكرون.

ومن الأدلة العقل حيث تستحيل صحة الكلام عقلا إلا بتقدير محذوف.

ثم تارة يدل على أصل الحذف من غير دلالة على تعيينه ؛ بل يستفاد التعيين من دليل آخر ؛ نحو (٤) : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) ؛ فإن العقل يدل على أنها ليست المحرمة ؛ لأن التحريم لا يضاف إلى الإحرام ، وإنما هو والحل مضافان إلى الأفعال ، فعلم بالعقل حذف شىء. وأما تعيينه وهو التناول فمستفاد من الشرع ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنما حرم أكله لأن العقل لا يدرك محل الحرام (٥) ولا الحرمة.

وأما قول صاحب التلخيص إنه من باب دلالة العقل أيضا فتابع فيه السكاكى من غير تأمل أنه مبنى على أصول المعتزلة.

وتارة يدل العقل أيضا على التعيين ، نحو (٦) : (وَجاءَ رَبُّكَ) ؛ أى أمره. بمعنى عذابه ، لأن العقل دل على استحالة مجىء البارى ، لأنه من سمات الحادث ،

__________________

(١) هود : ٦٩

(٢) النحل : ٣٠

(٣) الذاريات : ٢٥

(٤) المائدة : ٣

(٥) فى الإتقان : محل الحل ولا الحرمة.

(٦) الفجر : ٢٢

٣١١

وعلى أن الجائى أمره. ((١) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ). ((٢) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ). أى بمقتضى العقود وبمقتضى عهد الله ؛ لأن العقد والعهد قولان قد دخلا فى الوجود وانقضيا ، فلا يتصور فيهما وفاء ولا نقض ؛ وإنما الوفاء والنقض بمقتضاهما وما ترتب عليهما من أحكامهما.

وتارة يدل على التعيين العادة ، نحو (٣) : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ). دلّ العقل على الحذف ؛ لأن يوسف لا يصح ظرفا للوم ؛ ثم يحتمل أن يقدر لمتننى فى حبه ؛ لقوله : قد شغفها حبّا ، أو فى مراودته ، لقوله : (تُراوِدُ فَتاها). والعادة دلت على الثانى ، لأن الحب المفرط لا يلام صاحبه عليه عادة ، لأنه ليس اختياريا ، بخلاف المراودة للقدرة على دفعها.

وتارة يدل عليه التصريح به فى موضع آخر ، وهو أقواها ، نحو (٤) : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ) أى أمره ، بدليل : أو يأتى أمر ربك. ((٥) وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ). أى كعرض ؛ بدليل التصريح به فى آية الحديد (٦). ((٧) رَسُولٌ مِنَ اللهِ) ؛ أى من عند الله بدليل : ((٨) وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ).

ومن الأدلة على أصل الحذف العادة ، بأن يكون العقل غير مانع من إجراء اللفظ على ظاهره من غير حذف ، نحو (٩) : (لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ) ؛ أى مكان قتال ، والمراد مكانا صالحا للقتال ، وإنما كان كذلك لأنهم كانوا أخبر الناس بالقتال ، ويتعيرون بأن يتفوهوا بأنهم لا يعرفونه ، فالعادة تمنع

__________________

(١) المائدة : ١

(٢) النحل : ٩١

(٣) يوسف : ٣٢

(٤) البقرة : ٢١٠

(٥) آل عمران : ١٣٣

(٦) فى الإتقان : آية البينة.

(٧) البينة : ٢

(٨) البقرة : ١٠١

(٩) آل عمران

٣١٢

أن يريدوا لو نعلم حقيقة القتال ، فلذلك قدّره مجاهد مكان قتال. ويدل عليه أنهم أشاروا على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألا يخرج من المدينة.

ومنها الشروع فى الفعل ، نحو : «بسم الله». فيقدر ما جعلت التسمية مبدأ له ، فإن كانت عند الشروع فى القراءة قدرت أقرأ ، أو الأكل قدرت آكل. وعلى هذا أهل البيان قاطبة ، خلافا لقول النحاة : إنه يقدر ابتدأت ، أو ابتدائى كائن بسم الله.

ويدل على صحة الأول التصريح به فى قوله (١) : (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها). وفى الحديث : باسمك اللهم (٢) وضعت جنبى.

ومنها الصناعة النحوية ، كقولهم فى لا أقسم : التقدير لأنا أقسم ؛ لأن فعل الحال لا يقسم عليه. وفى (٣) : (تَاللهِ تَفْتَؤُا) : التقدير لا تفتأ ، لأنه لو كان الجواب مثبتا لدخلت اللام والنون كقوله (٤) : (تَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ).

وقد توجب الصناعة التقدير وإن كان المعنى غير متوقف عليه ، كقولهم فى لا إله إلا الله : إن الخبر محذوف ، أى موجود.

وقد أنكره الإمام فخر الدين ، وقال : هذا كلام لا يحتاج إلى تقدير ، وتقدير النحاة فاسد ، لأن نفى الحقيقة مطلقة أتم (٥) من نفيها مقيدة ، فإنها إذا انتفت مطلقة كان ذلك دليلا على سلب الماهية مع القيد. وإذا [٥٣ ا] انتفت مقيدة بقيد مخصوص لم يلزم نفيها مع قيد آخر.

ورد بأن تقديرهم موجود يستلزم نفى كل إله غير الله قطعا ، فإن العدم لا كلام فيه ، فهو فى الحقيقة نفى للحقيقة مطلقة لا مقيدة. ثم لا بد من تقدير

__________________

(١) هود : ٤١

(٢) فى الإتقان : ربى.

(٣) يوسف : ٨٥

(٤) الأنبياء : ٥٧

(٥) فى الإتقان : أعم.

٣١٣

خبر لاستحالة مبتدأ بلا خبر ظاهر أو مقدر ، وإنما يقدر النحويّ ليعطى القواعد حقّها وإن كان المعنى مفهوما.

تنبيه

قال ابن هشام (١) : إنما يشترط الدليل فيما إذا كان المحذوف الجملة بأسرها ، أو أحد ركنيها ، أو يفيد معنى فيها هى مبنية عليه ، نحو (٢) : (تَاللهِ تَفْتَؤُا) ، أما الفضلة فلا يشترط لحذفها وجدان دليل ؛ بل يشترط ألا يكون فى حذفها ضرر معنوى أو صناعى.

قال (٣) : ويشترط فى الدليل اللفظى أن يكون طبق المحذوف. ورد قول الفراء فى (٤) : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ. بَلى قادِرِينَ). إن التقدير : بل ليحسبنا قادرين ؛ لأن الحسبان المذكور بمعنى الظن ، والمقدر بمعنى العلم ، إذ التردد فى الإعادة كفر ، فلا يكون مأمورا به.

قال : والصواب فيها قول سيبويه : إن «قادرين» حال ؛ أى بلى نجمعها قادرين ؛ لأن فعل الجمع أقرب من فعل الحسبان ، ولأن «بلى» لإيجاب المنفى ، وهو فيها (٥) فعل الجمع.

* * *

الشرط الثانى : الا يكون المحذوف كالجزء ، ومن ثم لم يحذف الفاعل ولا نائبه ، ولا اسم كان وأخواتها.

قال ابن هشام (٦) : وأما قول ابن عطية فى (٧) : (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ) :

__________________

(١) المغنى : ٢ ـ ١٥٠

(٢) يوسف : ٨٥

(٣) المغنى : ٢ ـ ١٥١

(٤) القيامة : ٣ ، ٤

(٥) أى فى الآية.

(٦) المغنى : ٢ ـ ١٥٢

(٧) الجمعة : ٥

٣١٤

إن التقدير بئس المثل مثل القوم. فإن أراد هذا (١) الإعراب ، وأن الفاعل لفظ المثل محذوفا فمردود ، وإن أراد تفسير المعنى وأن فى بئس ضمير المثل مستتر فسهل (٢).

الثالث : ألا يكون مؤكدا ؛ لأن الحذف مناف للتأكيد ؛ إذ الحذف مبنى على الاختصار والتأكيد مبنى على الطول ، ومن ثم رد الفارسى على الزجاج فى قوله (٣) : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) ـ إن التقدير : إن هذان لهما ساحران ، فقال : الحذف والتوكيد باللام متنافيان. وأما حذف الشيء لدليل وتوكيده فلا تنافى بينهما ، لأن المحذوف لدليل كالثابت.

الرابع : ألا يؤدى حذفه إلى اختصار المختصر ، ومن ثم لم يحذف اسم الفعل لأنه اختصار للفعل.

الخامس : ألا يكون عاملا ضعيفا ، فلا يحذف الجار والناصب للفعل والجازم إلا فى مواضع قويت فيها الدلالة ، وكثر فيها استعمال تلك العوامل.

السادس : ألا يكون عوضا عن شىء ، ومن ثم قال ابن مالك : إن حرف النداء ليس عوضا من أدعو ، لإجازة العرب حذفه ، ولذا أيضا لم تحذف التاء من إقامة واستقامة. وأما (٤) : (وَإِقامَ الصَّلاةِ) فلا يقاس عليه ؛ ولا خبر كان ، لأنه عوض أو كالعوض من مصدرها.

السابع (٥) : ألا يؤدى حذفه إلى تهيئة العامل [للعمل وقطعه عنه ، ولا إلى

__________________

(١) فى الاتقان : تفسير الإعراب.

(٢) فى المغنى (٢ ـ ١٥٢) : وإن أراد تفسير المعنى وأن بئس ضمير المثل مستترا. فأين تفسيره؟

(٣) طه : ٦٣

(٤) الأنبياء : ٧٣

(٥) لم يذكر الثامن فى كل النسخ.

٣١٥

إعمال العامل الضعيف مع إمكان إعمال العامل](١) القوى ، ومن ثم لم يقس على قراءة : «(٢) وكلّ وعد الله الحسنى».

فائدة

اعتبر الأخفش فى الحذف التدريج حيث أمكن ، ولهذا قال فى قوله (٣) : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) ـ إن الأصل لا تجزى فيه ، فحذف حرف الجر فصار تجزيه ، فحذف الضمير فصار تجزى. وهذه ملاطفة فى الصناعة. ومذهب سيبويه أنهما حذفا معا. قال ابن جنى : وقول الأخفش فى النفس أوفق وآنس من أن يحذف الحرفان معا فى وقت واحد.

قاعدة

الأصل (٤) أن يقدر الشيء فى مكانه الأصلى ، لئلا يخالف الأصل من وجهين : الحذف ، ووضع الشيء فى غير محله ، فيقدر المفسر فى نحو : زيدا رأيته ، مقدما عليه. وجوز البيانيون تقديره مؤخرا عنه ، لإفادة الاختصاص ، كما قاله النحاة إذا منع منه مانع ، نحو (٥) : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) ، إذ (٦) لا يلى أما فعل.

__________________

(١) من المغنى (٢ ـ ١٥٣)

(٢) الحديد : ١٠ ، وهى قراءة ابن عامر ، كما فى القرطبى (١٧ ـ ٢٤٢).

(٣) البقرة : ٤٨

(٤) المغنى : (٢ ـ ١٥٤)

(٥) فصلت : ١٧

(٦) فى المغنى : فيمن نصب ، إذ لا يلى ...

٣١٦

قاعدة

ينبغى (١) تقليل المقدر ما أمكن ، لتقل مخالفة الأصل ، ومن ثم ضعف قول الفارسى فى (٢) : (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) ـ إن التقدير فعدتهن ثلاثة أشهر. والأولى أن يقدر كذلك.

قال الشيخ عز الدين : ولا يقدر من المحذوفات إلا أشدها موافقة للغرض وأفصحها ؛ لأن العرب لا يقدّرون إلا ما لو لفظوا به لكان أنسب وأحسن لذلك الكلام ، كما يفعلون ذلك فى الملفوظ به ؛ نحو (٣) : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ) ـ قدّر أبو على جعل الله نصب الكعبة [٥٣ ب]. وقدر غيره حرمة الكعبة وهو أولى ؛ لأن تقدير الحرمة فى الهدى والقلائد والشهر الحرام لا شك فى فصاحته ، وتقدير النصب فيها بعيد من الفصاحة. قال : ومهما تردد المحذوف بين الحسن والأحسن وجب تقدير الأحسن ؛ لأن الله وصف كتابه بأنه أحسن الحديث ، فليكن محذوفه أحسن المحذوفات ، كما أن ملفوظه أحسن الملفوظات. قال : ومتى تردد بين أن يكون مجملا أو مبينا فتقدير المبين أحسن ؛ نحو (٤) : (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ) ـ لك أن تقدر «فى أمر الحرث» «وفى تضمين الحرث» ، وهو أولى لتعينه ، والأمر مجمل لتردّده بين أنواع.

__________________

(١) المغنى : ٢ ـ ١٥٥

(٢) الطلاق : ٤

(٣) المائدة : ٩٧

(٤) الأنبياء : ٧٨

٣١٧

قاعدة

إذا (١) دار الأمر بين كون المحذوف فعلا والباقى فاعلا ، وكونه مبتدأ والباقى خبرا ، فالثانى أولى ؛ لأن المبتدأ عين الخبر فالمحذوف عين الثابت ، فيكون حذفه (٢) كلا حذف. فأما الفعل فإنه غير الفاعل ، اللهم إلا أن يعتضد الأول برواية أخرى فى ذلك الموضع ، أو بموضع آخر يشبهه ، فالأول كقراءة (٣) : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) ـ بفتح الباء. ((٤) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ) ـ بفتح الحاء ، فإن التقدير يسبحه رجال ويوحيه الله ، ولا يقدر أن مبتدأين حذف خبرهما لثبوت فاعلية الاسمين فى رواية من بنى الفعل للفاعل. والثانى ، نحو (٥) : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) فتقدير «خلقهم الله» أولى من «الله خلقهم» لمجيء : خلقهنّ العزيز العليم.

قاعدة

إذا (٦) دار الأمر بين كون المحذوف أولا أو ثانيا فكونه ثانيا أولى. ومن ثمّ رجح أن المحذوف فى نحو (٧) : (أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ) ـ نون الوقاية لا نون الرفع. وفى : (ناراً تَلَظَّى) التاء للتأنيث (٨) لا تاء المضارعة.

__________________

(١) المغنى : ٢ ـ ١٥٦

(٢) فى المغنى : حذفا.

(٣) النور : ٣٦

(٤) الشورى : ٣

(٥) الزخرف : ٩

(٦) المغنى : ٢ ـ ١٥٦

(٧) الأنعام : ٨٠ ، قال فى المغنى : فيمن قرأ بنون واحدة ، وهو قول أبى العباس وأبى سعيد وأبى على ، وأبى الفتح ، وأكثر المتأخرين.

(٨) فى الاتقان : التاء الثانية.

٣١٨

وفى (١) : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) ـ إن المحذوف خبر الثانى لا الأول.

وفى نحو (٢) : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ) ـ أن المحذوف مضاف الثانى أى حج أشهر ، لا إلى الأول ، أى أشهر الحج.

وقد يجب كونه من الأول ، نحو (٣) : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) فى قراءة من رفع ملائكته ، لاختصاص الخبر بالثانى ، لوروده بصيغة الجمع.

وقد يجب كونه من الثانى ، نحو (٤) : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) ، أى برئ أيضا ، لتقدم الخبر على الثانى.

فصل

الحذف على أنواع

أحدها : ما يسمى بالاقتطاع ، وهو حذف بعض أحرف الكلمة. وأنكر ابن الأثير ورود هذا النوع فى القرآن. ورد بأن بعضهم جعل منه فواتح السور على القول بأن كل حرف منها من اسم من أسمائه تعالى كما تقدم. وادعى بعضهم أن الباء فى قوله (٥) : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) أول كلمة «بعض» ثم حذف الباقى. ومنه قراءة بعضهم (٦) : «ونادوا يا مال» ـ بالترخيم ، ولما سمعها بعض السلف ، قال : ما أغنى أهل النار عن الترخيم.

__________________

(١) التوبة : ٦٢

(٢) البقرة : ١٩٧

(٣) الأحزاب : ٥٦

(٤) التوبة : ٣

(٥) المائدة : ٦

(٦) الزخرف : ٧٧

٣١٩

وأجاب بعضهم بأنهم لشدة ما هم فيه عجزوا عن إتمام الكلمة.

ويدخل فى هذا النوع حذف همزة «أنا» فى قوله (١) : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) ، إذ الأصل «لكن أنا» ، حذفت همزة أنا تخفيفا وأدغمت النون فى النون.

ومثله : ما قرئ : ويمسك السماء أن تقع علّرض. بما أنزلّيك. فمن تعجّل فى يومين فلثم عليه. إنها لحدى الكبر.

النوع الثانى : ما يسمّى بالاكتفاء ، وهو أن يقتضى المقام ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط ، فيكتفى بأحدهما عن الآخر لنكتة. ويختص غالبا بالارتباط العطفى ، كقوله تعالى (٢) : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) ، أى والبرد ؛ وخصص الحر بالذكر ، لأن الخطاب للعرب وبلادهم حارة والوقاية عندهم من الحر أهم عندهم ، لأنه أشد من البرد. وقيل لأن البرد تقدم ذكر الامتنان بوقايته صريحا فى قوله (٣) : (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً). وفى قوله (٤) : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً). وفى قوله (٥) : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ).

ومن أمثلة هذا النوع (٦) : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) ، أى والشر. وإنما خص الخير بالذكر ، لأنه مطلوب العباد ومرغوبهم ، أو لأنه أكثر وجودا فى العالم ، أو لأن إضافة الشر إلى الله تعالى ليس من باب الآداب ، كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والشر ليس إليك.

ومنها (٧) : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

__________________

(١) الكهف : ٣٨

(٢) النحل : ٨١

(٣) النحل : ٨٠

(٤) النحل : ٨١

(٥) النحل : ٥

(٦) آل عمران : ٢٦

(٧) الأنعام : ١٣

٣٢٠