تفسير يحيى بن سلّام - ج ١

التيمي البصري القيرواني

تفسير يحيى بن سلّام - ج ١

المؤلف:

التيمي البصري القيرواني


المحقق: الدكتورة هند الشلبي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-4440-5
الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٢

٤١

٤٢

٤٣

٤٤

٤٥

٤٦

تحقيق النص

٤٧
٤٨

سورة النّحل

تفسير سورة النّحل (*)(١)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي من أوّلها إلى صدر هذه الآية :

(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا)(٢)

مكّىّ وسائرها مدني (٣)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قوله :

(أَتى أَمْرُ اللهِ) (١) يعني القيامة. وهو تفسير السّدّي.

(فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) (١)

قال الحسن : هذا جواب من الله لقول المشركين للنّبيّ : (ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ)(٤) وقولهم : (عَجِّلْ لَنا قِطَّنا)(٥) وأشباه ذلك فقال : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ)(٦).

وقال : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) أي إنّ العذاب آت قريب. وبعضهم يقول : استعجلوا بعذاب الآخرة وذلك منهم تكذيب واستهزاء ، فأنزل الله : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ).

قوله : (سُبْحانَهُ) (١) ينزّه نفسه عمّا يقول المشركون.

(وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١) تعالى : من العلوّ ، يرفع نفسه عمّا يشركون به.

__________________

(*) القطع المعتمدة في تحقيق سورة النّحل : الأمّ : من الآية : ١ إلى الآية : ٤٧ ، القيروان : ١٧٧. من الآية : ٤٨ إلى آخر السورة ، ع. قطع المقارنة : القيروان : ١٧٧ ، ١٧٤ ، ١٧٥.

(١) بداية النقل من القطعة : ١٧٧ ، القيروان.

(٢) النحل ، ٤١.

(٣) كتابة باهتة في ١٧٧ بقدر ٧ كلمات جاء بعدها : سعيد عن قتادة.

(٤) العنكبوت ، ٢٩.

(٥) صّ ، ١٦.

(٦) الحجّ ، ٤٧ ، العنكبوت ، ٥٣.

٤٩

قوله : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ) (٢)

عاصم بن حكيم أنّ مجاهدا قال : ليس ينزل ملك إلّا ومعه روح. (١)

وقال السّدّي : (بِالرُّوحِ) يعني بالوحي.

(مِنْ أَمْرِهِ) (٢)

سعيد عن قتادة قال : بالرحمة والوحي من الله يعني بأمره.

(عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) (٢) يعني الأنبياء. وهو تفسير السّدّي.

أبو أميّة عن حميد بن هلال عن أبي الضّيف عن كعب قال : إن أقرب الملائكة إلى الله إسرافيل وله أربعة أجنحة : جناح بالمشرق ، وجناح بالمغرب ، وقد تسرول بالثالث ، والرابع بينه وبين اللوح المحفوظ ، فإذا أراد الله أمرا أن يوحيه جاء اللوح حتى يصفق جبهة إسرافيل فيرفع رأسه فينظر فإذا الأمر مكتوب فينادي جبريل فيلبيه فيقول : أمرت بكذا ، أمرت بكذا ، فلا يهبط جبريل (من سماء) (٢) إلى سماء إلّا فزع أهلها مخافة السّاعة حتى يقول جبريل : (الحقّ) (٣) من عند الحق. فيهبط على النبيّ فيوحي إليه.

قوله : (أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) (٢) أن تعبدوا معي إلها.

وقال السّدّي : (فَاتَّقُونِ) يقول : فاعبدون.

(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) (٣) للبعث ، والحساب ، والجنّة ، والنّار.

(تَعالى) (٣) ارتفع.

(عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٣)

قوله : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) (٤)

وتفسير الحسن أنّه المشرك. قال وهو كقوله : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ / خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (٧٨) (٤).

__________________

(١) انظر تفسير مجاهد ، ١ / ٣٤٥ ، باكستان. والرّاوي عن مجاهد في التفسير هو أبو نجيح.

(٢) تمزيق في ١٧٧ : بقدر كلمتين : التكملة من : تفسير كتاب الله العزيز للشيخ هود بن محكّم الهوّاري. تحقيق الأستاذ بالحاج بن سعيد شريفي ، دار الغرب الإسلامي ، الطبعة الأولى ، ١٩٩٠ ، ٢ / ٣٥٩.

(٣) تمزيق في ١٧٧ : بقدر كلمة. التكملة من تفسير ابن محكّم ، ٢ / ٣٦٠.

(٤) يس ، ٧٧ ، ٧٨.

٥٠

قوله : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها) (٥) يعني الإبل ، والبقر ، والغنم.

(لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) (٥) ما يصنع لكم منها من الكسوة من أصوافها وأوبارها وأشعارها.

(وَمَنافِعُ) (٥) في ظهورها. هذه الإبل والبقر ، وألبانها في جماعتها.

قال : (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (٥) جماعتها لحومها ، ويؤكل من البقر والغنم السّمن.

وقال سعيد عن قتادة في قوله : (فِيها دِفْءٌ) قال : لكم فيها لباس ومنفعة وبلغة. (١)

وقال ابن مجاهد عن أبيه : لباس ينسج.

وقال ابن مجاهد عن أبيه في قوله : (وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) قال : منها مراكب ولبن ولحم.

قوله : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ) (٦) حين تروح عليكم من الرعي وحين تسرحونها (٢) إلى الرعي (٣). هذا تفسير الحسن.

وتفسير سعيد عن قتادة : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ) يعني الإبل ، وذاك أعجب ما تكون إذا راحت عظاما ضروعها طوالا أسنمتها. (٤)

قول : (وَحِينَ تَسْرَحُونَ) (٦)

سعيد عن قتادة قال : إذا سرحت لرعيها. (٥)

(وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ) (٧) إلى البلد الذي تريدونه.

وفي تفسير الحسن : إنها الإبل والبقر.

(إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) (٧) لولا أنّها تحمل أثقالكم لم تكونوا بالغي ذلك البلد

__________________

(١) الطبري ، ١٤ / ٧٩.

(٢) في ١٧٧ : تسرحوها.

(٣) العبارة في مختصر تفسير ابن سلّام لابن أبي زمنين ، مخطوط القرويين ، رقم : ٣٤ ، ورقة : ١٧٢ : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ) أي حين تروح عليكم راجعة من الرعي (وَحِينَ تَسْرَحُونَ) بها إلى الرعي.

(٤) في ١٧٧ : أسنامها وهو خطأ. وسنام البعير جمع أسنمة أعلى ظهره. لسان العرب ، مادة : سنم.

(٥) الطبري ، ١٤ / ٨٠.

٥١

إلّا بمشقّة (على أنفسكم) (١).

وقال سعيد عن قتادة : إلّا بجهد الأنفس.

قال : (إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٧) يقول : فبرأفة الله ورحمته سخّر لكم هذه الأنعام وهي للكافر رحمة الدنيا : المعايش والنّعم التي رزقه الله.

قوله : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ) (٨) وخلق الخيل والبغال.

(وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) (٨) في ركوبها.

وفي تفسير قتادة عن ابن عباس : أنه خلقها للركوب والزّينة.

حمّاد عن أبي الزّبير عن جابر بن عبد الله أنّهم ذبحوا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير قال : فنهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الحمير والبغال ولم ينه عن الخيل. (٢)

الفرات بن سلمان عن عبد الكريم الجزري عن عطاء عن جابر بن عبد الله / أنّهم كانوا يأكلون لحوم الخيل على عهد رسول الله عليه‌السلام.

الحسن بن دينار عن محمد بن سيرين قال : قيل يوم خيبر : يا رسول الله أفنيت الحمر ، فسكت ، فقيل : أفنيت الحمر ، فسكت ، فقيل : أفنيت الحمر ، فأمر مناديه فنادى : إنّ الله ورسوله ينهاكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها نجس.

خالد عن الحسن قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وألبانها.

أبو الرّبيع عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال : أمرنا بلحوم الخيل ونهينا عن لحوم الحمر.

وذكر عن الحكم الغفاري مثل حديث جابر قال : وأبى البحر قلت : من البحر؟ أو قيل : من البحر؟ قال : ابن عباس.

__________________

(١) إصلاح في طرة : ١٧٧ لما جاء داخل النّصّ : الأنفس. في ابن أبي زمنين ، ورقة : ١٧٢ ، على أنفسكم.

(٢) أخرجه أحمد في المسند ط. ١٣١٣ ه‍ ، مصر ، ٣ / ٣٥٦ ، ٣٦٢ ولفظه فيه : " حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يونس وسريج وعفان قالوا ثنا حماد قال عفان في حديثه أنا أبو الزبير عن جابر قال : ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير فنهانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل.

٥٢

قال : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً)(١) إلى آخر الآية.

قال : (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٨) من الأشياء كلّها ممّا لم يذكر لكم.

قوله : (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) (٩) والسبيل قصد الطريق ، الهدى (٢) إلى الجنّة. كقوله : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى)(٣) وكقوله : (قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) (٤١) (٤).

وقال سعيد عن قتادة : (قَصْدُ السَّبِيلِ) البيان ، حلاله ، وحرامه ، وطاعته ، ومعصيته (٥).

وقال ابن مجاهد عن أبيه : (قَصْدُ السَّبِيلِ) الطريق الحق (٦) على الله.

قوله : (وَمِنْها جائِرٌ) (٩) ومن السبيل جائر أي عن السبيل جائر ، وهو الكافر ، جار عن سبيل الهدى. وجار عنها وجار منها واحد.

قال قتادة : وهي في قراءة عبد الله بن مسعود : ومنكم جائر (٧).

قال قتادة : جائر من السّبيل أي عن سبيل الهدى ، ناكب عنها.

قال قتادة : وذلك تفسيرها.

قال : (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (٩) مثل قوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً)(٨) وكقوله : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) أفلم يتبيّن (٩) للّذينءامنوا. (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً)(١٠).

قوله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ) (١٠) ترعون أنعامكم ، تسرحونها فيه.

__________________

(١) الأنعام ، ١٤٥.

(٢) في مختصر تفسير ابن سلام لابن أبي زمنين ورقة : ١٧٢. وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ يعني طريق الهدى.

(٣) الليل ، ١٢.

(٤) الحجر ، ٤١.

(٥) في الطبري ، ١٤ / ٨٤ : «على الله البيان» ، بيان حلاله الخ ...

(٦) في تفسير مجاهد ، ١ / ٣٤٥ : طريق الحق.

(٧) الطبري ، ١٤ / ٨٤ ؛ البحر المحيط ، أبو حيان ، ط. ٢. ١٣٩٨ / ١٩٧٨ ، دار الفكر ، ٥ / ٤٧٧.

(٨) يونس ، ٩٩.

(٩) تمزيق في القطعة : ١٧٧ ذهب بآخر الكلمة. التكملة من القطعة : ٢٤٨ ، ورقة : ٦٧٣ ، تفسير الآية : ٣١ ، الرعد.

(١٠) الرعد ، ٣١.

٥٣

المعلّى عن أبي يحيى عن مجاهد قال : تسيمون ، ترعون.

قوله : (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ) (١١) بذلك الماء.

(الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) (١١)

قال يحيى : سمعت بعض أشياخنا يذكر أنّ الله أهبط من الجنّة إلى الأرض ثلاثين ثمرة : عشر يؤكل داخلها ولا يؤكل خارجها ، وعشر يؤكل خارجها ولا يؤكل داخلها ، وعشر يؤكل داخلها وخارجها.

قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ / لَآيَةً ،) يعني : لعبرة ، تفسير مجاهد والسّدّي.

(لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (١١) وهم المؤمنون.

قال : فالذي ينبت من ذلك الماء الواحد هذه الألوان المختلفة قادر على أن يحيي الأموات.

قوله : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) (١٢) يختلفان عليكم.

(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ) (١٢) تجري (بِأَمْرِهِ) (١٢) يذكّر عباده نعمته عليهم.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١٢) وهم المؤمنون.

قوله : (وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ) (١٣)

سعيد عن قتادة قال : أي وما خلق لكم في الأرض.

(مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) (١٣)

قال الحسن : من النبات.

وقال قتادة : من الدّواب ، والشّجر ، والثّمار.

قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) (١٣) لعبرة.

(لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (١٣) وهم المؤمنون.

قوله : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ) (١٤) خلق البحر.

(لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا) (١٤)

قال قتادة : حيتان البحر.

(وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) (١٤) اللؤلؤ. (١)

__________________

(١) وهو تفسير قتادة رواه عنه سعيد. الطبري ، ١٤ / ٨٨.

٥٤

(وَتَرَى الْفُلْكَ) (١٤) السّفن.

(مَواخِرَ فِيهِ) (١٤)

سعيد عن قتادة قال : يعني سفن البحر مقبلة ومدبرة تجري فيه بريح واحدة. (١)

وقال مجاهد : ولا تمخر الريح من السفن إلّا العظام. (٢)

وبعضهم يقول : (مَواخِرَ فِيهِ) يعني شقها الماء في وقت جريها. (٣)

قال : (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) (١٤)

قال مجاهد : طلب التجارة في السفن.

(وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١٤) ولكي تشكروا ، هي مثل قوله : (لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ)(٤).

قوله : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) (١٥) الجبال.

(أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) (١٥) لئلا تحرّك (٥) بكم.

عاصم بن حكيم وابن مجاهد عن أبيه قال : أن تكفأ بكم. وقد فسّرناه في غير هذا الموضع. (٦)

(وَأَنْهاراً) (١٥) أي وجعل فيها أنهارا. (٧)

(وَسُبُلاً) (١٥) طرقا.

(لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٥) لكي تهتدوا الطريق.

(وَعَلاماتٍ) (١٦) جعلها في طرقهم يعرفون بها الطريق. (٨)

__________________

(١) الطبري ، ١٤ / ٨٩.

(٢) في تفسير مجاهد ، ١ / ٣٤٦ : تمخر الرياح السفن ، ولا تمخر منها إلّا الفلك العظام.

(٣) جاء هذا المعنى في الطبري ، ١٤ / ٨٨ : مرويا عن عكرمة في قوله وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ قال : هي السفينة تقول بالماء هكذا ، يعني تشقه.

(٤) النحل ، ٨١. انظر التفسير ، ص : ٧٩.

(٥) في ابن أبي زمنين ورقة : ١٧٢ : أي تتحرّك.

(٦) انظر تفسير الآية ٣١ ، الأنبياء ، تفسير ص : ٣٠٩ ؛ وتفسير الآية : ١٠ ، لقمان. التفسير ص : ٦٧١.

(٧) وهو أيضا التفسير الذي أتى به الطبري ، ١٤ / ٩٠.

(٨) وهو التفسير الذي رجحه الطبري ، ١٤ / ٩٢.

٥٥

(وَبِالنَّجْمِ) (١٦) أي : (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (١٦) يعني يعرفون الطريق.

والنجم جماعة النجوم التي يهتدون بها.

النضر بن معبد عن حسان بن بلال العنزي قال : من قال في هذه النجوم سوى هذه الثلاث فهو كاذب ، آثم ، مفتر ، مبتدع. قال الله : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ)(١) قال : (وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) (٣٧). وقال : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)(٢). فهي مصابيح ، ورجوم / وتهتدون بها.

قوله : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ) (١٧) يعني نفسه.

(كَمَنْ لا يَخْلُقُ) (١٧) يعني الأوثان ، على الاستفهام ، هل يستويان؟ أي لا يستوي الله والأوثان التي تعبدون من دونه ، التي لا تملك ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. والنشور البعث.

(أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (١٧) يعني المشركين ، والمؤمنون هم المتذكرون.

وقال قتادة : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) الله هو الخالق وهذه الأوثان التي تعبد من دون الله تخلق ولا تخلق شيئا. (٣)

قوله : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) (١٨)

أبو أميّة عن الحسن أنّ داود النبي قال : إلهي لو كان لي بكلّ شعرة في جسدي لسانان يسبحانك الليل والنهار والدهر كلّه ما أديت شكر نعمة واحدة أنعمتها عليّ.

قال : (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨) وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) (١٩) ما يسرّ المشركون من نجواهم في أمر النبيّ ، ما يتشاورون به بينهم في أمره. مثل قوله : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أشركوا (هَلْ هذا) يعنون محمدا (إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ)(٤) أنّه سحر ، يعنون القرآن.

قال : (وَما تُعْلِنُونَ) (١٩) من شركهم وجحودهم. (٥)

__________________

(١) الملك ، ٥.

(٢) الأنعام ، ٩٧.

(٣) الطبري ، ١٤ / ٩٣. روى هذا الخبر سعيد عن قتادة.

(٤) الأنبياء : ٣ ، انظر التفسير ، ص : ٣٥٨.

(٥) يظهر من التفسير الذي ذكره ابن سلام لهذه الآية أن قراءته فيها بالياء يعني «يسرّون ـ يعلنون». وهي إحدى قراءتي عاصم في هذين الحرفين رواها عنه حفص. انظر كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد ، ط ٢ ، ١٩٨٠ ، مصر ، ٣٧١.

٥٦

(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) (٢٠) الأوثان.

(لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (٢٠) يصنعون ، يصنعونهم بأيديهم.

قال إبراهيم : (قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (٩٦) (١) بأيديكم.

وقال السّدّي : (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) يعني وهم يصوّرون.

قوله : (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ) (٢١)

قال قتادة : هي الأوثان أموات لا روح فيها.

(وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (٢١) متى يبعثون ، يعني البعث.

إنّ الأوثان تحشر بأعيانها فتخاصم عابدها عند الله بأنّها لم تدعهم إلى عبادتها وإنّما كان دعاهم إلى عبادتها الشياطين.

قال : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) إلّا مواتا ، شيئا ليس فيه روح (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً)(٢).

قوله : (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) (٢٢) لا يصدقون بالآخرة.

(قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) (٢٢) له.

سعيد عن قتادة قال : لهذا القرآن.

وبعضهم يقول : لا إله إلّا الله.

(وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) (٢٢) عن عبادة الله وعن ما جاء به رسوله في تفسير (الحسن). (٣)

وقال قتادة : / عن القرآن. وهو واحد. (٤)

ثم قال : (لا جَرَمَ) (٢٣) وهي كلمة وعيد.

(أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) (٢٣) وقد فسّرناه قبل هذا الموضع. (٥)

__________________

(١) الصّافات ، ٩٥ ، ٩٦. انظر التفسير ص : ١٠٢٧.

(٢) النساء ، ١١٧.

(٣) تمزيق في ١٧٧ : ذهب بآخر الكلمة. لعل الصحيح ما أثبتناه.

(٤) في الطبري ، ١٤ / ٩٤ : لهذا الحديث الذي مضى وهم مستكبرون عنه.

(٥) انظر تفسير الآية : ١٩ ، النحل. التفسير ص : ٥٧.

٥٧

(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (٢٣)

قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) (٢٤) إذا قال المؤمنون للمشركين في الدنيا : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ).

(قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٢٤) وإنّما ارتفعت لأنّهم قالوا لهم أساطير الأولّين. وهذه حكاية.

قال قتادة : أي كذب الأوّلين وباطلهم ، وليس يقرّون أنّ الله أنزل كتابا ويقولون إنّ النّبي افتراه من عنده.

سعيد عن قتادة قال : قال ذلك ناس من مشركي العرب كانوا يتصدّون بالطريق من أتى نبيّ الله ، فإذا مرّ بهم من المؤمنين من يريد نبيّ الله قالوا : إنما هو أساطير الأولين ، أي كذب الأولين وباطلهم. (١)

وفي تفسير الكلبي : إن المقتسمين الذين تفرقوا على عقاب (٢) مكة أربعة نفر على كلّ طريق ، أمرهم بذلك الوليد بن المغيرة فقال : من سألكم عن محمد من النّاس وقد كان حضر الموسم. فقال لهم : ان الناس سائلوكم (٣) عنه غدا بعد الموسم ، فمن سألكم عنه من الناس فليقل بعضكم ساحر ، وليقل الآخران كاهن ، وليقل الآخرون شاعر ، وليقل الآخرون مجنون يهذي من أمّ رأسه. فإن رجعوا بذا ورضوا بقولكم فذاك وإلّا لقوني عند البيت ، فإذا سألوني صدّقتكم كلّكم. فسمع بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فشقّ عليه وبعث مع كل أربعة أربعة من أصحابه. فقال : إذا سألوكم عني فكذبوا عني (٤) فحدّثوا الناس بما أقول. فكان إذا سئل المشركون ما صاحبكم؟ فقالوا : ساحر ، فقال الأربعة الذين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه : انطلقوا ، بل هو رسول الله يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ، ويأمر بصلة ذي القرابة وبأن يقرى الضّيف ، وأن يعبد الله ، في كلام حسن جميل. فيقول الناس للمسلمين : والله ما تقولون أنتم أحسن مما يقول هؤلاء والله لا نرجع حتّى نلقاه ، فهو قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) يعني المشركين (قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)(٥).

__________________

(١) الطبري ، ١٤ / ٩٥.

(٢) عقاب : جمع عقبة ، طريق في الجبل وعر. ويقال : من أين كانت عقبتك؟ أي : من أين أقبلت؟ لسان العرب ، مادة : عقب.

(٣) في ١٧٧ : سائليكم.

(٤) هكذا في ١٧٧ : والصحيح : عليّ.

(٥) انظر التفسير في هذه الصفحة.

٥٨

قال : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ) (٢٥) آثامهم في تفسير الحسن / والسدي.

وقال قتادة : ذنوبهم. وهو واحد.

(كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٢٥). يعني الذين قالوا أساطير الأولين.

(وَمِنْ أَوْزارِ) (٢٥)

قال قتادة : ومن ذنوب.

(الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ) (٢٥)

وقال السّدّي : ومن آثام الذين يضلونهم. وهو واحد.

(بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) (٢٥) أي بئس ما يحملون ، يحملون آثام أنفسهم ومثل آثام الذين دعوهم إلى الضّلال واتبعوهم عليه.

وهو كقوله : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ)(١) يحملون آثام أنفسهم ومثل آثام الذين دعوهم إلى الضلالة فاتبعوهم عليها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزار الذين اتبعوهم شيء.

أبو الأشهب عن الحسن قال : قال رسول الله صلّى الله عليه : «أيّما داع دعا إلى هدى فاتّبع فله مثل أجر من اتّبعه ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، وأيّما داع دعا إلى ضلالة فاتّبع فعليه مثل وزر من اتّبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا».

قوله : (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) (٢٦) يعني الذين أهلك بالرجفة من الأمم السّالفة ، رجفت بهم الأرض.

(فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) (٢٦) تنقّضت (٢) سقوف منازلهم عليهم.

(وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) (٢٦).

سعيد عن قتادة قال : أتاها أمر الله من أصلها (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) (٢٦) والسقف أعالي البيوت فانكفأت بهم بيوتهم.

عاصم بن حكيم أنّ مجاهدا قال : يعني مكر نمرود. (٣)

وقال ابن مجاهد عن أبيه : مكر نمرود بن كنعان الذي حاجّ إبراهيم في ربّه (٤).

__________________

(١) العنكبوت : ١٣. انظر التفسير ، ص : ٦٢٠.

(٢) هكذا في ١٧٧ : والصحيح : تناقضت. في تفسير ابن محكّم ، ٢ / ٣٦٦ : سقطت.

(٣) تفسير مجاهد ، ١ / ٣٤٦.

(٤) نفس الملاحظة.

٥٩

قوله : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ) (٢٧) في النار بعد عذاب الدنيا.

(وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ) (٢٧) أي الذين زعمتم أنهم شركائي.

(الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) (٢٧) تفارقون (١) فيهم يعني المحاربة والعداوة.

عادوا الله في الأوثان فعبدوها من دونه.

وقال السّدّي : (تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) يعني : تحاجون فيهم.

(قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (٢٧) وهم المؤمنون.

(إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ) (٢٧) يعني : إنّ الهوان اليوم.

(وَالسُّوءَ) (٢٧) يعني : العذاب. وهو تفسير السّدّي.

(عَلَى الْكافِرِينَ) (٢٧) وهذا الكلام يوم القيامة.

قوله : (الَّذِينَ / تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) (٢٨)

قال بعضهم : توفّاهم عند الموت.

وقال الحسن : هي وفاة إلى النّار ، حشر إلى النّار.

(فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) (٢٨)

تفسير قتادة : استسلموا.

وتفسير الحسن : فأعطوا الإسلام ، أسلموا فلم يقبل ذلك منهم.

وقال (٢) : إنّ في القيامة مواطن ، فمنها موطن (٣) يقرّون فيه بأعمالهم الخبيثة وهو قوله : (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ)(٤) ومنها موطن (٥) يجحدون فيه فقالوا : (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) (٢٨). فقيل لهم : (بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٨) في الدنيا انكم مشركون. وقالوا : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ)(٦).

قال : (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ)(٧) فادّعوا أنّهم لم يكونوا مشركين (وَضَلَ

__________________

(١) في ابن أبي زمنين ، ورقة : ١٧٣ : تعادون ، وفي الطبري ، ١٤ / ٩٨ : تخالفوني.

(٢) يعني الحسن. انظر ابن أبي زمنين ، ورقة : ١٧٣.

(٣) في ١٧٧ : مواطن وهو خطأ والصواب في ابن أبي زمنين ، ورقة : ١٧٣ : موطن.

(٤) الأنعام : ١٣٠.

(٥) في ١٧٧ : مواطن وهو خطأ. والصواب في ابن أبي زمنين ، ورقة : ١٧٣ : موطن.

(٦) الأنعام ، ٢٣.

(٧) الأنعام ، ٢٤.

٦٠