المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٤
الشديد (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) ـ ٢٦٤ ـ ثم ذكر نفقة المؤمن الذي يريد بنفقته وجه الله ـ عزوجل ـ ولا يمن بها فقال ـ سبحانه ـ : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) يعنى وتصديقا من قلوبهم فهذا مثل نفقة المؤمن التي (١) يريد بها وجه الله ـ عزوجل ـ ولا يمن بها (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) يعنى بستان فى مكان مرتفع مستو (٢) تجرى من تحتها الأنهار (أَصابَها) (٣) يعنى أصاب الجنة (وابِلٌ) يعنى المطر الكثير الشديد (فَآتَتْ أُكُلَها) يقول أضعفت ثمرتها فى الحمل (ضِعْفَيْنِ) فكذلك الذي ينفق ماله لله ـ عزوجل ـ من غير من يضاعف له نفقته إن كثرت أو قلت كما أن المطر إذا اشتد أو قل أضعف ثمرة الجنة حين أصابها وابل (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ) أى أصابها عطش من المطر وهو الرذاذ مثل الندى [٤٦ أ](وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) يعنى بما تنفقون (بَصِيرٌ) ـ ٢٦٥ ـ (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ) هذا مثل ضربه ـ عزوجل ـ لعمل الكافر : جنة (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ) يعنى عجزة لا حيلة لهم (فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ) يعنى ريح فيها نار يعنى فيها سموم حارة (فَاحْتَرَقَتْ) يقول مثل الكافر كمثل شيخ كبير له بستان فيه من كل الثمرات وله ذرية أولاد صغار يعنى عجزة لا حيلة لهم فمعيشته ومعيشة ذريته من بستانه فأرسل الله ـ عزوجل ـ على بستانه السموم الحارة فأحرقت بستانه فلم يكن له قوة من كبره أن يدفع عن جنته ، ولم تستطع ذريته الصغار أن يدفعوا عن جنتهم التي كانت معيشتهم منها حين احترقت ، ولم يكن للشيخ قوة أن يغرس
__________________
(١) فى أ : الذي.
(٢) فى أ : مستوى.
(٣) ساقطة من أ ، ل.
مثل جنته ولم يكن عند ذريته خير فيعودون به على أبيهم عند ما كان أحوج (١) إلى خير يصيبه ، ولا يجد خيرا ، ولا يدفع عن نفسه عذابا كما لم يدفع الشيخ الكبير ولا ذريته عن جنتهم شيئا حين احترقت ولا يرد الكافر إلى الدنيا فيعتب كما لا يرجع الشيخ الكبير شابا فيغرس جنة مثل جنته ولم يقدم لنفسه خيرا ، فيعود عليه فى الآخرة وهو أحوج ما يكون (٢) إليه كما لم يكن عند ولده شيئا فيعودون به على أبيهم ، ويحرم الخير فى الآخرة عند شدة حاجته إليه كما حرم (٣) جنته عند ما كان أحوج ما يكون إليها عند كبر سنه وضعف ذريته (كَذلِكَ) يعنى هكذا (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) يعنى يبيّن الله أمره (لَعَلَّكُمْ) (٤) يقول لكي (تَتَفَكَّرُونَ) ـ ٢٦٦ ـ فى أمثال الله ـ عزوجل ـ فتعتبروا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) يقول أنفقوا من الحلال مما رزقناكم من الأموال الفضة والذهب وغيره (وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) وأنفقوا من طيبات الثمار والنبات. وذلك أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : أمر الناس بالصدقة قبل أن تنزل آية الصدقات فجاء رجل بعزق (٥) من تمر عامته حشف فوضعه فى المسجد مع التمر فقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : من جاء بهذا فقالوا لا ندري «فأمر النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن يعلق العزق» (٦) فمن نظر إليه قال بئس ما صنع صاحب هذا (٧) فقال الله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) يقول ولا تعمدوا إلى الحشف من التمر الرديء من طعامكم للصدقات (مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ)
__________________
(١) فى أ ، ل : عند أحوج ما كان.
(٢) فى أ ، ل : كان.
(٣) فى أ : أحرمه ، ل : حرم.
(٤) ساقطة من أ ، ل.
(٥) فى أ : بعذق ، ل : بعرق.
(٦) فى أ : فأمر النبي ـ صلى الله عليه فعلق.
(٧) ورد ذلك فى أسباب النزول للسيوطي : ٤١. وفى أسباب النزول للواحدي : ٤٨.
يعنى الرديء بسعر الطيب لأنفسكم يقول لو كان لبعضكم على بعض حق لم يأخذ دون حقه ، ثم استثنى فقال. (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) يقول [٤٦ ب] إلا أن يهضم بعضكم على بعض حقه فيأخذ دون حقه وهو يعلم أنه رديء فيأخذه (١) على علم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌ) عما عندكم من الأموال (حَمِيدٌ) ـ ٢٦٧ ـ عند خلقه فى ملكه وسلطانه. ثم قال ـ سبحانه ـ : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) عند الصدقة ويأمركم أن تمسكوا صدقتكم : فلا تنفقوا فلعلكم تفتقرون (٢) (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) يعنى المعاصي يعنى بالإمساك عن الصدقة (وَاللهُ يَعِدُكُمْ) عند الصدقة (مَغْفِرَةً مِنْهُ) لذنوبكم ويعدكم (وَفَضْلاً) يعنى الخلف من صدقتكم فيجعل لكم الخلف بالصدقة فى الدنيا ويغفر لكم الذنوب فى الآخرة (وَاللهُ واسِعٌ) لذلك الفضل (عَلِيمٌ) ـ ٢٦٨ ـ بما تنفقون. وذلك قوله ـ سبحانه ـ فى التغابن (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) (٣) يعنى به الصدقة محتسبا طيبة بها نفسه يضاعفه لكم فى الدنيا ، ويغفر لكم بالصدقة فى الآخرة (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ) يقول ومن يعط الحكمة وهي علم القرآن (٤) والفقه فيه (فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) يقول فقد أعطى خيرا كثيرا (وَما يَذَّكَّرُ) فيما يسمع (إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) ـ ٢٦٩ ـ يعنى أهل اللب والعقل. ثم قال : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ) من خير من أموالكم فى الصدقة (أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ) فى حق (فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) يقول فإن الله يحصيه (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) ـ ٢٧٠ ـ يعنى للمشركين من مانع من النار. قوله ـ سبحانه ـ : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ) يقول إن تعلنوها (فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ
__________________
(١) فى أ : فيأخذ.
(٢) فى أ : فلا تنفقوا ولعلكم تتقون. والمثبت من ل.
(٣) سورة التغابن : ١٧ وتمامها (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ).
(٤) فى أ : على ، ل : علم
تُخْفُوها) يعنى تسروها (وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) من العلانية وأعظم أجرا يضاعف سبعين ضعفا (١) (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ) بصدقات السر والعلانية (مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) من ذنوبكم يعنى ذنوبكم أجمع ومن هاهنا صلة : وكل مقبول : السر والعلانية (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ـ ٢٧١ ـ (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) نزلت فى المشركين ، لأنه يأمر بالصدقة عليهم من غير زكاة ، نزلت فى أسماء بنت أبى بكر ـ رضى الله عنه ـ سألت النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن صلة جدها أبى قحافة وعن صلة امرأته وهما كافران فكأنه شق عليه (٢) صلتهما فنزلت (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) يعنى أبا قحافة (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) إلى دينه الإسلام (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) يعنى المال (فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) يعنى المال (يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) يعنى توفر لكم أعمالكم (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) ـ ٢٧٢ ـ فيها ثم بين على من ينفق فقال : النفقة (لِلْفُقَراءِ) (٣) (الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) يقول حبسوا نظيرها (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) (٤) يعنى حبستم. وأيضا (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) (٥) يعنى محبسا. (الَّذِينَ أُحْصِرُوا) حبسوا أنفسهم بالمدينة [٤٧ أ] فى طاعة الله ـ عزوجل ـ فهم أصحاب الصفة. قال حدثنا عبيد الله عن أبيه عن هذيل بن حبيب عن مقاتل ابن سليمان : منهم ابن مسعود وأبو هريرة والموالي أربعمائة رجل لا أموال لهم
__________________
(١) فى أ : زيادة يعنى.
(٢) فى أ : عليها. وفى أسباب النزول للسيوطي : ٤٢ هذه القصة وأضاف فيها المشقة إلى الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم.
(٣) فى أ : للفقراء المهاجرين.
(٤) سورة البقرة : ١٩٦ وأولها (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ).
(٥) سورة الإسراء : ٨ وتمامها (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً).
بالمدينة ، فإذا كان الليل آووا إلى صفة المسجد فأمر الله ـ عزوجل ـ بالنفقة عليهم (لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) يعنى سيرا كقوله ـ سبحانه ـ (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) (١) يعنى إذا سرتم فى الأرض يعنى التجارة (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ) بأمرهم وشأنهم (أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) يعنى بسيما الفقر عليهم لتركهم المسألة (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) فيلحفون فى المسألة (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) يعنى من مال كقوله ـ عزوجل ـ (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) (٢) يعنى مالا للفقراء أصحاب الصفة (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) ـ ٢٧٣ ـ يعنى بما أنفقتم عليم. (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) فى الصدقة (بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) نزلت فى على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ لم يملك غير أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا ، وبدرهم نهارا وبدرهم سرا ، وبدرهم علانية ، فقال له النبي ـ صلىاللهعليهوسلم : ما حملك على ذلك. قال : حملني أن أستوجب من الله الذي وعدني. فقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : الآن لك ذلك قال فأنزل الله ـ عزوجل ـ فيه (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) (٣) (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ـ ٢٧٤ ـ عند الموت (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا) استحلالا
__________________
(١) سورة النساء : ١٠١.
(٢) سورة البقرة : ١٨٠.
(٣) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي : ٥٠.
وقال السيوطي فى أسباب النزول : ٤٢ (أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبى حاتم والطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية فى على بن أبى طالب ، كانت معه أربعة دراهم فأنفق بالليل درهما وبالنهار درهما وسرا درهما وعلانية درهما.
وأخرج ابن المنذر عن ابن المسيب قال : الآية نزلت فى عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان فى نفقتهما فى جيش العسرة.
فإسناد الإنفاق إلى على سنده ضعيف. ومقاتل نفسه شيعى زيدي وفى تفسيره : يروى الآثار الواردة فى حق على ولو كان سندها ضعيفا)
(لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) فى الدنيا وذلك علامة أكل الربا (ذلِكَ) الذي نزل بهم يوم القيامة (بِأَنَّهُمْ قالُوا) (١) (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) فأكذبهم الله ـ عزوجل ـ فقال : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) فكان الرجل إذا حل ماله فطلبه فيقول المطلوب زدني فى الأجل ، وأزيدك على مالك ، فيفعلان ذلك فإذا قيل لهم إن هذا ربا ، قالوا : سواء زدت فى أول البيع أو فى آخره عند محل المال فهما سواء فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) فقال الله ـ عزوجل ـ : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) يعنى البيان فى القراءة (فَانْتَهى) عن الربا (فَلَهُ ما سَلَفَ) يقول ما أكل من الربا قبل التحريم (وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) بعد التحريم وبعد تركه. إن شاء عصمه من الربا وإن شاء لم يعصمه قال : (وَمَنْ عادَ) فأكله استحلالا ، لقولهم إنما البيع مثل الربا. يخوف أكلة الربا فى الدنيا أن يستحلوا أكله فقال [٤٧ ب] : (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ـ ٢٧٥ ـ لا يموتون. ثم قال ـ سبحانه ـ : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) فيضمحل وينقص (وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) يعنى ويضاعف الصدقات (٢) (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) ـ ٢٧٦ ـ بربه ـ عزوجل ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ) المكتوبة فى مواقيتها (وَآتَوُا الزَّكاةَ) يعنى وأعطوا الزكاة من أموالهم (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ـ ٢٧٧ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) ولا تعصوه (وَذَرُوا) يعنى واتقوا (ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ـ ٢٧٨ ـ
__________________
(١) فى أ : لأنهم. وفى حاشية أ : القراءة بأنهم.
(٢) فى أ : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) فيضمحل وينقص (وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) يعنى ويضاعف الصدقات.
نزلت فى أربعة إخوة من ثقيف (١) مسعود ، وحبيب ، وربيعة ، وعبد ياليل ، وهم بنو عمرو بن عمير بن عوف الثقفي كانوا يداينون بنى المغيرة بن عبد الله بن عمر ابن مخزوم. وكانوا يربون (٢) لثقيف فلما أظهر الله ـ عزوجل ـ النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على الطائف اشترطت ثقيف أن كل ربا لهم على الناس فهو لهم وكل ربا للناس عليهم فهو موضوع عنهم فطلبوا رباهم إلى بنى المغيرة فاختصموا إلى عتاب بن أسيد بن أبى العيص بن أمية ـ كان النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ استعمله على مكة. وقال له : أستعملك على أهل الله. وقالت بنو المغيرة : اجعلنا أشقى الناس بالربا ، وقد وضعه عن الناس؟ فقالت ثقيف : إنا صالحنا النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن لنا ربانا فكتب عتاب إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فى المدينة (٣). بقصة الفريقين. فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ بالمدينة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى ثقيفا (اتَّقُوا اللهَ) (٤) (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) الآية. لأنه لم يبق غير رباهم (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فأقروا بتحريمه (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) وتقروا بتحريمه (فَأْذَنُوا) يعنى فاستيقنوا (بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) يعنى الكفر (وَإِنْ تُبْتُمْ) من استحلال الربا وأقررتم بتحريمه (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) التي أسلفتم لا تزدادوا (لا تَظْلِمُونَ) أحدا إذا لم تزدادوا على أموالكم (وَلا تُظْلَمُونَ) ـ ٢٧٩ ـ فتنقصون من رءوس أموالكم. فبعث النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بهذه الآية إلى عتاب بن أسيد بمكة فأرسل عتاب إلى بنى عمرو بن عمير فقرأ عليهم الآية. فقالوا : بل نتوب إلى الله ـ عزوجل
__________________
(١) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي : ٥٠ ، ٥١. وفى أسباب النزول للسيوطي : ٤٢.
(٢) فى أ : يدينون. وفى الواحدي : يربون.
(٣) فى أ : إلى.
(٤) ما بين الأقواس «...» : ساقط من أ ، ل.
ـ ونذر ما بقي من الربا فإنه لا يدان (١) لنا بحرب الله ورسوله فطلبوا رءوس أموالهم إلى بنى المغيرة فاشتكوا العسرة. فقال الله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ كانَ) المطلوب (ذُو عُسْرَةٍ) من القوم يعنى بنى المغيرة (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) يقول فأجله إلى غناه كقوله ـ سبحانه ـ (أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (٢) يقول أجلنى (وَأَنْ تَصَدَّقُوا) [٤٨ أ] به كله على بنى المغيرة وهم معسرون فلا تأخذونه فهو (خَيْرٌ لَكُمْ) من أخذه (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ـ ٢٨٠ ـ (وَاتَّقُوا يَوْماً) يخوفهم (تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى) يعنى (٣) توفى (كُلُّ نَفْسٍ) بر وفاجر ثواب (ما كَسَبَتْ) من خير وشر (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ـ ٢٨١ ـ فى أعمالهم وهذه آخر آية نزلت من القرآن ، ثم توفى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بعدها بتسع ليال ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) يعنى اكتبوا الدين والأجل (وَلْيَكْتُبْ) الكاتب بين البائع والمشترى (بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) يعدل بينهما فى كتابه فلا يزداد على المطلوب ولا ينقص من حق الطالب (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ) الكتابة وذلك أن الكتاب كانوا قليلا على عهد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقول (فَلْيَكْتُبْ) الكاتب (وَلْيُمْلِلِ) على الكاتب (الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) يعنى المطلوب ثم خوف المطلوب فقال ـ عزوجل ـ : (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) يعنى ولا ينقص المطلوب من الحق شيئا كقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) (٤) (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً) يعنى جاهلا بالإملاء (أَوْ ضَعِيفاً) يعنى أو عاجزا أو به حمق (أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ) لا يعقل الإملاء لعيه أو لخرسه أو لسفهه ثم رجع إلى الذي له الحق فقال
__________________
(١) فى أ : لا يداين. وفى أسباب النزول للواحدي : لا يدان.
(٢) سورة الأعراف : ١٤.
(٣) هكذا فى أ.
(٤) سورة الأعراف : ٨٥.
ـ سبحانه ـ : (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ) يعنى ولى الحق فليملل هو (بِالْعَدْلِ) يعنى بالحق ولا يزداد شيئا ولا ينقص كما قال للمطلوب قبل ذلك وأمر كليهما بالعدل ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَاسْتَشْهِدُوا) على حقكم (شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) يقول ولا يشهد الرجل على حقه إلا مرضيا إن كان (١) الشاهد رجلا أو امرأة. ثم قال : (أَنْ تَضِلَ) المرأة يعنى أن تنسى (إِحْداهُما) الشهادة (فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا) الشهادة (الْأُخْرى) يقول تذكرها المرأة الأخرى التي حفظت شهادتهما ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) يقول إذا ما دعى الرجل ليستشهد على أخيه فلا يأب إن كان فارغا. ثم قال : (وَلا تَسْئَمُوا) يقول ولا تملوا وكل شيء فى القرآن تسأموا يعنى تملوا (أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً) يعنى قليل الحق وكثيره (إِلى أَجَلِهِ) لأن الكتاب أحصى للأجل وأحفظ للمال (ذلِكُمْ) يعنى الكتاب (أَقْسَطُ) يعنى أعدل (عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ) يعنى وأصوب (لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) يعنى وأجدر ألا تشكوا نظيرها (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ) (٢) أى أجدر (٣).
ونظيرها فى الأحزاب (ذلِكَ أَدْنى) [٤٨ ب] يعنى أجدر (أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَ) (٤) فى الحق والأجل والشهادة إذا كان مكتوبا ثم رخص فى الاستثناء فقال : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ) وليس فيها أجل (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ
__________________
(١) فى حاشية أ : يحتمل أنه وامرأتين.
(٢) سورة المائدة : ١٠٨.
(٣) فى أ : ذلك أدنى ـ أجدر ـ أن يأتوا بالشهادة.
(٤) سورة الأحزاب : ٥١ وتمامها (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً).
جُناحٌ) يعنى حرج (أَلَّا تَكْتُبُوها) يعنى التجارة الحاضرة إذا كانت يدا بيد على كل حال (وَأَشْهِدُوا) على حقكم (إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) يقول لا يعمد أحدكم إلى الكاتب والشاهد فيدعوهما إلى الكتابة والشهادة ولهما حاجة : فيقول أكتب لي فإن الله أمرك أن تكتب لي فيضاره بذلك وهو يجد غيره ، ويقول للشاهد وهو يجد غيره اشهد لي على حقي ، فإن الله قد أمرك أن تشهد على حقي ، وهو يجد غيره من يشهد له على حقه فيضاره بذلك ، فأمر الله ـ عزوجل ـ أن يتركا لحاجتهما ويلتمس غيرهما (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) يقول وإن تضاروا الكاتب والشاهد وما نهيتم عنه فإنه إثم بكم ، ثم خوفهم فقال ـ سبحانه ـ : (وَاتَّقُوا اللهَ) ولا تعصوه فيهما (وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ـ ٢٨٢ ـ من أعمالكم عليم. ثم قال : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) يقول إذا لم يكن الكاتب والصحيفة حاضرين (١) فليرتهن الذي عليه الحق من المطلوب (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) فى السفر فإن كان الذي عليه الحق أمينا عند صاحب الحق فلم يرتهن منه لثقته به ، وحسن ظنه [(فَلْيُؤَدِّ) ذلك (الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) يقول ليرد على صاحب الحق حقه حين ائتمنه ولم يرتهن منه. ثم خوفه الله ـ عزوجل ـ فقال : (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) يعنى الذي عليه الحق (٢)]. ثم رجع إلى الشهود فقال : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) عند الحاكم يقول من أشهد على حق فليشهد بها على وجهها كما كانت عند الحاكم
__________________
(١) فى أ ، ل : حاضر.
(٢) فى أ ، ل : ما بين الأقواس [فخوفه الله ـ عزوجل ـ فقال : (وَلْيَتَّقِ اللهَ) يعنى الذي عليه الحق «فليؤد» ذلك (الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) يقول ليرد على صاحب الحق حقه حين ائتمنه ولم يرتهن منه] وهو مخالف لترتيب القرآن. فعدلته.
فلا تكتموا الشهادة ، قال : (وَمَنْ يَكْتُمْها) ولا يشهد بها عند الحاكم (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من كتمان الشهادة وإقامتها (عَلِيمٌ) ـ ٢٨٣ ـ (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) من الخلق عبيده وفى ملكه يقضى فيهم ما يريد (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) يقول إن تعلنوا بألسنتكم ما فى قلوبكم من ولاية الكفار والنصيحة أو تسروه (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من العذاب والمغفرة (قَدِيرٌ) ـ ٢٨٤ ـ فلما نزلت هذه الآية قال المسلمون : يا رسول الله ، إنا نحدث أنفسنا بالشرك والمعصية ، أفيحاسبنا الله بها ولا نعملها؟ فأنزل الله ـ عزوجل ـ فى قولهم فى التقديم (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) يقول لا يكلفها من العمل إلا ما أطاقت (لَها ما كَسَبَتْ) من الخير [٤٩ أ] وما عملته وتكلمت به (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) من الإثم. فنسخت هذه الآية قوله ـ سبحانه ـ : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) (١) قال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عند ذلك : إن الله ـ عزوجل ـ تجاوز عن أمتى ما حدثوا به أنفسهم ما لم يعملوه أو يتكلموا به. قوله ـ سبحانه ـ : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) يقول صدق محمد بما أنزل إليه من ربه من القرآن ، ثم قال : (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ) يقول كل صدق بالله بأنه واحد لا شريك له (وَ) صدق ب (مَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) يقول لا يكفر بأحد من رسله فكل هذه الرسل صدق بهم المؤمنون (لا نُفَرِّقُ) (٢) (بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) كفعل أهل الكتاب آمنوا ببعض الكتب وببعض الرسل فذلك التفريق فأما اليهود فآمنوا بموسى وبالتوراة وكفروا بالإنجيل والقرآن ، وأما النصارى فآمنوا بالتوراة والإنجيل وبعيسى ـ صلى الله
__________________
(١) فى أ : يحاسبكم الله.
(٢) فى أ : ثم لم يفرقوا.
عليه وسلم ـ وكفروا بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وبالقرآن (وَقالُوا) (١) فقال المؤمنون بعد ذلك : (سَمِعْنا) قول ربنا فى القرآن (وَأَطَعْنا) أمره. ثم قال لهم بعد ما أقروا بالنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والكتب : أن (غُفْرانَكَ رَبَّنا) يقول قولوا وأعطنا مغفرة منك يا ربنا (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) ـ ٢٨٥ ـ يقول المرجع إليك فى الآخرة. ثم قال ـ سبحانه ـ : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) يقول لا يكلفها من العمل إلا ما أطاقت (لَها ما كَسَبَتْ) من الخير وما عملت أو تظلمت به (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) من الإثم ثم علم جبريل (٢) النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن يقول : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) يقول إن جهلنا عن شيء أو أخطأنا ، فتركنا أمرك قال الله ـ عزوجل ـ : ذلك لك. ثم قال : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) يعنى عهدا (كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) ما كان حرم عليهم من لحوم الإبل وشحوم الغنم ولحوم كل ذى ظفر يقول لا تفعل ذلك بأمتى بذنوبها كما فعلته ببني إسرائيل فجعلتهم قردة وخنازير قال الله ـ تعالى ـ : ذلك لك. ثم قال : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا) يقول واعف عنا من ذلك (وَاغْفِرْ لَنا) يقول وتجاوز عنا ، عن ذنوبنا من ذلك كله واغفر (وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا) يقول أنت ولينا (فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) ـ ٢٨٦ ـ يعنى كفار مكة وغيرها إلى يوم القيامة قال الله ـ تعالى ـ : ذلك لك. فاستجاب الله ـ عزوجل ـ له ذلك فيما سأل وشفعه فى أمته وتجاوز لها عن الخطايا والنسيان وما استكرهوا عليه. فلما نزلت قرأهن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على أمته وأعطاه الله ـ عزوجل ـ [٤٩ ب] هذه الخصال كلها فى الآخرة ولم يعطها أحدا من الأمم الخالية.
__________________
(١) فى أ : فقال.
(٢) فى أ : جبريل عليهالسلام.
قال : حدثنا عبيد الله بن ثابت ، قال : حدثني الهذيل عن مقاتل ، قال : بلغني أن الله ـ عزوجل ـ كتب كتابا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفى عام فهو عنده على العرش فأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة (آمَنَ الرَّسُولُ ...) إلى آخرها. فمن قرأها فى بيته لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام ولياليهن. قال : حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبى عن الهذيل أبى صالح عن مقاتل بن سليمان فى قوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ) قال : فقال أبو الدحداح : يا رسول الله إن تصدقت بصدقة أفلي مثلها فى الجنة؟ قال : نعم. قال : والصبية معى؟ قال : نعم. قال : وأم الدحداح معى؟ قال : نعم. قال : وكان له حديقتان إحداهما تسمى الجنة ، والأخرى الجنينة وكانت الجنينة أفضل من الجنة. قال : يا رسول الله ، أشهد بأنى قد تصدقت بها على الفقراء أو بعتها من الله ورسوله فمن يقبضها (قال وجاء إلى باب الحديقة فتحرج أن يدخلها إذ جعلها لله ورسوله فصاح (١)» :
__________________ (١) فى ل : ... عن مقاتل بن سليمان قال : فوقف أبى (كذا) الدحداح على باب الحديقة ومعه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ليستلمها منه فنادى يا أم الدحداح هداك الهادي ... والمثبت من أ. (٢) ما بين الأقواس «...» : ساقط من أومثبت فى ل. (٣) ما بين الأقواس «...» : ساقط من أومثبت فى ل. |
واستيقنى وفقت للرشاد |
|
فارتحلى بالفضل والأولاد |
إن التقى والبر خير زاد |
|
قدمه المرء إلى المعاد (١) |
فأجابته : ربح بيعك والله لو لا شرطك ما كان لك منه إلا مالك. وأنشأت تقول (٢)
مثلك أحيا ما لديه ونصح |
|
وأشهر الحق إذا الحق وضح |
قد منح الله عيالي ما صلح |
|
بالعجوة السوداء والزهر (٣) البلح |
والله أولى بالذي كان منح |
|
مع واجب الحق ومع ما قد صرح |
والعبد يسعى وله ما قد كدح |
|
طول الليالي وعليه ما اجترح |
قال : ثم خرجت وجعلت تنفض ما فى أكمام الصبيان ، وتخرج ما فى أفواههم ، ثم خرجوا وسلموا الحديقة إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كم من نخلة [١٥٠ أ] لأبى الدحداح مدلا عذوقها فى الجنة لو اجتمع على عذق منها أهل منى أن يقلوه ما أقلوه (٤).
__________________
(١) فى أ : للمعاد ، والمثبت من ل.
(٢) فى أ : وأنشأ ، ل : وأنشأت.
(٣) فى أ : الزهو ، ل : الزهر.
(٤) قصة أبى الدحداح أوردها ابن كثير ج ١ : ٢٢٩ عند تفسيره لقوله ـ تعالى ـ : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). سورة البقرة : ٢٤٥.