تفسير مقاتل بن سليمان - ج ١

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ١

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٤

أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١٤٧) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (١٤٨) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩) قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١٥٠) قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي

٥٤١

هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢) وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣) ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (١٥٤) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (١٥٦) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (١٥٧) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٥٨) إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ

٥٤٢

إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦٠) قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٦١) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣) قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (١٦٤) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥))

٥٤٣
٥٤٤

بسم الله الرحمن الرحيم

[سورة الأنعام]

__________________

الأهداف والمقاصد

التي اشتملت عليها سورة الأنعام

من أهداف سورة الأنعام : بيان خلق السموات والأرض ، وتقدير النور والظلمة ، وقضاء آجال الخلق والرد على منكري النبوة وذكر إنكار الكفار فى القيامة وتمنيهم الرجوع إلى الدنيا ، وذكر تسلية الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن تكذيب المكذبين ، وإلزام الحجة على الكفار ، والنهى عن إيذاء الفقراء ، واستعجال الكفار بالعذاب واختصاص الحق ـ تعالى ـ بالعلم المغيب ، وقهره ، وغلبته على المخلوقات ، وإثبات البعث والقيامة ، وولادة الخليل ـ عليه‌السلام ـ وعرض الملكوت عليه ، واستدلاله حال خروجه من الغار ، ووقوع نظره على الكواكب والشمس والقمر ومناظرة قومه ، وشكاية أهل الكتاب ، وإظهار برهان التوحيد ببيان البدائع والصنائع والأمر بالإعراض عن المشركين والنهى عن سب الأصنام وعبادها ومبالغة الكفار فى الطغيان ، والنهى عن أكل ذبائح الكفار ومناظرة الكفار ، ومحاورتهم فى القيامة.

وبيان شرع عمرو بن لحى فى الأنعام بالحلال والحرام ، وتفصيل محرمات الشريعة الإسلامية ، ومحكمات آيات القرآن والأوامر والنواهي من قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ..) إلى آخر ثلاث آيات.

٥٤٥

__________________

وظهور أمارات القيامة وعلاماتها فى الزمن الأخير. وذكر جزاء الحسنة بعشر أمثالها ، وتبرؤ الرسول من الشرك والمشركين ، ورجوعه إلى الحق فى محياه ومماته وذكر خلافة الخلائق وتفاوت درجاتهم وختم السورة بذكر سرعة عقوبة الله لمستحقيها ، ورحمته ومغفرته لمستوجبيها بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).

[وعدد كلمات سورة الأنعام ٣٠٥٢ ثلاثة آلاف واثنتان وخمسون كلمة].

[وفواصل آياتها : (ل م ن ظ ر) يجمعها (لم نظر)].

(انظر بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي ص ١٨٦)

٥٤٦

بسم الله الرحمن الرحيم

[سورة الأنعام]

مكية كلها إلا هذه الآيات. نزلت بالمدينة ونزلت ليلا ، وهي خمس وستون ومائة آية كوفى.

والآيات المدنية هي : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ...) إلى قوله (... لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).

وهي الآيات المحكمات (١).

وقوله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ...) إلى آخر الآية (٢).

__________________

(١) يشير إلى الآيات ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٣ من سورة الأنعام ، وتمامها : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ـ ١٥١ ـ (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ـ ١٥٢ ـ (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ـ ١٥٣ ـ.

وفى كتاب تاريخ القرآن لأبى عبد الله الزنجاني : سورة الأنعام مكية إلا الآيات : ٢٠ ، ٢٣ ، ٩١ ، ٩٣ ، ١١٤ ، ١٤١ ، ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٣ فمدنية. وهو موافق لما فى رأس المصحف الشريف.

فالزنجاني يرى أن الآيتين : ٢٢ ، ١٤١ مدنيتان ومقاتل يذكر أنهما مكيتان وفى كتاب بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي سورة الأنعام مكية سوى ست آيات منها : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ...) إلى آخر ثلاث آيات (٩١ ، ٩٢ ، ٩٣) (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ ...) إلى آخر ثلاث آيات (وهي ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٣)

(٢) سورة الأنعام : ٩١ ، وتمامها : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ).

٥٤٧

وقوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ ...) (١) نزلت فى مسيلمة ، (وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ ...) نزلت فى عهد عبد الله ابن سعد بن أبى سرح.

وقوله : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ ...) (٢).

وقوله : (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ...) (٣) ، (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ ...) (٤).

هذه الآيات مدنيات ، وسائرها مكي.

نزل بها جبريل ـ عليه‌السلام ـ ومعه سبعون ألف ملك طبقوا ما بين السماء والأرض لهم زجل بالتسبيح والتمجيد والتحميد حتى كادت الأرض أن ترتج فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : سبحان الله العظيم وبحمده وخر النبي ساجدا ، فيها خصومة مشركي العرب وأهل الكتاب ، وذلك أن قريشا قالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : من ربك! فقال : «ربى الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد» فقالوا : أنت كذاب ما اختصك الله بشيء وما أنت عليه بأكرم منا فأنزل الله ـ عزوجل.

__________________

(١) سورة الأنعام : ٩٣ وتمامها : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ).

(٢) جزء من الآية ٩٣ سورة الأنعام وقد تقدم ذكرها فى الهامش السابق.

(٣) جزء من الآية ١١٤ ، سورة الأنعام وتمامها (أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ).

(٤) سورة الأنعام : ٢٠ وتمامها (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).

٥٤٨

بسم الله الرحمن الرحيم

(الْحَمْدُ لِلَّهِ) فحمد نفسه ودل بصنعه على توحيده (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) لم يخلقهما باطلا خلقهما لأمر هو كائن (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) يعنى الليل والنهار ثم رجع إلى أهل مكة فقال : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) ـ ١ ـ يعنى يشركون (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) يعنى آدم ـ عليه‌السلام ـ لأنكم من ذريته (ثُمَّ قَضى أَجَلاً) يعنى أجل ابن آدم من يوم [١١٣ ب] ولد إلى أن يموت (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) يعنى البرزخ منذ يوم ولد إلى يوم يموت ، إلى يوم القيامة (ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) ـ ٢ ـ يعنى تشكون فى البعث يعنى كفار مكة (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ) أنه واحد (وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) يعنى سر أعمالكم وجهرها (وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) ـ ٣ ـ يعنى ما تعملون من الخير والشر (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ) يعنى انشقاق القمر (إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) ـ ٤ ـ فلم لا يتفكرون فيها فيعتبروا فى توحيد الله (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) يعنى القرآن حين جاءهم به محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ استهزءوا بالقرآن بأنه ليس من الله ، يعنى كفار مكة منهم أبو جهل بن هشام ، والوليد بن المغيرة ، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج والعاص بن وائل السهمي ، وأبى بن خلف ، وعقبة

٥٤٩

ابن أبى معيط ، وعبد الله بن أبى أمية ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو البختري ابن هشام بن أسد ، والحارث بن عامر بن نوفل ، ومخرمة بن نوفل وهشام بن عمرو ابن ربيعة ، وأبو سفيان بن حرب ، وسهل بن عمرو ، وعمير بن وهب بن خلف ، والحارث بن قيس ، وعدى بن قيس ، وعامر بن خالد الجمحي ، والنضر بن الحارث ، وزمعة بن الأسود ، ومطعم بن عدى ، وقرط بن عبد عمرو بن نوفل ، والأخنس ابن شريق ، وحويطب بن عبد العزى ، وأمية بن خلف كلهم من قريش ، يقول الله ـ عزوجل ـ : (فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ) يعنى حديث (ما كانُوا بِهِ) بالعذاب (يَسْتَهْزِؤُنَ) ـ ٥ ـ بأنه غير نازل بهم ونظيرها فى الشعراء ، فنزل بهم العذاب ببدر ، ثم وعظهم ليخافوا فقال : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ) كفار مكة (مِنْ قَرْنٍ) من أمة (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) يقول أعطيناهم من الخير والتمكين فى البلاد ما لم نعطكم يأهل مكة (وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً) بالمطر يعنى متتابعا (وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ) يعنى فعذبناهم (بِذُنُوبِهِمْ) يعنى بتكذيبهم رسلهم (وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) ـ ٦ ـ يقول وخلقنا من بعد هلاكهم قوما آخرين (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) ما صدقوا به و (لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (إِنْ هذا) يقول ما هذا القرآن (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) ـ ٧ ـ يعنى بين (وَقالُوا لَوْ لا) يعنى هلا (أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) يعينه ويصدقه بما أرسل به نظيرها فى الفرقان (١) نزلت فى النضر بن الحارث وعبد الله ابن أمية بن المغيرة ، ونوفل بن خويلد ، كلهم من قريش يقول الله : (وَلَوْ أَنْزَلْنا

__________________

(١) يشير إلى الآية ٧ من سورة الفرقان وهي :

(وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً).

٥٥٠

مَلَكاً) فعاينوه (لَقُضِيَ الْأَمْرُ) يعنى «لنزل العذاب بهم» (١) (ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) ـ ٨ ـ يعنى ثم لا يناظر بهم حتى يعذبوا لأن الرسل إذا كذبت جاءت الملائكة بالعذاب يقول الله : (وَلَوْ جَعَلْناهُ) هذا الرسول (مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) يعنى فى صورة رجل حتى يطيقوا النظر إليه لأن الناس لا يطيقون النظر [١١٤ أ] إلى صورة الملائكة ، ثم قال : (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ) يعنى ولشبهنا عليهم (ما يَلْبِسُونَ) ـ ٩ ـ يعنى ما يشبهون على أنفسهم بأن يقولوا ما هذا إلا بشر مثلكم (٢) (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) وذلك أن مكذبي الأمم الخالية ، أخبرتهم رسلهم بالعذاب فكذبوهم ، بأن العذاب ليس بنازل بهم. فلما كذب كفار مكة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالعذاب حين أوعدهم استهزءوا منه ، فأنزل الله يعزى نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب فقال : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد كما استهزئ بك فى أمر العذاب (فَحاقَ) يعنى فدار (بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ) يعنى من الرسل (ما كانُوا بِهِ) يعنى بالعذاب (يَسْتَهْزِؤُنَ) ـ ١٠ ـ بأنه غير نازل بهم ، ثم وعظهم ليخافوا ، فقال : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) ـ ١١ ـ بالعذاب كان عاقبتهم الهلاك يحذر كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية (قُلْ) لكفار مكة : (لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الخلق ، فردوا عليه فى الرعد (٣) قالوا : «الله» (٤) فى قراءة أبى بن كعب وابن مسعود فى تكذيبهم بالبعث قالوا الله. (قُلْ) (٥) (لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) فى تأخير

__________________

(١) من ل ، وفى أ : لنزل الأمر : العذاب بهم.

(٢) ما بين القوسين «...» زيادة من الجلالين لتوضيح الكلام.

(٣) فى أ : فى الوعد ، ل : فى الرعد.

(٤) الله : ساقط من أ ، ومثبت فى ل.

(٥) فى أ ، ل : قالوا.

وقد أشار إلى الآية ١٦ من سورة الرعد وبدايتها (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ ...).

٥٥١

العذاب عنهم فأنزل الله فى تكذيبهم بالبعث (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أنتم والأمم الخالية (لا رَيْبَ فِيهِ) يعنى لا شك فيه يعنى فى البعث بأنه كائن ، ثم نعتهم فقال : (الَّذِينَ خَسِرُوا) يعنى غبنوا (أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ـ ١٢ ـ يعنى لا يصدقون بالبعث بأنه كائن ، ثم عظم نفسه لكي يوحد ، فقال : (وَلَهُ ما سَكَنَ) يعنى ما استقر (فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) من الدواب والطير فى البر والبحر فمنها ما يستقر بالنهار وينتشر ليلا ، ومنها ما يستقر بالليل وينتشر نهارا ، ثم قال : (وَهُوَ السَّمِيعُ) لما سألوا من العذاب (الْعَلِيمُ) ـ ١٣ ـ به (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ) وذلك أن كفار قريش قالوا : يا محمد ، ما يحملك على ما أتيتنا به ، ألا تنظر إلى ملة أبيك عبد الله وملة جدك عبد المطلب وإلى سادات قومك يعبدون اللات والعزى ومناة ، فتأخذ به ، وتدع ما أنت عليه ، وما يحملك على ذلك إلا الحاجة فنحن نجمع لك من أموالنا. وأمروه (١) بترك عبادة الله ، فأنزل الله («قُلْ أَغَيْرَ اللهِ» أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فعظم نفسه ليعرف توحيده بصنعه (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) وهو يرزق ولا يرزق لقولهم نجمع لك من أموالنا ما يغنيك (قُلْ) لهم (إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) يعنى أول من أخلص من أهل مكة بالتوحيد ثم أوحى (٢) إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ـ ١٤ ـ لقولهم للنبي ـ عليه‌السلام ـ ارجع إلى ملة آبائك (قُلْ) لهم يا محمد : (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) إن رجعت إلى ملة آبائي [١١٤ ب](عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ـ ١٥ ـ

__________________

(١) فى أ : فأمروه ، ل : وأمروه.

(٢) فى ل : أوحى ، أ : أعز. ولعلها محرفة عن أوعز.

٥٥٢

يعنى بالعظيم الشديد يوم القيامة وقد نسخت ـ (إِنَّا فَتَحْنا) : (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يعنى الشديد يوم القيامة (١).

(مَنْ يُصْرَفْ) الله (عَنْهُ) العذاب (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ) الصرف يعنى صرف العذاب (الْفَوْزُ الْمُبِينُ) ـ ١٦ ـ يعنى النجاة العظيمة المبينة ثم خوف النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليتمسك بدين الله ـ تعالى ـ فقال : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ) يعنى يصبك الله بضر يعنى بلاء وشدة (فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) يقول لا يقدر أحد من الآلهة ولا غيرهم كشف الضر إلا الله (وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ) يعنى يصبك بفضل وعافية (فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ـ ١٧ ـ من ضر وخير وأنزل الله فى قولهم (قُلْ) يا محمد (إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) يعنى يعبدون من دون الله من الآلهة (قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ) فى ترك دين الله (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً) إن اتبعت دينكم (وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) يعنى من المرشدين. و (قُلْ) لهم (إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) (٢) يعنى على بيان من ربى. وأنزل الله فى ذلك : («قُلْ) لهم (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا ...») إلى آخر السورة (وَهُوَ الْقاهِرُ) (٣) لخلقه (فَوْقَ عِبادِهِ) قد علاهم وقهرهم (وَهُوَ الْحَكِيمُ) فى أمره (الْخَبِيرُ) ـ ١٨ ـ بخلقه.

(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) وذلك أن كفار قريش قالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أما وجد الله رسولا غيرك ما نرى أحدا يصدقك بما تقول وقد

__________________

(١) كان النبي لا يدرى ما يفعل به فى الآخرة أعذاب أم نعيم ، فلما نزلت : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً). نسخت جميع الآيات التي تتحدث عن خوف النبي من عذاب الآخرة.

هذا رأى مقاتل. وفيه مبالغة فى التقول بالنسخ فلا تعارض بين الآيتين. فهناك مقام الخوف ومقام الرجاء وكلاهما جناحان لا زمان لسير العبد فى الدنيا آملا فى رحمة الله خائفا من عقابه.

وقريب من هذا ما ورد فى كتاب الخوف والرجاء ، الوارد فى كتاب إحياء علوم الدين للغزالى.

(٢) سورة الأنعام : ٥٦ ـ ٥٧.

(٣) سورة الأنعام : ١٦٤ ـ ١٦٥.

٥٥٣

سألنا عنك أهل الكتاب ، فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر فمن يشهد لك أن الله هو الذي أرسلك؟ فقال الله للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (قُلْ) لهم (أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) قالوا : الله أكبر شهادة من غيره. فقال الله : (قُلْ) لهم يا محمد : (اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) بأنى رسول (وَ) أنه (أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ) من عند الله (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ) يعنى لكي أنذركم بالقرآن يأهل مكة (١) (وَمَنْ بَلَغَ) القرآن من الجن والإنس فهو نذير لهم يعنى القرآن إلى يوم القيامة ، ثم قال : (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى)؟ قالوا : نعم نشهد. قال الله للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (قُلْ) لهم (لا أَشْهَدُ) بما شهدتم ، ولكن أشهد (قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) قل لهم : (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) ـ ١٩ ـ به غيره. وأنزل فى قولهم لقد سألنا عنك أهل الكتاب فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر ، فقال : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ) أى صفة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى كتبهم (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ).

حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبى ، قال : حدثنا الهذيل عن مقاتل ، قال : إن عبد الله بن سلام قال : لأنا أعرف بمحمد ـ عليه‌السلام ـ منى بابني ، لأنى لا أعلم ما أحدثت فيه أمه ، ثم نعتهم فقال : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) يعنى غبنوا أنفسهم (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ـ ٢٠ ـ يعنى لا يصدقون بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بأنه رسول الله [١١٥ أ] وأنزل الله فى قولهم أيضا (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ) يعنى القرآن (مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (٢) يعنى من الشاكين بأن القرآن جاء من الله نظيرها فى يونس. (وَمَنْ أَظْلَمُ) يقول فلا أحد أظلم (مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بأن معه شريكا لقولهم إن مع الله آلهة أخرى ، ثم

__________________

(١) فى أ : أهل مكة.

(٢) سورة الأنعام : ١١٤.

٥٥٤

ثم قال : (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) يعنى بالقرآن أنه ليس من الله (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) ـ ٢١ ـ يعنى المشركين فى الآخرة يعيبهم نظيرها فى يونس (١) (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) وذلك أن المشركين فى الآخرة لما رأوا كيف يتجاوز الله عن أهل التوحيد فقال بعضهم لبعض إذا سئلنا قولوا : كنا موحدين فلما جمعهم الله وشركاءهم : قال لهم : (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) ـ ٢٢ ـ فى الدنيا بأن مع الله شريكا (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) يعنى معذرتهم إلا الكذب حين سئلوا فتبرءوا من ذلك ، فقالوا : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) ـ ٢٣ ـ قال الله : (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ) فى الآخرة (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) ـ ٢٤ ـ من الشرك فى الدنيا فختم على ألسنتهم وشهدت الجوارح بالكذب عليهم والشرك (وَمِنْهُمْ) يعنى كفار مكة (مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) وأنت تتلو القرآن يعنى يعنى النضر بن الحارث إلى آخر الآية (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) يعنى الغطاء عن القلب لئلا يفقهوا القرآن (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) يعنى ثقلا فلا يسمعوا يعنى النضر ، ثم قال : (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) يعنى انشقاق القمر ، والدخان فلا يصدقوا بأنها من الله ـ عزوجل ـ (حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ) فى القرآن بأنه ليس من الله ، (يَقُولُ) الله قال : (الَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى النضر (إِنْ هذا) القرآن (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ـ ٢٥ ـ يعنى أحاديث الأولين حديث رستم وإسفنديار (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان عند أبى طالب بن عبد المطلب يدعوه إلى الإسلام فاجتمعت قريش إلى أبى طالب ليريدوا بالنبي ـ عليه‌السلام ـ سوءا ، فسألوا أبا طالب

__________________

(١) يشير إلى الآية ١٧ من سورة يونس وهي : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ).

٥٥٥

أن يدفعه إليهم فيقتلوه ، فقال أبو طالب : ما لي عنه صبر. قالوا : ندفع إليك من سبايانا من شئت مكان ابن أخيك ، فقال أبو طالب : حين تروح الإبل فإن جاءت ناقة إلى غير فصيلها دفعته إليكم ، وإن كانت الناقة لا تحن إلا إلى فصيلها فأنا أحق من الناقة ، فلما أبى عليهم اجتمع منهم سبعة عشر رجلا من أشرافهم ورؤسائهم فكتبوا بينهم كتابا ألا يبايعوا بنى عبد المطلب ولا يناكحوهم ولا يخالطوهم ولا يؤاكلوهم حتى يدفعوا إليهم محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فيقتلوه فاجتمعوا فى دار شيبة بن عثمان صاحب الكعبة وكان هو أشد الناس على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال أبو طالب : [١١٥ ب]

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أغيب فى التراب دفينا

فانفذ لأمرك ما عليك غضاضة (١)

أبشر وقر بذاك منك عيونا

ودعوتني وزعمت أنك ناصحي

فلقد صدقت وكنت قدما (٢) أمينا

وعرضت دينا قد علمت بأنه

من خير أديان البرية دينا

لو لا الدمامة أو أخادن سبة (٣)

لوجدتني سمحا بذاك مبينا

فأنزل الله فى أبى طالب واسمه : عبد مناف بن شيبة وهو عبد المطلب ـ (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) كان ينهى قريش عن أذى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وبتباعد هو عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولا يتبعه على دينه (وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) ـ ٢٦ ـ يعنى أبا طالب (وَلَوْ تَرى) يا محمد (إِذْ وُقِفُوا

__________________

(١) ل : فامضه بنى فما عليك غضاضة.

(٢) روى : ثم.

(٣) كما وردت هذه الشطرة : لو لا الملامة أو حذار مسبة.

٥٥٦

عَلَى النَّارِ) يعنى كفار قريش هؤلاء الرؤساء تمنوا (فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا) يعنى القرآن بأنه من الله (وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ـ ٢٧ ـ يعنى المصدقين بالقرآن فى قولهم (بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) وذلك أنهم حين قالوا : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) أوحى الله إلى الجوارح فشهدت عليهم بما كتموا من الشرك فذلك قوله : (بَلْ بَدا لَهُمْ) يعنى ظهر لهم من الجوارح (ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) بألسنتهم من قبل أن تنطق الجوارح بالشرك فتمنوا عند ذلك الرجعة إلى الدنيا (فَقالُوا : يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا ...) إلى آخر الآية ، فأخبر الله عنهم فقال : (وَلَوْ رُدُّوا) إلى الدنيا كما تمنوا وعمروا فيها (لَعادُوا لِما) يعنى «لرجعوا لما» (١) (نُهُوا عَنْهُ) من الشرك والتكذيب (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) ـ ٢٨ ـ فى قولهم حين قالوا (وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بالقرآن. لما أخبر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كفار مكة بالبعث كذبوه (وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) ـ ٢٩ ـ بعد الموت ، فأخبر الله بمنزلتهم فى الآخرة فقال : (وَلَوْ تَرى) يا محمد (إِذْ وُقِفُوا) يعنى عرضوا (عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا) إنه الحق (قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) ـ ٣٠ ـ بالعذاب بأنه غير كائن نظيرها فى الأحقاف (٢). (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) يعنى بالبعث (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) يعنى يوم القيامة بغتة يعنى فجأة (قالُوا يا حَسْرَتَنا) يعنى كفار قريش (عَلى ما فَرَّطْنا فِيها) يقولون (٣) يا ندامتنا على ما ضيعنا فى الدنيا من ذكر الله ، ثم قال : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) ـ ٣١ ـ وذلك أن الكافر إذا بعث

__________________

(١) ما بين القوسين «...» زيادة اقتضاها السياق لتوضيح المعنى.

(٢) يشير إلى الآية ٣٤ من سورة الأحقاف وهي : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ).

(٣) فى أ : يقول.

٥٥٧

فى الآخرة أتاه عمله الخبيث فى صورة حبشي أشوه منتن الريح كريه المنظر فيقول له الكافر : من أنت؟ فيقول : أنا عملك الخبيث قد كنت أحملك فى الدنيا بالشهوات واللذات! فاحملني اليوم. فيقول : وكيف أطيق حملك؟ فيقول : كما حملتك ، فيركب ظهره ، فذلك قوله (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) يعنى ألا بئس ما يحملون (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ) يعنى إلا باطل (وَلَهْوٌ) يكون فى الدنيا (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ) يثنى على الجنة يقول : ولدار الجنة أفضل من الدنيا (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) الشرك (أَفَلا) يعنى فهلا (تَعْقِلُونَ) ـ ٣٢ ـ أن الدار الآخرة أفضل من الدنيا لأنها بعد دار الدنيا وإنما سميت الدنيا لأنها أدنى إلينا من دار الآخرة (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) نزلت فى الحارث بن عامر ابن نوفل بن عبد مناف بن قصى. كان الحارث يكذب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى العلانية فإذا خلا مع أهل ثقته ، قال : ما محمد من أهل الكذب ، وإنى لأحسبه صادقا وكان إذا لقى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : إنا لنعلم أن هذا الذي تقول حق وإنه لا يمنعنا (١) أن نتبع الهدى معك إلا مخافة أن يتخطفنا الناس يعنى العرب من أرضنا إن خرجنا فإنما نحن أكلة رأس ولا طاقة لنا بهم [نظيرها فى القصص (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) (٢) فأنزل الله : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) ـ فى العلانية بأنك كذاب مفتر] (٣). (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) فى السر بما تقول بأنك نبى رسول ، بل يعلمون أنك صادق وقد جربوا منك الصدق فيما مضى (٤) (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) ـ ٣٣ ـ يعنى بالقرآن بعد المعرفة (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ

__________________

(١) فى أ : ليعمنا. ل : لا يمنعنا.

(٢) سورة القصص : ٥٧

(٣) ما بين الأقواس [...] من ل ، وهي فى أمع تقديم المتأخر وتأخير المتقدم.

(٤) فى أزيادة : بأنك نبى رسول ، وليست فى ل.

٥٥٨

رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) وذلك قبل كفار مكة لأن كفار مكة قالوا : يا محمد ما يمنعك أن تأتينا بآية كما كانت الأنبياء تجيء بها إلى قومهم ، فإن فعلت صدقناك وإلا فأنت كاذب. فأنزل الله يعزى نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليصبر على تكذيبهم إياه وأن يقتدى بالرسل قبله (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) (١) (فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا) فى هلاك قومهم ، وأهل مكة بمنزلتهم فذلك قوله : (وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ) يعنى لا تبديل لقول الله بأنه ناصر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، ألا وقوله حق كما نصر الأنبياء قبله (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ) يعنى من حديث (الْمُرْسَلِينَ) ـ ٣٤ ـ حين كذبوا وأوذوا ثم نصروا (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ) يعنى ثقل عليك (إِعْراضُهُمْ) عن الهدى ولم تصبر على تكذيبهم إياك (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ) يعنى سربا (أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ) أى فإن لم تستطع فأت بسلم ترقى فيه إلى السماء (فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) فافعل إن استطعت (٢).

ثم عزى نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليصبر على تكذيبهم فقال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) ـ ٣٥ ـ فإن الله لو شاء لجعلهم مهتدين ، ثم ذكر إيمان المؤمنين فقال : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) الهدى يعنى القرآن ، ثم قال : (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) يعنى كفار مكة يبعثهم الله فى الآخرة (ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) ـ ٣٦ ـ يعنى يردون فيجزيهم (وَقالُوا لَوْ لا) يعنى هلا (نُزِّلَ عَلَيْهِ) محمد كما أنزل على الأنبياء (آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ) للكفار (إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ـ ٣٧ ـ بأن الله قادر على أن ينزلها

__________________

(١) فى أ : ولقد أرسلنا رسلا من قبلك إلى قوله (أَتاهُمْ نَصْرُنا). والمثبت من ل.

(٢) المعنى : أنك لا تستطيع ذلك فاصبر حتى يحكم الله. الجلالين.

٥٥٩

(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) ولا فى بر ولا فى بحر (١) (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) يعنى خلقا أصنافا مصنفة تعرف بأسمائهم (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ) يعنى ما ضيعتنا فى اللوح المحفوظ (مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) ـ ٣٨ ـ فى الآخرة ثم يصيرون من بعد ما يقتص بعضهم من بعض ترابا : يقال لهم كونوا ترابا (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) يعنى القرآن (صُمٌ) لا يسمعون الهدى (وَبُكْمٌ) لا يتكلمون به (فِي الظُّلُماتِ) يعنى الشرك (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ) عن الهدى نزلت فى بنى عبد الدار ابن قصى (وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ ٣٩ ـ يعنى على دين الإسلام منهم على بن أبى طالب ، والعباس ، وحمزة ، وجعفر ثم خوفهم فقال للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ) فى الدنيا كما أتى الأمم الخالية (أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) ثم رجع إلى عذاب الدنيا فقال (أَغَيْرَ اللهِ) من الآلهة (تَدْعُونَ) أن يكشف عنكم العذاب فى الدنيا (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ـ ٤٠ ـ بأن معه آلهة ، ثم رجع إلى نفسه فقال : (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ) يعنى وتتركون (ما تُشْرِكُونَ) ـ ٤١ ـ بالله من الآلهة فلا تدعونهم أن يكشفوا عنكم ولكنكم تدعون الله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) الرسل (إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) فكذب بهم قومهم كما كذب بك (٢) كفار مكة (فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ) لكي (يَتَضَرَّعُونَ) ـ ٤٢ ـ إلى ربهم فيتوبون إليه ، يقول (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا) يعنى الشدة والبلاء (تَضَرَّعُوا) إلى الله وتابوا إليه (٣) لكشف ما نزل بهم من البلاء (وَلكِنْ قَسَتْ) يعنى جفت (قُلُوبُهُمْ) فلم تلن (وَزَيَّنَ لَهُمُ

__________________

(١) فى أ : ولا بر ولا بحر. والمثبت من ل.

(٢) فى أ : فكذبوهم قومهم بما كذبوا بك كفار مكة. والمثبت من ل.

(٣) فى أزيادة : وتابوا ، وليست فى ل.

٥٦٠