تفسير يحيى بن سلّام - ج ١

التيمي البصري القيرواني

تفسير يحيى بن سلّام - ج ١

المؤلف:

التيمي البصري القيرواني


المحقق: الدكتورة هند الشلبي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-4440-5
الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٢

(أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) (٥١)

سعيد عن قتادة قال : أي (فسيحركون) (١) أرؤسهم تكذيبا واستهزاء. (٢)

(وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ) (٥١) يعنون البعث.

(قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) (٥١) وعسى من الله واجبة ، وكل ما هو آت قريب.

قال : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ) (٥٢) من قبوركم. ينادي صاحب الصور ينفخ فيه.

[قال السدي : يوم يناديكم إسرافيل]. (٣)

(فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) (٥٢) بمعرفته في تفسير الحسن وقتادة. (٤)

وقال قتادة : بمعرفته وطاعته يومئذ (٥).

قال يحيى : والاستجابة [منهم](٦) خروجهم من قبورهم إلى الداعي صاحب الصور إلى بيت المقدس.

(وَتَظُنُّونَ) (٥٢) (٧) في الآخرة.

(إِنْ لَبِثْتُمْ) (٥٢) في الدنيا. (إِلَّا قَلِيلاً) (٥٢) مثل قوله : (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ)(٨) تصاغرت الدنيا عندهم. ومثل قوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ) المشركون. (ما لَبِثُوا) في الدنيا ، (غَيْرَ ساعَةٍ). قال الله : (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) (٥٥) (٩) يصدون عن الهدى. (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ)(١٠) وهي مقدمة يقول : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) في كتاب الله (١١) (وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ) إلى يوم البعث. وقال في الآية الأولى : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) أي إنّ الذي كانوا فيه في الدنيا قليل (١٢) في الآخرة لأنها لا تنقضي ، فعلموا (هناك) (١٣) في الآخرة (أنه) (١٤) كذلك.

__________________

(١) في ١٧٩ و ١٧٥ : يحركون.

(٢) الطبري ، ١٥ / ١٠٠.

(٣) إضافة من ١٧٩ و ١٧٥.

(٤) الطبري ، ١٥ / ١٠١.

(٥) إضافة من ١٧٩.

(٦) في ١٧٩ : تضنون. بداية [٢٦] من ١٧٥.

(٧) الكهف ، ١٩ ؛ المؤمنون ، ١١٣. انظر التفسير ص : ٢٠٨ ؛ ٥٠٦.

(٨) الروم ٥٥ ، انظر التفسير ص : ٨١٣.

(٩) الروم ، ٥٦.

(١٠) بداية [٢٠] من ١٧٩ ورقمها : ٣٨٥.

(١١) في ١٧٩ : قليلا.

(١٢) في ١٧٥ : هنالك.

(١٣) في ١٧٩ و ١٧٥ : أنها.

١٤١

سعيد عن قتادة قال : و (ذلك) (١) مما تحاقرت الدنيا في أنفسهم حين عاينوا يوم القيامة. (٢)

(قوله : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٥٣) (أن) (٣) (يأمرهم) (٤) بما أمرهم الله به و (ينهاهم) (٥) عما نهاهم الله عنه.

(إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) (٥٣) يفسد بينهم.

(إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) (٥٣) بيّن العداوة.

قوله : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) (٥٤) يعني بأعمالكم ، يعني المشركين.

(إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) (٥٤) يتوب عليكم فيمنّ عليكم بالإيمان.

(أَوْ (٦) إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) (٥٤) بإقامتكم على الشرك.

(وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) (٥٤) (حفيظا) (٧) لأعمالهم حتى نجازيهم بها.

قوله : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٥٥) (٨)

قوله : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) (٥٥).

تفسير الحسن فيما قال : كلّم بعضهم ، واتخذ بعضهم خليلا ، وأعطى بعضهم إحياء الموتى.

(وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) (٥٥) اسم الكتاب الذي أعطاه : الزبور.

سعيد عن قتادة قال : كنا نحدث أنه دعاء علّمه الله داود ، تحميد وتمجيد لله

__________________

(١) في ١٧٥ : ذاك.

(٢) الطبري ، ١٥ / ١٠٢.

(٣) في ١٧٥ : اي.

(٤) في ١٧٩ و ١٧٥ : يأمرونهم.

(٥) في ١٧٥ : ينهونهم.

(٦) في ١٧٩ : و.

(٧) في ١٧٩ : حفيضا.

(٨) نهاية المقارنة مع ١٧٩ و ١٧٥. جاء في آخر ١٧٩ ما يلي : تم الكتاب الحادي والعشرون ... الله على عونه وإحسانه وصلّى الله على النبي محمد واله وسلم ... محمد ... الأنبياء عرب محمد عليه‌السلام وهود وصالح وشعيب ... آدم عليه‌السلام وشيث وادريس ونوح صلّى الله عليهم أجمعين ... كتاب أبي العرب بن تميم الفقيه وصح عليه ان شاء الله ولله الحمد. وسمعه من ابي حفص عمرو بن محمد الفقيه سنة خمس واربعين وثلاث مائة. وجاء في آخر ١٧٥ ما يلي : تم الجزء العشرون (هكذا) بحمد الله ونعمته .... وفرغ به حارث بن مروان بخط يده في .... نفع الله به كتابه ومن كتب .... وصلّى الله على النبي محمد وآله .... يتلوه قوله : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ ....)

١٤٢

ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود. (١)

ابراهيم بن محمد عن عمرو بن يحيى عن أبي سعيد الخدري قال :

قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : «لا تخيروا بين الأنبياء». (٢)

أبو الأشهب والمبارك عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة».

قوله : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ) (٥٦) يعني الأوثان.

(فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا) (٥٦) يملكون (تَحْوِيلاً) (٥٦) لما نزل بكم من الضرّ ، أن يحوّلوا ذلك الضّرّ إلى غيره أهون منه.

قال : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) (٥٧) القربة (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) (٥٧) النار.

(إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) (٥٧) يحذره المؤمنون.

سعيد عن قتادة عن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن مسعود قال : نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن ، فأسلم الجنّيّون ولم يعلم بذلك النفر من العرب. قال الله : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ) يعني الجنّيّين الذين يعبدهم هؤلاء (يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) إلى آخر الآية. (٣)

وتفسير الحسن أنهم الملائكة ، وعيسى يقول : أولئك الذين يعبد المشركون والصابئون والنصارى ، لأن المشركين قد كانوا يعبدون الملائكة ، و (الصابين) (٤) يعبدونهم ، والنصارى تعبد عيسى.

قال : فالملائكة وعيسى الذين يعبد هؤلاء يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب. قال : (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ) (٥٧) يعني جنته.

(وَيَخافُونَ عَذابَهُ) (٥٧).

قوله : (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ) (٥٨) بموت بغير عذاب.

(أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً) (٥٨) يكون موتهم بالعذاب.

__________________

(١) الطبري ، ١٦ / ١٠٣ مع بعض الاختلاف في اللفظ.

(٢) في طرة ع : ذكر الأنبياء.

(٣) الطبري ، ١٦ / ١٠٤.

(٤) في ع : والصابيون.

١٤٣

سعيد عن قتادة قال : قضاء من الله ، إما أن يهلكها بموت أو بعذاب إذا تركوا أمره وكذبوا رسله (١) ، يعني إهلاك الأمم بتكذيبها الرسل.

(كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) (٥٨) مكتوبا. وقال في آية أخرى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ)(٢).

قوله : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) (٥٩) ان القوم كانوا إذا سألوا نبيهم الآية فجاءتهم الآية لم يؤمنوا فيهلكهم الله وهو قوله : (بَلْ قالُوا)(٣) يعني مشركي العرب للنبي (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥)) قال الله : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) (٦) (٤). أي لا يؤمنون لو جاءتهم آية. وقد أخّر الله عذاب كفار آخر هذه الأمة بالاستئصال إلى النفخة الأولى.

قال : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ) (٥٩) إلى قومك يا محمد ، وذلك أنهم سألوا الآيات قال : (إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) (٥٩) وكنا إذا أرسلنا إلى قوم بآية فلم يؤمنوا أهلكناهم ، فلذلك لم نرسل إليهم بالآيات لأن آخر كفار هذه الأمة أخّروا إلى النفخة. /

سعيد عن قتادة قال : قال أهل مكة لنبي الله : ان كان ما تقول حقا وسرّك أن نؤمن فحوّل لنا الصفا ذهبا. فأتاه جبريل فقال : إذا شئت كان الذي سألك قومك ولكن إن هم لم يؤمنوا لم يناظروا ، وإن شئت استأنيت بقومك قال : لا بل أستأني بقومي ، فأنزل الله : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً)(٥) أي بيّنة وأنزل : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ)(٦).

(وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) (٥٩).

سفيان عن سلمة بن كهيل عن عمران عن ابن عباس قال : قالت قريش للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبا ، فان أصبح لنا ذهبا اتبعناك. قال : وتفعلون؟ قالوا : نعم. فدعا ربه ، فجاء جبريل فقال : ان ربك يقرئك

__________________

(١) الطبري ، ١٦ / ١٠٧.

(٢) آل عمران ، ١٨٥ ؛ الأنبياء ، ٣٥ ؛ العنكبوت ، ٥٧.

(٣) في ع : وقالوا.

(٤) الأنبياء ، ٥ ـ ٦ مع حذف في بداية الآية : ٥.

(٥) الإسراء ، ٥٩.

(٦) الأنبياء ، ٦. انظر التفسير ص : ٢٩٩.

١٤٤

السّلام ويقول : إن شئت أصبح لك الصفا ذهبا فمن كفر بعد منهم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين. وان شئت فتحت لهم باب الرحمة والتوبة. فقال : بل باب الرحمة والتوبة.

قوله : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) (٥٩) أي بينة.

وقال مجاهد : آية. (١)

(فَظَلَمُوا بِها) (٥٩) أي فجحدوا بها انها ليست من الله. تفسير السدي.

قال يحيى : وظلموا أنفسهم بعقرها.

(وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) (٥٩) نخوفهم بالآية فنخبرهم أنهم إن لم يؤمنوا عذّبهم.

قوله : (وَإِذْ قُلْنا لَكَ) وأوحينا اليك.

(إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) (٦٠)

وتفسير الحسن : عصمك منهم فلا يصلون اليك حتى تبلّغ عن الله الرسالة كقوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(٢) ان يصلوا اليك حتى تبلّغ عن الله الرسالة.

وقال قتادة : يمنعك من الناس حتى تبلّغ رسالة ربك. (٣)

وقال مجاهد : أحاط بالناس فهم في قبضته. (٤)

أبو أمية عن الحسن أن رسول الله شكا إلى ربه من قومه فقال : يا رب إن قومي قد خوفوني فأعطني من قبلك آية أعلم ألا مخافة علي. فأوحى الله إليه أن يأتي وادي كذا وكذا فيه شجرة ، فليدع غصنا منها يأته. فانطلق إلى الوادي فدعا غصنا منها فجاء يخط في الأرض خطا حتى انتصب بين يديه. فحبسه ما شاء الله ان يحبسه ثم قال : ارجع كما جئت ، فرجع ، فقال رسول الله : علمت يا رب ألّا مخافة عليّ.

قوله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ) (٦٠) يعني ما أراه الله ليلة أسري به ، وليس برؤيا المنام ولكن المعاينة.

(إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) (٦٠) للمشركين. ان النّبيّ لما أخبرهم بمسيره إلى بيت المقدس ورجوعه من ليلته كذب بذلك المشركون فافتتنوا بذلك.

__________________

(١) تفسير مجاهد ، ١ / ٣٦٤.

(٢) المائدة ، ٦٧.

(٣) الطبري ، ١٦ / ١١٠.

(٤) تفسير مجاهد ، ١ / ٣٦٤.

١٤٥

المعلى عن همام بن عبد الواحد قال : لما أسري بالنّبيّ أخبرهم بما كان منه تلك الليلة ، فأنكر المشركون ، فجاء أبو بكر فذكروا له ذلك فقال : إن كان حدثكم فهو كما قال. ثمّ أتى النّبيّ فذكر له ذلك فقال : نعم ، فسماه النّبيّ يومئذ صديقا.

و (قالت) (١) المشركون : إن كنت صادقا فانعته لنا ، فتحيّر النّبيّ قال : فرفعه الله له فجعل ينظر إليه ويخبرهم بما يسألون عنه.

المعلى عن أبي يحيى عن مجاهد قال : مثّل له بيت المقدس حين سألته قريش عنه ، فجعل يراه فينظر إليه ويخبرهم عنه.

سعيد عن قتادة قال : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ)(٢) (٦٠) ما أراه الله من الآيات والعبر في مسيره إلى بيت المقدس. (٣)

(إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) (٦٠) أي إلا بلاء للناس.

قال يحيى : يعني المشركين خاصة.

وقال الحسن : ان نفرا كانوا أسلموا ثم ارتدوا عند ذلك.

قال : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) (٦٠)

يقول : وما جعلنا أيضا الشجرة الملعونة في القرآن.

حدثني المعلى عن ابي يحيى عن مجاهد قال : هي شجرة الزقوم (٤). وهو تفسير الحسن (إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) المشركين.

لما نزلت دعا أبو جهل بتمر وزبد فقال : تعالوا (تزقموا) (٥) فما نعلم الزقوم (٦) إلا هذا ، فأنزل الله (إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ)(٧) للمشركين. (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) (٦٤) إلى آخر الآية ، وصفها ووصف كيف يأكلونها في النار.

وقال الحسن : يعني بقوله : (الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) ان أكلتها ملعونون في القرآن كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها)(٨) وانما يعني أهل القرية.

__________________

(١) هكذا في ع.

(٢) في ع : اريتاك.

(٣) الطبري ، ١٦ / ١١١.

(٤) تفسير مجاهد ، ١ / ٣٦٥.

(٥) في ع : نزقموا. والتزقم الابتلاع. لسان العرب ، مادة : زقم.

(٦) الزقوم اسم طعام فيه تمر وزبد. لسان العرب ، مادة : زقم.

(٧) الصّافّات ، ٦٣ ـ ٦٤. انظر التفسير ص : ٨٣٣ ، ٨٣٤.

(٨) يوسف ، ٨٢.

١٤٦

قال : (وَنُخَوِّفُهُمْ) (٦٠) بالشجرة الزقوم.

(فَما يَزِيدُهُمْ) (٦٠) تخويفنا إياهم بها.

(إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) (٦٠).

قوله : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) (٦١) أي من طين. كقوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ)(١).

وقال إبليس : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)(٢). وقول إبليس (أَأَسْجُدُ) على الاستفهام. اي اني لا أسجد له.

ثم قال : (قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) (٦٢) فأمرتني بالسجود له.

(لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) (٦٢)

تفسير مجاهد : لأحتوينّهم. (٣)

وتفسير الكلبي : لأستولينّ على ذريته أي فأضلّهم (إِلَّا قَلِيلاً).

وتفسير الحسن : لأستأصلنّ ذريته يعني يهلكهم (إِلَّا قَلِيلاً) يعني المؤمنين.

وهذا القول منه بعد ما أمر بالسجود ، وذلك ظنّ منه حيث وسوس إلى آدم فلم يجد له عزما (٤) أي صبرا. فقال : بنو هذا في الضعف مثله.

حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال : لما خلق الله آدم جعل إبليس يطيف به قبل أن ينفخ فيه الروح ، فلما رآه أجوف عرف أنه لا يتمالك.

(قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) (٦٣). /

قال مجاهد : وافرا (٥).

أبو الأشهب عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يقول الله لآدم : يا آدم قم ، ابعث بعث النار. قال : فيقول : يا رب وما بعث النار؟ قال : من كل ألف تسع مائة وتسعة و (تسعين) (٦) إنسانا إلى النار وواحد إلى الجنة».

قوله : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) (٦٤) يعني بدعائك ، أي بوسوستك.

__________________

(١) الأنعام ، ٢.

(٢) الأعراف ، ١٢ ؛ ص ، ٧٦.

(٣) تفسير مجاهد ، ١ / ٣٦٥.

(٤) انظر : طه ، ١١٥.

(٥) تفسير مجاهد ، ١ / ٣٦٥.

(٦) هكذا في ع.

١٤٧

الحسن بن دينار عن الحسن قال : هو الدف والمزمار.

(وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) (٦٤)

أبو سهل عن أيوب عن ليث عن مجاهد قال : كل ماش يمشي في معصية الله فهو من رجل إبليس ، وكل راكب يركب في معصية الله فهو من خيل إبليس. (١)

وقال الحسن : رجاله الكفار والضّلال من الجن والإنس.

قرة بن خالد عن الحسن انه كان يقرأها : ورجالك. (٢)

الحسن عن الحسن قال : إن له خيلا وإن له رجالا.

وقال قتادة : إن له خيلا ورجالا جنودا من الجن والإنس.

قوله : (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) (٦٤)

الحسن عن الحسن قال : شركته إياهم في الأموال أنه أمرهم ، أي وسوس إليهم أن يأخذوها من حرام وينفقوها في غير حقها. وشركته إياهم في الأولاد ، رزقهم الله أولادهم على الفطرة فصبغوهم يهوديا ونصرانيا ومجوسيّا. (٣)

وفي تفسير عمرو عن الحسن : وعابد وثن.

وتفسير الكلبي شركته إياهم في الأموال ما كانوا يحرّمون مما أحل الله لهم وكل ما أصابوا من غير حلّه ووضعوه في غير حقه. وشركته إياهم في الأولاد ما ولد من الزنا.

وتفسير ابن مجاهد عن أبيه : في أولاد الزنا ، وفي الأموال ما كان من مال بغير طاعة الله.

قوله : (وَعِدْهُمْ) (٦٤) بالأماني بأنه لا بعث ، ولا جنة ، ولا نار. هذا وعيد من الله للشيطان. كقول الرجل : اذهب فاجهد على جهدك ، وليس على وجه الأمر له به.

قال : (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) (٦٤)

__________________

(١) الطبري ، ١٥ / ١١٩.

(٢) في البحر المحيط ٦ / ٥٨. ٥٩ وقرأ الحسن ... بكسر الجيم. وفيه ايضا : قرأ الجمهور : وَرَجِلِكَ ... وهو اسم جمع واحده راجل ... وقرأ الحسن وابو عمرو في رواية وحفص بكسر الجيم ... بمعنى الرجال ... وقرأ قتادة وعكرمة : ورجالك. وقرىء ورجّل لك بضم الراء وتشديد الجيم.

(٣) الطبري ، ١٥ / ١٢١ مع اختلاف في العبارة.

١٤٨

قال : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) (٦٥)

قال قتادة : وعباده المؤمنون.

وقال يحيى : يعني من يلقى الله مؤمنا أن يصلهم.

(وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) (٦٥) حرزا ومانعا لعباده المؤمنين.

قوله : (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ) (٦٦) يجريها.

(فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) (٦٦) طلب التجارة في البحر.

(إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) (٦٦) فبرأفته ورحمته سخر لكم ذلك. والرحمة على الكافر في هذا رحمة الدنيا.

قوله : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ) (٦٧) يعني الأهوال.

(فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ) (٦٧) يعني ما تعبدون من دونه ضلّوا عنهم.

قال : (إِلَّا إِيَّاهُ) (٦٧) تدعونه كقوله : (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ)(١) يعلمون انه لا ينجيهم من الغرق إلا الله.

قال : (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ) (٦٧) عن الذي نجاكم ورجعتم إلى شرككم.

(وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) (٦٧) يعني المشرك.

قال : (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ) (٦٨) كما خسف بقوم لوط وبقارون.

(أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) (٦٨).

قال قتادة : أي حجارة من السماء (٢). يقول : يحصبكم بها كما فعل بقوم لوط ، يعني الذين خرجوا من القرية فأرسل عليهم الحجارة وخسف بأهل القرية.

قال : (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً) (٦٨)

سعيد عن قتادة قال : أي منيعا ولا نصيرا. (٣)

قال : (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ) (٦٩) في البحر.

__________________

(١) الأنعام ، ٤١.

(٢) الطبري ، ١٥ / ١٢٣.

(٣) في الطبري ، ١٥ / ١٢٣ : أي منعة ولا ناصرا.

١٤٩

(تارَةً أُخْرى) (٦٩) مرة أخرى.

(فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ) (٦٩) والقاصف الريح الشديدة.

(فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) (٦٩) لا تجدوا أحدا يتبعنا بذلك لكم فينتصر لكم وهو كقوله : (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها) سوّى عليها بالعذاب (وَلا يَخافُ عُقْباها)(١) التبعة فينتصر لهم.

وقال قتادة : أي لا يخاف أن يتبع بشيء مما أصابكم. (٢)

وقال ابن مجاهد عن أبيه : (تَبِيعاً) ثائرا. (٣)

قوله (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (٧٠)

الفرات بن سلمان ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه كانوا في سفر فمروا ببرك فيها ماء فوضع بعضهم رؤوسهم يشربون منها فقال رسول الله : «اغسلوا ايديكم واشربوا فيها».

قال يحيى : سمعت بعضهم يقول : ان هذه الآية نزلت عند ذلك.

وقال الحسن : فضّل بنو آدم على البهائم والسباع والهوامّ.

وقال (بعضهم) (٤) : (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) : يعني جميع رزق بني آدم :

الخبز واللحم ، والعسل ، والسمن ، ونحوه من طيبات الطعام والشراب ، فجعل رزقهم أطيب من رزق الدواب والطير والجن.

قوله : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) (٧١)

قال الحسن : بكتابهم. ما نسخت عليهم الملائكة من أعمالهم. (٥)

وقال قتادة : بإمامهم ، بنبيهم. (٦)

__________________

(١) الشمس ، ١٤. قرأ نافع وابن عامر : فلا يخاف وكذلك هي في مصاحف اهل المدينة والشام ، وقرأ ابن كثير وعاصم وابو عمرو وحمزة والكسائي : ولا يخاف وكذلك هي في مصاحفهم. ابن مجاهد ، ٦٨٩.

(٢) الطبري ، ١٥ / ١٢٥. والخبر عن سعيد عن قتادة.

(٣) تفسير مجاهد ، ١ / ٣٦٦.

(٤) فوقها علامة : ص تحيل على الطرة في ع حيث كتب لمحمد السدي.

(٥) الطبري ، ١٥ / ١٢٧.

(٦) الطبري ، ١٥ / ١٢٦ عن عمرو عن سعيد عن قتادة.

١٥٠

قال : (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ) وقد فسرناه قبل هذا الموضع.

(وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (٧١) والفتيل يكون في بطن النواة (١).

قوله : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى) (٧٢) يعني من كان في هذه النعماء التي ذكر الله في هذه الآية. (٢) (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (٧٢) /

(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) إلى آخر الآية (أَعْمى ،) يعني أعمى القلب فلا تعرف ربها فتوحده فهو عن ما في الآخرة ، يعني فهو عن ما ذكر الله من أمر الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا. وهو تفسير السدي.

سعيد عن قتادة قال : يقول : من كان في هذه الدنيا أعمى عن ما عاين فيها من نعم الله وخلقه وعجائبه (٣) ، قال يحيى : أي فيعلم أن له معادا. وهذا تفسير الحسن في أشباه هذا مما جعله الله تبصرة للعباد فيعلمون أن البعث حق.

قال قتادة : فهو فيما يغيب عنه من أمر الآخرة أعمى. (٤)

(وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (٧٢) طريقا.

وتفسير الحسن : من كان في هذه الدنيا أعمى ، الكافر عمي عن الهدى. فهو في الآخرة أعمى في الحجة ، أي ليست له حجة كقوله : (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى)(٥) عن حجتي.

قوله (وَإِنْ كادُوا) (٧٣) يعني قد كادوا. تفسير السدي.

(لَيَفْتِنُونَكَ) (٧٣) ليضلونك.

وقال (بعضهم) (٦) : يعني ليصدّونك.

(عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) (٧٣) القرآن.

(لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) (٧٣) لو فعلت.

وذلك ان المشركين خلوا برسول الله بمكة ليلة حتى الصباح فقالوا : يا

__________________

(١) الفتيل : ما كان في شق النّواة ، يضرب مثلا للشيء التافه القليل. لسان العرب ، مادة : فتل.

(٢) يبدو ان هنالك كلاما ناقصا يتم به معنى الجملة ولعل كلمة : أعمى تجبر ذلك النقص.

(٣) الطبري ، ١٥ / ١٢٨.

(٤) الطبري ، ١٥ / ١٢٨.

(٥) طه ، ١٢٥.

(٦) فوقها علامة : ص تحيل على الطرة في ع حيث كتب : لمحمد وقال السدي.

١٥١

محمد ان الذي جئت به لم يجىء به أحد من قومك. ورفقوا به وقالوا له : كفّ عن شتم آلهتنا وذمّها وانظر في هذا الأمر ، فان هذا لو كان حقا لكان فلان أحق به منك ، وفلان أحق به منك. فأنزل الله : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) إلى قوله : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) بالنبوة ، عصمناك بها (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (٧٤)

(إِذاً لَأَذَقْناكَ) (٧٥) لو فعلت (ضِعْفَ الْحَياةِ) (٧٥)

سعيد عن قتادة : أي عذاب الدنيا. (١)

(وَضِعْفَ الْمَماتِ) (٧٥) أي عذاب الآخرة (٢).

قال : (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) (٧٥) ينتصر لك بعد عقوبتنا إياك.

سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا ان قوما خلوا برسول الله ذات ليلة إلى الصبح يكلمونه ، ويفحمونه ، ويسودونه ، ويقاربونه وكان في قولهم أن قالوا : يا محمد ، انك تأتي بشيء لا يأتي به أحد من الناس ، وأنت سيدنا وابن سيدنا ، فما زالوا يكلمونه حتى كاد يقاربهم. ثم ان الله منعه وعصمه من ذلك.

قوله : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ) (٧٦) يعني أرض المدينة.

(لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ) (٧٦) بعدك.

(إِلَّا قَلِيلاً (٧٦) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) (٧٧).

سعيد عن قتادة قال : همّ أهل مكة باخراجه من مكة ولو فعلوا ذلك ما (نوظروا) (٣) ولكن الله كفّهم عن إخراجه حتى أمره بالخروج. ولقلّ مع ذلك ما لبثوا بعد خروجه من (ملكه) (٤) حتى بعث الله عليهم القتل يوم بدر.

قال يحيى : هي في هذا التفسير قوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ)(٥)

وتفسير الحسن : (لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها) (٧٦) بالقتل (وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ) (٧٦) بعدك (إِلَّا قَلِيلاً) (٧٦) حتى نستأصلهم بالعذاب فنهلكهم أجمعين لو قتلوك.

__________________

(١) الطبري ، ١٥ / ١٣١.

(٢) نفس الملاحظة.

(٣) في الطبري ، ١٥ / ١٣٢ : توطنوا.

(٤) في الطبري ، ١٥ / ١٣٢ : مكة.

(٥) الأنفال ، ٣٠.

١٥٢

(سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا) (٧٧) انهم إذا قتلوا نبيهم أهلكهم الله بالعذاب.

(وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) (٧٧)

سعيد عن قتادة قال : ان سنة الرسل والأمم كانت قبلك كذلك ، إذا كذبوا رسلهم واخرجوهم لم يناظروا أن يبعث الله عليهم عذابه. (١)

قرة بن خالد ان عبد الله بن مسعود قال : ان أشد الناس عذابا من قتل نبيا ، أو قتله نبي ، أو مصوّر.

قوله : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) (٧٨) ٧٨

سعيد عن قتادة قال : اذا زالت الشمس عن بطن السماء لصلاة الظهر. (٢)

(إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) (٧٨) قال : بدوّ الليل لصلاة المغرب. (٣)

قال يحيى : يقول لزوال الشمس عن كبد السماء ، يعني صلاة الظهر والعصر بعدها. (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) بدو الليل واجتماعه وظلمته.

صلاة المغرب عند بدوّ الليل ، وصلاة العشاء عند اجتماع الليل ، وظلمته إذا غاب الشفق.

مالك بن أنس عن داود بن الحصين أن ابن عباس قال : دلوك الشمس إذا فاء الفيء ، وغسق الليل اجتماع الليل وظلمته.

مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال : دلوك الشمس ميلها.

سعيد عن قتادة عن الحسن ان رسول الله لما جاء بالصلوات الخمس إلى قومه خلى عنهم ، حتى إذا زالت الشمس عن بطن السماء نودي فيهم : الصلاة جامعة ففزعوا لذلك واجتمعوا. فصلى بهم الظهر أربع ركعات لا يعلن فيهنّ القراءة ، جبريل بين يدي نبي الله ونبي الله بين أيدي الناس ، يقتدي الناس بنبيهم ويقتدي نبي الله بجبريل. ثم خلى عنهم حتى إذا تصوّبت الشمس وهي بيضاء نقية نودي فيهم : الصلاة جامعة. فاجتمعوا. فصلى بهم العصر أربع ركعات دون صلاة الظهر ، لا يعلن فيهن القراءة ، جبريل بين يدي نبي الله ونبي الله بين أيدي الناس يقتدي الناس بنبيهم ويقتدي نبي الله بجبريل. ثم خلى عنهم حتى / إذا غربت الشمس نودي فيهم : الصلاة جامعة. فصلى بهم المغرب ثلاث ركعات يعلن في

__________________

(١) الطبري ، ١٥ / ١٣٤.

(٢) الطبري ، ١٥ / ١٣٦.

(٣) الطبري ، ١٥ / ١٣٦. والخبر عن سعيد عن قتادة.

١٥٣

الركعتين الأوليين ولا يعلن في الركعة الآخرة ، جبريل بين يدي نبيّ الله ونبيّ الله بين أيدي الناس ، يقتدي الناس بنبيهم ويقتدي نبي الله بجبريل. ثم خلى عنهم حتى إذا غاب الشفق و (أيتظا) (١) العشاء نودي فيهم : الصلاة جامعة. فاجتمعوا فصلى بهم العشاء أربع ركعات يعلن في الركعتين الأوليين ولا يعلن في الآخرتين ، جبريل بين يدي نبيّ الله ونبي الله بين أيدي الناس ، يقتدي الناس بنبيهم ويقتدي نبي الله بجبريل. ثم بات الناس ولا يدرون أيزادون على ذلك أم لا. حتى إذا طلع الفجر نودي فيهم : الصلاة جامعة. فاجتمعوا. فصلى بهم الصبح ركعتين أطالهما وأعلن فيهما القراءة ، جبريل بين يدي نبيّ الله ونبيّ الله بين أيدي الناس ، يقتدي الناس بنبيهم ، ويقتدي نبي الله بجبريل.

المعلى عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن ابن مسعود قال : دلوكها غروبها.

المسعودي عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن يزيد قال : غابت الشمس فقال عبد الله بن مسعود : والذي لا إله غيره إن هذه الساعة لميقات هذه الصلاة ، ثم تلا هذه الآية : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ.)

قال المسعودي : فدلوكها حين تغيب في قول عبد الله ، وغسق الليل مجيء الليل والصلاة فيما بينهما.

قال يحيى : وتفسير ابن عباس : هو زوالها ، هو قول العامة ، يعني وقت صلاة الظهر فيما حدثني المسعودي وغيره.

ثم قال المسعودي : قال السدي. وكان يعالج التفسير : لو كان دلوك الشمس زوالها لكانت الصلاة فيما بين زوالها إلى أن تغيب.

وكان قول ابن عباس أعجب الى المسعودي.

قوله : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) (٧٨)

قال قتادة : وهي صلاة الصبح. (٢)

(إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) (٧٨) يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار يجتمعون عند صلاة الصبح وعند صلاة العصر فيما حدثنا عثمان عن نعيم بن عبد الله عن أبي هريرة عن النّبيّ فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم فيقول : كيف تركتم

__________________

(١) في طرة ع : أيتظا أظلم. في ابن محكّم ، ٢ / ٤٣٥ : انقضى. انظر نفس الإحالة ، هامش : ٢.

(٢) الطبري ، ١٥ / ١٤٠.

١٥٤

عبادي؟ فيقولون أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون.

سعيد عن قتادة عن عقبة بن عبد الغافر أن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود كتب إليه أن عبد الله بن مسعود كان يقول عند صلاة المغرب : يجتمع الحرسان من ملائكة الله : ملائكة الليل وملائكة النهار. (١)

سعيد عن قتادة عن عقبة بن عبد الغافر عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال : كنا نحدّث أن عند صلاة الفجر يجتمع الحرسان من ملائكة الله : حرس الليل وحرس النهار ، ويقرأ هذه الآية : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً).

المسعودي عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن ابن مسعود قال : يتدارك الحرسان عند صلاة الصبح والمغرب. وقال اقرأوا ان شئتم : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً).

قوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) (٧٩) عطية من الله لك.

وقال الكلبي : النافلة ، الفضل.

قال يحيى : وسمعت بعضهم يقول : إن صلاة الليل على النّبيّ فريضة وهي للناس تطوع. (٢)

وقال الحسن : لم يقم النّبيّ أقل من ثلث الليل.

الحسن بن دينار عن عون العقيلي عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا شغله شيء عن صلاة الليل صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة.

حماد بن سلمة عن أبي غالب عن أبي أمامة قال : النافلة لا تكون إلّا للنّبيّ.

حماد عن أبي غالب عن أبي أمامة قال : إذا توضأ الرجل فأحسن الوضوء فإن قعد قعد مغفورا له وإذا قام يصلي كانت له فضيلة. فقيل له : نافلة؟ فقال : انما النافلة للنبي.

قوله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (٧٩) وعسى من الله واجبة.

__________________

(١) الطبري ، ١٥ / ١٣٩ ، ١٤٠ بنفس السند. جاء في الطبري ، بدل كلمة المغرب كلمة الفجر.

انظر الرواية الموالية وهي تتفق مع رواية الطبري ، في كلمة الفجر.

(٢) في الطبري ، ١٥ / ١٤٢ : عن ابن عباس : يعني بالنافلة انها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة أمر بقيام الليل وكتب عليه.

١٥٥

قال سيبعثك ربك مقاما محمودا : الشفاعة.

يونس بن أبي إسحاق الهمداني عن أبيه عن صلة بن زفر عن حذيفة بن اليمان قال : يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد حفاة ، عراة ، كما خلقوا يسمعهم الداعي وينفذهم البصر حتى يلجمهم العرق ولا تكلّم نفس إلا بإذنه قال : فأول من يدعى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يا محمد فيقول : لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس اليك والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك واليك لا ملجأ ولا منجى منك الا اليك تباركت وتعاليت وعلى عرشك استويت سبحانك رب البيت. ثم يقال له : اشفع قال : فذلك المقام المحمود الذي وعده الله. (١)

وفي تفسير الكلبي قال : إذا أدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، فبقيت زمرة من آخر زمر الجنة وهم على الصراط لما خرج المؤمنون من الصراط بإيمانهم على قدر أعمالهم ؛ فمنهم من قد خرج كهيئة البرق ، ومنهم من خرج كهيئة / الريح ، ومنهم من خرج كركض الفرس الجواد ، ومنهم من خرج سعيا ، ومنهم من خرج زحفا على قدر ما بقي له من نوره ، إن قام لم يره وان جلس نظر اليه بين يديه ، فهو يزحف على استه ، وهم الذين يقولون : (رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا)(٢) فذلك حين تقول لهم آخر زمرة من زمر النار : أما نحن فأخذنا بما في قلوبنا من الشك والتكذيب فما نفعكم أنتم توحيدكم ربكم؟ قال : وقد بلغت النار منهم كل مبلغ.

وفي حديث سعيد عن قتادة عن الحسن عن أبي نضرة عن سمرة بن جندب ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ان منهم من تأخذه النار إلى كعبيه ، ومنهم من تأخذه النار إلى ركبتيه ، ومنهم من تأخذه إلى حجزته (٣) ومنهم من تأخذه إلى ترقوته». (٤)

قال يحيى : وبلغني أنها لا تصيب وجوههم لمكان السجود.

قال الكلبي : فيصرخون عند ذلك يدعون ربهم فيسمعهم أهل الجنة فيسعون

__________________

(١) الطبري ، ١٥ / ١٤٤. ١٤٥.

(٢) التحريم ، ٨.

(٣) الحجزة : مشد الإزار يعني من وسط الإنسان ، لسان العرب ، مادة : حجز.

(٤) التّرقوة : عظم وصل بين ثغرة النحر والعاتق من الجانبين ، جمعها : التراقي ، لسان العرب ، مادة : ترق.

١٥٦

أو قال : يمشون إلى آدم فيقولون : يا آدم ، أناس من ذريتك لم يشركوا بالله شيئا حبسوا مع أهل الشرك. فيقول آدم : إني قد أخطيت خطيئة فأستحي ان أكلّم ربّي فعليكم بنوح. فيأتون نوحا فيردهم إلى إبراهيم. ثم يأتون إبراهيم فيردهم إلى موسى. ثم يأتون موسى فيردهم إلى عيسى. ثم يأتون عيسى فيردهم إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيأتون محمدا فيذكرون ذلك له. فينطلق نبي الله فيأتي رب العزة فيسجد له حتى يأمره أن يرفع رأسه ثم يسأل الله عن ما يريد وهو أعلم به فيقول : ربّ ، أناس من عبادك أصحاب ذنوب لم يشركوا بك وأنت أعلم بهم يعيّرهم أهل النار بعبادتهم إيّاك فيقول الله : وعزتي لاخرجنهم منها. فيخرجهم وقد احترقوا. فيدخلون الجنة ثم ينضح عليهم من الماء حتى ينبتوا ، تنبت أجسادهم ولحومهم ، ثم يدخلون الجنة فيسمّون الجهنّميين. فيغبط (ـ) (١) عند ذلك الأولون من أهل الجنة والآخرون فذلك قوله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً).

صاحب له عن جبير عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن ابن مسعود قال : يأمر الله تبارك وتعالى بالصراط فيضرب على جهنم ، فيمر الناس على قدر أعمالهم زمرا ، أولهم كلمح البرق ، ثم كمرّ الريح ، ثم كمرّ الطير ، ثم كأسرع البهائم ، ثم كذلك حتى يمرّ الرجل سعيا ، وحتى يمرّ الرجل مشيا حتى يكون آخرهم رجل يتلبّط (٢) على بطنه فيقول : يا رب لم أبطأت بي؟ فيقول : لم أبطىء بك ، إنما أبطأ بك عملك.

قال : ثم ياذن الله في الشفاعة ، فيكون أول شافع يوم القيامة روح القدس جبريل ، ثم يقوم خليل الله إبراهيم ، ثم موسى أو عيسى. قال أبو الزعراء : لا أدري أيهما قال : ثم يقوم نبيكم (قائما) (٣) لا يشفع أحد بعده فيما يشفع فيه. وهو المقام المحمود الذي ذكره الله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً)(٤).

قوله : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ) (٨٠) يعني مدخله المدينة حين هاجر اليها. أمره الله بهذا الدعاء.

(وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) (٨٠)

__________________

(١) كلمة غير مقروءة في المخطوطة.

(٢) في طرة ع : يتلبط ، هو من قولك لبطت الرجل لبطا إذا انت صرعته والمعنى انه مصروع يمشي على بطنه. انظر لسان العرب ، مادة : لبط.

(٣) في الطبري ، ١٥ / ١٤٤ : رابعا.

(٤) الطبري ، ١٥ / ١٤٤.

١٥٧

تفسير الحسن : مخرج صدق أي إلى قتال أهل بدر. وقد كان أعلمه الله أنه سيقاتل المشركين ببدر ويظهره الله عليهم.

سعيد عن قتادة قال : (مُدْخَلَ صِدْقٍ) الجنة (وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) أخرجه الله من مكة إلى الهجرة بالمدينة. (١)

(وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) (٨٠) فأظهره الله عليهم يوم بدر فقتلهم.

سعيد عن قتادة قال : علم نبي الله ألا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان ، فسأل سلطانا نصيرا لكتاب الله ولحدوده ولفرائضه ولإقامة الدين. (٢)

وقال مجاهد : (سُلْطاناً نَصِيراً) حجة بينة. (٣)

قوله : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُ) (٨١) وهو القرآن.

(وَزَهَقَ الْباطِلُ) (٨١) وهو إبليس. وهذا تفسير قتادة. (٤)

قال : (إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (٨١) والزهوق : الداحض الذاهب.

قوله : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ) (٨٢) ينزل الله من القرآن.

(ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) (٨٢) كلّما جاء في القرآن شيء كذبوا به فازدادوا فيه خسارا إلى خسارهم.

قوله : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) (٨٣) يعني المشرك ، أعطيناه السعة والعافية.

(أَعْرَضَ) (٨٣) عن الله.

(وَنَأى بِجانِبِهِ) (٨٣)

وقال مجاهد : تباعد منا (٥). وهو واحد.

(وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) (٨٣) الأمراض والشدائد.

(كانَ يَؤُساً) (٨٣)

قال قتادة : يئس وقنط. (٦)

__________________

(١) في الطبري ، ١٥ / ١٤٩ : عن معمر عن قتادة (مُدْخَلَ صِدْقٍ) قال : المدينة و (مُخْرَجَ صِدْقٍ) قال مكة. وفيه ايضا ، ١٥ / ١٥٠ : عن معمر عن قتادة عن الحسن (أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ) الجنة و (مُخْرَجَ صِدْقٍ) من مكة إلى المدينة.

(٢) الطبري ، ١٥ / ١٥٠. ١٥١.

(٣) تفسير مجاهد ، ١ / ٣٦٨.

(٤) تفسير الطبري ، ١٥ / ١٥٢.

(٥) تفسير مجاهد ، ١ / ٣٦٨.

(٦) الطبري ، ١٥ / ١٥٤.

١٥٨

قال يحيى : يقول : يئس أن يفرج ذلك عنه لأنه ليست له نيّة ولا حسبة ولا رجاء.

(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) (٨٤)

سعيد عن قتادة قال : على ناحيته وما ينوي (١) ؛ أي المؤمن على إيمانه والكافر على كفره.

(فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ / بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) (٨٤) أي فهو يعلم أن المؤمن أهدى سبيلا من الكافر.

قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ) (٨٥)

يحيى عن صاحب له عن الأعمش عن مجاهد أن ناسا من اليهود لقوا نبي الله وهو على بغلته ، فسألوه عن الروح فأنزل الله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٥).

وفي تفسير الكلبي أن المشركين بعثوا رسلا إلى المدينة فقالوا لهم : سلوا اليهود عن محمد وصفوا لهم نعته وقوله ثم اتونا فأخبرونا. فانطلقوا حتى قدموا المدينة فوجدوا بها علماء اليهود من كل أرض قد اجتمعوا فيها لعيد لهم ، فسألوهم عن محمد ونعتوا لهم نعته ، فقال لهم حبر من أحبار اليهود : إن هذا لنعت النّبيّ الذي نتحدث أن الله باعثه في هذه الأرض.

فقالت لهم رسل قريش : إنه فقير ، عائل ، يتيم ، لم يتبعه من قومه من أهل الرأي أحد ولا من ذوي الأسنان. فضحك الحبر وقال كذلك نجده.

قالت لهم رسل قريش : فإنه يقول قولا عظيما ، يدعو إلى الرحمن [ويقول إنّ](٢) الذي باليمامة الساحر الكذاب ، يعنون مسيلمة. فقالت لهم اليهود : اذهبوا فسلوا صاحبكم عن خلال ثلاث ، فان الذي باليمامة قد عجز عنهن. فأما اثنتان من الثلاث فإنّه لا يعلمهما (٣) إلّا نبي فان أخبركم بهما فقد صدق. وأما الثالثة فلا يجترئ عليها أحد.

فقالت لهم رسل قريش : أخبرونا بهنّ. فقالت لهم اليهود : سلوه عن أصحاب الكهف والرقيم ، فقصّوا عليهم قصتهم. وسلوه عن ذي القرنين ، وحدّثوهم بأمره. وسلوه عن الروح ، فان أخبركم فيه بشيء فهو كاذب.

__________________

(١) الطبري ، ١٥ / ١٥٤.

(٢) إضافة من ابن محكّم ٢ / ٤٣٩.

(٣) في ع : يعلمها. الإصلاح من ابن ابي زمنين ، ورقة : ١٨٩.

١٥٩

فرجعت رسل قريش إليهم فأخبروهم بذلك ، فأرسلوا إلى النّبيّ فلقيهم فقالوا : يا ابن عبد المطلب إنا سائلوك عن خلال ثلاث فان أخبرتنا بهنّ فأنت صادق وإلا فلا تذكرنّ آلهتنا بشيء.

فقال لهم رسول الله : وما هن؟

قالوا : أخبرنا عن أصحاب الكهف فإنا قد أخبرنا عنهم بآية بيّنة ، وأخبرنا عن ذي القرنين فإنا قد أخبرنا عنه بأمر بيّن ، وأخبرنا عن الروح.

فقال لهم رسول الله : أنظروني حتى أنظر ماذا يحدث إليّ فيه ربي.

قالوا : فإنا ناظروك فيه ثلاثا. فمكث نبي الله ثلاثة أيام لا يأتيه جبريل ، ثم أتاه فاستبشر به النّبيّ وقال : يا جبريل ، قد رأيت ما سأل عنه قومي ثم لم تأتني ، قال له جبريل : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) (٦٤) (١) فإذا شاء ربك أرسلني اليك ، ثم قال له جبريل : ان الله قال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً). ثم قال له : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ)(٢) فذكر قصتهم. قال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ)(٣) فذكر قصته.

ثم لقي رسول الله قريشا في آخر اليوم الثالث فقالوا : ماذا أحدث إليك ربك في الذي سألناك عنه؟ فقصه عليهم. فعجبوا وغلب عليهم الشيطان أن يصدقوه.

هشام عن قتادة أن ابن عباس فسّر الروح مرة واحدة ثم كف عن تفسيرها. (٤)

وأحسب هشاما أو غيره ذكر أن قتادة فسرها مرة ثم كف.

وقال السدي : الروح ملك من الملائكة في السماء السابعة ووجهه على صورة الإنسان وجسده على صورة الملائكة وذلك قوله في «عمّ يتساءلون» : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ)(٥) يعني ذلك الملك ، وهو أعظم من كل مخلوق ، وتحت العرش ، وهو حافظ على الملائكة يقوم على يمين العرش صفا واحدا والملائكة صف ، فذلك قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) يعني ذلك الملك (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) لم يحيطوا به علما.

__________________

(١) مريم ، ٦٤.

(٢) الكهف ، ٩.

(٣) الكهف ، ٨٣.

(٤) في الطبري ، ١٥ / ١٥٦ : قال قتادة : وكان ابن عباس يكتمه.

(٥) النبأ ، ٣٨.

١٦٠