تفسير مقاتل بن سليمان - ج ١

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ١

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٤

مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٧٧) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩) تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (٨٠) وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٨١) لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا

٤٤١

مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤) فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٨٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨) لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا

٤٤٢

فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٩٢) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٩٥) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩٦) جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧) اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨) ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ

٤٤٣

وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٩٩) قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (١٠٢) ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٠٣) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٠٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً

٤٤٤

لَمِنَ الْآثِمِينَ (١٠٦) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٧) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (١٠٨) يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١٠٩) إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١١٠) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (١١١) إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢)

٤٤٥

قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (١١٥) وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١١٦) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨) قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١٩) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٢٠))

٤٤٦

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة المائدة مدنية ، نهارية كلها ، عشرون ومائة آية كوفية إلا قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) الآية (١) فإنها نزلت بعرفة.

__________________

(١) وتمام الآية : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سورة المائدة : ٣.

أ ـ تاريخ نزول سورة المائدة :

نزلت سورة المائدة بعد سورة الفتح ، وكان نزول سورة الفتح بعد صلح الحديبية فى السنة السادسة من الهجرة. فيكون نزول سورة المائدة فيما بين صلح الحديبية وغزوة تبوك. وقد سميت هذه السورة بهذا الاسم لأنه ذكر فيها حديث المائدة التي أنزلت من السماء على حواريي عيسى ـ عليه‌السلام.

ب ـ الغرض منها :

نزلت سورة المائدة بعد صلح الحديبية. فاستهلت بالأمر بوفاء العقود ثم بيان ما أحله الله ـ تعالى ـ من البهائم ، وذكر تحريم المحرمات ، وبيان إكمال الدين ، وذكر الصيد ، والجوارح وحل طعام الكتاب ، وجواز نكاح المحصنات منهن. وتفصيل الغسل والطهارة والصلاة وحكم الشهادات والبينات وخيانة أهل الكتاب القرآن ، ومن أنزل عليه ، وذكر المنكرات من مقالات النصارى ، وقصة بنى إسرائيل مع العمالقة ، وحبس الله ـ تعالى ـ إياهم فى التيه بدعاء بلعام ، وحديث قتل قابيل أخاه هابيل ، وحكم قطاع الطريق وحكم السرقة ، وحد السراق ، وذم أهل الكتاب ، وبيان نفاقهم وتجسسهم وبيان الحكم بينهم ، وبيان القصاص فى الجراحات ، وغيرها ، والنهى عن موالاة اليهود والنصارى ، والرد على أهل الردة ، وفضل الجهاد ، وإثبات ولاية الله ورسوله للمؤمنين ، وذم اليهود فى قبائح أقوالهم. وذم النصارى بفاسد اعتقادهم ، وبيان كمال عداوة الطائفتين للمسلمين ، ومدح أهل الكتاب الذين قدموا من الحبشة وحكم اليمين ، وكفارتها ، وتحريم الخمر ، وتحريم الصيد على المحرم ، والنهى عن الأسئلة الفاسدة. وحكم شهادات أهل الكتاب وفصل الخصومات ، ومحاورة الأمم رسلهم فى القيامة ، وذكر معجزات عيسى ونزول المائدة ، وسؤال الحق ـ تعالى ـ إياه فى القيامة تقريعا للنصارى ، وبيان نفع الصدق يوم القيامة للصادقين.

انظر : «بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي ، تحقيق النجار : ١٧٨».

٤٤٧

بسم الله الرحمن الرحيم

قال مقاتل : قوله ـ سبحانه ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) يعنى بالعهود التي بينكم وبين المشركين (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) يعنى أحل لكم أكل لحوم الأنعام الإبل والبقر والغنم والصيد كله (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) يعنى غير ما نهى الله ـ عزوجل ـ عن أكله مما حرم الله ـ عزوجل ـ من الميتة والدم ولحم الخنزير والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة ، ثم قال : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) يقول من غير أن تستحلوا الصيد (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) يقول إذا كنت محرما بحج أو عمرة فالصيد عليك حرام كله غير صيد البحر فإنه حلال لك (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) ـ ١ ـ فحكم أن جعل ما شاء من الحلال حراما ، وجعل ما شاء مما حرم فى الإحرام من الصيد حلالا قال ـ تعالى ـ ذكره : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) يعنى مناسك الحج والعمرة. وذلك أن الخمس قريشا وخزاعة وكنانة وعامر بن صعصعة كانوا يستحلون أن يغير بعضهم على بعض فى الأشهر الحرم وغيرها وكانوا لا يسعون بين الصفا والمروة وكانوا لا يرون الوقوف بعرفات من شعائر الله. فلما أسلموا أخبرهم الله ـ عزوجل ـ بأنها من شعائر الله ، فقال ـ عزوجل ـ : (الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) (١) وأمر ـ سبحانه ـ أن يسعى بينهما وأنزل (٢) الله ـ عزوجل ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ) يقول لا تستحلوا القتل فى الشهر الحرام وذلك أن أبا ثمامة جنادة بن عوف بن أمية من بنى كنانة كان يقوم كل سنة فى سوق عكاظ ، فيقول : ألا إنى قد أحللت المحرم وحرمت صفرا وأحللت كذا وحرمت كذا ما شاء. وكانت العرب

__________________

(١) سورة البقرة : ١٥٨.

(٢) فى أ : فأنزل.

٤٤٨

تأخذ به فأنزل الله ـ تعالى ـ (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى جنادة بن عوف (يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) يعنى خلافا على الله جل اسمه ـ وعلى ما حرم (فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ) (١) من الأشهر الحرم. ثم رجع إلى الآية الأولى فى التقديم فقال تعالى : (وَلَا الْقَلائِدَ) كفعل أهل الجاهلية وذلك أنهم كانوا يصيبون من الطريق قال : وكان فى الجاهلية من (٢) أراد الحج من غير أهل الحرم يقلد نفسه من الشعر والوبر فيأمن به إلى مكة ، وإن كان من أهل الحرم قلد نفسه وبعيره من لحيا شجر الحرم فيأمن به حيث يذهب فهذا فى غير أشهر الحرم فإذا كان أشهر الحرم [٩٢ أ] لم يقلدوا أنفسهم ولا أباعرهم وهم يأمنون حيث ما ذهبوا قال ـ عزوجل ـ (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) يعنى متوجهين نحو البيت ، نزلت فى الخطيم (٣) يقول لا تتعرضوا (٤) لحجاج بيت الله (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ) يعنى الرزق فى التجارة فى مواسم الحج (وَرِضْواناً) يعنى رضوان الله بحجهم فلا يرضى الله عنهم حتى يسلموا فنسخت آية السيف هذه الآية كلها (٥) ، قوله ـ سبحانه ـ (وَإِذا حَلَلْتُمْ) من الإحرام (فَاصْطادُوا) يقول إذا حللتم من إحرامكم فاصطادوا (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) يقول ولا يحملنكم عداوة المشركين من أهل مكة (أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) يعنى منعوكم من (٦)

__________________

(١) سورة التوبة : ٣٧.

(٢) فى أ : إذا ، ل : من.

(٣) فى أ : الخطيم ، ل : الحطيم. وفى أسباب النزول للواحدي : ١٠٧. نزلت فى الخطيم واسمه شريح بن ضبيع الكندي.

(٤) فى أ : تعرضوا.

(٥) وكم نسخوا بآية السيف هذه؟ ، والواقع أنه لا نسخ هنا ولا تعارض.

(٦) فى أ : عن.

٤٤٩

دخول البيت الحرام أن تطوفوا (١) به عام الحديبية. (أَنْ تَعْتَدُوا) يعنى أن ترتكبوا (٢) معاصيه فتستحلوا أخذ الهدى والقلائد والقتل فى الشهر الحرام من حجاج بكر ابن وائل من أهل اليمامة ، نزلت فى الخطيم واسمه شريح بن ضبيعة بن شرحبيل ابن عمر بن جرثوم البكري من بنى قيس بن ثعلبة وفى حجاج المشركين وذلك أن شريح بن ضبيعة جاء إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : يا محمد ، أعرض علىّ دينك. فعرض عليه وأخبره بما له وبما عليه ، فقال له شريح : إن فى دينك هذا غلظا ، فأرجع إلى قومي فأعرض عليهم ما قلت فإن قبلوه كنت معهم ، وإن لم يقبلوه كنت معهم. فخرج من عند النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ. فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : لقد دخل بقلب كافر وخرج بوجه غادر وما أرى الرجل بمسلم. ثم مر على سرح المدينة فاستاقها فطلبوه فسبقهم إلى المدينة وأنشأ يقول :

قد لفها الليل بسواق حطم

ليس براعي إبل ولا غنم

ولا بجزار على ظهر وضم

خدلج الساق ولا رعش القدم

قال أبو محمد «عبد الله بن ثابت : سمعت أبى يقول : قال أبو صالح» (٣) : قتله رجل من قومه على الكفر وقدم الرجل الذي قتله مسلما (٤). فلما سار رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ معتمرا عام الحديبية فى العام الذي صده المشركون جاء شريح إلى مكة معتمرا معه تجارة عظيمة فى حجاج بكر بن وائل فلما سمع أصحاب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بقدوم شريح وأصحابه وعرفوا بنبئهم فأراد

__________________

(١) فى أ : يطوفوا.

(٢) فى الأصل : تركبوا.

(٣) ما بين الأقواس «...» مختصر فى أ ، ومثبت فى ل.

(٤) كان ذلك فى آخر حياته.

٤٥٠

أهل السرح أن يغيروا عليه كما أغار عليهم من قبل شريح وأصحابه فقالوا : نستأمر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فاستأمروه فنزلت الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) يعنى أمر المناسك ولا تستحلوا فى الشهر الحرام أخذ الهدى [٩٢ ب] ولا القلائد يقول ولا تخيفوا من قلد بعيره ولا تستحلوا القتل آمين البيت الحرام يعنى متوجهين قبل البيت الحرام من حجاج المشركين يعنى شريح ابن ضبيعة وأصحابه يبتغون بتجاراتهم فضلا من الله يعنى الرزق والتجارة ورضوانه بحجهم ، فنهى الله ـ عزوجل ـ نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن قتالهم ثم لم يرض منهم حتى يسلموا فنسخت هذه الآية آية السيف (١) ، فقال ـ عزوجل ـ (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (٢) ثم قال ـ تعالى ـ (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٣) ـ ٢ ـ قوله ـ سبحانه ـ : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) يعنى أكل الميتة (وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) يعنى الذي ذبح لأصنام المشركين ولغيرهم هذا حرام البتة إن أدركت ذكاته أو لم تدرك ذكاته فإنه حرام البتة لأنهم جعلوه لغير الله ـ عزوجل ـ. ثم قال ـ عزوجل ـ (وَالْمُنْخَنِقَةُ) يعنى وحرم المنخنقة : الشاة والإبل والبقر التي تنخنق أو غيره حتى تموت (وَالْمَوْقُوذَةُ) يعنى التي تضرب بالخشب حتى تموت (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) يعنى التي تردى من الجبل فتقع منه أو تقع فى بئر فتموت (وَالنَّطِيحَةُ) يعنى الشاة تنطح صاحبتها فتموت (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) من الأنعام والصيد يعنى فريسة السبع ثم استثنى فقال ـ سبحانه ـ :

__________________

(١) أى أن آية السيف هي الناسخة وهذه الآية منسوخة.

(٢) سورة التوبة : ٥.

(٣) ما بين الأقواس «...» ساقط من أ ، ل.

٤٥١

(إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) يعنى إلا ما أدركتم ذكاته من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع فما أدركتم ذكاته من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع ممّا (١) أدركتم ذكاته يعنى «بطرف أو بعرق يضرب أو بذنب» (٢) بتحرك «ويذكى فهو» (٣) حلال (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) يعنى وحرم ما ذبح على النصب وهي الحجارة التي كانوا ينصبونها فى الجاهلية فيعبدونها فهو حرام البتة وكان (٤) خزان الكعبة يذبحون لها وإن شاءوا بدلوا تلك الحجارة بحجارة أخرى وألقوا الأولى ثم قال ـ تعالى ذكره ـ : (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) يعنى وأن تستقسموا الأمور بالأزلام والأزلام قد حان فى بيت أصنامهم ، فإذا أرادوا أن يركبوا أمرا أتوا بيت أصنامهم فضربوا بالقدحين ، فما خرج من شيء عملوا به ، وكان كتب على أحدهما أمرنى ربى ، وعلى الآخر نهاني ربى ، فإذا أرادوا سفرا أتوا ذلك البيت فغطوا عليه ثوبا ثم يضربون بالقدحين فإن خرج السهم الذي فيه أمرنى ربى خرج فى سفره ، وإن خرج السهم الذي فيه نهاني ربى لم يسافر فهذه الأزلام (ذلِكُمْ فِسْقٌ) يعنى معصية حراما (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ) يعنى لا تخشوا الكفار (وَاخْشَوْنِ) فى ترك أمرى ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) يعنى يوم عرفة فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام ولا حكم [٩٣ أ] ولا حد ولا فريضة غير آيتين من آخر سورة النساء : (يَسْتَفْتُونَكَ ...) (٥). (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) يعنى شرائع دينكم : أمر

__________________

(١) فى أ : فما ، ل : مما.

(٢) فى أ : يطرق يعرق يضرب بذنب ، والمثبت من ل.

(٣) فى أ : فتذكى فهو ، ل : ويذكى وهو.

(٤) فى أ : وكانت.

(٥) سورة النساء الآية : ١٧٦ وهي آية واحدة فى آخر السورة.

٤٥٢

الحلال والحرام وذلك أن الله ـ جل ذكره ـ كان فرض على المؤمنين شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والإيمان بالبعث والجنة والنار والصلاة ركعتين غدوة وركعتين بالعشي شيئا غير مؤقت والكف عن القتال قبل أن يهاجر (١) النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وفرضت الصلوات (٢) الخمس ليلة «المعراج» (٣) وهو بعد بمكة ، والزكاة المفروضة بالمدينة ، ورمضان والغسل من الجنابة ، وحج البيت ، وكل فريضة (٤) فلما حج حجة الوداع نزلت هذه الآية يوم عرفة فبركت ناقة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لنزول الوحى بجمع (٥) وعاش النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بعدها إحدى وثمانين ليلة ثم مات يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول ، وهي آخر آية نزلت فى الحلال والحرام : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) يعنى شرائع دينكم : أمر حلالكم وحرامكم (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) يعنى الإسلام إذ (٦) حججتم وليس معكم مشرك (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) يعنى واخترت لكم الإسلام دينا فليس دين أرضى عند الله ـ عزوجل ـ من الإسلام قال سبحانه : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٧) ثم قال : ـ عزوجل ـ (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ) يعنى مجاعة وجهد شديد أصابه من الجوع (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) غير متعمد لمعصية (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ـ ٣ ـ

__________________

(١) فى أ : فلما هاجر.

(٢) فى الأصل : الصلاة.

(٣) المعراج : ساقطة من أ ، ومثبتة فى ل.

(٤) المقصود أن الزكاة المفروضة فرضت بالمدينة ، كما فرض بالمدينة صوم رمضان ، والغسل من الجنابة ، وحج البيت ، وكل فريضة : فرضت بالمدينة.

(٥) ضبطت فى كتب الفقه والحديث بجمع. انظر فقه السنة (صلاة الجمعة)

(٦) فى أ : إذا ، ل : إذ.

(٧) سورة آل عمران : ٨٥.

٤٥٣

إذ رخص له فى أكل الميتة ولحم الخنزير حين أصابه الجوع الشديد والجهد ، وهو على غير المضطر حرام (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) من الصيد. وذلك أن زيد الخير وهو من بنى المهلهل (١) وعدى بن حاتم الطائيان سألا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقالا : يا رسول الله ، كلاب آل درع وآل حورية (٢) يصدن الظباء والبقر والحمر ، فمنها ما تدرك ذكاته فيموت وقد حرم الله ـ عزوجل ـ الميتة فما ذا يحل لنا فنزلت (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) من الصيد [(قُلْ) (٣) (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) يعنى الحلال وذبح ما أحل الله لهم من الصيد مما أدركت ذكاته ، ثم قال : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) يعنى الكلاب معلمين للصيد (تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) يقول تؤدبوهن كما أدبكم الله فيعرفون الخير والشر ، وكذا الكاتم أيضا فأدبوا كلابكم فى أمر الصيد (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) يقول فكلوا مما أمسكن يعنى حبسن عليكم الكلاب المعلمة (٤) (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) إذا أرسلتم بعد أن أمسك عليكم (وَاتَّقُوا اللهَ) فلا تستحلوا أكل الصيد من الميتة إلا ما ذكى من صيد الكلب المعلم ، ثم خوفهم فقال : (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٥) ـ ٤ ـ لمن يستحل أكل الميتة من الصيد إلا من اضطر ، قوله : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) يعنى الحلال أى الذبائح من الصيد (٦)].

__________________

(١) فى ل : وهو ابن المهلهل.

(٢) فى أ : ... كلاب آل ذريح ، وآل أبى حذاقة. والمثبت مما ورد فى أسباب النزول للواحدي ص ١٠٩ : وقد أورد ما فى تفسير مقاتل وعزاه إلى سعيد بن جبير.

(٣) تفسير الآية ٤ من ل.

(٤) فى ل : زيادة وإن قتلن.

(٥) فى ل : إن الله شديد العقاب.

(٦) الآية ٤ من سورة المائدة ساقطة من تفسيرا. ترك تفسير ما بعد الطيبات فى الآية ٤ إلى الطيبات فى الآية ٥. وذلك بسبب سبق النظر. فنقلت ذلك من ل.

٤٥٤

(وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) يعنى بالطعام ذبائح الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى : ذبائحهم ونسائهم حلال للمسلمين (وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) يعنى ذبائح المسلمين وذبائح نسائهم حلال لليهود والنصارى ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ) يعنى وأحل لكم تزويج [٩٣ ب] العفائف من المؤمنات (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) يعنى وأحل تزويج العفائف من حرائر نساء اليهود والنصارى نكاحهن حلال للمسلمين (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) يعنى إذا أعطيتموهن مهورهن (مُحْصِنِينَ) لفروجهن من الزنا (غَيْرَ مُسافِحِينَ) يعنى غير معلنات بالزنا علانية (وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) يعنى لا تتخذ الخليل فى السر فيأتيها فلما أحل الله ـ عزوجل ـ نساء أهل الكتاب ، قال المسلمون : كيف تتزوجوهن وهن على غير ديننا وقالت نساء أهل الكتاب : ما أحل الله تزويجنا للمسلمين إلا وقد رضى أعمالنا فأنزل الله ـ عزوجل ـ (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ) يعنى من نساء أهل الكتاب بتوحيد الله (فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) ـ ٥ ـ يعنى من الكافرين (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً) يعنى إن أصابتكم جنابة (فَاطَّهَّرُوا) يعنى فاغتسلوا (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) نزلت فى عبد الرحمن بن عوف ـ رضى الله عنه ـ (١) أو أصابكم جراحة أو جدري أو كان بكم قروح وأنتم مقيمون فى الأهل فخشيتم الضرر والهلاك فتيمموا الصعيد ضربة للوجه وضربة للكفين (أَوْ) إن كنتم (عَلى سَفَرٍ). نزلت فى عائشة ـ رضى الله عنها ـ حين أسقطت قلادتها وهي مع النبي

__________________

(١) قارن بالواحدى فى أسباب النزول ، وبالسيوطى فى لباب النقول. حيث أوردا ما ذكره مقاتل هنا ، وعلق السيوطي عليه.

٤٥٥

ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى غزاة بنى أنمار وهم حي من قيس عيلان (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) فى السفر (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) يعنى جامعتم النساء فى السفر (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) يعنى من الصعيد ضربتين ضربة للوجه وضربة لليدين إلى الكرسوع ولم يؤمروا بمسح الرأس فى التيمم (١) (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) يعنى ضيق فى أمر دينكم إذ رخص لكم فى التيمم (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) فى أمر دينكم من الأحداث والجنابة (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) يعنى إذ رخص لكم فى التيمم : فى السفر والجراح فى الحضر (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ـ ٦ ـ رب هذه النعم فتوحدونه. فلما نزلت الرخصة قال أبو بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ لعائشة ـ رضوان الله عليها ـ : والله ما علمتك إلا مباركة. قوله ـ سبحانه ـ (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ) يعنى بالإسلام يوم أخذ ميثاقكم على المعرفة بالله ـ عزوجل ـ والربوبية (إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا) ذلك أن الله ـ عزوجل ـ [٩٤ أ] أخذ الميثاق الأول على العباد حين خلقهم من صلب آدم ـ عليه‌السلام ـ فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا) (٢) على أنفسنا فمن بلغ منهم العمل وأقر لله ـ عزوجل ـ بالإيمان به وبآياته وكتبه ورسله والكتاب والملائكة والجنة والنار والحلال والحرام والأمر والنهى أن يعمل بما أمر وينتهى عما نهى. فإذا أوفى الله : «تعالى بهذا» (٣) أوفى الله له بالجنة.

__________________

(١) فى أ : زيادة : منه.

(٢) سورة الأعراف : ١٧٢ وتمامها (... أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ).

(٣) ما بين القوسين «...» ساقط من أ ، ومثبت من ل.

٤٥٦

فهذان ميثاقان : ميثاق بالإيمان بالله وميثاق بالعمل. فذلك قوله ـ سبحانه ـ : فى البقرة : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) (١) سمعنا بالقرآن الذي جاء من عند الله وأطعنا الله ـ عزوجل ـ فيه.

وذلك قوله ـ سبحانه ـ فى التغابن : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) (٢) يقول اسمعوا القرآن الذي جاء به محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من عند الله ـ عزوجل ـ وأطيعوا الله فيما أمركم فمن بلغ الحلم والعمل ولم يؤمن بالله ـ عزوجل ـ ولا بالرسول والكتاب فقد نقض الميثاق الأول بالإيمان بالله ـ عزوجل ـ وبما أخذ الله ـ تعالى ـ عليه حين خلقه وصار من الكافرين.

ومن أخذ الله ـ عزوجل ـ عليه الميثاق الأول ولم يبلغ الحلم فإن الله ـ عزوجل ـ أعلم به.

قال : وسئل عبد الله بن عباس عن أطفال المشركين فقال : لقد أخذ الله ـ عزوجل ـ الميثاق الأول عليهم فلم يدركوا أجلا ولم يأخذوا رزقا ولم يعملوا سيئة (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٣) وماتوا على الميثاق الأول فالله أعلم بهم.

(وَاتَّقُوا اللهَ) ولا تنقضوا ذلك الميثاق (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ـ ٧ ـ يعنى بما فى قلوبهم من الإيمان والشك ، قوله ـ سبحانه ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) يعنى قوالين بالعدل شهداء لله (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) يقول لا تحملنكم عداوة المشركين يعنى كفار مكة (عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا) على حجاج ربيعة وتستحلوا منهم محرما (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٨٥.

(٢) سورة التغابن : ١٦.

(٣) سورة الإسراء : ١٥.

٤٥٧

وَاتَّقُوا اللهَ) فاعدلوا فإن العدل أقرب للتّقوى يعنى لخوف الله ـ عزوجل ـ (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) ـ ٨ ـ يعظهم ويحذرهم. ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) يعنى وأدوا الفرائض (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) ـ ٩ ـ يعنى جزاء حسنا وهو الجنة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) يعنى القرآن (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) ـ ١٠ ـ يعنى ما عظم من النار قوله ـ سبحانه ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ...) [٩٤ ب] الآية نزلت هذه الآية لأن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان قد بعث المنذر بن عمرو الأنصارى فى أناس من أصحابه إلى بئر معوتة وهو ماء بنى عامر فساروا حتى أشرفوا على الأرض فأدركهم الماء فنزلوا فلما كان المساء أضل أربعة منهم بعيرا لهم فاستأذنوا أن يقيموا فأذن لهم المنذر ، ثم سار المنذر بمن معه وأصبح القوم وقد جمعوا لهم على الماء وكانت بنو سليم هم الذين آذنوا بنى عامر بهم فالتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل المنذر بن عمرو ومن معه وأصاب الأربعة بعيرهم من الغد فأقبلوا فى طلب أصحابهم فلقيتهم وليدة لبنى عامر فى غنيمة ترعاها ، فقالت لهم : أمن أصحاب محمد أنتم؟ قالوا : نعم ، رجاء أن تسلم (١). فقالت : النجاء فإن إخوانكم قد قتلوا حول الماء قتلهم عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر. فقال أحد الأربعة : ما ترون؟ قالوا : نرى أن نرحل إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فنخبره بالذي كان. قال : لكني ، والله ، لا أرجع حتى أنتقم من أعداء أصحابى اليوم فامضوا راشدين واقرأوا على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ منى السلام كثيرا فأشرف على الخيل

__________________

(١) فى حاشية أ : الأصل يسلموا.

٤٥٨

فنظر إلى أصحابه مقتّلين عند الماء فأخذ سيفه فضرب به حتى قتل ـ رحمه‌الله ـ. ورجع الثلاثة إلى المدينة فأتوها حين أمسوا فلقوا رجلين من بنى سليم وهما خارجان من المدينة فقالوا لهما : من أنتما؟ قالا : نحن من بنى عامر. فقالوا : أنتما ممن قتل إخواننا فأقبلوا عليهما فقتلوهما. ثم دخلوا إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأخبروه الخبر فوجدوا الخبر قد سبق إليه فقالوا : يا رسول الله غشينا المدينة ممسين فوجدنا رجلين من بنى عامر فقتلناهما وهذا سلبهما (١). فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : بئس ما صنعتما فإنهما كانا من بنى سليم. قال : وكان بين بنى سليم وبين النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ موادعة وعهد فنزلت ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) يقول (٢) لا تعجلوا بأمر ولا بفعل حتى يأمركم رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَاتَّقُوا اللهَ) ولا تخالفوا على نبيكم ـ (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لما تقولون (عَلِيمٌ) (٣) بما تفعلون. وجاء أهل السليميين فقالوا : يا محمد ، إن صاحبينا أتياك فقتلا عندك. فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : إن صاحبيكما اعتزيا إلى عدونا حتى قتلا ولكنا سنعقل صاحبيكم ، فانطلق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى أهل عهده فبدأ ببني النضير [٩٥ أ] فقال : أنتم جيراننا وحلفاؤنا والأيام دول وقد رأيتم الذي أصابنا فاتخذوا عندنا يدا نجزكم بها غدا إن شاء الله. فقالوا : مرحبا بك وأهلا ، إخواننا بنو قريظة لا نحب أن نسبقهم بأمر ولكن ائتنا يوم كذا وكذا وقد جمعنا لك الذي تريد أن نعطيك. فرجع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من عندهم فأرسلوا إلى بنى قريظة أن محمدا مغرور (٤)

__________________

(١) أورد السيوطي فى لباب النقول ما ذكره مقاتل ، انظر : ٨٦ ـ ٨٧.

(٢) فى أ : يقولوا.

(٣) سورة الحجرات الآية الأولى.

(٤) فى أ : معذور ، ل : مغرور.

٤٥٩

يأتينا فى الرجل والرجلين فاجتمعوا له فاقتلوه. فأتاهم رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لميعادهم ومعه ثلاثة نفر أبو بكر وعمر وعلى ـ رضى الله عنهم ـ وهو ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رابعهم فأجلسوه فى صفة لهم ثم خرجوا يجمعون السلاح له ، وكان كعب بن الأشرف عند ذلك بالمدينة ، فهم ينتظرونه حتى يأتيهم فأوحى الله ـ عزوجل ـ إلى نبيه فأتاه جبريل ـ عليه‌السلام ـ فأخبره بما يراد به وبأصحابه فقام نبى الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولم يؤذن أصحابه مخافة أن يثوروا (١) بهم ، فأتى باب الدار ، فقام به فلما أبطأ على أصحابه ، خرج على لينظر ما فعل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فإذا هو على الباب ، فقال : يا رسول الله ، احتبست علينا حتى خفنا عليك أن يكون قد اغتالك أحد. قال : فإن أعداء الله قد أرادوا ذلك فقم مكانك بالباب حتى يخرج إليك بعض أصحابك فأقمه مكانك وأخبره بالذي أخبرتك ثم الحقنى ، ومضى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقام الآخر بالباب حتى خرج إليه صاحبه (٢). فقال : احتبست أنت ورسول الله حتى خفنا عليكما ، فأخبره الخبر فمكث مكانه ولحق الآخر ، برسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) ـ فلما أبطأوا على صاحبهم خرج ، فاتبعوا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ) وهم اليهود (أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) بالسوء («فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ» وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) ـ ١١ ـ. قوله ـ سبحانه ـ : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) يعنى شاهدا على قومهم من كل سبط رجلا ليأخذ هذا

__________________

(١) فى أ : يوتروا ، ل : يثوروا.

(٢) فى أ : صاحبيه.

(٣) أورد الواحدي ذلك فى أسباب النزول : ١١. كما أورده السيوطي فى لباب النقول : ٨٦.

٤٦٠