تراثنا ـ العددان [ 95 و 96 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 95 و 96 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ دمشق
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٥١٠

الأحكام. ولم نظفر بنتاج شامل من غيره عدا تفاسير آيات مفردات لجملة من الأعلام.

المقدّس الأردبيلي وزبدة البيان :

زبدة البيان في أحكام القرآن ، لأحمد بن محمّد المشهور بالمقدّس الأردبيلي (ت ٩٩٣ هـ). وهو كتاب تفسيري لآيات الأحكام. وقد دأب من جاء بعد الشيخ الطبرسي قدس‌سره نقل رأيه في التفسير ، ولم يحد المقدّس الأردبيلي عن تلك القاعدة ، فقال نقلاً عن الطبرسي : «واعلم أنّه قد صحّ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن الأئمّة عليهم‌السلام أنّ تفسير القرآن لا يجوز إلاّ بالأثر الصحيح والنصّ الصريح»(١). ثمّ بينّ أنّ الاستنباط والتدبّر في آيات الله عزّ وجلّ هو ما ندب إليه القرآن وحثّت عليه السنّة النبوية.

ولكن الشيخ الطبرسي الذي آمن بأنّ الخبر متروك الظاهر (أي لا يمكن حمل الخبر على ظاهر اللفظ) قد تعرّض للنقد من قبل المقدّس الأردبيلي. قال الأردبيلي في معرض نقده : «إنّ الخبر محمول على ظاهره غير متروك الظاهر ، وإنّه صحيح مضمونه على ما اعترف به الطبرسي في البداية إذ قال : قد صحّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله ... أنّ التفسير الممنوع هو ما كان في حدود المتشابه ، كمن حمل المشترك اللفظي على أحد معانيه من غير مرجّح لذلك الحمل. وبذلك كان التفسير الممنوع ـ عند الطبرسي ـ إلاّ بنصّ صريح أو أثر صحيح هو القطع بالمراد من اللفظ الذي غير ظاهر فيه من غير دليل بل بمجرّد رأيه وميله واستحسان عقله من غير شاهد معتبر

__________________

(١) زبدة البيان ـ المقدمة : ١.

  

١٤١

شرعاً كما يوجد في كلام المبدعين ، وهو ظاهر لمن تتبّع كلامهم ، والمنع منه ظاهر عقلاً ، والنقل كاشف عنه ، وهذا المعنى غير بعيد عن الأخبار المذكورة ، بل ظاهرٌ فيها»(١).

ومنهجه في الكتاب هو استقراء الآيات القرآنية بعد ترتيبها حسب المواضيع الفقهية مع دقّة العبارة وجمال البيان. مثلاً عرض موضوع الصلاة واستقراء الآيات المتعلّقة بالصّلاة ، ثمّ عرض الروايات مبتدئاً بالمحافظة على الصلاة ، والاصطبار عليها ، والخشوع فيها ، وبيان أوقاتها ، وتحديد القبلة ، وأحكام المساجد ، ومقارنات الصلاة ، وأركانها ، والجهر أو الإخفات فيها ، وحكم الصلاة على آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ورفع الأيدي عند التكبيرات ، والاستعاذة ، وصلاة الليل ، وبحث في الترتيل وصلته بصلاة الليل ، وردّ التحية في الصلاة ، ووجوب الإخلاص والنية ، وجواز التصدّق في الصلاة ...(٢).

لاحظ كيف بدأ تفسيره ، فقال ابتداءً : «نبدأ بالفاتحة تيمّناً وتبرّكاً ثمّ نذكر آياتها».

وبعد ذلك تحدّث عن البسملة ، فقال : (يمكن الاستدلال بها على راجحيّة التسمية عند الطهارة ـ بل عند كلّ فعل إلاّ ما أخرجه الدليل ـ بأنّ الظاهر أنّ المراد بها تعليم العباد ابتداء فعلهم ، فإنّ معناه على ما قاله الشيخ أبو علي الطبرسي رحمه‌الله في كتاب تفسيره الكبير : استعينوا في الأمور باسم الله تعالى بأن تبدأوا بها في أوائلها كما فعله الله تعالى في القرآن ، فتقديره : استعينوا بأسمائه الحسنى ، وكأنّ المراد في أوّل أموركم وابتدائها كما يظهر

__________________

(١) زبدة البيان ـ المقدمة : ١ ـ ٣.

(٢) زبدة البيان : ٤٩ ـ ١٤٠.

  

١٤٢

من المقام بأن تقولوا : باسم الله. فينبغي قوله في ابتداء الأكل والشرب واللبس والذبح وغيرها كما قال الفقهاء. ويؤيّده الخبر المشهور : كلّ أمر ذي بال لم يُبدأ فيه باسم الله فهو أبتر. وغيره من الشواهد»(١).

وفي تفسير حكم التيمّم عند فقدان الماء قال المصنِّف بعد أن شرح طبيعة التيمّم : «(مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِنْ حَرَج) (٢) ، قيل : أي ما يريد الله الأمر بالوضوء للصلاة أو بالتيمّم تضييقاً عليكم. ويحتمل أن يكون المراد ما يريد الله جعل الحرج عليكم بالتكاليف الشاقّة مثل تحصيل الماء على كلّ وجه ممكن مع عدم كون الماء حاضرا وإن كان ممكناً في نفس الأمر ، ولا [يكلّف] بالطلب الشاق كالحفر وغيره بل بنى على الظاهر فقبل التيمّم ، ولا كلف في التيمم أيضا بأن يوصل الأرض إلى جميع البدن أو أعضاء الوضوء بل التيمّم أيضا وأن يطلب ما يمكن إيصاله بل يكفي مجرّد وجه الأرض ، وهو مقتضى الشريعة السمحة.

(وَلكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) (٣) أي من الذنوب فإنّ العبادة مثل الوضوء كفّارة للذنوب ، أو لينظّفكم عن الأحداث ويزيل المنع عن الدخول فيما شرط فيه الطهارة عليكم ، فيطهّركم بالماء عند وجوده وعند الإعواز بالتراب. فالآية تدلّ على أنّ التيمّم رافع في الجملة وطهارة فيباح به ما يباح بالماء ، ويؤيّده ما في الأخبار : ويكفيك الصعيد عشر سنين ، و : التراب أحد الطهورين ، و : ربّ الماء وربّ التراب واحد(٤) ، فيبعد منع إباحة التيمّم ما يبيحه الماء ، وأنّه يجب لما يجب له.

__________________

(١) زبدة البيان : ٤.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٦.

(٣) سورة المائدة ٥ : ٦.

(٤) الكافي ٣ / ٦٣ ، والتهذيب ١ / ١٩٥.

  

١٤٣

ثمّ إنّه يزول التيمّم بزوال المانع لأنّه لا يرفع الحدث بالكلّية ، نعم يحتمل رفعه إلى أن يتحقّق الماء أو توجد القدرة على استعماله إذ لا استبعاد في حكم الشارع بزوال الحدث إلى مدّة فإنّه مجرّد حكم الشارع ، فلعلّ البحث يرجع إلى اللفظي ، فتأمّل.

واللام للعلّة ، فمفعول يريد محذوف وهو الأمر في الموضعين. وقيل : زائدة. و (لِيَجْعَلَ) و (لِيُطَهِّرَكُمْ) مفعول ، والتقدير لأن يجعل عليكم ولأن يطهّركم ، وليس فيه قصور وضعف ، لأنّ (أنْ) لا تقدّر بعد اللام المزيدة كما قاله البيضاوي ، ولأنّ الشيخ المحقّق الرضي قدس‌سره قال في شرح الكافية : وكذا اللام زائدة في (لا أباً لك) عند سيبويه ، وكذا اللام المقدّر بعدها أن بعد فعل الأمر والإرادة كقوله تعالى : (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ...) (١).

(وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ) (٢) أي ليتمّ بشرعه ما هو مطهّر لأبدانكم ومكفّر لذنوبكم في الدين ، أو ليتمّ برخصه إنعامه (عَلَيْكُمْ) بعزائمه (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٣) نعمته.

ثمّ أمر الله تعالى بعد ذلك بذكر النعمة والميثاق والعهد الذي عاهدتم بقوله : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ) (٤) الآية.

وأمر المؤمنين بكونهم قوّامين لله شهداء بالعدل فأوجب عليهم ذلك ونهاهم عن أن يحملهم البغض على العدول والخروج عن الشرع بقوله :

__________________

(١) سورة البيّنة ٩٨ : ٥.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٦.

(٣) سورة المائدة ٥ : ٦.

(٤) سورة المائدة ٥ : ٧.

  

١٤٤

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لله شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْم عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا إِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (١) إذا كان هذا مع الكفّار فما ظنّك بالعدل مع المؤمنين؟!

ثمّ أمر بالتقوى ووعدهم بالامتثال وأوعدهم على تركه بقوله : (وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (٢)»(٣).

تفاسير أُخرى :

وهناك تفاسير أُخرى صدرت في هذا القرن ، ومنها :

١ ـ تفسير سورة الإخلاص ، للمولى جلال الدين محمّد بن أسعد الدّوّاني (ت ٩٠٨ هـ). أوّله : «الحمد لله الأحد الصمد على نعمه التي تجاوزت عن حدّ العدّ وأمدّ العدد» ، وآخره : «وعلى هذا القياس ما ورد في سائر السور من أنّها تعدل ربع القرآن أو أقلّ أو أكثر ، والله سبحانه أعلم بحقائق الأمور»(٤).

٢ ـ تفسير آية الكرسي ، للشيخ شمس الدين محمّد بن أحمد الخفري (ت ٩٤٢ أو ٩٥٧ هـ). أوّله : «تبارك الله سبحانه ما أعظم شأنه وأظهر برهانه» ، رتّبه على مقدّمة ومقصدين(٥).

٣ ـ تفسير سورة هل أتى ، للمير غياث الدين منصور ابن الأمير صدر الدين محمّد الحسيني الدشتكي (ت ٩٤٨ هـ) ، وهو مع كونه مختصراً فيه

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٨.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٨.

(٣) زبدة البيان : ٢٠ ـ٢٢.

(٤) الذريعة ٤ / ٣٣٦.

(٥) الذريعة ٤ / ٣٣١.

  

١٤٥

تحقيقات لطيفة ومباحث شريفة. أوّله : «أحمد الله على جميل سلطانه»(١).

٤ ـ تفسير آية الكرسي ، للسيّد محمّد بن الحسين المدعوّ بفخر الدين الحسيني الأسترآبادي الإمامي (فرغ منه سنة ٩٥٢ هـ) ، ذكر فيه خواص آية الكرسي ، وتكلّم في التوحيد وإثبات الواجب(٢).

٥ ـ تفسير آية البسملة ، للشيخ زين الدين العاملي (الشهيد سنة ٩٦٦ هـ). أوّله : «باسمك اللّهمّ نفتتح الكلام ونستدفع المكاره العظام» ، وآخره : «وأقوم قيلاً». فرغ منه في أوّل شهر الصيام سنة ٩٤٠ هـ(٣).

١١ ـ مدرسة القرن الحادي عشر الهجري :

تميّز هذا القرن بتفاسير عرفانية فلسفية كـ : تفسير صدر المتألّهين (ت ١٠٥٠ هـ) ، وأُخرى إخبارية كـ : الصافي والأصفى والمصفّى للفيض الكاشاني (ت ١٠٩١ هـ) ، وأخرى فُقدت كـ : تفسير المولى محمّد رضا (ت ١٠٦٧ هـ) ، وتفاسير في آيات الأحكام كـ : تفسير الجواد الكاظمي (ت ١٠٦٥ هـ) ، وتفسير الأسترآبادي (ت ١٠٢٨ هـ). والظاهر أنّ الفقهاء واصلوا الاهتمام بتفسير آيات الأحكام ، لأنّ في ذلك تقريب للمكلّفين من وظيفتهم الشرعية.

وهذا العصر وصفه السيّد الطباطبائي صاحب الميزان بأنّه عصر أساطين الحديث وجهابذة الرواية(٤).

__________________

(١) الذريعة ٤ / ٣٤٤.

(٢) الذريعة ٤ / ٣٣٠.

(٣) الذريعة ٤ / ٣٢٥.

(٤) تفسير نور الثقلين ١ / ٣. مقدّمة السيّد الطباطبائي.

  

١٤٦

صدر المتألّهين وتفسير القرآن :

ومن علماء هذا القرن محمّد بن إبراهيم صدر الدين الشيرازي المعروف بصدر المتألّهين (ت ١٠٥٠ هـ) ، وكتابه تفسير القرآن الكريم في سبعة مجلّدات ، وهو تفسير مصبوغ بالصبغة الفلسفية الإشراقية العرفانية ، يتعرّض المصنّف لمعنى مفردات الآيات واختلاف القراءات وذكر الأقوال ونقدها. افتتح كتابه بمقدّمة حول الأسرار المتعلّقة بالقرآن على طريق أهل العرفان ، قال في بيان غرضه من التأليف : «على أنّي قد كنت برهة من الزمان متشوّقاً إلى إظهار معاني هذا القرآن ، فاستسعيت في مناهجها سوابق الأفكار واستقريت في مسالكها منازل الأبرار ، وكنت أشاور نفسي واُردّد قداح رأيي في أخذ هذا المرام وأقدّم رجلاً وأؤخّر أخرى في طرف السكوت والإعلام فلم ترجّح إلى أحد جانبي الإقدام والإحجام ، لكونه أمراً عظيماً وخطباً جسيماً أنّى لمثلي مع قلّة المتاع في المقال وقصور الباع فيما يتضمّن ذلك من علوم الأحوال ... إلى أن عنَّ لي نور الاستخارة مرّةً بعد أخرى بالإشارة ، وجدّد لي داعيةُ الحقّ كرّة بعد أولى في الإنارة بشعلة ملكوتية ، وآنستُ من جانب طور القدس ناراً لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة لعلّكم تصطلون»(١).

يقول في تفسير قوله تعالى : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً ...) (٢) بعد أن يعرض معنى الهبوط إلى الأرض : «إشارة قرآنية : إنّ في الآية إشعاراً لطيفاً بأعجب أحوال الإنسان ، فإنّ من عجيب

__________________

(١) مفاتيح الغيب : ٣.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٣٨.

  

١٤٧

أحواله أنّ مفارقته عالم القدس والرحمة وبُعده عن درجة المقرّبين وهبوطه إلى دار الدنيا كان صعباً عليه في أوّل الأمر بمقتضى صفاته الذاتية وفطرته الأصلية ، ولم يرضَ بالكون في هذا العالم بل استكرهه واستوحشه ، حتّى صدر الأمر بهبوطه مرّة بعد [أخرى ...] ومضت عليه برهة من الزمان نسى موطنه الأصلي وداره وأحبّاءه ... وألف هذا المنزل وتثبّط فيه وكره الخروج منه ، واستأنس بأهل الدنيا واستصعب مفارقتهم»(١).

وقد تعرّض هذا اللّون من التفسير ـ وهو التفسير الإشاري ـ إلى كثير من النقد باعتباره يخالف المنهج التفسيري العام المتّفق عليه بين الفقهاء ، فالتفسير الإشاري هو عبارة عن إشارة لفظ خاصّ يستدلّ به على معنى آخر يستبطن معناه في سياقه العامّ بحيث لا يوافق ظاهر الآية ولا يخالفه.

وترى صدر المتألّهين يشعر بذلك الخلل فيقول مخاطباً تلميذه : «ما رأيتَ من نقص وخلل لا تجد له محملاً صادقاً أو مخلصاً في زعمك موافقاً فإن كان من باب اللفظ مجرّداً فأصلحه كرماً وجوداً ، وإن كان من باب المعاني المطلوبة فذره في بقعة الإمكان ما لم يذدك عنه قائم البرهان»(٢).

إلاّ أنّ منهج صدر المتألّهين كان يتّخذ طريق التحليل العقلي للوصول إلى معنى الآية ، أي إنّه حاول استخراج المعاني القرآنية من القواعد العقلية.

الكاظمي ومسالك الأفهام :

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام ، للفاضل الجواد الكاظمي جواد بن

__________________

(١) تفسير القرآن الكريم ـ لصدر الدين الشيرازي ـ ٣ / ١٦٠.

(٢) تفسير القرآن الكريم ـ لصدر الدين الشيرازي ـ ٢ / ١٤٢.

  

١٤٨

سعد (ت ١٠٦٥ هـ). وهو كتاب تفسيري في آيات الأحكام مرتّب ترتيباً موضوعيّاً كما يلي :

الجزء الأوّل : الطهارة ، والصلاة ، والصوم.

الثاني : الزكاة ، والخمس ، والحجّ ، والجهاد ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر.

الثالث : المكاسب ، والبيع ، والدَين ، والعقود ، والنكاح.

الرابع : الطلاق ، والمطاعم والمشارب ، والمواريث ، والحدود ، والجنايات ، والقضاء ، والشهادات.

قال السيّد المرعشي النجفي(ت ١٤١١ هـ) في مدحه : «هو من أحسن ما رأيته في هذا العلم الشريف ، قد حوى التحقيقات الدقيقة والنكات العلمية حول تلك الآيات الكريمة وشرح معاضلها وحلّ مشاكلها بألفاظ جزلة وقوالب سهلة»(١).

واعتبر المصنّف في مقدّمته أنّ ظاهر القرآن حجّة في الفهم ، فقال : «إنّه لا يجوز أن يكون في كلام الله تعالى وكلام نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) تناقض وتضادّ ، وقد قال تعالى : (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً) (٢) ، وقال : (بِلِسَان عَرَبِيٍّ مُبِين) (٣) ، وقال : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُول إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ) (٤) ، وقال : (تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء) (٥) ، وقال : (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن

__________________

(١) مقدّمة السيّد المرعشي النجفي لكتاب مسالك الأفهام في آيات الأحكام للفاضل الجواد الكاظمي : ٤.

(٢) سورة الزخرف ٤٣ : ٣.

(٣) سورة الشعراء ٢٦ : ١٩٥.

(٤) سورة إبراهيم ١٤ : ٤.

(٥) سورة النحل ١٦ : ٨٩.

  

١٤٩

شَيْء) (١). فكيف يجوز أن يصفه بأنّه عربيٌّ مبين وأنّه بلسان قومه وأنّه بيان للنّاس ولا يفهم بظاهره شيءٌ؟!»(٢).

ومنهجه هو أن يذكر الآية الخاصّة بالحكم الشرعي ثمّ يشرع في تفصيلها. خذ مثلاً تفسيره الآية ١٧٧ من سورة البقرة : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ ... وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى) (٣). فيقول في شرح معنى اليتيم : «واليتامى جمع يتيم وهو من لا أب له أخذاً من اليتم وهو الانفراد ، ومنه الدرّة اليتيمة ، وأصله يتايم ثمّ قلبت فقيل : يتامى ، أو أنّه جمع على يتمى كأسرى لأنّه من باب الآفات ثمّ جمع على يتامى كأسرى وأسارى ، فهو معطوف على القربى ، وحينئذ فيعطى المال من يكفلهم ويكون وليّهم إذ لا يصحُّ دفع المال إلى من لا يعقل ، ويحتمل عطفه على ذوي القربى فيعطى المال لهم أنفسهم ، كذا في مجمع البيان ، لكن على الثاني ينبغي تقييده بدفع ما هو من لوازمهم كالأكل واللبس ونحوه لا المال نفسه. هذا في الحقوق الواجبة ، ولو حملنا الكلام على ما يعمّ الصدقة المندوبة أمكن القول بجواز دفعه إلى اليتيم سيّما المميّز»(٤).

الفيض الكاشاني وكتب : الصافي والأصفى والمصفّى :

ملاّ محسن محمّد بن المرتضى الملقّب بالفيض الكاشاني (ت ١٠٩١ هـ) ، وكتابه الصافي في تفسير كلام الله ويعنون أيضاً الصافي في تفسير القرآن في خمسة مجلّدات. وهو تفسير موجز شامل لجميع آيات

__________________

(١) سورة الأنعام ٦ : ٣٨.

(٢) مسالك الأفهام في آيات الأحكام ١ / ١١.

(٣) سورة البقرة ٢ : ١٧٧.

(٤) مسالك الافهام في آيات الاحكام ٢ / ٨.

  

١٥٠

القرآن الكريم ، جمع فيه المصنّف بين النقل والعقل والرواية والبيان ، وصدّره باثنتي عشرة مقدّمة في : فضل القرآن ، وكون علم القرآن عند أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، ووجوه الآيات من التفسير والتأويل والظهر والبطن والناسخ والمنسوخ ، والمنع من تفسير القرآن بالرأي ، وجمع القرآن ، ونحوها.

وقد وصف المصنّف كتابه بالقول : «وبالحرىّ أن يسمّى هذا التفسير بالصافي ، لصفائه عن كدورات آراء العامّة والمملّ والمحيّر والمتنافي»(١).

والملاحظ أنّ الفقهاء لم يعتدّوا بالكتاب من الناحية العلمية لأنّه اعتمد على نقل روايات ضعيفة ومختلقة وموضوعة ، واعتمد في تفسيره على التفسير المنسوب إلى علي بن إبراهيم القمّي والتفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكريّ عليه‌السلام. وتلك الكتب غير معتمدة عند علماء أهل البيت عليهم‌السلام. واعتمد أيضاً على تفسير العيّاشي ، وهو التفسير الذي حُذفت فيه أسانيد الروايات من قبل الناسخ.

ومع أنّه انتقد المفسّرين المتقدّمين لابتلائهم بأخبار الضعفاء إلاّ أنّه وقع في فخّ الروايات الموضوعة وأوّلها تأويلاً عجيباً ممّا زاد في عدم عناية العلماء بالكتاب.

أمّا كتاب الأصفى فهو أوسط التفاسير الثلاثة التي صنّفها الفيض الكاشاني ، انتخبه من تفسيره الكبير الموسوم بـ : الصافي ، وأوجز فيه. أوّله : «الحمد لله الذي هدانا للتمسّك بالثقلين وجعل لنا القرآن والمودّة في القربى قرّة عين».

__________________

(١) تفسير الصافي ١ / ١٣.

  

١٥١

اقتصر على تفاسير أهل البيت عليهم‌السلام ، وقد نقل عن تفاسير أُخرى صرّح باسمها. وكان منهجه أنّه ما روى مسنداً عن أحد المعصومين عليهم‌السلام إلا أوجز في سنده وصدّره بقوله : قال ، أو : في رواية ، أو : ورد. وما رواه عن العامّة صدّره بقوله : روي. وما نقله عن تفسير عليّ بن إبراهيم صدّره بـ : القمّي. وعندما يتصرّف في رواية ما كان ينبّه على ذلك.

قال في تفسير قوله تعالى : (... وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارى) (١) : «للين جانبهم ورقّة قلوبهم وقلّة حرصهم على الدنيا وكثرة اهتمامهم بالعلم والعمل (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ) (٢) رؤوساء في الدين والعلم (وَرُهْبَاناً) (٣) عباداً (وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) (٤) عن قبول الحقِّ إذا فهموه ويتواضعون (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (٥) من الذين شهدوا بأنّه حقٌّ ، قال : أولئك كانوا بين عيسى ومحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ينتظرون مجيء محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) (وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِالله وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) (٦) استفهام إنكار واستبعاد (فَأَثَابَهُمُ الله بِمَا قَالُوا) (٧) عن اعتقاد وإخلاص كما دلّ عليه قوله : ممّا عرفوا من الحقِّ ، والقول إذا اقترن بالمعرفة كمل

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٨٢.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٨٢.

(٣) سورة المائدة ٥ : ٨٢.

(٤) سورة المائدة ٥ : ٨٢.

(٥) سورة المائدة ٥ : ٨٣.

(٦) سورة المائدة ٥ : ٨٤.

(٧) سورة المائدة ٥ : ٨٥.

  

١٥٢

الإيمان (جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذلِكَ جَزَاءُ الْمُـحْسِنِينَ) (١). القمّي : إنّ النجاشي ملك الحبشة بعث إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثين رجلاً من القسّيسين فقال لهم : انظروا إلى كلامه وإلى مقعده ومشربه ومصلاّه. فلمّا وافوا المدينة دعاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الإسلام وقرأ عليهم القرآن : (إِذْ قَالَ الله يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ ... سِحْرٌ مُبِينٌ) ، فلمّا سمعوا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكوا وامنوا ورجعوا إلى النجاشي وأخبروه خبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقرأوا عليه ما قرأ عليهم ، فبكى النجاشي وبكى القسّيسون. وأسلم النجاشي ولم يظهر للحبشة إسلامه وخافهم على نفسه ، وخرج من بلاد الحبشة يريد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فلمّا عبر البحر توفّي ، فأنزل الله على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ ... وَذلِكَ جَزَاءُ الْمُـحْسِنِينَ) (٢)»(٣).

أمّا المصفّى فهو تلخيص لكتاب الأصفى ، ومنهجه الاختصار ، ولا يختلف عن الكتابين الأوّليين في إيراد الروايات الضعيفة مع قيامه بحذف الأسانيد.

الشيخ البهائي وتفسير العروة الوثقى :

تفسير سورة الحمد أو العروة الوثقى ، للشيخ البهائي محمّد بهاء الدين العاملي (ت ١٠٣١ هـ). وهو تفسير لسورة الفاتحة والحروف

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٨٥.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٨٢ ـ ٨٥.

(٣) الأصفى : ١٥٧ ـ ١٥٨ طبعة حجرية ١٣٥٠ هـ.

  

١٥٣

المقطّعة من سورة البقرة. والتفسير صغير بطبيعته إلاّ أنّه غنيّ بالأفكار والمفاهيم القرآنية.

قال في المقدّمة : «وإنّ أعظم العلوم الدينية قدراً وأنورها في سماء المعرفة بدراً هو تفسير كلام الله الملك العلاّم الذي هو ملك تلك العلوم بغير كلام ، إذ منه تفرّعت فصولها وأُجنيت ثمارها ... فلا أقسم بالسبع المثاني والقرآن العظيم أنّه أولى العلوم بوفور التوفير والتعظيم ، فطوبى لقوم ولّوا وجوههم شطر مطالبه ...»(١).

ومنهجه في التفسير هو الاعتماد على تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالسنّة النبوية الشريفة المتضمّنة لسنّة أهل بيت النبوّة عليهم‌السلام ، ونقد الآراء التفسيرية الأُخرى خصوصاً آراء صاحب الكشّاف والبيضاوي.

يقول في تفسير كلمة (الحمد) : «هو الثناء على مزيّة اختيارية من إنعام أو غيره ، ولامه جنسية أو استغراقية أو عهدية ، أي : حقيقية الحمد أو جميع أفراده أو الفرد الأكمل منه ثابت لله ثبوتاً قصريّاً كما يفيده لام الاختصاص ولو بمعونة المقام. وقد اشتهر امتيازه بإشعاره عن الشكر بمعاكسته له في خصوص المورد وعموم المتعلّق ، كما اشتهر عن المدح بقيد الاختيار.

ودعوى امتيازه بإشعاره بآلائها إلى المثنّى عليه دون المدح ممّا لم يثبت. وما جاء في الحديث من نفي الشكر عمّن لم يحمد وما ذكروه من أنّ حمدنا له ـ جلّ شأنه ـ يشتمل الموارد الثلاثة لا يقدحان في الأوّل ، كما أنّ ما اشتهر من حمده سبحانه على الصفات الذاتية ، وما ورد من إثبات

__________________

(١) تفسير سورة الحمد ـ للشيخ البهائي ـ : ٢٩.

  

١٥٤

المحمودية بغير الفاعل فضلاً عن المختار في قوله : (مَقَاماً مَّحمُوداً) (١) ...»(٢).

أي إنّ الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح ، أمّا الحمد فيكون باللسان وحده ، ولذلك كان الحمد أشمل للنعمة وأدلّ على مكانها ، ورأس الشكر أدلّ على الشكر من غيره.

تفاسير أُخرى :

ومن تفاسير تلك الفترة :

١ ـ تفسير سورتي النور ويوسف المعنون بـ : أنوار الأنظار وأحسن القصص ، للسيِّد عليّ بن محمّد ابن السيّد محمّد اللكنهوري (ت ١٠١٢ هـ) (٣).

٢ ـ تفسير إبراهيم الهمداني (ت ١٠٢٥ هـ) ، وهو حاشية على تفسير الكشّاف.

٣ ـ آيات الأحكام(٤) ، للسيِّد ميرزا محمّد بن عليّ بن إبراهيم الحسيني الأسترآباداي (ت ١٠٢٦ هـ) ، وهو صاحب الكتب الرجالية الثلاثة : منهج المقال ، وتلخيص الأقوال ، والوجيز.

٤ ـ تفسير عبد عليّ بن ناصر الحويزي (ت ١٠٣٥ هـ) ، وهو حاشية على تفسير البيضاوي(٥).

__________________

(١) سورة الأسراء ١٧ : ٧٩.

(٢) تفسير سورة الحمد ـ للشيخ البهائي ـ : ٩٠.

(٣) الذريعة ٢ / ٤١٨.

(٤) الذريعة ٦ / ٤٦.

(٥) الذريعة ٦ / ٤٣.

  

١٥٥

٥ ـ تفسير سورة الواقعة ، لملاّ صدر الدين الشيرازي (ت ١٠٥٠ هـ) استقصى فيه مباحث الحشر والمعاد ومعرفة نفوس العباد حسب درجاتهم في الآخرة ومراتبهم في السعادة والشقاوة ، أوّله : «الحمد لله الذي أنزل كلاماً إلهيّاً وكتاباً سماويّاً»(١).

٦ ـ تفسير الحسين بن رفيع الدين محمّد المرعشي الآملي (ت ١٠٦٤ هـ) ، وهو تعليق على تفسير البيضاوي أيضاً(٢).

٧ ـ تفسير الأئمّة لهداية الأمّة ، للمولى محمّد رضا بن عبد الحسين النصيري الطوسي (من أعلام القرن الحادي عشر) ، وهو تفسير كبير في ثلاثين مجلّداً فرغ منه سنة ١٠٦٧ هـ ، ذكره مصنّف الذريعة(٣). بدأ فيه بمقدّمات التفسير فيما يقرب من عشرين فصلاً فيما يتعلّق بالقرآن ، ثمّ شرع في تفسير الفاتحة. أوّله : «أين رتبة الإنسان الذي بدأ خلقه من طين وأعلى مقام محامد ربِّ العالمين ، وأنّى قدرة المخلوق من سلالة من ماء مهين والعروج على ذروة وصف من هو فوق وصف الواصفين ، كيف نحمده ونحن من الجاهلين».

ومنهج التفسير هو ذكر الآيات ثمّ إدراج مواضيعها في عدّة فصول : فصل في فضلها ، وفصل في خواصّها ، وفصل في نزولها. وينقل غالباً عن تفسير العيّاشي والبيضاوي ، وينقل عن كتاب الاحتجاج للطبرسي ، وعن مكارم الأخلاق وغيرهما من كتب الحديث. وينقل في تفسيره عن تفسير غياث بن إبراهيم ما رواه عن تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي ، وينقل تمام

__________________

(١) الذريعة ٤ / ٣٤٣.

(٢) الذريعة ٦ / ٤١ ـ ٤٢.

(٣) الذريعة ٤ / ٢٣٦ ـ ٢٣٩.

  

١٥٦

تفسير الإمام العسكريّ عليه‌السلام ، وتمام تفسيري القمّي : أصله ومختصره باعتقاد أنّ الأصل والمختصر لنفس المصنّف وهو القمّي. والكتاب مفقود عدا ما أطلع عليه الشيخ آغا بزرك رحمه الله وهو مجلّدان فقط.

٨ ـ آيات الأحكام الموسوم بـ : مفاتيح الأحكام شرح لـ : زبدة البيان للأردبيلي ، للسيّد محمّد سعيد بن سراج الدين قاسم الطباطبائي القهبائي (ت ١٠٨٢ هـ).

٩ ـ تفسير سورتي الفاتحة والإخلاص ، للسيّد فخر الدين المشهدي (ت ١٠٩٧ هـ) ٢٣٤(١).

وللبحث صلة ...

__________________

(١) الذريعة ٤ / ٣٣٦.

  

١٥٧

مدرسة الحلّة وتراجم علمائها

من النشوء إلى القمّة

(٥٠٠ ـ ٩٥٠ هـ)

(٣)

السـيّد حيدر وتوت الحسيني

لقد تعرضنا في الأعداد السابقة إلى تأريخ تأسيس مدينة الحلّة ، والنهضة العلمية والأسر والبيوت العلمية فيها ، وتأثير مدرسة الحلّة بالمدارس في المدن الإسلامية الأخرى ، وتطرقنا إلى العلوم الإسلامية التي كانت محل اهتمام مدرسة الحلّة ، واستعرضنا الحركة العلمية ، وعلماء الحلّة منذ تأسيس المدينة في القرن السادس الهجري ، ونستأنف البحث هنا ...

٣٨ ـ الشيخ محمّـد بن إدريس الحلّي :

هو الفقيه الفاضل العالم العامل شيخ فقهاء وقته ورئيس علماء عصره الشيخ أبو عبدالله فخر الملّة والدين محمّـد بن أحمد بن إدريس العجلي الحلّي.

جاء في أمل الآمل(١) :

«الشيخ محمّـد بن إدريس العجلي بحلّة ، له تصانيف ، منها كتاب السرائر ، شاهدته بحلّة. قال شيخنا سديد الدين محمود الحمصي : هو مخلط لا يعتمد على تصنيفه ، قاله منتجب الدين. وقد أثنى عليه علماؤنا

__________________

(١) أمل الآمل ٢ / ٢٤٣.

  

١٥٨

المتأخّرون واعتمدوا على كتابه وعلى ما رواه في آخره من كتب المتقدّمين وأصولهم ... إلى قوله : ونقل السيّد مصطفى عن ابن داود أنّه كان شيخ الفقهاء بالحلّة متقناً للعلوم كثير التصانيف لكنّه أعرض عن أخبار أهل البيت عليهم‌السلام بالكلّية ، وأنّه ذكره في قسم الضعفاء. ثمّ قال السيّد مصطفى : ولعلّ ذكره في باب الموثّقين أولى ، لأنّ المشهور منه أنّه لا يعمل بخبر الواحد وهذا لا يستلزم الإعراض بالكلّية وإلاّ لانتقض بغيره مثل السيّد المرتضى وغيره ...».

وورد ذكر الشيخ ابن إدريس الحلّي في كتاب شرح نهج البلاغة(١) لابن أبي الحديد عند ترجمة الشريف الرضي قائلاً :

«وقرأت بخطّ محمّـد بن إدريس الحلّي الفقيه الإمامي ، قال : حكى أبو حامد أحمد بن محمّـد الاسفراييني الفقيه الشافعي ...».

وقال البحراني في لؤلؤة البحرين(٢) :

«الشيخ محمّـد بن إدريس العجلي الحلّي ، وكان هذا الشيخ فقيهاً أصوليّاً بحتاً ومجتهداً صرفاً ، وهو أوّل من فتح باب الطعن على الشيخ وإلاّ فكلّ من كان في عصر الشيخ أو من بعده إنّما كان يحذو حذوه غالباً إلى أن انتهت النوبة إليه ، ثمّ إنّ المحقّق والعلاّمة بعده أكثرا من الردّ عليه والطعن فيه وفي أقواله والتشنيع عليه غاية التشنيع ، وقد طعن فيه أيضاً الشيخ الفاضل الكامل العلاّمة الشيخ محمود الحمصي وقال : إنّه مخلط ... إلى قوله : والتحقيق أنّ فضل الرجل المذكور وعلوّ منزلته في هذه الطائفة ممّا لا ينكر ، وغلطه في مسألة من مسائل الفنّ لا يستلزم الطعن عليه بما ذكره

__________________

(١) نهج البلاغة ١/٥٢.

(٢) لؤلؤة البحرين : ٢٧٦.

  

١٥٩

المحقّق المتقدّم ذكره ، وكم لمثله من الأغلاط الواضحة ولا سيّما في هذه المسألة وهي مسألة العمل بخبر الواحد ، وجملة من تأخّر عنه من الفضلاء حتّى مثل المحقّق والعلاّمة اللذين هما أصل الطعن عليه قد اختارا العمل بكثير من أقواله.

وقد ذكره شيخنا الشهيد الثاني رحمه‌الله في إجازته فقال : مرويّات الشيخ العلاّمة المحقّق فخر الدين أبي عبدالله محمّـد بن إدريس العجلي.

وقال الشهيد الأوّل في إجازته : وعن ابن نما والسيّد فخار مصنّفات الإمام العلاّمة شيخ العلماء ورئيس المذهب فخر الدين أبي عبدالله محمّـد ابن إدريس رضي‌الله‌عنه ، انتهى.

وله كتاب يشتمل على جملة من أجوبة مسائل قد سئل عنها ، وهو عندي إعارة من بعض الأخوان ، وكذلك كتاب السرائر بتمامه.

وبالجملة : ففضل الرجل المذكور ونبله في هذه الطائفة أظهر من أن يُنكر وإن تفرّد ببعض الأقوال الظاهرة البطلان لذوي الإفهام والأذهان ، ومثله في ذلك غير عزيز كما لا يخفى على الناظر المنصف ...».

وجاء في جامع الرواة(١) للشيخ محمّـد علي الأردبيلي الحائري :

«محمّـد بن إدريس العجلي الحلّي ، كان شيخ الفقهاء بالحلّة ، متقناً في العلوم ، كثير التصانيف ، (د) ...».

وقال الحائري في منتهى المقال(٢) :

«محمّـد بن إدريس العجلي الحلّي ، كان شيخ الفقهاء بالحلّة ، متقناً

__________________

(١) جامع الرواة ٢ / ٦٥.

(٢) منتهى المقال : ٢٦٠.

  

١٦٠