معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٤٣

هوازن. وفيها (١) : بورا : هلكى بلغة عمان. وفيها (٢) : فنقّبوا : هربوا بلغة اليمن. وفيها (٣) : لا يلتكم : لا ينقصكم بلغة بنى عبس. وفيها (٤) : مراغما : منفسحا ، بلغة هذيل.

وأخرج سعيد بن منصور [فى سننه](٥) عن عمرو بن شرحبيل فى قوله : سيل العرم ، قال : المسنّاة بلحن أهل اليمن.

وأخرج فى تفسيره ، عن ابن عباس ، فى قوله (٦) : (فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) ؛ قال : مكتوبا ، وهى لغة حميرية (٧) ، يسمون الكتاب أسطورا.

وقال أبو عبيد القاسم فى الكتاب [الذى ألفه فى هذا النوع :](٨) فى القرآن بلغة كنانة : السفهاء : الجهال. خاسئين : صاغرين. شطر : تلقاء. لا خلاق : لا نصيب. وجعلكم ملوكا : أحرارا. قبيلا : عيانا. معجزين : سابقين. يعزب : يغيب. تركنوا : تميلوا. فجوة : ناحية. موئلا : ملجأ. مبلسون : آيسون. دحورا : طردا. الخراصون : الكذّابون. أسفارا : كتبا. أقنت : جمعت. كنود : كفور للنعم.

وبلغة هذيل : الرّجز : العذاب. شروا : باعوا. عزموا الطلاق : حققوا. صلدا : نقيا. آناء الليل : ساعاته. فورهم : وجوههم (٩). مدرارا : متتابعا. فرقانا : مخرجا. حرض : حض. عيلة : فاقة. وليجة : بطانة. انفروا : اغزوا. السائحون : الصائمون. العنت : الإثم. غمّة : شبهة. ببدنك : بدرعك. هامدة : مغبّرة. دلوك الشمس : زوالها. شاكلته : ناحيته. رجما : ظنّا.

__________________

(١) المسائل صفحة ٢٤٢

(٢) صفحة ٢٨٥

(٣) صفحة ٢٨٠

(٤) صفحة ٢٥٤

(٥) من الاتقان.

(٦) الاسراء : ٥٨

(٧) ا : اليونية. والمثبت فى ب ، والاتقان.

(٨) من الإتقان.

(٩) حقها : وجههم.

٢٠١

ملتحدا : ملجأ. يرجو : يخاف. هضما : نقصا. المبذّر : المسرف. واقصد فى مشيك : أسرع. الأجداث : القبور. ثاقب : مضىء. بالهم : حالهم. يهجعون : ينامون. ذنوبا : عذابا. دسر : المسامير [٣٥ ب]. تفاوت : عيب. أرجائها : نواحيها. أطوارا : ألوانا. بردا : نوما. واجفة : خائفة. مسغبة : مجاعة.

وبلغة حمير : تفشلوا : تجبنوا. عثر : اطّلع. سفاهة : جنون. زيّلنا : ميّزنا. مرجوّا : حقيرا. السقاية : الإناء. مسنون : منتن. إمام : كتاب. ينغضون : يحركون. حسبانا : بردا. من الكبر عتيّا : نحولا (١). مآرب : حاجات. خرجا : جعلا. غراما : بلاء. الصّرح : البيت. أنكر الأصوات : أقبحها. مرض : زنا. القطر : النحاس. محشورة : مجموعة. معكوفا : محبوسا. يتركم : ينقصكم. مدينين : محاسبين. بجبّار : بمسلّط (٢). رابية : شديدة. وبيلا : شديدا.

وبلغة جرهم : فباءوا : استوجبوا. شقاق : ضلال. خيرا : مالا. كدأب : أشباه. تعدلوا : تميلوا. يغنوا : يتمتعوا. شرّد : نكّل. أراذلنا : سفلتنا. عصيب : شديد. لفيفا : جميعا. محسورا : منقطعا. حدب : جانب. الخلال : السحاب. الودق : المطر. شرذمة : عصابة. ريع : طريق. ينسلون : يخرجون. الحبك : الطرائق. سور : الحائط.

وبلغة أزد شنوءة : لا شية : لا وضح. العضل : الحبس. أمّة : سنين. الرسّ : البئر. كاظمين : مكروبين. غسلين : الحار الذى تناهى حرّه. لوّاحة : حراقة.

__________________

(١) فى ب : تحولا.

(٢) فى ب : بسلطان.

٢٠٢

وبلغة مدلج (١) : رفث : جماع. مقيتا : مقتدرا. بظاهر من القول : بكذب. الوصيد : الفناء. حقبا : دهرا. الخرطوم : الأنف.

وبلغة خثعم : تسيمون : ترعون. مريج : منتشر. صغت : مالت. هلوعا : ضجورا. شططا : كذبا.

وبلغة قيس عيلان : نحلة : فريضة. حرج : ضيق. لخاسرون : مضيّعون. تفنّدون : تستهزئون. صياصيهم : حصونهم. تحبرون : تنعمون. رجيم : ملعون. يلتكم : ينقصكم.

وبلغة سعد العشيرة : حفدة : أختان. كل : عيال.

وبلغة كندة : فجاجا : طرقات. بسّت : فتتت. تبتئس : تحزن.

وبلغة عذرة : اخسئوا : اخزوا.

وبلغة حضرموت : ربّيون : رجال. دمرنا : أهلكنا. لغوب : إعياء. منسأته : عصاه.

وبلغة غسان : طفقا : عمدا. بئيس : شديد. سىء بهم : كرههم.

وبلغة مزينة : لا تغلوا : لا تزيدوا.

وبلغة لخم : إملاق : جوع. ولتعلنّ : تقهرن.

وبلغة جذام : فجاسوا خلال الديار : تخللوا الأزقّة.

وبلغة بنى حنيفة : العقود : العهود. الجناح : اليد. والرهب : الفزع.

وبلغة اليمامة : حصرت : ضاقت.

وبلغة سبأ : تميلوا ميلا عظيما : تخطئوا خطأ بينا. تبّرنا : أهلكنا.

__________________

(١) فى الإتقان : مذ حج ، والمثبت فى ا ، ب.

٢٠٣

وبلغة سليم : نكص : رجع.

وبلغة عمارة : الصاعقة : الموت.

وبلغة طى : ينعق : يصيح. رغدا : خصبا. سفه نفسه : خسرها. يس : يا إنسان.

وبلغة خزاعة : أفيضوا : انفروا. والإفضاء : الجماع.

وبلغة عمان : خبالا : غيّا. نفقا : سربا. حيث أصاب : أراد.

وبلغة تميم : أمة : نسيان. بغيا : حسدا.

وبلغة أنمار : طائره : عمله. أغطش : أظلم.

وبلغة الأشعريين : لأحتنكنّ : لاستأصلنّ. تارة : مرة. اشمأزت : مالت ونفرت.

وبلغة الأوس : لينة : النخلة.

وبلغة الخزرج : ينفضّوا : يذهبوا.

وبلغة مدين : فاقض : فامض (١). انتهى. ما ذكره أبو القاسم ملخصا.

[اللغات فى القرآن]

وقال أبو بكر الواسطى فى كتابه «الإرشاد فى القراءات العشر» :

فى القرآن من اللغات خمسون لغة : لغة قريش ، وهذيل ، وكنانة ، وخثعم ، والخزرج ، وأشعر ، ونمير ، وقيس عيلان ، وجرهم ، واليمن ، وأزد شنوءة ،

__________________

(١) فى الإتقان : فافرق : فاقض.

٢٠٤

وكندة ، وتيم ، وحمير ، ومدين ، ولخم ، وسعد العشيرة ، وحضرموت ، وسدوس ، والعمالقة ، وأنمار ، وغسان ، ومدلج (١) ، وخزاعة ، وغطفان ، وسبأ ، وعمان ، وبنو حنيفة ، وثعلبة ، وطى ، وعامر بن صعصعة ، وأوس ، ومزينة ، وثقيف ، وجذام ، وبلىّ ، وعذرة ، وهوازن ، والنمر ، واليمامة.

ومن غير [٣٦ ا] العربية : الفرس ، والنبط (٢) ، والروم ، والحبشة ، والبربر ، والسريانية ، والعبرانية ، والقبط. ثم ذكر فى أمثلة ذلك غالب ما تقدم عن أبى القاسم ، وزاد الزجر : العذاب بلغة طيئ (٣). طائف من الشيطان : نخسة ، بلغة ثقيف. الأحقاف : الرمال بلغة ثعلبة.

وقال ابن الجوزى فى «فنون الأفنان» : فى القرآن بلغة همدان : الريحان : الرزق. والعيناء (٤) : البيضاء. والعبقرى : الطنافس.

وبلغة نصر بن معاوية : الختّار : الغدّار.

وبلغة عامر بن صعصعة : الحفدة : الخدم.

وبلغة ثقيف : العول : الميل.

وبلغة عك : الصّور : القرن.

وقال ابن عبد البر فى «التمهيد» : قول من قال : نزل القرآن بلغة قريش معناه عندى الأغلب ؛ لأن غير لغة قريش موجودة فى جميع القراءات ؛ من تحقيق الهمزة ونحوها ؛ وقريش لا تهمز.

وقال الشيخ جمال الدين بن مالك : أنزل الله القرآن بلغة الحجازيين إلا قليلا ،

__________________

(١) فى الاتقان : ومذحج.

(٢) فى ا : القبط ـ بالقاف ، تحريف ، لأنها ستأتى.

(٣) فى الاتقان :؟ بلى؟.

(٤) فى الاتقان : عين : بيض.

٢٠٥

فإنه نزل بلغة التميميين ؛ كالإدغام فى (١) : (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ). وفى (٢) : (مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) ، فإن إدغام المجزوم لغة تميم ، ولهذا قلّ. والفك لغة الحجاز ؛ ولهذا كثر ، نحو : (وَلْيُمْلِلِ). (يُحْبِبْكُمُ اللهُ). (يُمْدِدْكُمْ). و (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي). (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي).

قال : وقد أجمع القراء على نصب : (إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ) ؛ لأن لغة الحجازيين التزام النصب فى المنقطع ، كما أجمعوا على نصب (٣) : (ما هذا بَشَراً) ؛ لأن لغتهم إعمال ما.

وزعم الزمخشرى فى قوله (٤) : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) ـ أنه استثناء منقطع جاء على لغة بنى تميم (٥).

فائدة

قال الواسطى : ليس فى القرآن حرف غريب من لغة قريش غير ثلاثة أحرف ؛ لأن كلام قريش سهل لين واضح ، وكلام العرب وحشى غريب ، فليس فى القرآن إلا ثلاثة أحرف غريبة : ((٦) فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) : وهو تحريك الرأس : ((٧) مُقِيتاً) : مقتدرا. ((٨) فَشَرِّدْ بِهِمْ) : سمع.

__________________

(١) الحشر : ٤

(٢) المائدة : ٥٤

(٣) يوسف : ٣١

(٤) النمل : ٦٥

(٥) فى الكشاف (٢ ـ ١٤٩) : جاء على لغة تميم حيث يقولون : ما فى الدار أحد إلا حمار ، يريدون ما فيها إلا حمار ، وكأن أحدا لم يذكر.

(٦) الاسراء : ٥١

(٧) النساء : ٨٥

(٨) الأنفال : ٥٧

٢٠٦

الوجه الرابع عشر من وجوه إعجازه

عموم بعض آياته وخصوص بعضها

وهو (١) لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر ؛ وصيغته «كل» مبتدأة نحو (٢) : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ). أو تابعة ، نحو (٣) : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ).

والذى والتى وتثنيتهما وجمعهما ؛ نحو (٤) : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) ؛ فإن المراد به كل من صدر منه هذا القول ، بدليل قوله بعد (٥) (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ). ((٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). ((٧) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ). ((٨) لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ). ((٩) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ ...) الآية. ((١٠) وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا ...) الآية. ((١١) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما).

وأى. وما. ومن ـ شرطا أو استفهاما أو موصولا ، نحو (١٢) : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى). ((١٣) إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ). ((١٤) مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ).

__________________

(١) أى العام.

(٢) الرحمن : ٢٦

(٣) الحجر : ٣٠

(٤) الأحقاف : ١٧

(٥) آية ١٨ من السورة نفسها.

(٦) البقرة : ٨٢

(٧) يونس : ٢٦

(٨) آل عمران : ١٥

(٩) الطلاق : ٤

(١٠) النساء : ١٥

(١١) النساء : ١٦

(١٢) الاسراء : ١١٠

(١٣) الأنبياء : ٩٨

(١٤) النساء : ١٢٣

٢٠٧

والجمع المضاف ، نحو (١) : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ). [والمعرف (٢) بأل ؛ نحو (٣) : قد أفلح المؤمنون. واقتلوا المشركين.

واسم الجنس المضاف ، نحو (٤) :](٥) (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) ؛ أى كلّ أمر لله.

والمعرف بأل نحو (٦) : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ؛ أى كل بيع. ((٧) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) ؛ أى كل إنسان ، بدليل : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا). والنكرة فى سياق النفى والنهى ، نحو (٨) : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ). ((٩) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ). ((١٠) فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ). (فَلا (١١) تَقُلْ لَهُما أُفٍّ).

وفى سياق الشرط ، نحو (١٢) : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ).

وفى سياق الامتنان ، نحو (١٣) : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً).

فصل

العام على ثلاثة أقسام :

الأول : الباقى على عمومه ؛ قال القاضى جلال الدين البلقينى : ومثاله عزيز ، إذ ما من عامّ إلا ويتخيّل فيه التخصيص ؛ فقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ)

__________________

(١) النساء : ١٠

(٢) أى الجمع المعرف بأل.

(٣) المؤمنون : ١

(٤) النور : ٦٣

(٥) من الاتقان.

(٦) البقرة : ٢٧٥

(٧) العصر : ٢

(٨) الحجر : ٢١

(٩) البقرة : ٢

(١٠) البقرة : ١٩٧

(١١) الاسراء : ٢٣

(١٢) التوبة : ٦

(١٣) الفرقان : ٤٨

٢٠٨

قد يخص منه غير المكلف. وحرّمت عليكم الميتة خص منه حالة [٣٦ ب] الاضطرار وميتة السمك والجراد. وحرم الربا ـ خص منه العرايا.

وذكر الزركشى فى البرهان (١) : أنه كثير فى القرآن ، وأورد منه : ((٢) إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). ((٣) إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً). ((٤) وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً). (اللهُ (٥) الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ). (هُوَ (٦) الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ). ((٧) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً).

قلت : هذه الآيات كلها فى غير الأحكام الفرعية ، فالظاهر أن مراد البلقينى أنه عزيز فى الأحكام الفرعية. ولقد استخرجت من القرآن بعد الفكر آية فيها ، وهى قوله (٨) : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ...) الآية فإنه لا خصوص فيها.

الثانى : العام المراد به الخصوص.

الثالث : العام المخصوص ، وللناس بينهما فروق :

منها : أن الأول لم يرد شموله لجميع الأفراد ، لا من جهة تناول اللفظ ، ولا من جهة الحكم ؛ بل هو ذو أفراد استعمل فى فرد منها. والثانى أريد عمومه وشموله لجميع الأفراد من جهة تناول اللفظ لها ، لا من جهة الحكم.

ومنها : أن الأول مجاز قطعا لنقل اللفظ عن موضوعه الأصلى ، بخلاف الثانى ؛ فإن فيه مذاهب أصحها أنه حقيقة ، وعليه أكثر الشافعية وكثير من الحنيفة وجميع الحنابلة ؛ ونقله إمام الحرمين عن جميع الفقهاء.

__________________

(١) البرهان : ٢ ـ ٢١٧

(٢) المجادلة : ٧

(٣) يونس : ٤٤

(٤) الكهف : ٤٩

(٥) الروم : ٤٠

(٦) غافر : ٦٧

(٧) غافر : ٦٤

(٨) النساء : ٢٣

٢٠٩

وقال الشيخ أبو حامد : إنه مذهب الشافعى وأصحابه ، وصححه السبكى ؛ لأن تناول اللفظ للبعض الباقى بعد التخصيص كتناوله بلا تخصيص ؛ وذلك التناول حقيقى اتفاقا ، فليكن هذا التناول حقيقيا أيضا.

ومنها أن قرينة الأول عقلية ، والثانى لفظية.

ومنها أن قرينة الأول لا تنفك عنه ، وقرينة الثانى تنفك عنه.

ومنها أن الأول يصح أن يراد به واحد اتفاقا ، وفى الثانى خلاف.

ومن أمثلة العام المراد به الخصوص قوله تعالى (١) : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً) ، والقائل واحد نعيم ابن مسعود الأشجعى أو أعرابى من خزاعة ، كما أخرجه ابن مردويه من حديث أبى رافع ، لقيامه مقام كثير فى تثبيطه المؤمنين عن ملاقاة أبى سفيان.

قال الفارسى : ومما يقوى أن المراد به واحد (٢) : إنّما ذلكم الشيطان ، [فوقعت الإشارة بقوله «ذلكم» إلى واحد بعينه ، ولو كان المعنىّ به جمعا لقال : إنما أولئكم الشيطان ؛](٣) فهذه دلالة ظاهرة فى اللفظ.

ومنها قوله تعالى (٤) : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) ؛ أى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لجمعه ما فى الناس من الخصال الحميدة.

ومنها قوله (٥) : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ). أخرج ابن جرير من طريق الضحاك ، عن ابن عباس ، فى قوله : (مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) ؛ قال إبراهيم.

__________________

(١) آل عمران : ١٧٣

(٢) آل عمران : ١٧٥

(٣) من الاتقان ، والبرهان : ٢ ـ ٢٢٠

(٤) النساء : ٥٤

(٥) البقرة : ١٩٩

٢١٠

ومن الغريب قراءة سعيد بن جبير : من حيث أفاض الناسى. قال فى المحتسب : يعنى آدم ، لقوله : فنسى ولم نجد له عزما.

ومنها قوله (١) : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ) ؛ أى جبريل ، كما فى قراءة ابن مسعود.

وأما المخصوص فأمثلته فى القرآن كثيرة جدا ، وهى أكثر من المنسوخ ؛ إذ ما من عام [فيه](٢) إلا وقد خص ؛ ثم المخصص له إما متصل ، وإما منفصل ؛ فالمتصل خمسة وقعت فى القرآن :

أحدها : الاستثناء ؛ نحو (٣) : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا). ((٤) وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ...) الآية. ((٥) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً ...) إلى قوله : (إِلَّا مَنْ تابَ). ((٦) وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ). ((٧) كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ).

الثانى : الوصف ، نحو (٨) (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ).

الثالث : الشرط ، نحو (٩) : (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً). ((١٠) كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ).

__________________

(١) آل عمران : ٣٩

(٢) ليس فى الاتقان.

(٣) النور : ٤

(٤) الشعراء : ٢٢٤ ـ ٢٢٧

(٥) الفرقان : ٦٨

(٦) النساء : ٢٤

(٧) القصص : ٨٨

(٨) النساء : ٢٣

(٩) النور : ٣٣.

(١٠) البقرة : ١٨٠

٢١١

الرابع : الغاية ، نحو (١) : قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ... إلى قوله : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ). ((٢) وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ). ((٣) وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ). ((٤) وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ ...) الآية.

الخامس : بدل البعض من الكل [٣٧ ا] نحو (٥) : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً).

والمخصص (٦) آية أخرى فى محل آخر ، أو حديث ، أو إجماع ، أو قياس.

فمن أمثلة ما خص بالقرآن قوله تعالى (٧) : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) ، خص بقوله (٨) : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) ؛ وبقوله (٩) : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ). وقوله (١٠) : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ). خص من الميتة السمك بقوله (١١) : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ). ومن الدم الجامد بقوله (١٢) : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً). وقوله (١٣) : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ...) الآية. خص بقوله (١٤) : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ). وقوله (١٥) : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ). خص بقوله (١٦) :

__________________

(١) التوبة : ٢٩

(٢) البقرة : ٢٢٢

(٣) البقرة : ١٩٦

(٤) البقرة : ١٨٧

(٥) آل عمران : ٩٧

(٦) فى الإتقان : والمنفصل.

(٧) البقرة : ٢٢٨

(٨) الأحزاب : ٤٩

(٩) الطلاق : ٤.

(١٠) المائدة : ٣

(١١) المائدة : ٩٦

(١٢) الأنعام : ١٤٥

(١٣) النساء : ٢٠

(١٤) البقرة : ٢٢٩

(١٥) النور : ٢

(١٦) النساء : ٢٥

٢١٢

(فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ). وقوله (١) : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ). خص بقوله (٢) : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ...) الآية.

ومن أمثلة ما خص بالحديث قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ). خص منه البيوع الفاسدة ، وهى كثيرة ، بالسنّة. وحرم الربا. خص العرايا (٣) منه بالسنّة. وآيات المواريث خص منها القاتل والمخالف فى الدين بالسنة.

وآية تحريم الميتة خص منها الجراد بالسنة. وآية ثلاثة قروء خص منها الأمة بالسنة.

وقوله : ماء طهورا ، خص منه المتغير بالسنّة. وقوله : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) خص منهما من سرق دون ربع [دينار](٤) بالسنة.

ومن أمثلة ما خص بالإجماع آية المواريث ؛ خص منها الرقيق فلا يرث بالإجماع ، ذكره مكّى.

ومن أمثلة ما خص بالقياس آية الزنا (٥) : (فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) خص منه العبد بالقياس على الأمة المنصوصة فى قوله (٦) : (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) المخصص لعموم الآية ؛ ذكره مكىّ أيضا.

__________________

(١) النساء : ٣

(٢) النساء : ٢٣

(٣) العرايا : واحدتها عربة ، وهى النخلة يعريها صاحبها رجلا محتاجا. والإعراء أن جعل له ثمرة عامها (اللسان).

(٤) من الاتقان.

(٥) النور : ٢

(٦) النساء : ٢٥

٢١٣

فصل

من خاص القرآن ما كان مخصصا لعموم السنّة ، وهو عزيز. ومن أمثلته قوله تعالى (١) : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ). خص عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أمرت أن أقاتل النّاس حتى يقولوا لا إله إلا الله.

وقوله (٢) : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى). خص عموم نهيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الصلاة فى الأوقات المكروهة بإخراج الفرائض.

وقوله (٣) : (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها ...) الآية. خص عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما أبين من حىّ فهو ميتة.

وقوله (٤) : (وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ). خص عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تحلّ الصدقة لغنىّ ولا لذى مرّة سوىّ.

وقوله (٥) : (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ). خص عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول فى النار.

فروع

منثورة تتعلق بالعموم والخصوص

الأول ـ إذا سيق العام للمدح أو الذم فهل هو باق على عمومه؟ فيه مذاهب :

__________________

(١) التوبة : ٢٩

(٢) البقرة : ٢٣٨

(٣) النحل : ٨٠

(٤) التوبة : ٦٠

(٥) الحجرات : ٩

٢١٤

أحدها : نعم ؛ إذ لا صارف عنه ، ولا تنافى بين العموم وبين المدح أو الذم.

والثانى : لا ؛ لأنه لم يسق للتعميم ؛ بل للمدح أو الذم.

والثالث ـ وهو الأصح : التفصيل ، فيعم إن لم يعارضه عام آخر لم يسق لذلك ، ولا يعم إن عارضه ذلك جميعا بينهما.

مثاله ، ولا معارض ، قوله تعالى (١) : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ. وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ). ومع المعارض قوله (٢) : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) ؛ فإنه سيق للمدح ، وظاهره يعمّ الأختين بملك اليمين جمعا ؛ وعارضه فى ذلك (٣) : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) ، فإنه شامل لجمعهما بملك اليمين ، ولم يسق للمدح ؛ فحمل الأول على غير ذلك بأن لم يرد تناوله له.

ومثاله فى الذم (٤) : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ...) الآية ـ فإنه سيق للذم ، وظاهره يعم الحلى المباح. وعارضه فى ذلك حديث جابر : ليس فى الحلى زكاة ؛ فحمل الأول على غير ذلك.

الثانى ـ اختلف فى الخطاب الخاص به صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ نحو : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ). (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ) ؛ هل يشمل الأمّة؟ [٣٧ ب] فقيل : نعم ؛ لأن أمر القدوة (٥) أمر لأتباعه معه عرفا. والأصح فى الأصول المنع لاختصاص الصفة (٦) به.

__________________

(١) الانفطار : ١٤

(٢) المؤمنون : ٥

(٣) النساء : ٢٣

(٤) التوبة : ٣٤

(٥) فى ب : لأن الأمر للقدوة.

(٦) فى الإتقان : الصيغة.

٢١٥

الثالث ـ اختلف فى الخطاب يأيها الناس ، هل يشمل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ على مذاهب :

أصحها ـ وعليه الأكثرون : نعم ، لعموم الصفة (١) له ، أخرج ابن أبى حاتم عن الزهرى ، قال : إذا قال الله : يأيها الذين آمنوا افعلوا ، فالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهم.

والثانى : لا ؛ لأنه ورد على لسانه لتبليغ غيره ، ولما له من الخصائص.

والثالث : إن اقترن بقل لم يشمله ؛ لظهوره فى التبليغ ، وذلك قرينة عدم شموله ، وإلا فيشمله.

الرابع : الأصح فى الأصول أن الخطاب بيا أيها الناس يشمل الكافر والعبد ؛ لعموم اللفظ. وقيل : لا يعم الكافر بناء على عدم تكليفه فى الفروع (٢) ، ولا العبد لصرف منافعه لسيده شرعا.

الخامس : اختلف فى «من» هل يتناول الأنثى؟ فالأصح : نعم ، خلافا للحنيفة ؛ لنا قوله تعالى (٣) : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) ـ فالتفسير بهما دالّ على تناول «من» لهما. وقوله (٤) : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ).

واختلف فى جمع المذكر السالم هل يتناولها؟ فالأصح لا. وإنما يدخلن فيه بقرينة. أما المكسّر فلا خلاف فى دخولهن فيه.

السادس : اختلف فى الخطاب بيا أهل الكتاب ، هل يشمل المؤمنين؟

__________________

(١) فى الاتقان : الصيغة.

(٢) فى الاتقان : بالفروع.

(٣) النساء : ١٢٤

(٤) الأحزاب : ٣١

٢١٦

فالأصحّ لا ؛ لأن اللفظ قاصر على من ذكر. وقيل : إن شركوهم فى المعنى شملهم وإلا فلا.

واختلف فى الخطاب بيا أيها الذين آمنوا ـ هل يشمل أهل الكتاب؟ فقيل : لا ـ بناء على أنهم غير مخاطبين بالفروع. وقيل : نعم ، واختاره ابن السمعانى. وقيل قوله : يأيها الذين آمنوا خطاب تشريف لا تخصيص.

* * *

الوجه الخامس عشر من وجوه إعجازه

ورود بعض آياته مجملة وبعضها مبيّنة

وفى ذلك من حسن البلاغة ما يعجز عنه أولو الفصاحة ، لكن هل يجوز بقاؤه مجملا أم لا؟ أقوال. أصحها لا يبقى المكلف بالعمل به بخلاف غيره.

وللإجمال أسباب :

أحدها ـ الاشتراك ، نحو (١) : (وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ) ، فإنه (٢) موضوع لأقبل وأدبر. ((٣) ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) ، فإن القرء موضوع للحيض والطهر. ((٤) أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) ـ يحتمل الزوج والولىّ ؛ فإن كلا منهما بيده عقدة النكاح.

وثانيها ـ الحذف ، نحو (٥) : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) ، يحتمل فى ، وعن.

وثالثها ـ اختلاف مرجع الضمير ، نحو (٦) : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ

__________________

(١) التكوير : ١٧.

(٢) فى البرهان (٢ ـ ٢٠٩) : قيل أقبل ، وأدبر.

(٣) البقرة : ٢٣٨.

(٤) البقرة : ٢٣٧.

(٥) النساء : ١٢٧.

٢١٧

وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ). يحتمل عود ضمير الفاعل فى يرفعه إلى ما عاد عليه ضمير إليه ؛ وهو الله ، ويحتمل عوده على العمل. والمعنى إن العمل الصالح هو الذى يرفع الكلم الطيب.

ويحتمل عوده إلى الكلم الطيب ؛ أى أن الكلم الطيب ـ وهو التوحيد ـ يرفع العمل الصالح ؛ لأنه لا يصح العمل إلا مع الإيمان.

ورابعها ـ احتمال العطف والاستئناف ، نحو (١) : (إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ).

وخامسها ـ غرابة اللفظ ، نحو (٢) : (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ).

وسادسها ـ عدم كثرة الاستعمال ، نحو (٣) : (يُلْقُونَ السَّمْعَ) ؛ أى يسمعون. ((٤) ثانِيَ عِطْفِهِ) ؛ أى متكبّرا. ((٥) فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ) ؛ أى نادما.

وسابعها ـ التقديم والتأخير ، نحو (٦) : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى). [أى : ولو لا كلمة وأجل مسمى لكان لزاما](٧). ((٨) يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) ، أى يسألونك عنها كأنك حفىّ.

وثامنها ـ قلب المنقول ، نحو (٩) : (طُورِ سِينِينَ) ، أى. سيناء (عَلى (١٠) إِلْ ياسِينَ). أى الياس (١١).

__________________

(١) آل عمران : ٧

(٢) البقرة : ٢٣٢

(٣) الشعراء : ٢٢٣

(٤) الحج : ٩

(٥) الكهف : ٤٢

(٦) طه : ١٢٩

(٧) من الاتقان : والبرهان.

(٨) الأعراف : ١٨٧

(٩) التين : ٢ ، وفى البرهان : من جهة المنقول المنقلب.

(١٠) الصافات : ١٣٠

(١١) فى البرهان : الناس.

٢١٨

وتاسعها ـ التكوير القاطع لوصل الكلام فى الظاهر ، نحو (١) : (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ).

فصل

قد يقع التبيين متصلا ؛ نحو (٢) : (مِنَ الْفَجْرِ) بعد قوله (٣) : (الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ). ومنفصلا فى آية أخرى ، نحو (٤) : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) [٣٨ ا] بعد قوله (٥) : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ، فإنها بينت أن المراد به الطلاق الذى تملك الرّجعة بعده ؛ ولولاهما لكان الكل منحصرا (٦) فى الطلقتين.

وقد أخرج أحمد وأبو داود فى ناسخه ، وسعيد بن منصور وغيرهم ، عن ابن (٧) سعيد الأسدي ، قال : قال رجل : يا رسول الله ؛ الطلاق مرتان ، فأين الثالثة؟ قال : [أو تسريح بإحسان.

وأخرج ابن مردويه عن أنس ، قال : قال رجل : يا رسول الله ، ذكر الله الطلاق مرتين ، فأين الثالثة؟ قال :](٨) «إمساك (بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ).

وقوله (٩) : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ، إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ـ دال على جواز الرؤية ، ويفسر أن المراد بقوله : لا تدركه الأبصار : لا تحيط به دون لا تراه (١٠).

__________________

(١) الأعراف : ٧٥.

(٢) البقرة : ١٨٧.

(٣) البقرة : ١٨٧.

(٤) البقرة : ٢٢٩ ، ٢٣٠.

(٥) البقرة : ٢٢٩ ، ٢٣٠.

(٦) فى البرهان : لو لا هذه القرينة.

(٧) فى الإتقان : عن أبى رزين.

(٨) من الاتقان.

(٩) القيامة : ٢٢ ، ٢٣.

(١٠) فى البرهان (٢ ـ ٢١٦) : فإنه دل على جواز الرؤية ويفسر به قوله تعالى : لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ. حيث كان مترددا بين نفى الرؤية اصلا وبين نفى الإحاطة والحصر دون أصل الرؤية.

٢١٩

وقد أخرج ابن جرير من طريق العوفى ، عن ابن عباس ، فى قوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ)؟ قال : لا تحيط به.

وأخرج عن عكرمة أنه قيل له عند ذكر الرؤية : أليس قد قال : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ)؟ فقال : أفلست ترى السماء أفكلها ترى؟

وقوله تعالى (١) : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) ـ فسره قوله (٢) : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ...) الآية.

وقوله (٣) : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). فسره قوله (٤) : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ. ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ. يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ ...) الآية.

وقوله (٥) : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ). فسره قوله (٦) : (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا ...) الآية.

وقوله (٧) : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً). فسره قوله فى آية النحل (٨) : (بِالْأُنْثى).

وقوله (٩) : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ). قال العلماء : بيان هذا العهد قوله (١٠) : (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي ...) الخ. فهذا عهده. وعهدكم : (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ...) الخ.

وقوله (١١) : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ـ بيّنه قوله (١٢) : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ ...) الآية.

__________________

(١) المائدة : ١

(٢) المائدة : ٣ والآية التى قبلها رقم ١ من السورة نفسها.

(٣) الفاتحة : ٤

(٤) الانفطار : ١٧ ، ١٨ ، ١٩

(٥) البقرة : ٣٧

(٦) الأعراف : ٢٢

(٧) الزخرف : ١٧

(٨) آية : ٥٨

(٩) البقرة : ٤٠

(١٠) المائدة : ١٢

(١١) الفاتحة : ٧

(١٢) النساء : ٦٩

٢٢٠