دروس في علم الأصول - ج ٣

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٤

والصحيح هنا سراية العلم من الجامع إلى الفرد وحصول الانحلال (١) أيضا إذ يعود العلمان معا إلى علم تفصيلي بزيد وشك بدوي في انسان آخر.

ثالثها : ان لا يكون العلم بالفرد ناظرا إلى تعيين المعلوم الاجمالي ويكون للمعلوم الاجمالي علامة في نظر العالم غير محرزة التواجد في ذلك الفرد ، كما إذا علم بوجود انسان طويل (٢) في المسجد ثم علم بوجود زيد (٣) وهو لا يعلم انه طويل أو لا (٤).

__________________

(١) الحكمي والذي يحتاج إلى جريان الأصل المؤمّن في أطرافه الاخرى.

مثالها : ان تعلم بنجاسة احد هذين الاناءين اللذين امامك ، ثم تعلم بنجاسة هذا الاناء المعيّن بحيث يحتمل ان يكون المعلوم النجاسة بالتفصيل هو عين المعلوم الاجمالي ، ففي هذه الحالة يجري الاصل المؤمّن في الطرف الآخر بلا معارض ، وهذا ما يسمّى بالانحلال الحكمي.

(٢) بين رجلين أو اكثر كلهم غير طوال.

(٣) بين الموجودين.

(٤) مثال آخر : لو علم بسقوط قطرة دم في احد الاناءين الغير معيّن عند المكلّف ، ثم علم بنجاسة احدهما المعيّن على نحو الاجمال (بمعنى انّ هذا المكلف لم يعلم هل انّ النجاسة المعلومة ثانيا هي قطرة الدم نفسها ام هي نجاسة اخرى) فهنا صورتان ، فتارة يترتّب اثر شرعي على ذي الخصوصية لوجود تلك الخصوصية فيه كما لو كان المكلف قد نذر أنه إن كان الطويل هو زيد فعليه كذا وكذا ففي هذه الحالة لا يمكن ترتيب الاثر الشرعي بمجرّد هذا الاحتمال ، وليس محطّ نظر السيد الشهيد هذه الصورة ، وتارة ننظر إلى امكان انحلال العلم الاجمالي

٢٠١

والصحيح هنا عدم الانحلال لعدم إحراز كون المعلوم بالعلم الثاني مصداقا للمعلوم بالعلم الاوّل بحيث يصحّ أن ينطبق عليه ، فلا يسري العلم من الجامع الاجمالي إلى تحصّصه ضمن الفرد.

رابعها : ان يكون العلم الساري الى الفرد تعبّديا (١) بأن قامت أمارة على ذلك بنحو لو كانت علما وجدانيا لحصل الانحلال (٢).

وقد يتوهّم في مثل ذلك الانحلال التعبّدي (٣) بدعوى أن دليل الحجية يرتّب كل آثار العلم على الامارة تعبّدا ومن جملتها الانحلال. ولكنه توهّم باطل لان مفاد دليل الحجّية إن كان هو تنزيل (٤) الامارة منزلة

__________________

بزيد ، والى هذه الصورة ينظر السيد (قده) (*)

(١) هذا بناء على مسلك الطريقية.

(٢) مثال ذلك ما لو قالت الامارة «هذا الاناء هو النجس دون الآخر».

(٣) مراد المتوهّم من القول بالانحلال التعبّدي ترتيب آثار الانحلال الحقيقي والتي منها عدم إجراء الاصول المؤمّنة في الطرف الآخر.

(٤) قالوا ان الفرق بين التنزيل والاعتبار (الآتي) هو أنّه يشترط في الاوّل ان

__________________

(*) (أقول) الصحيح ان يقال : إن مجرّد احتمال انطباق المعلوم الثاني (النجاسة مثلا على فرض مثالنا) على المعلوم الاوّل (بوجود قطرة دم في احدى الآنية) يعدم العلم الاجمالي بوجود دم في الآخرين فتصير الشبهة بدوية وتجري فيها ح الاصول المؤمّنة ، والامر أوضح على مسلكنا من ان العلّة لوجوب الموافقة القطعية هو الفرد الواقعي ، ومع احتمال ان تكون نجاسة الدم هي نفسها النجاسة المعلومة ثانيا لا يبقى لدينا علم بوجود إناء متنجس بالدم في البقية فلا علم إجمالي وجدانا.

وهكذا الكلام ايضا فيما لو كان المعلوم الاوّل النجاسة والمعلوم الثاني الدم ، فانّ الاصول المؤمّنة تجري في الطرف الآخر بلا مانع عقلائي.

٢٠٢

__________________

يكون للمنزّل عليه أثر شرعي ، ولا يشترط ذلك في الثاني.

توضيح ذلك : يصحّ تنزيل الطواف منزلة الصلاة لوجود أثر شرعي للمنزّل عليه (أي الصلاة) ، بمعنى انّ هذا التنزيل يترتب عليه ذلك الاثر الشرعي ، وهو مثلا اشتراط الطهارة في الطّواف.

ولا يصحّ تنزيل الامارة منزلة القطع الطريقي ، لانّ الاثر الذي يترتب على القطع الطريقي هو وجوب الاتباع وهو حكم عقلي لا شرعي ، فلا يصحّ التنزيل لهذا السبب ، لذلك تخلّص المحقق النائيني بفكرة ان الشارع المقدّس اعتبر خبر الثقة علما وكاشفا تامّا وطريقا الى الواقع ، كما يعتبر المشبّه الرجل الشجاع أسدا حقيقة على طريقة فهم السكّاكي لهذا التشبيه ... (راجع ح ٣ ج ١ ص ١٥٠ ـ ١٥٣).

ثمّ إن مراد المتوهّم إدّعاء وجود ملازمة بين العلم بمؤدّى الامارة تعبّدا والتعبّد بالغاء الشك في الطرف الآخر.

ويمكن الاجابة على دعوى الملازمة هذه بان على مبنيي التنزيل والاعتبار يبقى الشك في الطرف الآخر شرعا وعقلا ، امّا عقلا فواضح ، وأمّا شرعا فلأنّ الشارع عند ما نزّل الامارة منزلة العلم أو اعتبرها علما بقوله عليه‌السلام في مصحّحة عمر بن حنظلة «وعرف أحكامنا» أو ببناء العقلاء وسيرتهم وامضاء الشارع لذلك فهو لم ينظر بهذا التنزيل او الاعتبار إلى الغاء الشكّ من الطرف الآخر ، لعدم إمكان إرادة معنيين من استعمال واحد ـ على ما يقولون ـ ، هذا بالنسبة الى قوله عليه‌السلام «وعرف احكامنا» ، وكذلك الارتكاز والسيرة الممضاتان فانهما غير ناظرتين إلّا إلى جعل الامارة علما ، والتعبّد بهذا لا يعني التعبّد بمعلوله الذي هو رفع الشكّ من الطرف الآخر ، ولا ملازمة عرفية واضحة بينهما.

فقول السيد الشهيد ـ بعد صفحتين ـ «إنّ التعبّد المذكور ..» يعني انّ التعبّد بتنزيل الامارة منزلة العلم او اعتبارها علما ليس تعبّدا برفع الشك من الطرف الآخر ، بل التعبد الاوّل علّة للتعبد الثاني ، وقد ينفصلان كما قلنا ،

٢٠٣

العلم فمن الواضح ان التنزيل لا يمكن ان يكون ناظرا الى الانحلال لأنّه أثر تكويني للعلم [وليس أثرا شرعيا] وليس بيد المولى توسيعه ، وإن كان مفاد دليل الحجية اعتبار الامارة علما على طريقة المجاز العقلي فمن المعلوم ان هذا الاعتبار لا يترتب عليه آثار العلم الحقيقي التي منها الانحلال ، وانما يترتّب عليه آثار العلم الاعتباري.

فان قيل : نحن لا نريد بدليل الحجية ان نثبت الانحلال الحقيقي بالتعبد لكي يقال بانّه أثر تكويني تابع لعلّته ولا يحصل بالتعبّد تنزيلا أو اعتبارا ، بل نريد استفادة التعبّد بالانحلال من دليل الحجيّة ، لأنّ مفاده التعبّد بالغاء الشك والعلم بمؤدّى الامارة ، وهذا بنفسه تعبّد بالانحلال ، فهو انحلال تعبّدي ...

كان الجواب على ذلك : أنّ التعبّد المذكور ليس تعبّدا بالانحلال ، بل بما هو علّة للانحلال ، والتعبّد بالعلّة لا يساوق التعبّد بمعلولها.

أضف إلى ذلك ان التعبّد بالانحلال لا معنى له ولا أثر لأنّه إن اريد به التأمين بالنسبة إلى الفرد الآخر بلا حاجة إلى إجراء أصل مؤمّن فيه فهذا غير صحيح ، لأنّ التأمين عن كل شبهة بحاجة إلى أصل مؤمّن حتّى ولو كانت بدوية ، وإن اريد بذلك التمكين من إجراء ذلك الأصل في الفرد الآخر فهذا يحصل بدون حاجة الى التعبّد بالانحلال ، وملاكه (١) زوال

__________________

لأنّ هذه العلية والمعلولية امور تعبدية اعتبارية وليست تكوينية لكي يتلازما دائما كما في التلازم بين الخالق والمخلوق فانه لا خالق إلّا بعد خلقه للمخلوق ، ولا مخلوق إلّا وله خالق ..

(١) اي وملاك إجراء الاصل المؤمن في الطرف الآخر ...

٢٠٤

المعارضة بسبب خروج مورد الامارة عن كونه موردا للأصل المؤمّن سواء أنشئ التعبّد بعنوان الانحلال أو لا (*).

(٣)

الرّكن الثالث : أن يكون كلّ من الطرفين مشمولا في نفسه ـ وبقطع النظر عن التعارض الناشئ من العلم الاجمالي ـ لدليل الاصل المؤمّن ، إذ لو كان احدهما مثلا غير مشمول لدليل الاصل المؤمّن لسبب آخر (١) لجرى الاصل المؤمّن في الطرف الآخر بدون محذور ، وهذه

__________________

(١) كالاضطرار إليه أو كما لو طهّرناه او خرج عن محل ابتلاء العالم بالاجمال بتلف او ما بحكمه كما لو وقع في بئر عميق او كما لو كان مجرى لامارة او اصل منجّز.

__________________

(*) هناك صورتان لهذا النحو الرّابع (صورة) ما إذا كانت الامارة ناظرة إلى تحديد النجاسة المعلومة بالاجمال ، و (صورة) ما إذا لم تكن ناظرة إلى ذلك ، كأن قالت هذا الاناء نجس ، ونظر السيد الشهيد هنا الى الصورة الثانية ، وذلك لما ذكره في بحوث الخارج ج ٥ ص ٢٥٢ من أنّه في الصورة الاولى يوجد ملازمة عرفية واضحة بينهما (أقول) بل هو من أوضح مثبتات الامارات التي يأخذ بها العقلاء ، لأنّ معنى اعتبار الشارع الأمارة طريقا تعبّديا إلى المعرفة وقولها هذا هو النجس انّ الآخر هو الطاهر ، ولذلك يصحّ قول من يقول بالانحلال الحقيقي تعبّدا ، أمّا في الصورة الثانية فقد قال السيد الشهيد (قده) : بعدم حصول الانحلال الحقيقي تعبّدا وانما يحصل انحلال حكمي بشرط عدم تقدّم العلم الاجمالي على زمان العلم التعبدي بالامارة وإلّا يحكم العقل بتنجيز الطرف الآخر (الطويل) لانه يصير من قبيل العلم الاجمالي بين الطويل والقصير ، هكذا يرى السيد الشهيد في بحوث الخارج ج ٥ ص ٢٥١ ـ ٢٥٣.

٢٠٥

الصياغة إنما تلائم إنكار القول بعلّية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ، إذ بناء على هذا الانكار يتوقّف تنجّز وجوب الموافقة القطعية على التعارض بين الاصول المؤمّنة (١) ، وامّا على القول بالعلّية ـ كما هو مذهب المحقّق العراقي ـ فلا تصحّ الصياغة المذكورة ، لأنّ مجرّد كون الاصل في احد الطرفين لا معارض له لا يكفي لجريانه ، لأنّه ينافي علّية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ، فلا بدّ من افتراض نكتة في الرّتبة السابقة تعطّل العلم الاجمالي عن التنجيز ليتاح للأصل المؤمّن ان يجري ، ومن هنا صاغ المحقّق المذكور الركن الثالث صياغة اخرى.

وحاصلها (٢) : إن تنجيز العلم الاجمالي يتوقّف على صلاحيّته لتنجيز معلومه على جميع تقاديره ، فإذا لم يكن صالحا لذلك فلا يكون منجّزا ، وعلى هذا فكلّما كان المعلوم الاجمالي على احد التقديرين غير صالح للتنجّز بالعلم الاجمالي (٣) لم يكن العلم الاجمالي منجّزا ، لأنّه

__________________

(١) هذا التوقّف إنّما هو على مسلك المحقّق النائيني ومن نحا نحوه.

(٢) مراد المحقّق العراقي (قده) ان العلم الاجمالي انما يكون منجّزا إذا كان المعلوم الواقعي (الضائع بين الطرفين مثلا) منجّزا على كل تقدير ، اي على تقدير ان يكون النجس هو الاناء (أ) يشترط ان يكون هذا الاناء ـ لنجاسته ـ منجّزا علينا وجوب الاجتناب عنه ، بان لا نكون مضطرّين إلى استعماله بعينه مثلا ، وإلّا فلا يعود منجّزا للتكليف ، وكذا على تقدير ان يكون النجس الواقعي هو الاناء (ب).

(٣) كما لو كان أحدهما المعيّن مضطرّا إليه ، فعلى تقدير كونه هو النجس الواقعي فلا يجب اجتنابه للاضطرار إليه ، اي لا يكون العلم الاجمالي ـ على هذا التقدير ـ منجّزا.

٢٠٦

لا يصلح للتنجيز إلّا على بعض تقادير معلومه ، وهذا التقدير غير معلوم ، فلا اثر عقلا لمثل هذا العلم الاجمالي (١).

__________________

(١) قصّة هذا الكلام : هناك بعض الامثلة من حالات العلم الاجمالي لا شك في عدم تنجّز اطرافها كما لو اضطر المكلف الى شرب إناء معيّن من بين إناءين احدهما متنجّس فانه في هذه الحالة لا شك في تحوّل هذه الحالة الى حالة الشك البدوي وتجري البراءة في الطرف الآخر ، فلكي يخرّج الميرزا النائيني وسيدنا الشهيد (رحمهم‌الله) هذه الحالة ويوجّهاها قالا بالركن الثالث بهذه الكيفية التي سمعتها وهي أنه : إنما ينجّز العلم الاجمالي اذا تعارضت الاصول المؤمّنة في أطرافه ـ لا كما هي حالة المثال السابق ـ ، ولكن هذا التوجيه انما يناسب مسلك الاقتضاء ، ولا يناسب مسلك العلّية الذي يقول به المحقق العراقي رحمة الله إذ انّ هذا المسلك يقول بأن نفس العلم الاجمالي ينجّز فهو علّة تامة للتنجيز ولا يتوقّف تنجيزه على تعارض الاصول المؤمّنة في أطرافه وتساقطها ولذلك وجّه عدم تنجيز العلم الاجمالي في هذه الحالة بتوجيه آخر مفاده ـ كما عرفت ـ أن يكون الفرد الواقعي الضائع بين الاطراف منجّزا على كل حال ، فلو كان أحد الإناءين متنجّسا ولا نعرف النجس الواقعي منهما فانه ان كان الفرد الواقعي هو الإناء الأول فانه يحرم وإن كان هو الثاني فانه يحرم أي ان الفرد الواقعي على كل حال ـ أي سواء كان الإناء الأول أم الثاني ـ يجب اجتنابه ، ولكن ان لم تكن الحالة هكذا وانما كانت كحالة المثال السابق فانّ الفرد الواقعي لا يكون منجّزا على تقدير أن يكون الفرد النجس هو المضطر اليه فلا يكون العلم الاجمالي منجّزا إذن في حالة المثال المذكور وانما تدخل حالة هذا المثال في حالات الشك البدوي حكما ، ومثل المثال السابق مثال ما لو تنجّز طرف معيّن من أطراف العلم الاجمالي كما لو أخبرتنا أمارة بنجاسة إناء معيّن أو كانت حالته السابقة النجاسة فان الذي حرم هذا الإناء هو استصحاب

٢٠٧

ويترتّب على ذلك ان العلم الاجمالي لا يكون منجّزا إذا كان أحد طرفيه منجّزا بمنجّز آخر غير العلم الاجمالي من امارة او أصل منجّز (١) ، وذلك لأنّ العلم الاجمالي في هذه الحالة لا يصلح لتنجيز معلومه على تقدير انطباقه على مورد الامارة او الاصل ، لأن هذا المورد منجّز في نفسه والمنجّز يستحيل ان يتنجّز بمنجّز آخر لاستحالة اجتماع علّتين مستقلتين على أثر واحد (٢) ، وهذا يعني ان العلم الاجمالي غير صالح لتنجيز

__________________

النجاسة حتى ولو لم يوجد علم اجمالي والامر الواحد لا ينجّزه أكثر من حكم واحد فالعلم الاجمالي اذن لم ينجّز الفرد الواقعي على تقدير أن يكون هو النجس سابقا ، فالعلم الاجمالي اذن في المثال الثاني أيضا لم ينجّز لنفس السبب السابق.

(وهكذا) يصل المحقق العراقي الى نفس نتيجة كلام السيد الشهيد.

(هذا) ولكن يبقى فرق عملي بين صيغتي الركن الثالث وهو فيما لو كان إما أحد الإناءين خمر وإما الثاني متنجّس بالخمر فبناء على عدم جريان أصالة الطهارة في محتمل النجاسة الذاتية تجري أصالة الطهارة في الطرف الثاني دون الأوّل ولا يوجد أصل منجّز في كلا الطرفين فيجري الأصل المؤمّن في إناء الماء بلا معارض ، والمفروض على مسلك المحقق العراقي أن يتنجّز كلا الطرفين بالعلم الاجمالي

(١) كما إذا وردت أمارة تقول بنجاسة احدهما المعيّن او كان المورد موردا لجريان استصحاب النجاسة ، ففي هذه الحالة يجوز ارتكاب الطرف الآخر.

(٢) فيكون المنجّز الثاني لغويا ، إذ بعد نجاسة الماء بالدم ما فائدة نجاسته بنقطة ثانية من الدم؟

(فان قلت) النقطة الثانية تؤكد الاولى كما أن نذر الاتيان بصلاة الصبح يؤكد وجوبها الأوّلي فلا لغوية في عالم الاعتبار هذا

٢٠٨

معلومه على كل حال فلا يكون له أثر.

والفرق العملي بين هاتين الصياغتين يظهر في حالة عدم تواجد أصل مؤمّن في أحد الطرفين وعدم ثبوت منجّز فيه أيضا سوى العلم الاجمالي (١) ، فانّ الركن الثالث حسب الصياغة الاولى لا يكون ثابتا (٢) ولكنه حسب الصياغة الثانية ثابت ، والصحيح هو الصياغة الاولى.

(٤)

الرّكن الرابع : ان يكون جريان البراءة في كلّ من الطرفين مؤدّيا إلى الترخيص في المخالفة القطعية وإمكان وقوعها خارجا على وجه مأذون فيه ، إذ لو كانت المخالفة القطعية ممتنعة على المكلّف حتّى مع

__________________

(لأجابك العراقي) بأنّ نقطة الدم الثانية لا تؤكد النجاسة ، وأما أن وجوب صلاة الصبح يتأكد بالنذر فهذا غير معلوم ، نعم النذر موضوع وعلّة لمعلول آخر وهو وجوب آخر يماثل الوجوب الأوّلي وترتّب الكفّارة عند العصيان.

(١) وكان في الطرف الآخر أصل ترخيصي فقط.

(٢) فيجري الاصل الترخيصي في الطرف الآخر بلا معارض ، بخلاف نتيجة مسلك العلّيّة فانه يوجب اجتنابهما معا ، مثال ذلك ما لو وقع احد إناءين في بئر عميق ، ثم علمنا بنجاسته او بنجاسة الباقي تحت ابتلائنا ، فالواقع في البئر لا يجري فيه اصل مؤمّن ولا منجّز للغوية جريانه بالنسبة الينا ، والطرف الباقي مجرى لاصل ترخيصي بلا معارض ، ولذلك لا يجب الاجتناب عن الطرف الباقي الواقع تحت ابتلائنا على مسلك الاقتضاء.

٢٠٩

الاذن والترخيص لقصور في قدرته (١) فلا محذور في إجراء البراءة في كلّ من الطرفين.

وركنيّة هذا الرّكن مبنيّة على انكار علّيّة العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ، وامّا بناء على العلّية فلا دخل لذلك في التنجيز ، إذ يكفي في امتناع جريان الاصول حينئذ كونها مؤدّية للترخيص ولو في بعض الاطراف.

وهناك صياغة اخرى لهذا الركن تبنّاها السيد الاستاذ وهي ان يكون جريان الاصول مؤدّيا إلى الترخيص القطعي في المخالفة الواقعية (٢) ولو

__________________

(١) لكثرة الاطراف مثلا او لعدم تمكن المكلّف من ارتكاب بعض الاطراف لبعد عنه مثلا.

(٢) بمعنى ان السيد الخوئي (قده) لا يرى كثرة الاطراف مثلا مبرّرا لجواز ارتكاب أيّ طرف حتّى ولو علمنا انه لن يحصل مخالفة قطعية لعدم القدرة على ارتكاب الكلّ ، دليله ـ على ما ذكره هنا السيد المصنّف ـ ان الترخيص في كل الاطراف سوف يؤدّي إلى الترخيص في المخالفة الواقعية للمعلوم بالاجمال (أو قل يساوق الترخيص في المعصية الواقعية) وهو قبيح ، وللسيد الخوئي في مصباحه ردود اخرى ذكرها في ج ٢ ص ٣٧٣ و ٣٧٤. ولا يفوتنك ان المراد بالترخيص في المخالفة القطعية يعني الترخيص في ارتكاب كل الاطراف ، والمراد بالترخيص في المخالفة الواقعية الترخيص في ارتكاب الفرد الواقعي ، فعند ما يمنع السيد الخوئي من الترخيص في المخالفة الواقعية انما يمنع من مجرّد جواز ارتكاب كل الاطراف لان ذلك يعني جواز المخالفة الواقعية وهو قبيح عقلا حتى ولو علم بعدم استطاعة

٢١٠

__________________

المكلف على المخالفة القطعية(*)

__________________

(*) (وبعد) انتهائنا مما ذكره السيد المصنّف (قده) من الاركان الاربعة يحسن ان نذكر الصحيح في المقام على ضوء مبانينا السابقة وهي :

ان اركان قاعدة منجّزية العلم الاجمالي ثلاثة وهي :

١. العلم بوجود تكليف واقعي منجّز ضمن الأطراف.

٢. عدم تمييز طرف التكليف الواقعي.

٣. وجود تناقض واضح في نظر المتشرّعة فى حال جريان الاصول المؤمّنة في الاطراف بين الترخيص في التكليف الواقعي والعلم بوجوده ضمن الاطراف.

(بيان ذلك) :

أمّا الرّكنان الاوّلان فانهما يتّضحان مما ذكرناه سابقا عند ما ذكر السيد المصنّف مقالة المحقّق العراقي والتي مفادها انّ السبب في وجوب الموافقة القطعية هو علمنا بوجود فرد واقعي منجّز علينا ضائع ضمن الافراد.

وأمّا الرّكن الثالث فان الكلام فيه طويل ولا تناسب هذه التعليقة ذكر كل ما يتعلّق فيه وأنّه لما ذا ثلّثنا الاركان ولم نربّعها وغير ذلك ، إلّا اننا نقتصر على الضروري منه فنقول :

كنّا قد ذكرنا سابقا في الجزء الاوّل من هذه الحلقة. في بحث العلم الاجمالي. انّ الاصل في موارد العلم الاجمالي هو وجوب الموافقة القطعية او قل لزوم الاحتياط في كل الاطراف وذلك تحفّظا على الفرد الواقعي المنجّز ، وقلنا انه خرج من هذه القاعدة حالة كون الشبهة من الشبهات الموضوعية التحريمية مما لا يكون مورد التكليف مهمّا في نظر الشارع وبشرط أن يكون شمول الاصول المؤمّنة للمورد محتملا في نظر المتشرّعة ، وذلك للاطلاق في ادلّة الحل والذي يعتبر مرجعا في حالات الشك في الشمول وعدمه (فراجع) ، وقد عرفت سابقا في بحث البراءة ان ادلّة البراءة إنّما ترفع الحكم التنجيزي او قل ترفع التنجيز ، وهنا ايضا كذلك ، بمعنى أنّ ادلة الحلّ ترفع منجّزية هذا الحكم الواقعي المجهول ، وعليه فمع شمول اطلاق ادلة الحلّ ورفع منجّزية الحكم الواقعي لا مخالفة

٢١١

لم يلزم الترخيص في المخالفة القطعية ، وقد تقدّم الحديث عن ذلك بالقدر المناسب. كما ان الصياغة المطروحة فعلا لهذا الرّكن سيأتي مزيد تحقيق وتعديل بالنسبة إليها في مبحث الشبهة غير المحصورة إن شاء الله تعالى.

ـ ٣ ـ

تطبيقات منجّزية العلم الاجمالي

عرفنا في ضوء ما تقدّم الاركان الأربعة لتنجيز العلم الاجمالي ، فكلّما انهدم واحد منها بطلت منجّزيته ، وكل الحالات التي قد يدّعى سقوط العلم الاجمالي فيها عن المنجّزية لا بدّ من افتراض انهدام احد الاركان فيها ، وإلّا فلا مبرّر للسقوط.

وفيما يلي نستعرض عددا مهما من هذه الحالات لدراستها من خلال ذلك :

__________________

للتكليف الواقعي ، فلا يقال لنا ح هذا ترخيص في المخالفة القطعية أو الواقعية ، وبكلمة اخرى لا يبقى موضوع للركن الرابع.

(واما) حذفنا لركنهم الثالث فلأنّ المناط في تنجيز العلم الاجمالي وعدمه هو ـ كما قلنا ـ بوجود الاستهجان وعدمه ، سواء كان كلّ طرف موردا لدليل الاصل المؤمّن أم لم يكن ، وذلك لأنّه إن كان موردا له وقلّت اطراف الحرام بالنسبة الى اطراف الحلال بحيث لم يوجد استهجان من شمول ادلة الاصول المؤمّنة فانّ الاصول المؤمّنة تجري بلا محذور ، وامّا إن كان في جريانها استهجان فانها لا تجري ، واما إن لم يكن الطرف موردا للاصل المؤمن فالامر واضح.

٢١٢

١. زوال العلم بالجامع

الحالة الاولى ان يزول العلم بالجامع رأسا ولذلك صور :

الصورة الاولى : ان يظهر للعالم خطؤه في علمه وان الاناءين اللذين اعتقد بنجاسة احدهما مثلا طاهران ، ولا شك هنا في السقوط عن المنجّزيّة لانعدام الرّكن الأوّل من الاركان المتقدّمة.

الصورة الثانية : ان يتشكّك العالم فيما كان قد علم به فيتحوّل علمه بالجامع إلى الشكّ البدوي ، والامر فيه كذلك أيضا.

ولكن قد يتوهّم بقاء الاطراف على منجّزيّتها ، لأنّ الاصول المؤمّنة تعارضت فيها في حال وجود العلم الاجمالي ، وهو وإن زال ولكنها بعد تعارضها وتساقطها لا موجب لعودها (١) فتظلّ الشبهة في كل طرف بلا اصل مؤمّن فتتنجّز.

وقد يجاب (٢) على هذا التوهّم بأن الشك الذي سقط أصله [المؤمّن] بالمعارضة هو الشك في انطباق المعلوم بالاجمال [على

__________________

(١) أي لا موجب لعود الأصول المؤمّنة وجريانها في الأطراف.

(٢) أي وقد يجاب على هذا التوهّم بأن الشك الذي سقط أصله العملي المؤمّن ـ أو قل الأصلان أو الاصول العملية ـ بالمعارضة هو الشك في انطباق المعلوم بالاجمال على الواقع ، أو قل بأن منشأ الشك في الاطراف هو العلم الاجمالي السابق والاعتقاد بنجاسة أحد الإناءين فحينما زال هذا الاعتقاد زالت الشكوك الناشئة عن ذاك التوهّم السابق ، وأقصى ما يمكن تواجده بعد ذلك هو شكوك بدوية في الأطراف والأصول الجارية فيها ليست متعارضة كما هو واضح.

٢١٣

الواقع] ، وهذا الشك [بنجاسة هذا الطرف او ذاك] زال بزوال العلم الاجمالي ووجد بدلا عنه الشك البدوي ، وهو فرد جديد من موضوع دليل الاصل ، ولم يقع الاصل المؤمن عنه طرفا للمعارضة (١) فيجري بدون اشكال.

وفي كلّ من هاتين الصورتين يزول العلم بحدوث الجامع رأسا.

الصورة الثالثة : ان يزول العلم بالجامع بقاء وان كان العلم بحدوثه لا يزال مستمرّا ، وهذه الصورة تتحقّق على أنحاء :

النحو الأول : ان يكون للجامع المعلوم أمد محدّد بحيث يرتفع متى ما استوفاه ، فإذا استوفى أمده لم يعد هناك علم بالجامع بقاء ، بل يعلم بارتفاعه وان كان العلم بحدوثه ثابتا (٢).

النحو الثاني : ان يكون الجامع (٣) على كل تقدير متيقنا إلى فترة ومشكوك البقاء بعد ذلك ، وفي مثل ذلك يزول ايضا العلم بالجامع بقاء ولكن يجري استصحاب الجامع المعلوم ويكون الاستصحاب حينئذ بمثابة

__________________

(١) مع الاصل المؤمّن الجاري في الطرف الآخر ، وذلك لزوال العلم بوجود نجاسة ـ مثلا ـ في البين.

(٢) كما لو كان عندنا علم بإضاءة احدى غرفتين بشمعة وعمر هذه الشمعة لا يتعدى الساعة ، فبعد ساعتين مثلا نعلم بظلمة كلتا الغرفتين.

(٣) كالنجاسة في أحد الثوبين اللذين امطرت عليهما السماء قليلا بحيث شككنا في حصول الطهارة وعدمها ، فحينئذ يجري ـ عند السيد الشهيد ـ استصحاب الجامع ، ويجري على مبنانا استصحاب نفس النجاسة الواقعية الضائعة بين الأطراف.

٢١٤

العلم الاجمالي.

النحو الثالث : ان يكون الجامع المعلوم مردّدا بين تكليفين غير أنّ احدهما على تقدير تحققه يكون اطول مكثا في عمود الزمان من الآخر ، كما إذا علم بحرمة الشرب من هذا الاناء الى الظهر او بحرمة الشرب من الاناء الآخر الى المغرب ، فبعد الظهر لا علم بحرمة احد الاناءين فعلا ، فهل يجوز الشرب من الاناء الآخر حينئذ لزوال العلم الاجمالي؟

والجواب بالنفي ، وذلك لعدم زوال العلم الاجمالي وعدم خروج الطرف الآخر [الطويل] عن كونه طرفا له ، فان الجامع المردّد بين التكليف القصير والتكليف الطويل الامد لا يزال معلوما حتّى الآن كما كان ، فالتكليف الطويل في الاناء الآخر بكل ما يضمّ من تكاليف انحلالية بعدد الآنات الى المغرب طرف للعلم الاجمالي (١).

ويسمّى مثل ذلك بالعلم الاجمالي المردّد بين القصير والطويل ، وحكمه أنّه ينجّز الطويل على امتداده.

النحو الرابع : ان يكون التكليف في أحد طرفي العلم الاجمالي

__________________

(١) وجه ذلك أن العقل حينما ينظر الى هكذا حالة فانما ينظر بنظرة دهرية ـ أي فوق الزمان ـ فيقول إمّا هذا الإناء محرّم الى الظهر وإما الثاني محرّم الى المغرب ، (فلا وجه) بعد ذلك لاشكال انه لا علم لنا بوجود حرام بينهما بعد الظهر (وذلك) لبقاء العلم الإجمالي بينهما واقعا عقلا وعرفا.

٢١٥

مشكوك البقاء على تقدير حدوثه (١).

وقد يقال في مثل ذلك بسقوط المنجّزية لانّ فترة البقاء المشكوكة من ذلك التكليف لا موجب لتنجّزها بالعلم الاجمالي ، لانّها ليست طرفا للعلم الاجمالي ، ولا بالاستصحاب ، إذ لا يقين بالحدوث ليجري الاستصحاب.

وقد يجاب على ذلك بانّ الاستصحاب يجري على تقدير الحدوث ـ بناء على أنّه متقوّم بالحالة السابقة لا باليقين بها ـ ، ومعه يحصل العلم الاجمالي امّا بثبوت الاستصحاب في هذا الطرف او بثبوت التكليف الواقعي في الطرف الآخر وهو كاف للتنجيز.

__________________

(١) وامّا الطرف الثاني فسواء كان التكليف فيه معلوم الارتفاع ـ على تقدير وجود النجاسة مثلا فيه ـ ولنسمّه بالطرف القصير ، أم كان معلوم البقاء ، ولنسمّه بالطرف الطويل ، فلا يؤثّر في اختلاف الحكم.

(مثال الاوّل) ان نعلم بوجود نجاسة إمّا في الثوب (الطرف القصير) وامّا في الفراش ، وقد امطرت السماء عليهما ، فان كانت النجاسة في الثوب فقد طهر الساعة الواحدة مثلا ، وإن كانت في الفراش فانّا نشك في حصول الطهارة في تلك الساعة وذلك لسماكته ـ مثلا ـ.

و (مثال الثاني) نفس المثال السابق إلّا انّ كمية المطر القليلة جعلت عندنا علما ببقاء نجاسة الفراش (الفرد الطويل) وشكّا بطهارة الثوب.

وفي كلتا الحالتين ـ وبناء على ان الاستصحاب يجري على تقدير الحدوث ـ تستصحب نجاسة الفرد المشكوك فيتشكّل عندنا علم اجمالي بين نجاسة الثوب الى الساعة الواحدة ونجاسة الفراش المحتملة البقاء الى ما بعد الظهر ـ بالنسبة الى المثال الاوّل ـ. ولذلك لم يذكر السيد المصنّف ـ بحقّ ـ تفصيل حالة الطرف الثاني.

٢١٦

٢. الاضطرار إلى بعض الاطراف

الحالة الثانية أن يعلم إجمالا بنجاسة أحد الطعامين ويكون مضطرا فعلا الى تناول أحدهما ، ولا شك في ان المكلّف يسمح له بتناول ما يضطرّ إليه ، وانّما نريد ان نعرف ان العلم الاجمالي هل يكون منجّزا لوجوب الاجتناب عن الطعام الآخر أو لا؟

وهذه الحالة لها صورتان :

احداهما ان يكون الاضطرار متعلّقا بطعام معيّن ،

والاخرى ان يكون بالامكان دفعه بأيّ واحد من الطعامين.

أما الصورة الاولى فالعلم الاجمالي فيها يسقط عن المنجّزية لزوال الركن الاوّل حيث لا يوجد علم اجمالي بجامع التكليف ، والسبب في ذلك ان نجاسة الطعام المعلومة إجمالا جزء الموضوع للحرمة والجزء الآخر عدم الاضطرار ، وحيث ان المكلّف يحتمل ان النجس المعلوم هو الطعام المضطرّ إليه بالذات فلا علم له بالتكليف الفعلي ، فتجري البراءة عن حرمة الطعام غير المضطرّ إليه وغيرها من الاصول المؤمّنة بدون معارض ، لانّ حرمة الطعام المضطرّ إليه غير محتملة ليحتاج إلى الأصل بشأنها ، ولكن هذا على شرط ان لا يكون الاضطرار متأخّرا عن العلم الاجمالي (١) ، وإلّا بقي على المنجّزية ، لانّه يكون من حالات العلم

__________________

(١) يعني على شرط أن يكون الاضطرار متقدما أو معاصرا للعلم الإجمالي (وفرض الصورة) أنّه حينما اضطرّ إلى الاناء تناوله ثم علم ففي هذه الصورة تجري البراءة عن الطرف غير المضطرّ اليه ، (وذلك) لانّه يذكر صورة العلم قبل التناول بعد ثلاثة أسطر(*)

__________________

(*) (اقول) قد يقال بانه سواء تقدّم العلم الاجمالي على الاضطرار ام تأخر عنه ام

٢١٧

الاجمالي المردّد بين الطويل والقصير ، إذ يعلم المكلّف بتكليف فعلي في هذا الطرف قبل حدوث الاضطرار او في الطرف الآخر حتّى الآن (١).

وقد يفترض الاضطرار قبل العلم ولكنه متأخّر عن زمان النجاسة المعلومة ، كما إذا اضطرّ ظهرا الى تناول احد الطعامين ثم علم. قبل ان يتناول. ان احدهما تنجّس صباحا ، وهنا العلم بجامع التكليف الفعلي موجود (*) ، فالرّكن الاوّل (٢) محفوظ ولكن الركن الثالث غير محفوظ ،

__________________

(١) هذا تقريب ذكره المحقّق الخراساني في حاشيته على الكفاية وأوضحه المحقق العراقي (قده).

(٢) وهو العلم بجامع النجاسة. وعلى أيّ حال فهذا الفرض تابع للصورة الاولى وهي صورة تقدّم الاضطرار على العلم الاجمالي او تزامنه معه ، وكان الاولى أن يجعلها معها.

__________________

عاصره یتشکل فی مخیّله المکلف علم اجمالی بوجود نجاسة فی احد الطرفین ، فاذا خرج الطرف الاوّل عن مورد التکلیف للاضطرار الیه او بتلفه او اتلافه او تطهیره ونحو ذلک تبقی روح العلم الاجمالی ولو بلحاظ الطرف الباقی (الطویل) ، فلاتجری الاصول المومنة فیه ...

(ولکن) نجیب علی ذلک بانا قد اوضحنا سابقا ان ادلة الحل. والی مفدها کل شیء فیه حلال وحرام فهو حلال وحرام فهو لک حلال ... مطلقة وهی قاعدة کلیة یرجع الیها مالم یوجد استهجان واضح في نظر المتشرعة ، ولایستبعد المشرعة الحاق الشارع المقدّس لما نحن فیه بالشبهات البدویة ، ولذک لاحتمال ان یکون الطرف المضطر الیه (بنحو التعیین) هو الحرام واقعا ، فعلی میتاتا بقاء العلم الاجمالی غیر واضح ، ولا علم لنا

(*) لا وجه لقوله «وهنا العلم بجامع التكليف الفعلي موجود» والصحيح ان يقول «وهنا العلم بجامع النجاسة موجود» ، إذ لا تكليف فعلي ـ في زمان علمه بالنجاسة ـ في المضطر.

٢١٨

لان التكليف على تقدير انطباقه على مورد الاضطرار قد انتهى امده ولا اثر لجريان البراءة عنه فعلا ، فتجري البراءة في الطرف الآخر بلا معارض.

ويطّرد ما ذكرناه في غير الاضطرار أيضا من مسقطات التكليف كتلف بعض الاطراف او تطهيرها ، كما إذا علم إجمالا بنجاسة أحد إناءين ثم تلف احدهما او غسل بالماء فانّ العلم الاجمالي لا يسقط عن المنجّزية بطروّ المسقطات المذكورة بعده (١) ويسقط عن المنجّزية بطروّها مقارنة للعلم الاجمالي او قبله.

وأمّا الصورة الثانية فلا شك في سقوط وجوب الموافقة القطعية بسبب الاضطرار المفروض ، وانما الكلام في جواز المخالفة القطعية ،

__________________

(١) لان العلم الاجمالي يصير مردّدا بين الطويل والقصير.

توضيح ذلك : لو علمت بنجاسة أحد إناءين فانك لا تستطيع أن تشرب أحدهما اذا القيت الثاني قبل ذلك في البحر مثلا ، وذلك لأنك تعلم إمّا الأوّل هو النجس الواقعي (وهو الفرد الطويل) ، وإمّا الثاني الذي وقع في البحر (وهو الفرد القصير).

ويسقط عن المنجزيّة فيما لو خرج الإناء عن محل الابتلاء ثم علم المكلّف بنجاسة أحد الإناءين ، فانه في هذه الحالة حينما علم المكلّف بنجاسة أحد الاناءين لم يكن يوجد تحت ابتلائه إلّا إناء واحد ولا معنى لجريان البراءة عن الخارج عن محلّ الابتلاء ، فتكون هذه الحالة بحكم الشبهة البدويّة.

__________________

الیه ، کما سیعترف بذلک فی السطر التالی ، فکیف یحصل عنده علم یجامع التکلیف الفعلی؟ وسیتضح لک الامر في الحالة الثامنة (ص ٢٥٠) اکثر وسری انّ الصحیح هو انهدام الرکن الاوّل.

٢١٩

فقد يقال بجوازها كما هو ظاهر المحقّق الخراساني رحمه‌الله (١) ، وبرهان

__________________

(١) راجع الكفاية ، حاشية المشكيني ج ٢ ص ٢١٥ ـ ٢١٦ ومنتهى الدراية ج ٦ ص ٥٢ فانه (قده) يقول : «تنبيهات ، الاوّل : إنّ الاضطرار كما يكون مانعا عن العلم بفعلية التكليف لو كان إلى واحد معيّن كذلك يكون مانعا لو كان إلى غير معيّن ، ضرورة أنّه مطلقا موجب لجواز ارتكاب احد الاطراف او تركه تعيينا ، او تخييرا ، وهو (اي جواز الارتكاب او الترك) ينافي العلم بحرمة المعلوم او بوجوبه بينها فعلا ، وكذلك لا فرق بين ان يكون الاضطرار كذلك سابقا على حدوث العلم او لا حقا ، وذلك لان التكليف المعلوم بينها من اوّل الامر كان محدودا بعدم عروض الاضطرار إلى متعلّقه ، فلو عرض على بعض اطرافه لما كان التكليف به معلوما ، لاحتمال ان يكون هو المضطرّ إليه فيما كان الاضطرار الى المعيّن او يكون هو المختار فيما كان إلى بعض الاطراف بلا تعيين ....» انتهى (ثمّ علّق صاحب الكفاية في الحاشية بما لا يرتبط بصورة الاضطرار إلى احدهما غير المعيّن). ومعنى ذلك «ان المضطر إلى شرب احد الاناءين يجوز له ارتكاب ايّهما شاء. ومع احتمال ان يكون المختار هو النجس واقعا ومع عدم اليقين باشتغال الذمّة به سابقا ومع عدم العلم بفعلية التكليف في الطرف غير المضطر إليه يجعل الطرف الثاني ملحوقا بالشبهة البدويّة ويشمله اطلاق" كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال ....» الذي استدلّ به في كفايته (راجع منتهى الدراية ج ٤ ص ١٧٨).

ولعلّ السيد الشهيد (قده) قد فهم المقدّمة الاولى مما ذكره الآخوند الخراساني في حاشيته على الكفاية (المصدر السابق ص ١٧٧).

ولا بأس ان تقارن بين ما ذكره صاحب الكفاية وبين ما فهمه منه السيد الشهيد من المقدّمات الثلاث.

٢٢٠