معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٤٣

الأنبياء مع قومهم ، وبدء الخلق وما فى التوراة والإنجيل والزّبور ، وصحف إبراهيم وموسى مما صدقه فيه العلماء بها ولم يقدروا على تكذيب ما ذكر منها ؛ بل أذعنوا لذلك ؛ فمن وفق آمن بما سبق له من خير ، ومن شقى فهو معاند حاسد ، ومع هذا فلم يحك عن واحد من اليهود والنصارى على شدة عداوتهم له وحرصهم على تكذيبه وطول احتجاجه عليهم بما فى كتبهم وتقريعهم بما انطوت عليه مصاحفهم ، وكثرة سؤالهم له عليه‌السلام وتعنيتهم إياه ، عن أخبار أنبيائهم ، وأسرار علومهم ، ومستودعات سيرهم ، وإعلامهم بمكنون شرائعهم ، ومضمّنات كتبهم ؛ مثل سؤالهم عن الروح ، وذى القرنين ، وأصحاب الكهف ، وعيسى ، وحكم الرجم ، وما حرّم إسرائيل على نفسه ، وما حرم عليهم من الأنعام ، ومن طيبات كانت أحلت لهم ، فحرّمت عليهم يبغيهم. وقوله (١) : (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ). وغير ذلك من أمورهم التى نزل بها القرآن فأجابهم وعرّفهم بما أوحى إليه من ذلك ـ أنه أنكر ذلك أو كذب ، بل أكثرهم صرح بصحة نبوءته ، وصدق مقاله ، واعترف بعناده مع حسدهم إياه ، كأهل نجران ، وأهل صوريا ، وابن أخطب ، وغيرهم.

ومن باهت فى ذلك بعض (٢) المباهتة ، وادعى أن فيها عندهم لما حكاه مخالفة دعى إلى دليل ، وإقامة حجة ، وكشف دعوته ؛ فقيل له (٣) : (فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ...) إلى قوله : «الظالمون» ؛ فقرع ووبخ.

ودعا إلى إخبار ممكن غير ممتنع ، فمن معترف ما جحده ، ومتواقح باق على فضيحته من كتابة يده ، ولم يؤثر أنّ واحدا منهم أظهر خلاف قوله من كتبه ، ولا بدأ

__________________

(١) الفتح : ٢٩

(٢) فى ا : بعد ـ تحريف

(٣) آل عمران : ٩٣

٢٤١

بدءا صحيحا ولا سقيما من صحفه ، قال تعالى (١) : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ).

* * *

الوجه العشرون من وجوه إعجازه

[روعته وهيبته]

الروعة التى تلحق قلوب سامعيه وأسماعهم عند سماعه ، والهيبة التى تعتريهم عند تلاوته لقوة حاله وإبانة خطره ، وهى على المكذبين به أعظم حتى كانوا يستثقلون سماعه ، ويزيدهم نفورا ، كما قال تعالى ؛ ويودّون انقطاعه لكراهتهم له ؛ ولذا قال عليه‌السلام : إن القرآن صعب مستصعب على من كرهه وهو الحكم.

وأما المؤمن فلا تزال روعته به وهيبته إياه مع تلاوته توليه انجذابا ، وتكسبه هشاشة لميل قلبه إليه ، وتصديقه به ، قال تعالى (٢) : (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ...) الآية. وقال تعالى (٣) : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ ...) الآية.

ويدل على هذا شىء خصّ به أنه يعتريه من لا يفهم معانيه ، ولا يعلم تفاسيره ، كما روى عن نصرانى أنه مر بقارئ فوقف يبكى ، فقيل له : ممّ بكيت؟ قال : للشجاعة والنظم.

وهذه الروعة قد اعترف [بها](٤) جماعة قبل الإسلام وبعده ؛ فمنهم من أسلم

__________________

(١) المائدة : ١٥

(٢) الزمر : ٢٣

(٣) الحشر : ٢١

(٤) من الاتقان.

٢٤٢

لها لأول وهلة وآمن به ، ومنهم من كفر ؛ فحكى فى الصحيح عن جبير بن مطعم ، قال : سمعت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ فى المغرب : والطور ... فلما بلغ هذه الآية (١) : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ ...) إلى قوله : (الْمُصَيْطِرُونَ). كاد قلبى أن يطير. وفى رواية : وذلك أول ما دخل الإيمان قلبى.

وعن عتبة بن ربيعة ، أنه كلم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما جاء به من خلاف قومه ، فتلا عليهم : حم فصلت ... إلى قوله (٢) : (صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) ؛ فأمسك عتبة بيده على فى (٣) النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وناشده الرحم أن يكف. وفى رواية : فجعل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ وعتبة مصغ ملق يديه [٤٢ ا] خلف ظهره معتمدا عليهما حتى انتهى إلى السجدة (٤) ، فسجد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقام عتبة لا يدرى بما يراجعه ، ورجع إلى أهله ، ولم يخرج إلى قومه حتى أتوه فاعتذر لهم ، وقال : لقد كلمنى بكلام والله ما سمعت أذناى بمثله قط ، فما دريت ما أقول له.

وقد حكى عن غير واحد ممن رام معارضته أنه اعترته روعة وهيبة كفّ بها عن ذلك. فروى أن ابن المقفع طلب ذلك ورامه ، وشرع فيه ، فمر بصبى يقرأ (٥) : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ). فرجع ومحا ما عمل ، وقال : أشهد أن هذا لا يعارض ، وما هو من كلام البشر. وكان أفصح أهل وقته.

وكان يحيى بن حكيم الغزال بليغ الأندلس فى زمنه ، فحكى أنه رام شيئا

__________________

(١) الطور : ٣٤ ـ ٣٧

(٢) فصلت : ١٣

(٣) فى : فم.

(٤) آية السجدة فى سورة فصلت هى الآية ٣٧ منها

(٥) هود : ٤٤

٢٤٣

من هذا ، فنظر فى سورة الإخلاص ليحذو على مثالها وينسج ـ بزعمه ـ على منوالها ، قال : فاعترتنى خشية ورقّة حملتنى على التوبة والأوبة.

وحكى عن بعضهم أنه كان إذا أخذ المصحف بيده يغشى عليه من هيبته.

* * *

الوجه الحادى والعشرون من وجوه إعجازه

أن سامعه لا يمجّه وقارئه لا يملّه فتلذ له الأسماع وتشغف له القلوب

فلا تزيده تلاوته إلّا حلاوة ، ولا ترديده إلا محبة ، ولا يزال غضّا طريّا ، وغيره من الكلام ـ ولو بلغ فى الحسن والبلاغة مبلغه ـ يملّ مع الترديد ، ويعادى إذا أعيد ؛ لأن إعادة الحديث على القلب أثقل من الحديد ، وكتابنا بحمد الله يستلذّ به فى الخلوات ، ويؤنس به فى الأزمات ؛ وسواه من الكتب لا يوجد فيها ذلك ، حتى أحدث لها أصحابها لحونا وطربا يستجلبون بتلك اللحون تنشيطهم على قراءتها ؛ ولهذا وصف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم القرآن بأنه (١) لا يخلق على كثرة الرد ، ولا تنقضى عبره ، ولا تفنى عجائبه ، ليس بالهزل ؛ لا يشبع منه العلماء ، ولا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، هو الذى لم تنته الجن حين سمعته أن قالوا (٢) : (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ). من قال به صدق ، ومن حكم به عدل ، ومن خاصم به فلج (٣) ، ومن قسم به أقسط ، ومن عمل به أجر ، ومن تمسك به هدى إلى صراط مستقيم ، ومن طلب الهدى من غيره أضله الله ، ومن حكم بغيره قصمه الله ، هو الذكر

__________________

(١) فضائل القرآن : ٥

(٢) الجن : ١

(٣) فلج : فاز

٢٤٤

الحكيم ، والنور المبين ، والصراط المستقيم ، وحبل الله المتين ، والشفاء النافع ، عصمة لمن تمسك به ، ونجاة لمن اتبعه ، ولا يعوج فيقوّم ، ولا يزيغ فيستعتب.

ونحوه عن ابن مسعود ، وقال فيه : ولا يختلف ولا يتشانأ ، فيه نبأ الأولين والآخرين.

وفى الحديث : قال الله لمحمد عليه‌السلام : إنى منزّل عليك توراة حديثة ، تفتح بها أعينا عميا ، وأذنا صمّا ، وقلوبا غلفا ، فيها ينابيع العلم ، وفهم الحكمة.

* * *

الوجه الثانى والعشرون من وجوه إعجازه

تيسيره تعالى حفظه وتقريبه على متحفّظيه

قال تعالى (١) : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) ، وسائر الأمم لا يحفظ كتبها الواحد منهم ، فكيف الجمّ على مرور السنين عليهم ، والقرآن ميسر حفظه للغلمان فى أقرب مدة ، حتى إن منهم من حفظه فى المنام.

وحكى أنه رفع إلى المأمون (٢) صبى ابن خمس سنين وهو يحفظ القرآن.

قال ابن عطية : يسّر بما فيه من حسن النظم ، وشرف المعانى ؛ فله لوطة (٣) بالقلوب ، وامتزاج بالعقول ؛ وهذا مشاهد بالعيان ، فلا يحتاج فيه إلى برهان.

__________________

(١) القمر : ٢٢

(٢) فى ا : المأموم.

(٣) لاط الشيء بقلبى يلوط ويليط لوطا : حبب إلى وألصق.

٢٤٥

وأعظم من هذا أن الله يقدر بعض خلقه على ختمه فى آن واحد مرات كثيرة.

قال بعضهم : كنت أستغربه حتى شاهدت بعضهم ختمه فى دورة الطواف بالبيت الحرام ، فحققته مشاهدة.

قال الشيخ ولى الله المرجانى : وذلك أن الله أطلق كل شعرة فى الجسد لقراءته. والله أعلم.

وهذه أحوال يهبها الله لمن يشاء من عباده.

قال أبو عمران : من الناس [٤٢ ب] من أقدره الله على أن يختم القرآن فى الليلة الواحدة أربع مرات ثم يغتسل. وكان من الصحابة من يختمه مرة ، ومنهم من يختمه مرتين ، ومنهم من يختمه ثلاثا.

* * *

الوجه الثالث والعشرون من وجوه إعجازه

وقوع الحقائق والمجاز فيه

وقد أنكر قوم وقوع المجاز فيه ، وقالوا : إنه أخو الكذب ، والقرآن منزّه عنه ، وإن المتكلم لا يعدل إليه إلا إذا ضاقت الحقيقة فيستعير ؛ وذلك محال على الله تعالى.

وهذه شبهة باطلة ، ولو سقط المجاز من القرآن سقط منه شطر الحسن ، فقد اتفق البلغاء على أن المجاز أبلغ من الحقيقة ، ولو وجب خلو القرآن عن المجاز

٢٤٦

وجب خلوه من الحذف والتوكيد وتكنية (١) القصص وغيرها.

وقد أفرده بالتصنيف الإمام عز الدين (٢) بن عبد السلام ، ولخصته مع زيادات كثيرة فى كتاب سميته «مجاز الفرسان إلى مجاز القرآن».

[وهو قسمان :](٣)

الأول ـ المجاز فى التركيب ، ويسمى مجاز الإسناد ، والمجاز العقلى ؛ وعلاقته الملابسة ؛ وذلك أن يسند الفعل أو شبهه إلى غير ما هو له أصالة لملابسة له ؛ كقوله تعالى (٤) : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) : نسبت الزيادة ، وهى فعل الله تعالى ، إلى الآيات لكونها سببا لها. ((٥) يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ). ((٦) يا هامانُ ابْنِ لِي) ؛ نسب الذبح ، وهو فعل الأعوان ، إلى فرعون ؛ والبناء ، وهو فعل العملة ، إلى هامان ؛ لكونهما آمرين به.

وكذا قوله (٧) : (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) ، نسب الإحلال إليهم لتسببهم فى كفرهم بأمرهم إياهم به.

ومنه قوله تعالى (٨) : (يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) ، نسب الفعل إلى الظرف لوقوعه فيه. ((٩) عِيشَةٍ راضِيَةٍ) ؛ أى مرضيّة. ((١٠) فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) : أى عزم عليه ، بدليل : ((١١) فَإِذا عَزَمْتَ).

وهذا القسم أربعة أنواع :

__________________

(١) فى ا : وتثنية.

(٢) هو الإمام عبد العزيز بن عبد السلام الشهير بالعز بن عبد السلام ، الشافعى الدمشقى التوفى سنة ٦٦٠ ه‍. وكتابه يسمى كتاب الإشارة إلى الإيجاز فى بعض أنواع المجاز.

(٣) من الإتقان.

(٤) الأنفال : ٢

(٥) القصص : ٤

(٦) غافر : ٣٦

(٧) إبراهيم : ٢٨

(٨) المزمل : ١٧

(٩) الفارعة : ٧

(١٠) محمد : ٢١

(١١) آل عمران : ١٥٩

٢٤٧

أحدها : ما طرفاه حقيقيان ، كالآية المصدّر بها. وكقوله (١) : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها).

والثانى : مجازيان ؛ نحو (٢) : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) ؛ أى ما ربحوا فيها. وإطلاق الربح والتجارة هنا مجاز.

ثالثها ورابعها : ما أحد طرفيه حقيقى دون الآخر ؛ إما الأول أو الثانى ؛ كقوله (٣) : (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) ؛ أى برهانا. ((٤) كَلَّا إِنَّها لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى. تَدْعُوا). فإن الدعاء من النار مجاز. وكقوله (٥) : (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها). ((٦) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ). فأمه هاوية ، فاسم الأم هاوية مجاز ؛ أى أن الأم كافلة لولدها وملجأ له ، كذلك النار للكافرين كافلة ومأوى ومرجع.

القسم الثانى ـ المجاز فى المفرد ، ويسمى المجاز اللغوى ، وهو استعمال اللفظ فى غير ما وضع له أولا ؛ وأنواعه كثيرة :

أحدها : الحذف ، وسيأتى مبسوطا فى نوع الإيجاز ، فهو به أجدر ، خصوصا إذا قلنا : إنه ليس من أنواع المجاز.

الثانى : إطلاق اسم الجزء على الكل ، نحو (٧) : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) ؛ أى ذاته. ((٨) فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) ؛ أى ذواتكم ؛ إذ الاستقبال يحب بالصدر. ((٩) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ). ((١٠) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ. عامِلَةٌ ناصِبَةٌ). عبّر بالوجوه عن جميع الأجساد ؛ لأن التنعم والنصب حاصل لكلها. ((١١) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ). ((١٢) فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) ؛ أى قدمتم

__________________

(١) الزلزلة : ٢

(٢) البقرة : ١٦

(٣) الروم : ٣٥

(٤) المعارج : ١٥

(٥) محمد : ٤

(٦) إبراهيم : ٢٥

(٧) الرحمن : ٢٧

(٨) البقرة : ١٤٤

(٩) القيامة : ٢٤

(١٠) الغاشية : ٢ ، ٣

(١١) الحج : ١٠

(١٢) الشورى : ٣٠

٢٤٨

وكسبتم. نسب ذلك إلى الأيدى ؛ لأن أكثر الأعمال تتناول بها. ((١) قُمِ اللَّيْلَ). ((٢) وَقُرْآنَ الْفَجْرِ). ((٣) ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ). ((٤) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ). أطلق كلا من القراءة والقيام والركوع والسجود على الصلاة وهو بعضها. ((٥) هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) ؛ أى الحرم كله ، بدليل أنه لا يذبح فيها (٦).

الثالث : إطلاق اسم الكل على الجزء ، نحو : ((٧) يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) ؛ أى أناملهم ، ونكتة التعبير عنها بالأصابع الإشارة إلى إدخالها على غير المعتاد ، مبالغة من الفرار ، فكأنهم جعلوا فيها الأصابع. ((٨) وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) ؛ أى وجوههم ؛ لأنه لم ير جملتهم. ((٩) فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ). أطلق الشهر ، وهو اسم لثلاثين ليلة ، وأراد جزءا منه ، كذا أجاب به الإمام فخر الدين عن استشكال أن الجزء إنما يكون بعد تمام الشرط ، والشرط [٤٣ ا] أن يشهد الشهر ، وهو اسم لكله حقيقة ، فكأنه أمر بالصوم بعد مضى الشهر ، وليس كذلك. وقد فسره على وابن عباس وابن عمر على أن المعنى من شهد أول الشهر فليصم جميعه ، وإن سافر فى أثنائه.

أخرجه ابن جرير وابن أبى حاتم وغيرهما ، وهو أيضا من هذا النوع ، ويصلح أن يكون من نوع الحذف.

__________________

(١) المزمل : ١

(٢) الإسراء : ٧٨

(٣) البقرة : ٤٣

(٤) الإنسان : ٢٦

(٥) المائدة : ٩٥

(٦) فيها : أى فى الكعبة.

(٧) البقرة : ١٩

(٨) المنافقون : ٤

(٩) البقرة : ١٨٥

٢٤٩

تنبيه

ألحق بهذين النوعين شيئان :

أحدهما : وصف البعض بصفة الكل ، كقوله (١) : (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) والخطأ صفة الكل ، وصف به الناصية.

وعكسه : كقوله (٢) : (إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) ، والوجل صفة القلب. ((٣) وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً). والرعب إنما يكون فى القلب.

والثانى : إطلاق لفظ بعض مرادا به الكل ، ذكره أبو عبيدة وخرّج عليه قوله (٤) : (وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) ؛ أى كله. ((٥) وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ). وتعقب بأنه لا يجب على النبى بيان ما اختلف فيه ، بدليل الساعة والروح ونحوهما ، وبأن موسى كان وعدهم بعذاب ذكره فى الدنيا والآخرة ، فقال : يصبكم بعذاب فى الدنيا ـ وهو بعض الوعيد (٦) ـ من غير نفى عذاب الآخرة. ذكره ثعلب.

قال الزركشى (٧) : : ويحتمل أيضا أن يقال : إن الوعيد مما لا يستنكر ترك جميعه ، فكيف بعضه؟ ويؤيد ما قاله ثعلب قوله (٨) : (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ).

الرابع : إطلاق اسم الخاص على العام ؛ نحو : (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ).

__________________

(١) العلق : ١٦

(٢) الحجر : ٥٢

(٣) الكهف : ١٨

(٤) الزخرف : ٦٣

(٥) المؤمن : ٢٨

(٦) فى الاتقان ، والبرهان : هذا العذاب.

(٧) البرهان : ٢ ـ ٢٦٩

(٨) المؤمن : ٧٧

٢٥٠

الخامس : عكسه ؛ نحو (١) : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) ؛ أى للمؤمنين ، بدليل قوله : ((٢) وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا).

السادس : إطلاق اسم الملزوم على اللازم.

السابع : عكسه ؛ نحو (٣) : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً) ؛ أى هل يفعل ـ أطلق اسم الاستطاعة على الفعل ؛ لأنها لازمة له.

ثامن : إطلاق المسبب على السبب ، نحو (٤) : (يُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً). ((٥) قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) ؛ أى مطرا يتسبب عنه الرزق واللباس. ((٦) لا يَجِدُونَ نِكاحاً) ، أى مئونة من مهر ونفقة وما لا بد للمتزوج منه.

التاسع : عكسه ، وهو نحو (٧) : (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) ؛ أى القبول والعمل به ، لأنه متسبب عن السمع.

تنبيه

من ذلك نسبة الفعل إلى سبب السبب ، كقوله (٨) : (فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ). ((٩) كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) ، فإن الخرج فى الحقيقة هو الله ، وسبب ذلك أكل الشجرة ، وسبب الأكل وسوسة الشيطان.

العاشر : تسمية الشيء باسم ما كان عليه ، نحو (١٠) : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) ، أى الذين كانوا يتامى ؛ إذ لا يتم بعد البلوغ. ((١١) فَلا تَعْضُلُوهُنَ

__________________

(١) الشورى : ٥

(٢) المؤمن : ٧

(٣) المائدة : ١١٢

(٤) غافر : ١٣

(٥) الأعراف : ٢٦

(٦) النور : ٣٣

(٧) هود : ٢٠

(٨) البقرة : ٣٦

(٩) الأعراف : ٢٧

(١٠) النساء : ٢

(١١) البقرة : ٢٣٢

٢٥١

أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ) ؛ أى الذين كانوا أزواجهن. ((١) مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً). سماه مجرما باعتبار ما كان (٢) عليه فى الدنيا من الإجرام.

الحادى عشر : تسميته باسم ما يؤول إليه ؛ نحو (٣) : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) ؛ أى عنبا يؤول إلى الخمرية. (وَلا (٤) يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) ؛ أى صائرا إلى الكفر والفجور. ((٥) حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ). سماه زوجا لأن العقد يؤول إلى زوجية لأنها لا تنكح فى حال كونها زوجا. ((٦) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ). ((٧) نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ). وصفه فى حال البشارة بما يؤول إليه من العلم والحلم.

الثانى عشر : إطلاق اسم الحال على المحل ، نحو (٨) : (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ؛ أى فى الجنة ؛ لأنها محل الرحمة. ((٩) بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ؛ أى فى الليل. ((١٠) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً) ؛ أى عينك ، على قول الحسن.

الثالث عشر : عكسه ، نحو (١١) : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) ؛ أى أهل ناديه ؛ أى مجلسه.

ومنه التعبير باليد عن القدرة ؛ نحو (١٢) : (بِيَدِهِ الْمُلْكُ). وبالقلب عن العقل ؛ نحو (١٣) : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) ؛ أى عقول. وبالأفواه

__________________

(١) طه : ٧٤

(٢) فى ا : ما كانوا.

(٣) يوسف : ٣٦

(٤) نوح : ٢٧

(٥) البقرة : ٢٣٠

(٦) الصافات : ١٠١

(٧) الحجر : ٥٣

(٨) آل عمران : ١٠٧

(٩) سبأ : ٣٣

(١٠) الأنفال : ٤٣

(١١) العلق : ١٧

(١٢) الملك : ١

(١٣) الأعراف : ١٧٩

٢٥٢

عن الألسن ، نحو (١) : (وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ). وبالقرية عن ساكنيها ، نحو (٢) : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ).

وقد اجتمع هذا النوع وما قبله فى قوله تعالى (٣) : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ، فإن أخذ الزينة غير ممكن ؛ لأنها مصدر ، فالمراد محلّها ، فأطلق عليه اسم الحال [٤٣ ب]. وأخذها للمسجد نفسه لا يجب ؛ فالمراد به الصلاة ، فأطلق اسم المحل على الحال.

الرابع عشر : تسمية الشيء باسم آلته ، نحو (٤) : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) ؛ أى ثناء حسنا ؛ لأن اللسان آلته. (٥) (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) ، أى بلغة قومه.

الخامس عشر : تسمية الشيء باسم ضده ، نحو (٦) : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ). والبشارة حقيقة فى الخبر السار.

ومنه تسمية الداعى إلى الشيء باسم الصارف عنه ، ذكره السكاكى وخرّج عليه قوله تعالى (٧) : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ). يعنى ما دعاك إلى ألا تسجد. وسلم بذلك من دعوى زيادة لا.

السادس عشر : إضافة الفعل إلى ما لا يصح منه تشبيها ، نحو (٨) : (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) ، وصفه بالإرادة ، وهى من صفات الحى تشبيها لميله للوقوع بإرادته.

السابع عشر : إطلاق الفعل والمراد مشارفته ومقاربته وإرادته ؛ نحو (٩) :

__________________

(١) النور : ١٥

(٢) يوسف : ٨٢

(٣) الأعراف : ٣١

(٤) الشعراء : ٨٤

(٥) إبراهيم : ٤

(٦) التوبة : ٣٤

(٧) الأعراف : ١٢

(٨) الكهف : ٧٧

(٩) الطلاق : ٢

٢٥٣

(فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ) ، أى قاربن بلوغ الأجل ، أى انقضاء العدة ، لأن الإمساك لا يكون بعده ، وهو فى قوله (١) : (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) ـ حقيقة. ((٢) فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) ، أى فإذا قرب مجيئه. وبه يندفع السؤال المشهور فيها : إنه عند مجيء الأجل لا يتصور تقديم ولا تأخير. ((٣) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ...) الآية ، أى لو قاربوا أن يتركوا خافوا ، لأن الخطاب للأوصياء ، وإنما يتوجه إليهم قبل الترك ، لأنهم بعده أموات. ((٤) إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) ، أى أردتم القيام. ((٥) فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ) ، أى أردت القراءة ، لتكون الاستعاذة قبلها. ((٦) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) ، أى أردنا إهلاكها ، وإلا لم يصح العطف بالفاء. وجعل منه بعضهم قوله (٧) : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي) ، أى من يرد الله هدايته ، وهو حسن جدا لئلا يتحد الشرط والجزاء.

الثامن عشر : القلب ، وهو إما قلب إسناد ، نحو (٨) (إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) ، [أى لتنوأ العصبة بها](٩). ((١٠) لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) ؛ [أى لكل كتاب أجل (١١)]. ((١٢) وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ) ، أى حرمناه على المراضع. ((١٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) ، أى تعرض النار عليهم ؛ لأن المعروض عليه هو الذى له الاختيار. ((١٤) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) ، أى وإن

__________________

(١) البقرة : ٢٣٢

(٢) النحل : ٦١

(٣) النساء : ٩

(٤) المائدة : ٦

(٥) النحل : ٩٨

(٦) الأعراف : ٤

(٧) الأعراف : ١٧٨

(٨) القصص : ٧٦

(٩) من الإتقان.

(١٠) الرعد : ٣٨

(١١) الرعد : ٣٨

(١٢) القصص : ١٢

(١٣) الأحقاف : ٣٤

(١٤) العاديات : ٨

٢٥٤

حبه للخير. ((١) وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ) ؛ أى يريد بك الخير. ((٢) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) ؛ لأن المتلقى حقيقة هو آدم ، كما قرئ بذلك أيضا.

أو قلب عطف ؛ نحو (٣) : (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ) ؛ أى فانظر ثم تولّ. ((٤) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) ؛ أى تدلى فدنا ؛ لأنه بالتدلى مال إلى الدنو.

أو قلب تشبيه ، وسيأتى فى نوعه.

التاسع عشر : إقامة صيغة مقام أخرى ، وتحته أنواع كثيرة :

منها : إطلاق المصدر على الفاعل ، نحو (٥) : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) ؛ ولهذا أفرده. وعلى المفعول ، نحو (٦) : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) ؛ أى من معلومه. ((٧) صُنْعَ اللهِ) ، أى مصنوعه. ((٨) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) ؛ أى مكذوب فيه ؛ لأن الكذب من صفات الأقوال لا الأجسام.

ومنه : إطلاق البشرى على المبشّر به ، والهوى على المهوى ، والقول على المقول.

ومنها : إطلاق الفاعل على المصدر ، نحو (٩) : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) ؛ أى تكذيب. [وإقامة المفعول مقام المصدر ، نحو :](١٠) ((١١) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) ؛ أى الفتنة ، على أن الباء غير زائدة.

ومنها : إطلاق فاعل على مفعول ، نحو (١٢) : (ماءٍ دافِقٍ) ، أى مدفوق.

__________________

(١) يونس : ١٠٧

(٢) البقرة : ٣٧

(٣) النمل : ٢٨

(٤) النجم : ٨

(٥) الشعراء : ٧٧

(٦) البقرة : ٢٥٥

(٧) النمل : ٨٨

(٨) يوسف : ١٨

(٩) الواقعة : ٢

(١٠) من البرهان ، والاتقان.

(١١) القلم : ٦

(١٢) الطارق : ٦

٢٥٥

((١) لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) ؛ أى لا معصوم. ((٢) جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) ، أى مأمونا فيه.

وعكسه ، نحو (٣) : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) ، أى آتيا. ((٤) حِجاباً مَسْتُوراً) ، أى ساترا. وقيل : هو على بابه ، أى مستورا عن العيون [لا يحس به أحد](٥).

ومنها : إطلاق فعيل بمعنى مفعول ، نحو (٦) : (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً).

ومنها : إطلاق واحد من المثنى والمفرد والجمع على آخر منها. مثال إطلاق المفرد على المثنى ، نحو (٧) : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) ، أى يرضوهما ، فأفرد لتلازم الرضاءين. وعلى الجمع (٨) (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) ، أى الأناس ، بدليل الاستثناء منه. ((٩) إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) ؛ بدليل : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) [٤٤ ا].

ومثال إطلاق المثنى على المفرد (١٠) : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) ، أى ألق.

ومنه كل فعل نسب إلى شيئين ، وهو لأحدهما فقط ، نحو (١١) : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) ، وإنما يخرج من أحدهما وهو الملح دون العذب. ونظيره : «(١٢) (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) ، وإنما تخرج الحلية من الملح. ((١٣) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) ،

__________________

(١) هود : ٤٣

(٢) العنكبوت : ٦٧

(٣) مريم : ٦١

(٤) الإسراء : ٤٥

(٥) من البرهان.

(٦) الفرقان : ٥٥

(٧) التوبة : ٦٢

(٨) العصر : ٢

(٩) المعارج : ١٩

(١٠) ق : ٢٤

(١١) الرحمن : ٢٢

(١٢) فاطر : ١٢

(١٣) نوح : ١٦

٢٥٦

أى فى إحداهن. ((١) نَسِيا حُوتَهُما) ؛ والناسى يوشع ، بدليل قوله لموسى : «إنى (نَسِيتُ الْحُوتَ) ؛ وإنما أضيف النسيان إليهما معا ، لسكوت موسى عنه. ((٢) فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ؛ والتعجيل فى اليوم الثانى. ((٣) عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) ، قال الفارسى : أى من إحدى القريتين.

وليس منه (٤) : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ). وإن المعنى جنة واحدة ، خلافا للفراء. وفى كتاب «ذا القدّ (٥)» لابن جنّى : أن منه (٦) : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) ؛ وإنما المتخذ إلها عيسى دون مريم.

ومثال إطلاقه على الجمع (٧) : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) ؛ أى كرات ؛ لأن البصر لا يحسر إلا بها. وجعل منه بعضهم (٨) : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ).

ومثال إطلاق الجمع على المفرد (٩) : (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) ؛ أى ارجعنى. وجعل منه ابن فارس (١٠) : (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ). والرسول واحد ، بدليل : ارجع إليهم. وفيه نظر ؛ لأنه يحتمل أنه خاطب رئيسهم ، لا سيما وعادة الملوك جارية ألا يرسلوا واحدا. وجعل منه : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ). ينزّل الملائكة بالرّوح» ؛ أى جبريل. ((١١) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها). والقاتل واحد.

__________________

(١) الكهف : ٦١

(٢) البقرة : ٢٠٣

(٣) الزخرف : ٣١

(٤) الرحمن : ٤٦

(٥) فى البرهان : هذا القد. وقال فى هامشه : ويسميه بعضهم كتاب ذى القد. وفى ا : ذا العدا.

(٦) المائدة : ١١٦

(٧) الملك : ٤

(٨) البقرة : ٢٢٩

(٩) المؤمنون : ٩٩

(١٠) النمل : ٣٥

(١١) البقرة : ٧٢

٢٥٧

ومثال إطلاقه على المثنى (١) : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ). ((٢) قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ). ((٣) فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) ، أى أخوان. ((٤) فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) ، أى قلبا كما. ((٥) وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ ...) إلى قوله : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ).

ومنها إطلاق الماضى على المستقبل لتحقق وقوعه ، نحو (٦) : (أَتى أَمْرُ اللهِ) ، أى الساعة ، بدليل : (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ). ((٧) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ). ((٨) وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ...) الآية. ((٩) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً). ((١٠) وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ).

وعكسه لإفادة الدوام والاستمرار ؛ فكأنه وقع واستمر ؛ نحو (١١) : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ). ((١٢) وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) ؛ أى تلت. (وَلَقَدْ نَعْلَمُ) ؛ أى علمنا. ((١٣) قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) ؛ أى علم. ((١٤) فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ) ؛ أى قتلتم. وكذا : ((١٥) فريقا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ). (وَيَقُولُ (١٦) الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً) ؛ أى قالوا.

ومن لواحق ذلك التعبير عن المستقبل باسم الفاعل أو المفعول ؛ لأنه حقيقة

__________________

(١) فصلت : ١١

(٢) ص : ٢٢

(٣) النساء : ١١

(٤) التحريم : ٤

(٥) الأنبياء : ٧٨

(٦) النحل : ١

(٧) الزمر : ٦٨

(٨) المائدة : ١١٦

(٩) إبراهيم : ٢١

(١٠) الأعراف : ٤٨

(١١) البقرة : ٤٤

(١٢) البقرة : ١٠٢

(١٣) النور : ٦٤

(١٤) البقرة : ٩١

(١٥) البقرة : ٨٧

(١٦) الرعد : ٤٣

٢٥٨

فى الحال لا فى الاستقبال ؛ نحو : ((١) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ). ((٢) ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ).

ومنها إطلاق الخبر على الطلب أمرا أو نهيا أو دعاء ، مبالغة فى الحث عليه ، حتى كأنه وقع وأخبر عنه ؛ قال الزمخشرى (٣) : ورود الخبر ، والمراد به الأمر أو النهى أبلغ من صريح الأمر أو النهى كأنه سورع (٤) فيه إلى الامتثال ، وأخبر عنه ، نحو (٥) : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ). ((٦) وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ). ((٧) فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) ـ على قراءة الرفع. ((٨) وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) [؛ أى لا تنفقوا إلا ابتغاء وجه الله](٩). ((١٠) لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ). ((١١) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) ، أى لا تعبدوا ، بدليل قوله : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً). ((١٢) لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) ، أى اللهم اغفر لهم.

وعكسه ، نحو (١٣) (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) ، أى يمد. ((١٤) اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) ، أى ونحن حاملون (١٥) ، بدليل : «و (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ). والكذب إنما يرد على الخبر. ((١٦) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً).

__________________

(١) الذاريات : ٦

(٢) هود : ١٠٣

(٣) الكشاف : ١ ـ ١٠٦

(٤) فى ا : تنوزع فيه.

(٥) البقرة : ٢٣٣

(٦) البقرة : ٢٢٨

(٧) البقرة : ١٩٧

(٨) البقرة : ٢٧٢

(٩) من الإتقان.

(١٠) الواقعة : ٧٩

(١١) البقرة : ٨٣

(١٢) يوسف : ٩٢

(١٣) مريم : ٧٥

(١٤) العنكبوت : ١٢

(١٥) فى ا : ونحن خاطئون.

(١٦) التوبة : ٨٢

٢٥٩

وقال الكواشى (١) فى الآية الأولى : الأمر بمعنى الخبر أبلغ من الخبر ، لتضمّنه اللزوم ، نحو : إن زرتنا فلنكرمك ، يريدون تأكيد إيجاب الإكرام عليهم. وقال ابن عبد السلام : لأن الأمر للإيجاب [٤٤ ب] فأشبه الخبرية لإيجابه.

ومنها : وضع النداء موضع التعجب ، نحو (٢) : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ). قال الفراء : معناه يا لها من حسرة. وقال ابن خالويه : هذه من أصعب مسألة فى القرآن ، لأن الحسرة لا تنادى ، وإنما ينادى الأشخاص ، لأن فائدته التنبيه ، ولكن المعنى على التعجب.

ومنها : وضع جموع القلة موضع الكثرة ، نحو (٣) : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ). وغرف الجنة لا تحصى. ((٤) هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) ، ورتب الناس فى علم الله أكثر من العشرة لا محالة. ((٥) يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ). ((٦) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ). ونكتة التقليل فى هذه الآية التسهيل على المكلفين.

وعكسه ؛ نحو (٧) : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ).

ومنها : تذكير المؤنث على تأويله بمذكر ؛ نحو (٨) : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) ، أى وعظ. ((٩) وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) ، على تأويل البلدة بالمكان. ((١٠) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي) ؛ أى الشمس أو الطالع. ((١١) إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ). قال الجوهرى : ذكّرت على معنى

__________________

(١) البرهان : (٢ ـ ٢٩٠) هو أحمد بن يوسف بن حسن بن رافع موفق الدين الكواشى الموصلى الشافعى ، توفى سنة ٦٨٠ ، وله كتابان فى التفسير ، أحدهما التبصرة ، والآخر التلخيص.

(٢) يس : ٣٠

(٣) سبأ : ٣٧

(٤) آل عمران : ١٦٣

(٥) الزمر : ٤٢

(٦) البقرة : ١٨٤

(٧) البقرة : ٢٢٨

(٨) البقرة : ٢٧٥

(٩) ق : ١١

(١٠) الأنعام : ٧٨

(١١) الأعراف : ٥٦

٢٦٠