دروس في علم الأصول - ج ٣

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٤

المحصّل بالنسبة إلى الغرض ، وذلك ضمن النقاط التالية :

أوّلا : إنّ هذا الواجب المردّد بين الاقل والاكثر للمولى غرض معيّن من ايجابه ، لأنّ الاحكام تابعة للملاكات في متعلقاتها.

ثانيا : إنّ هذا الغرض منجّز لأنّه معلوم ولا اجمال في العلم به وليس مردّدا بين الأقل والاكثر وإنّما يشك في أنّه هل يحصل بالاقلّ أو بالاكثر.

ثالثا : يتبيّن ممّا تقدّم ان المقام من الشك في المحصّل بالنسبة إلى الغرض ، وفي مثل ذلك تجري أصالة الاشتغال كما تقدّم.

ويلاحظ على ذلك :

أوّلا : انّه من قال بأنّ الغرض ليس مردّدا بين الأقلّ والأكثر كنفس الواجب ، بأن يكون ذا مراتب ، وبعض مراتبه تحصل بالأقلّ ، ولا تستوفى كلّها إلّا بالاكثر ، ويشك في ان الغرض الفعلي قائم ببعض المراتب او بكلّها فيجري عليه نفس ما جرى على الواجب.

وثانيا (*) : إنّ الغرض انّما يتنجّز عقلا بالوصول إذا وصل مقرونا

__________________

(*) الاولى ان يجعل الجوابان جوابا واحدا بأن يقال :

تارة يثبت لدينا تصدّي المولى لتحصيل الغرض ـ كما في مثال الطهارة ـ وجوابه ما مرّ من أنّ هذا الغرض ذو مراتب وهو مردّد بين الأقلّ والاكثر ...

وتارة اخرى لا يثبت لدينا تصدّي المولى لتحصيل الغرض الاعلى فحينئذ تجري البراءة عن الغرض الزائد ويكتفى بالغرض الأدنى.

(على) ان في اسلوب الجواب الثاني خللا فنيّا يلاحظه المتأمّل (إذ لا وجه لقوله فما لم يثبت هذا ... وكان الأولى أن يقول بدله : فما لم يثبت هذا التصدّي التشريعي بالنسبة الى الأكثر كان مؤمّنا عن الغرض الزائد المشكوك).

٣٠١

بتصدّي المولى لتحصيله التشريعي ، وذلك بجعل الحكم على وفقه او نحو ذلك ، فما لم يثبت هذا التصدّي التشريعي بالنسبة إلى الأكثر بمنجّز وما دام مؤمّنا عنه بالاصل فلا أثر لاحتمال قيام ذات الغرض بالاكثر.

البرهان الثالث

إن وجوب الأقلّ منجّز بحكم كونه معلوما وهو مردّد بحسب الفرض بين كونه استقلاليا أو ضمنيّا ، وفي حالة الاقتصار على الاتيان بالاقلّ يسقط هذا الوجوب المعلوم على تقدير كونه استقلاليا لحصول الامتثال ، ولا يسقط على تقدير كونه ضمنيّا لأن الوجوبات الضمنيّة مترابطة ثبوتا وسقوطا ، فما لم تمتثل جميعا لا يسقط شيء منها (١). وهذا يعني ان المكلّف الآتي بالاقلّ يشك في سقوط وجوب الاقل والخروج عن عهدته ، فلا بدّ له من الاحتياط ، وليس هذا الاحتياط بلحاظ احتمال وجوب الزائد حتّى يقال إنّه شك في التكليف ، بل إنّما هو رعاية للتكليف بالاقلّ (٢) المنجّز بالعلم واليقين ، نظرا إلى أنّ الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

والجواب على ذلك (٣) : ان الشكّ في سقوط تكليف معلوم إنّما

__________________

(١) لعدم حصول الترابط بين الأقلّ والزائد.

(٢) لمّا كان الأقلّ مردّدا بين كونه استقلاليا وكونه ضمنيا كان علينا أن نأتي بالأكثر ـ كالصلاة مع السورة ـ لكي نعلم بتحقّق المطلوب سواء كان المطلوب هو الأقلّ بنحو الاستقلاليّة أم الأقلّ بنحو الضمنية.

(٣) لا شك أنك لاحظت ان المبرهن في هذا البرهان الثالث حاول ارجاع

٣٠٢

__________________

هذه المسألة إلى الشكّ في حصول المكلّف به ، ويجيب على ذلك السيد الشهيد (قده) بانّ مرجع الشك فيما نحن فيه الى الشك فى ارتباط الاقلّ بقيد زائد (وهو معنى الضمنية) او عدم ارتباطه (وهو معنى الاستقلالية) ، وفي هذه الحالة يكون المورد من الشك في تكليف زائد وهو مجرى للبراءة(*)

__________________

(*) وبعد الذي ذكره سيدنا الشهيد (رضي الله عنه) رأينا أن نذكر ما نراه ولو بشيء من البسيط فنقول : إن المركبات الشرعية على نحوين :

١. فإمّا أن يكون المطلوب فيها جميع الأجزاء على نحو الاستغراق ، كما في بعض العبادات كالصلاة والحج (مع صدق مسمّى الصلاة والحج عرفا وحفظ اركانهما) ، وذلك لما هو معلوم في الصلاة والحجّ من حرمة قطعهما. الا فيما استثني ممّا يعنى ان دليليهما مطلق بمعنى ان الصلاة مثلا تكون واجبة ومطلوبة حتى في حال نسيان بعضها او تعذّره.

وفي هذه الحالة ان شككنا في وجوب السورة او القنوت في الصلاة تجري قاعدة البراءة ، ومعنى هذا ان هذه المسألة تأخذ احكام ما ورد في بحث دوران الامر بين الاقل والاكثر الاستقلاليين.

٢. وامّا ان يكون المطلوب في المركب وجوده كلّه على نحو المجموع بحيث لو نقص هذا المركب من البعض ما بقي مطلوبا ، وذلك يتصوّر في المحصّلات لعناوين شرعية ، مثال المحصّلات العقود والايقاعات والشهادات وذبح الانعام بالطريقة الشرعية والوضوء واخويه ، فانها محصّلات لعناوين شرعية كالبيع (بمعنى اسم المصدر اي نتيجة التعاقد) والطلاق والبيّنة والتذكية والطهارة ، فان تلك المحصّلات مجرّد طرق ومقدّمات عقلية بيّنها الشارع المقدس لتحصيل نتائجها من البيع والزوجية والطهارة ونحو ذلك ، فان الشارع المقدس قد رتّب احكامه التكليفية على هذه العناوين البسيطة ، فانظر مثلا الى قوله تعالى (وليوفوا نذورهم) ترى ان النذر قد أخذ في نظر الشارع موضوعا لبعض الاحكام التكليفية من قبيل وجوب الايفاء به ، ومثله قوله تعالى (وأحلّ الله البيع وحرّم الرّبوا) حيث أخذ البيع والربا موضوعين لبعض الاحكام التكليفية ، ومثلهما ايضا حرمة

٣٠٣

__________________

اكل لحوم الانعام" الا ما ذكّيتم" وحرمة مسّ كتابة القرآن الكريم الّا للمتطهر ، حيث أخذ عنوانا التذكية والطهارة في موضوعي الحكم بحرمة الاكل والمسّ والأمثلة الشرعية على هذا الامر كثيرة ، وهذا امر واضح.

فاذا شككنا في دخالة قيد في المحصّل كأن شككنا في اشتراط البلوغ في البيع او ذبحنا الانعام بفلزّ يشبه الحديد وشككنا في حصول البيع او التذكية مثلا فانه لا يمكن اجراء البراءة عن القيد الزائد المشكوك ، بل هذا مورد لجريان استصحاب عدم حصول البيع والتذكية ولذلك يسمّون ذلك بأصالة الفساد او اصالة عدم التذكية ، ومرجع كلامهم الى ما ذكرنا.

ولعل من هذا الباب ايضا ورد في صحيحة زرارة عن ابي جعفر (ع): " اذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر اغسلت ذراعيك او لا فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه انك لم تغلسه او تمسحه ممّا سمّى الله ما دمت في حال الوضوء". وادّعي على هذا الحكم ـ في الوضوء ـ الاجماع.

هذا ولكن عندنا طريق يثبت عدم دخالة القيود المشكوكة ـ ذكرناه في تعليقتنا على مسلك حق الطاعة مفصّلا ـ ، فمثلا لو شككنا في اشتراط تقديم الايجاب على القبول في البيع واشتراط ان يكون المسح على الرأس ـ في الوضوء ـ بثلاثة اصابع عرضا وواحد طولا مثلا ، فاننا نقول ان الله تعالى قد رتّب احكامه الشرعية على البيع والبيع امر له معنى عرفي عند الناس كغيره ، فلو كان الترتيب بينهما مشروطا لذكره الشارع ، فمع عدم ذكره في الادلة المعتبرة اي مع وجود اطلاق في مقام الادلّة التي تعتبر في نظر المتشرعة بمثابة الرواية الواحدة ولذلك تراهم يقدّمون الادلّة على البعض الآخر بالتقييد والتخصيص والحكومة والورود ، وذلك لانّ الشارع المقدّس هو علّمنا على ذلك وعوّدنا عليه ، فمع الأخذ بعين الاعتبار كل هذا تستكشف عدم دخالة القيد المشكوك ، وكذا الكلام بالنسبة الى المسح على الرأس او القدمين في الوضوء ، ونرجع الى العرف فى فهم البيع في قوله تعالى (وأحلّ الله البيع) وقوله تعالى (وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين).

٣٠٤

__________________

وتفصيل الكلام اكثر يقتضي ان نقول :

ان الاطلاق المقامي على نحوين كبير وصغير ، امّا الكبير فهو عدم وصول القيود المشكوكة بطرق معتبرة في الشريعة ، وهذا يعنى اننا اذا شككنا بدخالة قيد ما في المحصل (كعقد البيع مثلا) وبحثنا فلم نجد له حجّة شرعية تثبته (سواء وجدنا دليلا غير حجة لضعف في سنده او في دلالته ام لم نجد دليلا اصلا) ومع الأخذ بعين الاعتبار علمنا بكون الهداة الميامين في عصر ظهورهم المبارك بصدد بيان تمام الشريعة الالهية ومع علمنا ايضا بقدرتهم على ايصال ما يريدونه من أحكام الينا بطرق طبيعية عديدة ، فمع عدم ذكر قيد ما في البيع او الوضوء او غيرهما نستكشف عدم دخالته في المركب وعدم اهتمام الشارع به أو قل والذي يعني الترخيص والبراءة عنه. سكوت الشارع المقدس في هكذا حالة نسمّيه بالاطلاق المقامي الكبير ، لانه بلحاظ كل ما في الشريعة.

وبملاحظة ما ذكرنا تعرف عدم موردية القيد المشكوك ـ في الشبهات الحكمية ـ لقاعدة الاستصحاب ، وذلك لوجود دليل محرز في المقام وهو الاطلاق المقامي الكبير.

واما الاطلاق المقامي الصغير فهو نفس ما اصطلحوا عليه بالاطلاق المقامي وهو عدم ذكر قيد في دليل واحد ، هذا الدليل في مقام بيان تمام خصوصيات المتعلق ، وهذا امر معروف.

وفي هذه الحالة ايضا لا نحتاج الى اجراء قاعدة البراءة كالسابق بنفس الدليل السابق ، فكلاهما دليلان محرزان كاشفان عن عدم دخالة القيود المشكوكة في المركب.

وهكذا نصل الى نفس ما وصل اليه السيد الشهيد (رضي الله عنه) لكن بتقريب آخر وهو تقريب التوسّط بالاطلاق المقامي بدل اجراء البراءة اذ يرد على كلامه (قده) انه (ان) كان يقصد بالغرض النورانية المعنوية الحاصلة من الوضوء وطهارة الثياب الحاصة من تطهيرها والتذكية الحاصلة من الذبح الشرعي فيرد عليه (اولا) : إنه في حال تردّدنا في حصول الغرض بين الاقل والاكثر لا شك انه يجب الاحتياط عقلا وأنّ المورد مورد لأصالة الاشتغال كما هو واضح. (وثانيا) : على فرض التسليم بكونها ذا مراتب فمن اين يعلم بان المرتبة الدانية تحصل بالتطهير والذبح والبيع المشكوكي التمامية ،

٣٠٥

يكون مجرى لاصالة الاشتغال فيما إذا كان بسبب الشك في الاتيان بمتعلّقه ، وهذا غير حاصل في المقام ، لان التكليف بالاقلّ سواء كان استقلاليا أو ضمنيّا قد اتي بمتعلّقه بحسب الفرض إذ ليس متعلقه إلّا الاقلّ ، وإنّما ينشأ احتمال عدم سقوطه من احتمال قصور في نفس الوجوب بلحاظ ضمنيّته المانعة عن سقوطه (١) مستقلّا عن وجوب الزائد ، وهكذا يرجع الشكّ في السقوط هنا إلى الشكّ في ارتباط وجوب الاقلّ بوجوب زائد (٢) ، ومثل هذا الشك ليس مجرى لاصالة الاشتغال بل يكون مؤمّنا عنه بالاصل المؤمّن عن ذلك الوجوب الزائد ، لا بمعنى ان ذلك الاصل يثبت سقوط وجوب الأقلّ (٣) ، بل بمعنى أنّه يجعل المكلّف غير

__________________

(١) اي الأقلّ.

(٢) بمعنى أنّ هذا الشكّ يرجع إلى الشكّ في كون الأقلّ مرتبطا ومقيّدا بأمر زائد او لا ، وبتعبير آخر الشك إنما يكون بوجود تكليف زائد ، وهو كما ترى مجرى للبراءة.

(٣) وهو محال لعدم صحّة سقوط الأقلّ على أي حال ـ أي سواء كان وجوبه استقلاليا أم ضمنيا ـ ، بل بمعنى أنه يجعل المكلّف غير مطالب بالزائد بعد تسليمنا بعدم سقوط الأقل إذ لا يصح القول بسقوط الأقلّ على أي حال ـ سواء كان وجوبه استقلاليا أم ضمنيّا ـ.

__________________

مع ان هذا في الواقع مورد لاستصحاب الحالة السابقة وهذا ما يعبّر عنه علماؤنا بأصالة عدم التذكية. (وان) كان يقصد بالغرض المسبّبات اي الاعتبارات الشرعية التي هي مفاهيم ذهنية تصورية بسيطة كالطهارة والزوجية فهذه ايضا مورد للاستصحاب لا البراءة وهذا لعمري ينبغي ان يكون واضحا.

٣٠٦

مطالب من ناحية عدم السقوط الناشئ من وجوب الزائد (١).

البرهان الرابع

وهو علم إجمالي يجري في (٢) الواجبات التي يحرم قطعها عند

__________________

(١) الشرح اللفظي : بل بمعنى انه يجعل المكلّف غير مطالب بالزائد من ناحية عدم سقوط الأقلّ الناشئ (صفة لعدم) من احتمال وجوب الزائد واقعا.

(بيان ذلك) عدم سقوط الاقل قد يكون ناشئا من وجوب الزائد (بناء على وجوب الاكثر) ، وقد يكون ناشئا من الوجوب الاستقلالي للأقل ، وبما اننا نحتمل الفرض الاوّل (اي ان يكون الاقلّ مرتبطا واقعا بالزائد) فلتحقيق الارتباط سنصير مطالبين بالزائد.

فقال هنا السيد الشهيد رحمة الله إنّ جريان الاصل المؤمّن عن الزائد يجعل المكلّف غير مطالب بالزائد حتّى على الفرض الاوّل.

(٢) هذا البرهان للمحقق العراقي ، انظر نهاية الافكار ج ٣ ، ص ٤١٨ (*)

__________________

(*) (اقول) هذه المسألة فقهية أكثر من كونها اصولية ، بمعنى أنّه يمكن ان تحلّ فقهيا باحد وجوه ، كأن تحلّ بحديث لا تعاد ، أو بكون حرمة القطع مخصوصة بالصلاة المعلومة الصحّة ونحو ذلك ، هذا أولا.

ثانيا : على فرض أننا لم نجد لها حلّا فقهيا كأن قلنا بحرمة قطع الصلاة مطلقا. اي حتّى مع احتمال فسادها. ففي هذه الحالة ايضا لا شك في وجوب إكمال الصلاة لحرمة قطعها ، واما بالنسبة إلى وجوب إعادتها فان كانت الحالة من قبيل الشك في تحصيل المكلّف به ـ بعد العلم بالتكليف ـ كما في مثال تكبيرة الاحرام الملحونة فالمرجع هو اصالة

٣٠٧

الشروع فيها كالصلاة ، إذ يقال بأن المكلّف إذا كبّر تكبيرة الاحرام ملحونة وشك في كفايتها حصل له علم إجمالي إما بوجوب إعادة الصلاة (١) أو حرمة قطع هذا الفرد من الصلاة التي بدأ بها (٢) ، لأنّ الجزء إن كان يشمل الملحون حرم عليه قطع ما بيده وإلّا وجبت عليه الاعادة ، فلا بدّ له من الاحتياط ، لأنّ أصالة البراءة عن وجوب الزائد تعارض اصالة البراءة عن حرمة قطع هذا الفرد (٣).

__________________

(١) وهو الأكثر.

(٢) وهو الأقل لكون لازم حرمة قطعها عدم وجوب إعادتها.

(٣) مراده من الاكثر هنا هو ما أتى به من الصلاة ثمّ إعادتها ، ومن الاقلّ إكمال الصلاة دون إعادتها ، فهل يجب الاكثر ام يجب الاقلّ؟ أو قل يدور الامر بين وجوب الاكثر المذكور وبين حرمة قطع هذا الفرد من الصلاة الذي بدأ به ، (فان قلت) نجري البراءة من الزائد وهي الاعادة (يجيبك المحقّق العراقي) : لكن بما أن حرمة قطع الصلاة المشكوكة الصحة غير معلومة .. فلنا أيضا ان نجري فيها البراءة ، فيجوز ح قطعها ويجب بعدئذ الاعادة ، فالبراءة الاولى رفعت وجوب الاعادة وهذه اثبتتها ، فتتساقط البراءتان ، ويحرم ح قطعها (لعدم امكان جريان البراءة عن حرمة القطع المحتملة) وتجب الاعادة (لعدم جريان البراءة عن وجوب الاعادة المحتمل) ، وبذلك يثبت الأكثر.

__________________

الاشتغال ، وامّا ان كان الشك في التكليف كما لو كان الشك في وجوب السورة فالمرجع هو اصالة البراءة ، ولا دخل لهذا البرهان بمسالة دوران الامر بين الاقلّ والاكثر.

(ثمّ) إنه كان الأولى أن يقول (قده) بدل «وهو علم إجمالي يجري في الواجبات ..» «ومورده الواجبات».

٣٠٨

ونلاحظ على ذلك : (١) أنّ حرمة قطع الصلاة موضوعها هو الصلاة التي يجوز للمكلّف بحسب وظيفته الفعلية الاقتصار عليها في مقام الامتثال ، إذ لا إطلاق في دليل الحرمة لما هو أوسع من ذلك ، وواضح ان انطباق هذا العنوان على الصلاة المفروضة (٢) فرع جريان البراءة عن

__________________

(١) أي : يا أيها المحقق العراقي كيف تقول تتعارض البراءتان والحال انه بمجرّد جريان البراءة عن وجوب الإعادة يثبت أن هذه الصلاة المأتي بها صحيحة شرعا فيحرم قطعها فلا يعقل بعد ثبوت هذا الاصل السببي ان تجري البراءة عن حرمة القطع لكونها ح أصلا مسببيا.

(٢) المراد بالعنوان هو «الصلاة التي يجوز للمكلّف بحسب وظيفته الفعلية الاقتصار عليها في مقام الامتثال» أو قل الصلاة الصحيحة بنظر المكلّف ، والمراد بالصلاة المفروضة هذا الفرد المأتي به ، اي وواضح أن كون هذا الفرد صحيحا ظاهرا فرع جريان البراءة عن وجوب الإعادة ...

ومراد السيد المصنّف هنا ان يقول : إنّ جريان البراءة عن وجوب الزائد (اي الاعادة) يلزمه القول بصحة هذا الفرد المأتي به «وإلّا لما جاز الاقتصار عليه عملا» ، فيحرم قطعه فلا تجري البراءة عن الحرمة المحتملة ، اي لا تعارض بين البراءتين ، بل الواحدة في طول الاخرى ، كمن استصحب طهارة الماء فيصحّ ان يطهّر به الثوب ، ولا يصحّ بعدئذ ان يستصحب نجاسة الثوب ، لأنّ هذا الاستصحاب الثاني في طول الأوّل ، والاوّل يلغي موضوع الثاني تعبّدا.

إذن تجري البراءة عن وجوب الزائد بلا معارض. (وفي) العبارة شيء ، وهو أنه كان الصحيح ان يقول بدل قوله «وهذا يعني ان احتمال ..» «وهذا يعني ان حرمة القطع مترتبة ...» وذلك لأنّ ما يترتّب على جريان البراءة عن الاعادة ـ كما قلنا سابقا ـ هي صحّة الصلاة تعبدا وبالتالي حرمة قطعها ، فلا يعقل ح ان تجري البراءة عن حرمة القطع.

٣٠٩

وجوب الزائد ، وإلّا لما جاز الاقتصار عليها عملا ، وهذا يعني ان احتمال حرمة القطع مترتب على جريان البراءة عن الزائد فلا يعقل ان يستتبع اصلا معارضا له.

البرهان الخامس

وحاصله تحويل الدوران في المقام إلى دوران الواجب بين عامّين من وجه بدلا عن الأقلّ والاكثر ، وتوضيح ذلك ضمن مقدّمتين :

الاولى : ان الواجب تارة يدور امره بين متباينين كالظهر والجمعة ، واخرى بين عامّين من وجه كاكرام العادل واكرام الهاشمي ، وثالثة بين الأقلّ والاكثر ، ولا إشكال في تنجيز العلم الاجمالي في الحالة الاولى الموجب للجمع بين الفعلين ، وتنجيزه في الحالة الثانية الموجب لعدم جواز الاقتصار على إحدى مادّتي الافتراق (١) ، واما الحالة الثالثة فهي محلّ الكلام.

الثانية : إنّ الواجب المردّد في المقام بين التسعة والعشرة إذا كان عباديا فالنسبة بين امتثال الامر على تقدير تعلّقه بالاقلّ وامتثاله على تقدير تعلّقه بالاكثر هي العموم من وجه ، ومادّة الافتراق من ناحية الامر بالأقلّ واضحة ، وهي ان يأتي بالتسعة فقط ، وامّا مادّة الافتراق من ناحية الامر بالاكثر فلا تخلو من خفاء في النظرة الاولى ، لأنّ امتثال الامر بالاكثر

__________________

(١) بل يجب ان يراعي كلا العنوانين بان يكرم هاشميا عادلا ، أو هاشميا غير عادل وعادلا غير هاشمي.

٣١٠

يشتمل على الأقل حتما ، ولكن يمكن تصوير مادّة الافتراق في حالة كون الأمر عباديا والاتيان بالاكثر بداعي الامر المتعلّق بالاكثر على وجه التقييد (اي على نحو لو كان الامر متعلقا بالأقلّ فقط لما انبعث عنه) ، ففي مثل ذلك يتحقق امتثال الامر بالاكثر على تقدير ثبوته ، ولا يكون امتثالا للامر بالأقلّ على تقدير ثبوته (١).

ويثبت على ضوء هاتين المقدّمتين ان العلم الاجمالي في المقام منجّز إذا كان الواجب عباديّا كما هو واضح (٢).

والجواب : ان التقييد المفروض في النيّة لا يضر بصدق الامتثال على كل حال حتّى للامر بالأقل ما دام الانبعاث عن الامر فعليا (*).

__________________

(١) وتكون مادّة الالتقاء ان يأتي بالاكثر على نحو أن يأتي بالزائد بقصد رجاء المطلوبية.

(٢) فيجب ان يأتي بمادّة الالتقاء السالفة الذكر ، وهكذا يثبت عدم جريان البراءة عن الزائد في هكذا حالات.

__________________

(*) (أقول) : هذا البرهان الخامس مردود صغرى وكبرى ، أمّا (الصغرى) فقد ذكرها هنا السيد المصنّف (قده) وبيانها ان المصلّي يريد الامتثال وإلّا لما صلّى ، فهو ارتكازا منبعث عن الامر الواقعي ، إذن فهو ارتكازا لم يأت بالاكثر إلا برجاء مطلوبيته واقعا ، إذن لا عموم وخصوص من وجه في مقام الامتثال.

وأمّا (الكبرى) وهي ترد على فرض وجود حالة الاتيان بالاكثر بنحو التقييد (أي على فرض عدم التسليم بردّ الصغرى) ، ومفاد هذا الردّ ان التردّد في الواجب بين الاقل والاكثر إنما يكون بلحاظ عالم الجعل وتصوّر الواجب ، بمعنى ان الشارع المقدّس حينما اراد ان يصبّ الوجوب على الموضوع كيف تصوّر الموضوع؟ هل تصوّر الاجزاء التسعة

٣١١

البرهان السادس

وهو يجري في الواجبات التي اعتبرت الزيادة فيها مانعة ومبطلة كالصلاة ، والزيادة هي الاتيان بفعل بقصد الجزئية للمركّب مع عدم وقوعه جزء له شرعا ، وحاصل البرهان انّ من يشك في جزئية السورة يعلم إجمالا إمّا بوجوب الاتيان بها وامّا بانّ الاتيان بها بقصد الجزئية مبطل ، لأنّها إن كانت جزء حقّا وجب الاتيان بها وإلّا كان الاتيان بها بقصد الجزئية زيادة مبطلة ، وهذا العلم الاجمالي منجّز ، وتحصل موافقته القطعية بالاتيان بها بدون قصد الجزئيّة بل لرجاء المطلوبية او للمطلوبيّة في الجملة (١).

والجواب : انّ هذا العلم الاجمالي منحلّ ، وذلك لأنّ هذا الشاك في

__________________

(١) وهذا يعني أنّ في مثل هذه الحالات ـ من حالات الدوران بين الاقل والأكثر ـ يجب الاكثر.

(هذا) والفرق بين «لرجاء المطلوبية» و «للمطلوبية في الجملة» هو ان الاوّل يعني لرجاء المطلوبية اي لاحتمال المطلوبية ـ سواء كان الجزء مطلوبا بنحو الوجوب أو بنحو الاستحباب ـ والثاني بنية المطلوبية اي بقصد المطلوبية ـ لا برجاء المطلوبية ـ سواء كان الجزء مطلوبا بنحو الوجوب او بنحو الاستحباب.

__________________

فاوجبها ، ام تصوّر الاجزاء العشرة فأوجبها؟ ولا أثر لنية المصلّي ـ في مقام الامتثال ـ على تغيير واقع الامر في عالم الجعل.

إذن لا إشكال في كون الدوران من باب الاقل والاكثر.

٣١٢

الجزئية يعلم تفصيلا بمبطلية الاتيان بالسورة بقصد الجزئية حتّى لو كانت جزء في الواقع ، لأنّ ذلك منه تشريع ما دام شاكّا في الجزئية فيكون محرّما ولا يشمله الوجوب الضمني للسورة ، وهذا يعني كونه (١) زيادة.

__________________

(١) فاعل «فيكون» هو التشريع ، ومرجع الضمير المتصل (الهاء) في قوله «يشمله» هو التشريع المحرّم أيضا ، ومراد السيد المصنّف (رضي الله عنه) هنا هو أن الاتيان بالسورة ونحوها ـ بقصد الجزئية مع الشك في الجزئية ـ تشريع وبدعة في الدين فيكون محرّما ، فإذا كان الاتيان بالسورة ح محرّما ظاهرا ـ حتّى ولو كانت جزء واجبا واقعا ـ فلا يشمل الوجوب الضمني الظاهري ح هذه السورة ، وهذا يعني كون الجزء المأتي به برجاء المطلوبية زيادة محتملة وح تجري فيها البراءة.

(ملاحظة لغوية) : يقال في اللغة يشمل بضمّ الميم وفتحها.

٣١٣

ـ ٢ ـ

الدوران بين الأقل والأكثر في الشرائط

والتحقيق فيها ـ على ضوء المسألة السابقة ـ هو جريان البراءة عن وجوب الزائد ، لأنّ مرجع الشرطية للواجب إلى تقيّد الفعل الواجب بقيد وانبساط الامر على التقيّد كما تقدّم في موضعه (١) ، فالشك فيها شك في الامر بالتقيد ، والدوران انما هو بين الأقل والأكثر إذا لوحظ المقدار الذي يدخل في العهدة ، وهذا يعني وجود علم تفصيلي بالاقلّ وشك بدوي في الزائد فتجري البراءة عنه.

ولا فرق في ذلك بين ان يكون الشرط المشكوك راجعا إلى متعلّق الامر كما في الشك في اشتراط العتق بالصيغة العربية (٢) واشتراط الصلاة

__________________

(١) في الجزء الاوّل ، بحث «المسئولية تجاه القيود والمقدّمات» ، فقد ذكر هناك «انه في مورد المقدّمة الشرعية الوجودية (كالوضوء) قد تعلّق الامر بالمقيّد (اي بالصلاة عن طهارة) ، والمقيّد عبارة عن ذات المقيّد والتقيّد ، وان المقدّمة المذكورة (اي الوضوء) مقدّمة عقلية للتقيد» ، وذكر هذا الكلام مرّة ثانية في التقسيم الثالث من مسألة شمول الوجوب الغيري ، حينما قال لله «ان اخذها (اي اخذ الطهارة) قيدا يعني تحصيص الواجب بها وجعل الامر متعلقا بالتقيد ، فيكون تقيد الفعل بمقدمته الشرعيّة (اي الطهارة) واجبا نفسيا ضمنيا ..» وهو كلام في غاية الجودة.

(٢) لا شك في حصول العتق بقول المعتق باللغة العربية «انت حرّ» قاصدا

٣١٤

بالطهارة ، أو إلى متعلّق المتعلّق كما في الشك في اشتراط الرقبة التي يجب عتقها بالايمان ، أو الفقير الذي يجب اطعامه بالهاشمية.

وقد ذهب المحقق العراقي (قده) (١) إلى عدم جريان البراءة في بعض الحالات المذكورة ، ومردّ دعواه إلى أنّ الشرطية المحتملة على تقدير ثبوتها (تارة) تتطلّب من المكلّف في حالة ارادته الاتيان بالاقل ان يكمله ويضم إليه شرطه ، و (اخرى) تتطلب منه في الحالة المذكورة صرفه عن ذلك الأقل الناقص رأسا وإلغاءه ـ إذا كان قد أتى به ـ ودفعه إلى الاتيان بفرد آخر كامل واجد للشرط ، ومثال الحالة الاولى ان يعتق

__________________

بذلك وجه الله تعالى والتقرّب إليه ، إنّما الشك في وقوعه بغير اللغة العربية ، فهنا كلام :

. تارة نقول يصدق مسمّى «العتق» في نظر المتشرّعة بغير اللغة العربية ، كصدق مسمّى «الصلاة» على الناقصة على فرض تردّدها بين الاقل والاكثر واقعا.

. وتارة نشك في صدق مسمّى «العتق» على العتق الواقع بغير العربية ، كما لو قصدنا العتق بقولنا «يدك حرّة».

فانه يشترط في جريان البراءة والاطلاق صدق المسمّى على الفعل وهذا مما لا إشكال فيه ،

وعليه فان صدق مسمّى «العتق» على قوله بغير العربية ـ كما هو كذلك فعلا ـ فتجري البراءة والاطلاق وإلّا فلا ، (طبعا هنا تساهل في العبارة إذ مع جريان الإطلاق لا تجري البراءة لأنّ الإطلاق دليل محرز كما تعلم).

ومثله في الكلام سائر الالفاظ الواردة في ابواب المعاملات والايقاعات

(١) نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الثالث ص ٣٩٩.

٣١٥

رقبة كافرة ، فانّ شرطية الايمان في الرقبة تتطلب منه ان يجعلها مؤمنة عند عتقها ، وحيث إنّ جعل الكافر مؤمنا ممكن ، فالشرطية لا تقتضي إلغاء الاقلّ رأسا بل تكميله ، وذلك بان يجعل الكافر مؤمنا عند عتقه له فيعتقه (١) وهو مؤمن ، ومثال الحالة الثانية أن يطعم فقيرا غير هاشمي ، فان شرطية الهاشمية تتطلب منه إلغاء ذلك رأسا وصرفه إلى الاتيان بفرد جديد من الاطعام ، لأنّ غير الهاشمي لا يمكن جعله هاشميا.

ففي الحالة الاولى تجري البراءة عن الشرطية المشكوكة لأنّ مرجع الشك فيها إلى الشك في إيجاب ضم أمر زائد إلى ما أتى به بعد الفراغ عن كون ما أتى به مصداقا للمطلوب في الجملة ، وهذا معنى العلم بوجوب الأقلّ والشك في وجوب الزائد ، فالأقلّ محفوظ على كل حال والزائد مشكوك.

وفي الحالة الثانية لا تجري البراءة عن الشرطية لأنّ الاقل المأتي به ليس محفوظا على كل حال ، إذ على تقدير الشرطية لا بد من إلغائه رأسا ، فليس الشك في وجوب ضمّ امر زائد إلى ما أتى به ليكون من دوران الأمر بين الأقل والأكثر.

وهذا التحقيق لا يمكن الأخذ به ، فانّ الدوران في كلتا الحالتين دوران بين الأقل والأكثر ، لأنّ الملحوظ فيه إنّما هو عالم الجعل وتعلق الوجوب ، وفي هذا العالم ذات الطبيعي معروض للوجوب جزما ويشك في عروضه على التقيد فتجري البراءة عنه ، وليس الملحوظ في الدوران

__________________

(١) بالرفع ، وذلك لأنّ الفاء هنا عاطفة لا سببية حتى ينصب الفعل بعدها ، ولا واقعة في جواب الشرط حتى يجزم.

٣١٦

عالم التطبيق خارجا ليقال : إنّ ما اتي به من الأقل خارجا قد (١) لا يصلح لضمّ الزائد إليه ولا بد من إلغائه رأسا على تقدير الشرطية.

ولا يختلف الحال في جريان البراءة عند الشك في الشرطية ووجوب التقيد بين ان يكون القيد المشكوك امرا وجوديا وهو ما يعبّر عنه بالشرط عادة او عدم أمر وجودي ، ويعبّر عن الامر الوجودي حينئذ بالمانع (٢) ، فكما لا يجب على المكلّف ايجاد ما يحتمل شرطيته ، كذلك لا يجب عليه الاجتناب عما يحتمل مانعيته ، وذلك لجريان الأصل المؤمّن.

__________________

(١) قال «قد» لأنّ ما يراد ان يؤتى به من الأقل (قد) يصلح لضمّ الزائد إليه كضم الايمان إلى العبد ، وهذا مما لا كلام فيه ولا إشكال لا عند المحقق العراقي ولا عند السيد الشهيد ، (وقد) لا يصلح كضم الهاشمية إلى العبد العامي. فيقول السيد (قده) : بما انه كان ينبغي على المحقق العراقي ان ينظر إلى الواجب المردّد بين الأقل والاكثر بلحاظ عالم الجعل لا إلى عالم الامتثال ، فلا وجه لقوله بأنّ ما يراد ان يؤتى به من الاقل في الخارج قد يكون من باب الحالة الثانية ولا بدّ ح من الغاء هذه الحصة من العتق رأسا واستبدالها بعتق هاشمي.

(٢) كالضحك في الصلاة ، فانه أمر وجودي يعبّر عنه بالمانع.

٣١٧

ـ ٣ ـ

دوران الواجب بين التعيين والتخيير العقلي

وذلك بان يعلم بوجوب متعلّق بعنوان خاص أو بعنوان آخر مغاير له مفهوما غير انه اعم منه صدقا ، كما إذا علم بوجوب الاطعام إمّا لطبيعي الحيوان او لنوع خاص منه كالانسان (١) ، فإن الحيوان والانسان ـ كمفهومين ـ متغايران ، وإن كان احدهما اعمّ من الآخر صدقا.

والصحيح أن يقال : إنّ التغاير بين المفهومين (تارة) يكون على اساس الاجمال والتفصيل في اللحاظ ، كما في الجنس والنّوع ، فانّ الجنس مندمج في النوع ومحفوظ فيه ولكن بنحو اللفّ والاجمال (٢) ...

و (اخرى) يكون التغاير في ذات الملحوظ لا في مجرّد اجمال اللحاظ وتفصيليّته ، كما لو علم بوجوب اكرام زيد كيفما اتفق أو بوجوب اطعامه ، فان مفهوم الاكرام ليس محفوظا في مفهوم الاطعام انحفاظ الجنس في النوع غير انّ احدهما اعمّ من الآخر صدقا.

__________________

(١) كما إذا طلب المولى من عبده ان يطعم نفسا جائعة ، وتردّد العبد بين إرادة مطلق الحيوان أو خصوص الإنسان.

(٢) اي انّ الجنس محفوظ في ماهية النوع بنحو اللفّ (اي الجمع) والاجمال ، أي ان النوع لفّ الجنس والفصل القريب وجمعهما في كلمة واحدة فقلنا «زيد انسان» ولم نقل «زيد حيوان ناطق» بنحو التفصيل انما قلنا «زيد انسان» فذكرنا ماهية زيد بشكل مجمل لا بشكل مفصّل ، نعم إن قلنا «حيوان ناطق» فقد ذكرنا ماهية الانسان بنحو

٣١٨

فالحالة الاولى تدخل في نطاق الدوران بين الأقل والأكثر حقيقة إذا أخذنا بالاعتبار مقدار ما يدخل في العهدة ، وليست من الدوران بين المتباينين ، لأنّ تباين المفهومين انما هو بالاجمال والتفصيل ، وهما (١) من خصوصيات اللحاظ التي لا تدخل في العهدة ، وانما يدخل فيها ذات الملحوظ وهو مردّد بين الاقل (وهو الجنس) والاكثر (وهو النوع).

واما الحالة الثانية فالتباين فيها بين المفهومين ثابت في ذات الملحوظ (٢) لا في كيفية لحاظهما ، ومن هنا كان الدوران فيها دورانا بين المتباينين ، لأنّ الداخل في العهدة إمّا هذا المفهوم أو ذاك ، وهذا يعني ان العلم الاجمالي ثابت ، ولكن مع هذا تجري البراءة عن وجوب أخص

__________________

التفصيل.

(١) اي ان الاجمال والتفصيل امران ذهنيان محض كعنواني الاستقلالية والضمنية لا يدخلان في العهدة ولذلك لا يجب قصدها في الصلاة ، ولذلك اذا تردّد العبد بين وجوب إطعام أيّ حيوان كان أو خصوص الإنسان جرت البراءة عن خصوصية الإنسانية.

(٢) اي ثابت في المفهومين الملحوظين في عالم الجعل ، فانّ الذي يلاحظ في عالم الجعل هي المفاهيم ـ اي بالحمل الذاتي الأوّلي ـ كماهية الصلاة(*).

__________________

(*) في المثال المفروض رأى السيد (قده) تغايرا مفهوميا (أو قل ماهويا) بين مفهوم الاكرام ومفهوم الاطعام ، وإن كان في تباينهما بل في أصل وجود هكذا حالة نظر ، لأنّه إذا كانت بعض المصاديق أخص من صنف معيّن من المصاديق ، فلا بدّ ان ينزل العنوان المنتزع من البعض تحت العنوان المنتزع من الكل ، ولو لا وجود مثل هكذا جامعين لما جزمنا بدخول «كل هذا البعض» تحت الكل ، وعليه تتّحد الحالتان.

٣١٩

العنوانين صدقا (١) ، ولا تعارضها البراءة عن وجوب أعمّهما وفقا للجواب الاخير من الاجوبة المتقدّمة على البرهان الاوّل في المسألة الأولى من مسائل الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، وذلك ان البراءة عن وجوب الأعمّ ليس لها دور معقول لكي تصلح للمعارضة ، لأنّه إن اريد بها التأمين في حالة ترك الأعم مع الاتيان بالأخص فهو غير معقول ، لانّ نفي الاعمّ يتضمّن نفي الأخص لا محالة ، وإن اريد بها التأمين في حالة ترك الأعم بما يتضمّنه من ترك الأخص فهذا مستحيل ، لأنّ المخالفة القطعية ثابتة في هذه الحالة ، والاصل العملي إنّما يؤمّن عن المخالفة الاحتمالية لا القطعية.

__________________

(١) أي التعيين ، أي لو تردّدنا بين وجوب اكرام زيد كيفما اتفق (وهو التخيير) وبين وجوب خصوص إطعامه (وهو التعيين) فانه تجري البراءة عن التعيين لانه اكثر مئونة ولانه لا معنى لاجراء البراءة عن الاكرام لانّ ترك الاكرام مع فعل الاطعام هو تناقض وترك الاكرام بما فيه ترك الاطعام هو مخالفة قطعية.

٣٢٠