تفسير مقاتل بن سليمان - ج ١

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ١

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٤

يقول (١) ـ : عزوجل ـ : (لا يَسْتَوِي) فى الفضل القاعد الذي لا عذر له ، والمجاهد بنفسه وماله فى سبيل الله. وهي غزوة تبوك قال ـ : عزوجل ـ : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ) من أهل العذر (دَرَجَةً) يعنى فضيلة على القاعدين (وَكُلًّا) يعنى المجاهد والقاعد المعذور (وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) يعنى الجنة ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ) الذين لا عذر لهم (أَجْراً عَظِيماً) ـ ٩٥ ـ (دَرَجاتٍ مِنْهُ) يعنى فضائل من الله فى الجنة سبعين درجة بين كل درجتين مسيرة سبعين سنة (وَمَغْفِرَةً) لذنوبهم (وَرَحْمَةً وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) ـ ٩٦ ـ يعنى أبا لبابة ، وأوس بن حزام ، ووداعة بن ثعلب ، وكعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن ربيعة من بنى عمرو ابن عوف كلهم من الأنصار (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) يعنى ملك الموت وحده (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) وذلك أنه كان نفر أسلموا بمكة مع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ منهم الوليد بن الوليد بن المغيرة ، وقيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ، والوليد بن عقبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وعمرو بن أمية ابن سفيان بن أمية بن عبد شمس ، والعلاء (٢) بن أمية بن خلف الجمحي ثم إنهم أقاموا عن (٣) الهجرة وخرجوا مع المشركين إلى قتال بدر ، فلما رأوا قلة المؤمنين شكّوا فى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ [٨٣ ب] وقالوا : غر هؤلاء دينهم ، وكان بعضهم نافق بمكة فلما قتل هؤلاء ببدر (قالُوا) أى قالت الملائكة لهم وهو ملك الموت وحده : (فِيمَ كُنْتُمْ)؟ يقول فى أى شيء كنتم (قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) يعنى كنا مقهورين بأرض مكة لا نطيق أن نظهر الإيمان ،

__________________

(١) فى أ : فقال.

(٢) فى أ : وعمرو العلا ، ل : والعلاء.

(٣) فى أ : على ، ل : عن.

٤٠١

(قالُوا) أى قالت الملائكة لهم : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً) من الضيق يعنى أرض الله المدينة (فَتُهاجِرُوا فِيها)؟ يعنى إليها ثم انقطع الكلام فقال ـ عزوجل ـ : (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) ـ ٩٧ ـ يعنى وبئس المصير صاروا ، ثم استثنى أهل العذر فقال ـ سبحانه ـ : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) فليس مأواهم جهنم (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) يقول ليس لهم سعة للخروج إلى المدينة (وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) ـ ٩٨ ـ يعنى ولا يعرفون طريقا إلى المدينة (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) والعسى من الله واجب (وَكانَ اللهُ عَفُوًّا) عنهم (غَفُوراً) ـ ٩٩ ـ فلا يعاقبهم لإقامتهم عن الهجرة فى عذر. فقال ابن عباس ـ رضى الله عنه : أنا يومئذ من الولدان ، وأمى من النساء. فبعث النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بهذه الآية إلى مسلمي مكة. فقال جندب ابن حمزة الليثي ثم الجندعي لبنيه : احملوني فإنى لست من المستضعفين وإنى لهاد بالطريق ولو مت لنزلت فى الآية (١). وكان شيخا كبيرا (٢) فحمله بنوه على سريره متوجها إلى المدينة فمات بالتنعيم فبلغ أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ موته ، فقالوا : لو لحق بنا لأتم الله أجره فأراد الله ـ عزوجل ـ أن يعلمهم أنه لا يخيب من التمس رضاه فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ) (٣) يعنى فى طاعة الله إلى المدينة (يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً) يعنى

__________________

(١) فى أ : لنزلت الآية ، ل : لنزلت فى الآية ، والمراد انطبق على وعيد هذه الآية.

(٢) فى أ ، ل : وكان شيخا كبيرا ولو مت لنزلت فى الآية ، فاضطررت إلى تعديلها ليستقيم الكلام.

(٣) فى أ ، ل : فسر عجز هذه الآية قبل صدرها ، أى فسرها هكذا : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) ، (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً).

٤٠٢

متحولا عن الكفر (وَسَعَةً) فى الرزق (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) ـ ١٠٠ ـ ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ) يعنى سرتم (فِي الْأَرْضِ) يعنى غزوة بنى أنمار ببطن مكة (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى أن يقتلكم. كقوله : (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ) (١) يعنى أن يقتلكم الذين (٢) كفروا من أهل مكة فيصيبوا منكم طائفة (إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً) ـ ١٠١ ـ (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ) يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) وليأخذوا حذرهم من عدوهم (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ) [٨٤ أ] يعنى تذرون (عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ) يعنى فيحملون (عَلَيْكُمْ) جميعا (مَيْلَةً واحِدَةً) يعنى حملة واحدة يعنى كرجل واحد عند غفلتكم ثم رخص لهم فى وضع السلاح عند المطر أو المرض (٣) فقال : (وَلا جُناحَ) يعنى لا حرج (عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) من عدوكم عند وضع السلاح (إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) ـ ١٠٢ ـ يعنى الهوان. وكان (٤) تقصير الصلاة بعسفان (٥) ـ بين مكة والمدينة ـ والنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بإزاء الذين خافوه وهم غطفان (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ) يعنى صلاة الخوف (فَاذْكُرُوا اللهَ) باللسان (قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ

__________________

(١) سورة يونس الآية : ٨٣.

(٢) فى أ : يقتلهم.

(٣) فى أ : أو مرض.

(٤) فى أ : فكان.

(٥) فى أ : زيادة ـ وهو الأولى.

٤٠٣

فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) إذا أقمتم فى بلادكم فأقيموا الصلاة يعنى فأتموا الصلاة كاملة ولا تقصروا (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) ـ ١٠٣ ـ يعنى فريضة معلومة كقوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) (١) يعنى فرض عليكم القتال. (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ) يقول ولا تعجزوا : كقوله : (فَما وَهَنُوا) (٢) يعنى فما عجزوا فى طلب أبى سفيان وأصحابه يوم أحد بعد القتل بأيام فاشتكوا إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الجراحات فأنزل الله ـ عزوجل ـ (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ) يعنى تتوجعون (فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ) يعنى يتوجعون كما تتوجعون (وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ) من الثواب والأجر (ما لا يَرْجُونَ) يعنى أبا سفيان وأصحابه (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بخلقه (حَكِيماً) ـ ١٠٤ ـ فى أمره. (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) وذلك أن يهوديا يسمى زيد بن السمين ، كان استودع طعمة بن أبيرق الأنصارى ـ من الأوس من بنى ظفر بن الحارث ـ درعا (٣) من حديد ثم إن زيدا اليهودي طلب درعه فجحده طعمة ، فقال زيد لقومه : قد ذكر لي أن الدرع عنده فانطلقوا حتى نلتمس داره فاجتمعوا ليلا فأتوا داره ، فلما سمع جلبة القوم أحس (٤) قلبه أن القوم إنما جاءوا من أجل الدرع فرمى به فى دار أبى مليك فدخل القوم داره فلم يجدوا الدرع فاجتمع الناس ، ثم إن طعمة اطلع فى دار أبى مليك (٥) ، فقال : هذا درع فى دار أبى مليك ، فلا أدرى : هي لكم أم لا؟ فأخذوا الدرع ثم إن قوم طعمة ـ قتادة بن النعمان وأصحابه ـ قالوا : انطلقوا بنا إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فلنبرئ صاحبنا ، ونقول إنهم أتونا

__________________

(١) سورة البقرة : ٢١٦.

(٢) سورة آل عمران : ١٤٦.

(٣) فى أ : درع.

(٤) فى أ : حس ، ل : أحس.

(٥) فى أزيادة : فدخل القوم داره.

٤٠٤

ليلا ففضحونا ، ولم يكن معهم رسول من قبلك ونأمرهم [٨٤ ب] أن يبرءوا صاحبنا لتنقطع ألسنة الناس عنا بما قذفونا به ، ونخبره أنها وجدت فى دار أبى مليك. فأتوا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأخبروه فصدق النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ طعمة وأبرأه من ذلك ، وهو يرى أنهم قد صدقوا فأنزل الله ـ تعالى ـ (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) يعنى القرآن (بِالْحَقِّ) لم ننزله باطلا عبثا لغير شيء (لِتَحْكُمَ) يعنى لكي تحكم (بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) يعنى بما علمك الله فى كتابه كقوله ـ سبحانه ـ : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (١) (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) ـ ١٠٥ ـ يعنى طعمة ، ثم قال : (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) يا محمد عن جدالك عن طعمة حين كذبت عنه فأبرأته من السرقة (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) ـ ١٠٦ ـ فاستغفر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عند ذلك (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) يعنى طعمة (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً) ـ ١٠٧ ـ فى دينه أثيما بربه (يَسْتَخْفُونَ) يعنى يستترون بالخيانة (مِنَ النَّاسِ) يعنى طعمة (وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ) ولا يستترون بالخيانة من الله (وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ) يعنى إذ يؤلفون (ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) لقولهم إنا نأتى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فنقول له كذا وكذا ، فألقوا قولهم بينهم يعنى قتادة وأصحابه ليدفعوا عن صاحبهم ما لا يرضى الله من القول (وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) ـ ١٠٨ ـ يعنى أحاط علمه بأعمالهم يعنى قوم الخائن قتادة بن النعمان وأصحابه ثم قال يعنيهم : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) قوم الخائن (جادَلْتُمْ عَنْهُمْ) نبيكم (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) عن طعمة (فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) ـ ١٠٩ ـ يعنى به قومه يقول أم من يكون لطعمة مانعا فى الآخرة ، ثم عرض على طعمة التوبة فقال :

__________________

(١) سورة سبأ : ٦.

٤٠٥

(وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً) يعنى إثما (أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) يعنى قذف البريء أبا مليك (ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) ـ ١١٠ ـ (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً) يعنى طعمة (فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) ـ ١١١ ـ فى أمره (وَمَنْ يَكْسِبْ) لنفسه (خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً) يعنى قذف البريء (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) يعنى أنه رمى به فى دار أبى مليك الأنصارى (١) (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً) يعنى قذفه البريء بما لم يكن (وَإِثْماً مُبِيناً) ـ ١١٢ ـ يعنى بينا ، ثم قال لنبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) يعنى ونعمته بالقرآن حين بين لك أمر طعمة فحولك عن تصديق الخائنين بالقرآن (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) يقول لكادت طائفة من قوم الخائنين [٨٥ أ] أن يستنزلوك عن الحق (وَما يُضِلُّونَ) يعنى وما يستنزلون (إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) يعنى وما ينقصونك من شيء ليس ذلك بأيديهم ، إنما ينقصون (٢) أنفسهم ، ثم قال : (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) يعنى الحلال والحرام (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) من أمر الكتاب وأمر الدين (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) ـ ١١٣ ـ يعنى النبوة والكتاب ثم قال ـ سبحانه ـ : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) يعنى قوم طعمة قيس بن زيد ، وكنانة بن أبى الحقيق ، وأبو رافع ، وكلهم يهود حين تناجوا فى أمر طعمة. ثم استثنى فقال : (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ) يعنى القرض (أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) ـ ١١٤ ـ يعنى جزاء عظيما فأنزل الله ـ عزوجل ـ فى قولهم :

__________________

(١) وردت قصة نزول هذه الآيات بطولها فى أسباب النزول للسيوطي : ٧٨ ـ ٧٩. كما وردت فى أسباب النزول للواحدي : ١٠٣. وكلاهما يوافق ما ذكره مقاتل فى تفسير هذه الآيات.

(٢) فى أ : ثم ينقضون.

٤٠٦

(وَمَنْ يُشاقِقِ) يعنى يخالف (الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ) يعنى غير دين (الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) من الآلهة (وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) ـ ١١٥ ـ يعنى وبئس المصير فلما قدم طعمة مكة نزل على الحجاج بن علاط السلمى (١) فأحسن نزله فبلغه أن فى بيته ذهبا فلما كان من الليل خرج فنقب حائط البيت وأراد (٢) أن يأخذ الذهب وفى البيت مسوك يابسة مسوك الشاء (٣) قد أصابها حر الشمس (٤) ولم تدبغ فلما دخل البيت من النقب وطئ المسوك ، فسمعوا قعقعة المسوك فى صدره عند النقب ، وأحاطوا بالبيت ، ونادوه أخرج فإنا قد أحطنا بالبيت ، فلما خرج إذا هم بضيفهم (٥) طعمة ، فأراد أهل مكة أن يرجموه فاستحيا الحجاج لضيفه ، وكانوا يكرمون الضيف فاهزوه وشتموه ، فخرج من مكة فلحق بحرة بنى سليم يعبد صنمهم ، ويصنع ما يصنعون حتى مات على الشرك فأنزل الله ـ عزوجل ـ فيه (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) يعنى يعدل به فيموت عليه (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) يعنى مادون الشرك لمن يشاء فمشيئته لأهل التوحيد (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَ) عن الهدى (ضَلالاً بَعِيداً) ـ ١١٦ ـ ثم إن أبا مليك عاش حتى استخلف عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ فحلف بالله لعمر ـ رضى الله عنه ـ لا يولى راجعا ، فلما كان يوم القادسية انهزم المشركون إلى الفرات وجاءت أساورة كسرى فهزموا المسلمين إلى قريب من الجيش فثبت أبو مليك حتى قتل فبلغ ذلك عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ فقال أبو مليك : صدق الله وعده (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) يعنى أوثانا يعنى أمواتا : اللات

__________________

(١) فى ل : الأسلمى. أ : السلمى.

(٢) فى أ : فأراد.

(٣) فى ل : الشاة. أ : الشاء.

(٤) فى ل : ولم. أ : لم.

(٥) فى أ : بضيفه ، ل : بضيفهم.

٤٠٧

[٨٥ ب] والعزى وهي الأوثان لا تحرك ولا تضر ولا تنفع فهي ميتة (وَإِنْ يَدْعُونَ) يعنى وما يعبدون من دونه (إِلَّا شَيْطاناً) يعنى إبليس ، زين لهم إبليس طاعته فى عبادة الأوثان (مَرِيداً) ـ ١١٧ ـ يعنى عاتيا تمرد على ربه ـ عزوجل ـ فى المعصية (لَعَنَهُ اللهُ) حين كره السجود لآدم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَقالَ) إبليس لربه ـ جل جلاله ـ (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) ـ ١١٨ ـ يعنى حظا معلوما من كل ألف إنسان ، واحد فى الجنة وسائرهم فى النار فهذا النصيب المفروض (وَ) قال إبليس (لَأُضِلَّنَّهُمْ) عن الهدى (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) بالباطل ولأخبرنهم ألا بعث ولا جنة ولا نار (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَ) يعنى ليقطعن (آذانَ الْأَنْعامِ) وهي البحيرة للأوثان (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) يعنى ليبدلن دين الله (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ) يعنى إبليس (وَلِيًّا) يعنى ربا (مِنْ دُونِ اللهِ) ـ عزوجل ـ (فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً) ـ ١١٩ ـ يقول فقد ضل ضلالا بينا (يَعِدُهُمْ) إبليس الغرور : ألا بعث (وَيُمَنِّيهِمْ) إبليس الباطل (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) ـ ١٢٠ ـ يعنى إلا باطلا : الذي ليس بشيء ، وقال (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا أُولئِكَ) (١) (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً) ـ ١٢١ ـ يعنى مقرا يلجئون إليه يعنى القرار ثم أخبر بمستقر من لا يتولى الشيطان فقال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا) يعنى صدقا أنه منجز لهم ما وعدهم (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) ـ ١٢٢ ـ فليس أحد أصدق قولا منه ـ عزوجل ـ فى أمر الجنة والنار والبعث وغيره (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ) نزلت فى المؤمنين واليهود والنصارى ، (٢)

__________________

(١) فى أ : فأولئك.

(٢) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي : ١٠٣ ـ ١٠٤. وفى أسباب النزول للسيوطي : ٨٠.

٤٠٨

قالت اليهود : كتابنا قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ، فنحن أهدى وأولى بالله منكم. وقالت النصارى : نبينا كلمة الله وروح الله ، وكلمته ، وكان يحيى الموتى ، ويبرئ الأكمه والأبرص ، وفى كتابنا العفو وليس فيه قصاص ، فنحن أولى بالله منكم معشر اليهود ومعشر المسلمين.

فقال المسلمون : كذبتم كتابنا نسخ كل كتاب ، ونبينا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ خاتم الأنبياء ، وآمنا بنبيكم وكتابكم ، وكذبتم نبينا وكتابنا وأمرتم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم ، ونعمل بكتابنا ، فنحن أهدى منكم وأولى بالله منكم. فأنزل ـ عزوجل ـ (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ) معشر المؤمنين (وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) ـ ١٢٣ ـ (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) ـ ١٢٤ ـ (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) نزلت فى المؤمنين مجازات الدنيا تصيبهم فى النكبة بحجر ، والضربة واختلاج عرق أو خدش عود «أو عثرة قدم فيديمه» (١) أو غيره فبذنب قدم وما يعفو الله عنه أكبر ، فذلك قوله سبحانه (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (٢) ثم قال : (وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا) يعنى قريبا ينفعه (وَلا نَصِيراً) يعنى ولا مانعا يمنعه من الله ـ عزوجل. فلما افتخرت اليهود على المؤمنين بالمدنية بين الله ـ عزوجل ـ أمر المؤمنين ـ فقال سبحانه ـ : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) يعنى ولا ينقصون من أعمالهم الحسنة نقيرا حتى يجازوا بها يعنى النقير الذي فى ظهر النواة التي تنبت منه النخلة (٣).

__________________

(١) من ل وليس فى أ.

(٢) سورة الشورى : ٣٠.

(٣) فسر الآيتين : ١٢٣ ، ١٢٤ فى غير مكانهما فأعدتهما إلى مكانهما.

٤٠٩

ثم اختار من الأديان دين الإسلام ـ فقال عزوجل ـ : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) يعنى أخلص دينه لله (وَهُوَ مُحْسِنٌ) فى عمله (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [٨٦ أ] يعنى مخلصا (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) ـ ١٢٥ ـ يعنى محبا وأنزل الله (١) ـ عزوجل ـ فيهم (هذانِ خَصْمانِ) يعنى كفار أهل الكتاب.(اخْتَصَمُوا) يعنى ثلاثتهم : المسلمين واليهود والنصارى (فِي رَبِّهِمْ) أنهم أولياء الله ثم أخبر بمستقر الكافر فقال : (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) يعنى جعلت لهم ثياب من نار إلى آخر الآية (٢). ثم أخبر ـ سبحانه ـ بمستقر المؤمنين (٣) فقال : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ...) إلى آخر الآية (٤).

قوله (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) والخليل «الحبيب» لأن الله أحبه فى كسره الأصنام ، وجداله قومه ، واتخذ الله إبراهيم خليلا قبل ذبح ابنه فلما رأته الملائكة حين أمر بذبح ابنه أراد المضي على ذلك ـ قالت الملائكة : لو أن الله ـ عزوجل ـ اتخذ عبدا خليلا لاتخذ هذا خليلا محبا ، ولا يعلمون أن الله ـ عزوجل ـ اتخذه خليلا. وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال لأصحابه ـ رضى الله عنهم ـ : إن صاحبكم خليل الرحمن. يعنى نفسه. فقال المنافقون لليهود : ألا تنظرون إلى محمد يزعم أنه خليل الله لقد اجتزأ. فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) وإنما إبراهيم عبد من عباده مثل محمد واتخذ

__________________

(١) فى أ : فأنزل ، ل : وأنزل.

(٢) سورة الحج الآية ١٩.

(٣) فى أ : المؤمنين المسلمين.

(٤) سورة الحج : ٢٣.

٤١٠

إبراهيم خليلا : حين ألقى فى النار فذهب حر النيران يومئذ من الأرض كلها (١).

(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) من الخلق [٨٦ ب] عبيده وفى ملكه (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) ـ ١٢٦ ـ يعنى أحاط علمه (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) نزلت فى سويد وعرفطة ابني الحارث وعيينة بن حصن الفزاري ذلك أنه لما فرض الله ـ عزوجل ـ لأم كحة وبناتها الميراث انطلق سويد وعرفطة وعيينة بن حصن الفزاري إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : إن المرأة لا تركب فرسا ولا تجاهد وليس عند الولدان الصغار منفعة فى شيء ـ فأنزل الله ـ عزوجل ـ فيهم (وَيَسْتَفْتُونَكَ) يعنى يسألونك عن النساء يعنى سويدا وصاحبيه (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ) يعنى ما بين من القسمة فى أول هذه السورة قال : ويفتيكم (فِي يَتامَى النِّساءِ) يعنى بنات أم كحة (اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَ) يعنى ما فرض لهن من أنصبائهن من الميراث فى أول السورة (٢). ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) يعنى بنات أم كحة وكان الرجل يكون فى حجره اليتيمة ولها مال ، ويكون فيها (٣) موق فيرغب عن تزويجها ، ويمنعها من الأزواج من أجل مالها رجاء أن تموت ، فيرثها ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) (٤)

__________________

(١) ذهاب حر النيران من الأرض كلها غيب لا يعلم إلا من الكتاب أو السنة الصحيحة ، وما دام لم يرد فى الكتاب إلا أن النار صارت بردا وسلاما على إبراهيم فيجب أن نقتصر عليه ولا يجوز أن نضيف إليه حكايات إسرائيلية أو غير إسرائيلية. (المحقق)

(٢) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي : ١٠٥. وفى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي.

(٣) موق : أى محب.

(٤) قال النسفي فى تفسيره : ١ / ١٩٧ (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) أى فى أن تنكحوهن لجمالهن أو عن أن تنكحوهن لدمامتهن. وقد ورد فى التفسير المأثور ما يؤيده.

٤١١

لدمامتهن (وَ) يفتيكم فى (الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ) أن تعطوهم حقوقهم وكانوا لا يورثونهم (وَ) يفتيكم (أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى) فى الميراث (بِالْقِسْطِ) يعنى بالعدل (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) مما أمرتم به من قسمة المواريث (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً) ـ ١٢٧ ـ فيجزيكم به (وَإِنِ امْرَأَةٌ) واسمها خويلة بنت (١) محمد بن مسلمة (خافَتْ) يعنى علمت (مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً) يعنى زوجها (أَوْ إِعْراضاً) عنها لما بها من؟؟؟ إلى الأخرى نزلت فى رافع بن خديج الأنصارى وفى امرأته خويلة بنت محمد بن مسلمة الأنصارى وذلك أن رافعا طلقها ثم راجعها وتزوج عليها أشب منها ، وكان يأتى الشابة ما لا يأتى الكبيرة (٢) يقول (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) الزوج والمرأة الكبيرة (أَنْ يُصْلِحا) (٣) (بَيْنَهُما صُلْحاً) أن ترضى المرأة الكبيرة بماله ، على أن يأتى الشابة ما لا يأتى الكبيرة ، يقول فلا بأس بذلك فى القسمة فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) من المفارقة (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) يعنى الحرص على المال : يعنى الكبيرة ، يرضيها الزوج من بعض ماله ، فتحرص على المال ، وتدع نصيبها من زوجها (٤) (وَإِنْ تُحْسِنُوا) الفعل فلا تفارقها (وَتَتَّقُوا) الميل والجور (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) ـ ١٢٨ ـ فى أمرهن من الإحسان والجور ، ثم قال ـ عزوجل ـ : [٨٧ أ]. (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ) فى الحب : أن يستوي حبهن فى قلوبكم (٥) (وَلَوْ حَرَصْتُمْ) فلا تقدرون على ذلك (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) إلى التي تحب وهي الشابة (فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) أى فتأتيها وتذر الأخرى

__________________

(١) فى أ : ابنت ، ل ، بنت.

(٢) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي : ١٠٥ ، برواية البخاري عن محمد بن مقاتل عن ابن المبارك ، ورواه مسلم عن كريب وأبى أسامة كلاهما عن هشام ، كما ورد فى السيوطي : ٨١.

(٣) فى أ : يصالحا.

(٤) فى أ : مالها ، ل : زوجها.

(٥) فى أ : القلوب ، ل : قلوبكم.

٤١٢

يعنى الكبيرة كالمعلقة لا أيم ولا ذات بعل ولكن اعدلوا فى القسمة (١) (وَإِنْ تُصْلِحُوا) أمرهن (وَتَتَّقُوا) الميل والجور (فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً) حين ملت إلى الشابة برضى الكبيرة (رَحِيماً) ـ ١٢٩ ـ بك حين رخص لك فى الصلح فإن أبت الكبيرة الصلح إلا أن تسوى بينها وبين الشابة أو تطلقها كان ذلك لها. ثم إنه طلقها فنزلت (وَإِنْ يَتَفَرَّقا) يعنى رافع وخويلة المرأة الكبيرة (يُغْنِ اللهُ كُلًّا) يعنى الزوج والكبيرة (مِنْ سَعَتِهِ) يعنى من فضله الواسع (وَكانَ اللهُ واسِعاً) لهما فى الرزق جميعا (حَكِيماً) ـ ١٣٠ ـ حين حكم فرقتهما (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) من الخلق عبيده وفى ملكه (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (٢) (وَكانَ اللهُ غَنِيًّا) عن عباده وخلقه (حَمِيداً) ـ ١٣١ ـ عند خلقه فى سلطانه (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) ـ ١٣٢ ـ يعنى شهيدا فلا شاهد أفضل من الله ـ عزوجل ـ أن من فيهما عباده وفى ملكه ثم قال ـ عزوجل ـ (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) بالموت (أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) يعنى بخلق غيركم أطوع منكم (وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً) ـ ١٣٣ ـ أن يذهبكم ويأت بغيركم إذا عصيتموه (مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا) بعمله فليعمل لآخرته (فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا) يعنى الرزق فى الدنيا وثواب (وَالْآخِرَةِ) يعنى الجنة (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً) ـ ١٣٤ ـ بأعمالكم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ) يعنى قوالين (بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ) يقول ـ سبحانه ـ أقيموا الشهادة لله بالعدل (وَلَوْ) كانت الشهادة (عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ) على (الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ) أحدهما (غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) بالغنى والفقير من غيره (فَلا تَتَّبِعُوا

__________________

(١) السطور السابقة مضطربة فى أ ، ل فاضطررت لإصلاحها.

(٢) ما بين القوسين «...» ساقط من الأصل.

٤١٣

الْهَوى) فى الشهادة والقرابة واتقوا (أَنْ تَعْدِلُوا) عن الحق إلى الهوى ثم قال : (وَإِنْ تَلْوُوا) يعنى التحريف بالشهادة : يلجلج بها لسانه فلا يقيمها ليبطل بها شهادته (أَوْ تُعْرِضُوا) عنها فلا تشهدوا بها (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ) من كتمان الشهادة وإقامتها (خَبِيراً) ـ ١٣٥ ـ نزلت فى رجل كانت عنده شهادته على أبيه فأمره الله ـ عزوجل ـ أن يقيمها لله (١) [٨٧ ب] ـ عزوجل ـ ولا يقول (٢) إنى إن شهدت عليه أجحفت بماله ، وإن كان فقيرا هلك وازداد فقره ، ويقال إنه أبو بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ الشاهد على أبيه أبى قحافة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) نزلت فى مؤمنى أهل الكتاب كان بينهم وبين اليهود كلام لما أسلموا قالوا نؤمن بكتاب محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ونكفر بما سواه فقال ـ تعالى ـ : (آمِنُوا بِاللهِ) وصدقوا بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (وَرَسُولِهِ) أى وصدقوا برسوله محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ) يعنى محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) نزول كتاب محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثم ذكر كفار أهل الكتاب فحذرهم الآخرة يعنى البعث فقال الله ـ تعالى ذكره ـ : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ) يعنى بتوحيد الله (وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يعنى البعث الذي فيه جزاء الأعمال (فَقَدْ ضَلَ) عن الهدى (ضَلالاً بَعِيداً) ـ ١٣٦ ـ وبما أعد الله ـ عزوجل ـ من الثواب والعقاب. ثم ذكر أهل الكتاب فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بالتوراة وبموسى (ثُمَّ كَفَرُوا) من بعد موسى (ثُمَّ آمَنُوا) بعيسى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وبالإنجيل (ثُمَّ كَفَرُوا) من بعده (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وبالقرآن (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) على ذلك

__________________

(١) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي : ١٠٦. كما ورد فى لباب النقول للسيوطي : ٨١.

(٢) فى أ : لا يقول ، ل : ولا يقول.

٤١٤

(وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) ـ ١٣٧ ـ إلى الهدى منهم عمرو بن زيد وأوس بن قيس ، وقيس بن زيد.

ولما نزلت المغفرة للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وللمؤمنين فى سورة الفتح قال عبد الله بن أبى ونفر معه ، فما لنا؟ فأنزل الله ـ عزوجل ـ (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ) يعنى عبد الله بن أبى ، ومالك بن دخشم ، وجد بن قيس (بِأَنَّ لَهُمْ) فى الآخرة (عَذاباً أَلِيماً) ـ ١٣٨ ـ يعنى وجيعا ، ثم نعتهم فقال : (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ) من اليهود (أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ). وذلك أن المنافقين قالوا لا يتم أمر محمد ، فتابعوا اليهود وتولوهم فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) يعنى المنعة ، وذلك أن اليهود أعانوا مشركي العرب على قتال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليتعززوا (١) بذلك فقال ـ سبحانه ـ (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) يقول أيبتغى المنافقون عند اليهود المنعة (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) ـ ١٣٩ ـ يقول جميع من يتعزز فإنما هو بإذن الله وكان المنافقون يستهزءون بالقرآن فأنزل الله ـ عزوجل ـ بالمدينة (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ) يعنى فى سورة الأنعام بمكة (٢) (أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) يقول حتى يكون حديثهم يعنى المنافقين [٨٨ أ] فى غير ذكر الله ـ عزوجل ـ فنهى الله ـ عزوجل ـ عن مجالسة كفار مكة ومنافقي المدينة عند الاستهزاء بالقرآن ثم خوفهم : إن جالستموهم ورضيتم باستهزائهم (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) فى الكفر (إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ) يعنى عبد الله بن أبى ، ومالك بن دخشم ،

__________________

(١) فى أ : فتعززوا.

(٢) يشير للآية ٦٨ من سورة الأنعام وهي : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

٤١٥

وجد بن قيس من أهل المدينة (وَالْكافِرِينَ) من أهل مكة (فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) ـ ١٤٠ ـ ثم أخبر ـ سبحانه ـ عن المنافقين فقال ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) الدوائر (فَإِنْ كانَ لَكُمْ) معشر المؤمنين (فَتْحٌ مِنَ اللهِ) يعنى النصر على العدو يوم بدر (قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) على عدوكم فأعطونا من الغنيمة فلستم أحق بها ، فذلك قوله ـ سبحانه ـ فى العنكبوت (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) على عدوكم (١) (وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ) يعنى دولة على المؤمنين يوم أحد (قالُوا) أى المنافقون للكفار (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) يعنى ألم نحط بكم من ورائكم (وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ونجادل المؤمنين عنكم فنحبسهم عنكم ونخبرهم أنا معكم ، قالوا ذلك جبنا وفرقا منهم. قال الله ـ تعالى ـ : (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) ـ ١٤١ ـ يعنى حجة أبدا نزلت فى عبد الله بن أبى وأصحابه (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) حين أظهروا الإيمان وأسروا التكذيب (٢) وهو خادعهم على الصراط فى الآخرة حين يقال لهم : (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) (٣) فبقوا فى الظلمة فهذه خدعة الله ـ عزوجل ـ لهم فى الآخرة ثم أخبر عن المنافقين فقال ـ سبحانه ـ (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى) يعنى المنافقين متثاقلين لا يروا أنها حق (٤) عليهم نظيرها فى براءة (٥).

__________________

(١) سورة العنكبوت : ١٠.

(٢) فى أ : وأسروا الكفر التكذيب ، ل : التكذيب.

(٣) سورة الحديد : ١٣.

(٤) فى أ : حقا.

(٥) عله يشير إلى الآيات ٧٥ ، ٧٦ ، ٧٧ من سورة التوبة وهي فى بعض المنافقين الذين منعوا الزكاة وجحدوا وجوبها عليهم. قال ـ تعالى ـ : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ. فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ. فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) فالمنافق لا يرى أن الصلاة حق عليه ولا يعتقد أن الزكاة واجبة عليه.

٤١٦

(يُراؤُنَ النَّاسَ) بالقيام بالنهار (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ) يعنى فى الصلاة (إِلَّا قَلِيلاً) ـ ١٤٢ ـ يعنى بالقليل ، الرياء ولا يصلون فى السر (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ) يقول إن المنافقين ليسوا مع اليهود فيظهرون ولايتهم ولا مع المؤمنين فى الولاية (لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) عن الهدى (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) ـ ١٤٣ ـ إليه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يرغبهم ، نزلت فى المنافقين منهم عبد الله ابن أبى ، ومالك بن دخشم وذلك أن مواليهما من اليهود : أصبع ورافع عيروهما (١) بالإسلام وزينوا لهما ترك دينهما وتوليهما اليهود فصانعا اليهود. فقال الله : (لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ) من اليهود (أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) [٨٨ ب] ـ ١٤٤ ـ يعنى حجة بينة يحتج بها عليكم (٢) حين توليتم اليهود ونصحتموهم (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) يعنى الهاوية (وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) ـ ١٤٥ ـ يعنى مانعا من العذاب ولما أخبر بمستقر المنافقين قال ناس للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : فقد كان فلان وفلان منافقين فتابوا منه ، فكيف يفعل الله بهم؟ (٣) فأنزل الله ـ جل ذكره ـ (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) من المنافقين (وَأَصْلَحُوا) العمل (وَاعْتَصَمُوا) يعنى احترزوا (بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ) الإسلام (بِاللهِ) ـ عزوجل ـ ولم يخلطوا بشرك (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) فى الولاية (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) ـ ١٤٦ ـ يعنى جزاء وافرا (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ) نعمته (وَآمَنْتُمْ) يعنى صدقتم فإنه لا يعذب شاكرا ولا مؤمنا (وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً) ـ ١٤٧ ـ بهم (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) لأحد من الناس (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) يعنى اعتدى عليه فينتصر من القول مثل ما ظلم

__________________

(١) فى أ : عيروهم.

(٢) فى أ : عليه.

(٣) فى أ : فكيف الله فيهم. ل : فكيف يفعل الله بهم.

٤١٧

ولا حرج عليه أن ينتصر بمثل مقالته نزلت فى أبى بكر ـ (١) رضى الله عنه ـ شتمه رجل والنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ جالس فسكت عنه مرارا ثم رد عليه أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ فقام النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عند ذلك ، فقال أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ : يا رسول الله ، شتمني وأنا ساكت ، فلم تقل له شيئا حتى إذا رددت عليه قمت. قال : إن ملكا كان يجيب عنك ، فلما أن رددت عليه ذهب الملك وجاء الشيطان ، فلم أكن لأجلس عند مجيء الشيطان (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً) بجهر السوء (عَلِيماً) ـ ١٤٨ ـ به ثم أخبر أن العفو والتجاوز خير عند الله من الانتصار فقال ـ سبحانه ـ : (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً) يعنى تعلنوه (أَوْ تُخْفُوهُ) يعنى تسروه (أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ) فعل بك (فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً) ـ ١٤٩ ـ يقول فإن الله أقدر على عفو ذنوبك منك على العفو عن صاحبك (٢).

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ) يعنى اليهود منهم عامر بن مخلد ، ويزيد ابن زيد كفروا بعيسى وبمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ) الرسل يعنى موسى (وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) الرسل يعنى عيسى ومحمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) ـ ١٥٠ ـ يعنى دينا يعنى إيمانا ببعض الرسل وكفرا ببعض الرسل (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) حين كفروا ببعض الرسل لا ينفعهم إيمان ببعض (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ) فى الآخرة (عَذاباً مُهِيناً) ـ ١٥١ ـ يعنى الهوان ثم ذكر المؤمنين فقال ـ سبحانه ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) يعنى بين الرسل وصدقوا بالرسل جميعا (أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) [٨٩ أ] يعنى جزاء أعمالهم (وَكانَ

__________________

(١) أورد السيوطي فى لباب النقول : ٨١ ، سببا آخر غير الذي ذكره مقاتل.

(٢) فى أ : على عفو صاحبك.

٤١٨

اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) ـ ١٥٢ ـ (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) نزلت فى اليهود وذلك أن كعب بن الأشرف ، وفنحاص اليهودي قالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إن كنت صادقا بأنك رسول فأتنا بكتاب غير هذا ، مكتوب فى السماء جملة واحدة كما جاء به موسى ، فذلك قوله : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ ...) إلى قوله ـ سبحانه (١) ـ : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) يعنى معاينة (٢) (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) يعنى الموت (بِظُلْمِهِمْ) لقولهم أرنا الله جهرة : معاينة (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) يعنى الآيات التسع (فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ) فلم نستأصلهم جميعا عقوبة باتخاذهم العجل (وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً) ـ ١٥٣ ـ يعنى حجة بينة يعنى اليد والعصى (وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ) يعنى الجبل فوق رءوسهم رفعه جبريل ـ عليه‌السلام ـ وكانوا فى أصل الجبل فرفع الطور فوق رءوسهم (بِمِيثاقِهِمْ) لأن يقروا بما فى التوراة (وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) يعنى باب حطة (وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ) أى لا تعدوا فى أخذ الحيتان يوم السبت (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) ـ ١٥٤ ـ يعنى شديدا والميثاق إقرارهم بما عهد الله ـ عزوجل ـ فى التوراة (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) يعنى فبنقضهم إقرارهم بما فى التوراة (وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ) يعنى الإنجيل والقرآن وهم اليهود (وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ) وذلك حين سمعوا من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ) عرفوا أن الذي قال لهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حق وقالوا (قُلُوبُنا غُلْفٌ) يعنى فى أكنة عليها الغطاء فلا تفقه ولا تفهم ما تقول يا محمد ، كراهية ما سمعوا من

__________________

(١) هكذا فى أ ، وفى ل : إلى ما بعد ذلك من قوله سبحانه : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى ..) إلخ.

(٢) فى أزيادة : وهم السبعون.

٤١٩

النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من كفرهم بالإنجيل والفرقان يقول الله ـ تعالى ـ : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) يعنى ختم على قلوبهم (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) ـ ١٥٥ ـ يقول ما أقل ما يؤمنون فإنهم لا يؤمنون البتة (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً) ـ ١٥٦ ـ وذلك أن اليهود قذفوا مريم ـ عليها‌السلام ـ بيوسف بن ماثان بالزنا وكان ابن عمها وكان قد خطبها ، ومريم ابنة عمران بن ماثان (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) ولم يقولوا رسول الله ولكن الله ـ عزوجل ـ قال : (رَسُولَ اللهِ) ثم قال ـ تعالى ـ : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) بصاحبهم الذي قتلوه [٨٩ ب]. وكان الله ـ عزوجل ـ قد جعله (١) على صورة عيسى فقتلوه ، وكان المقتول لطم عيسى ، وقال لعيسى حين لطمه : أتكذب على الله حين تزعم أنك رسوله. فلما أخذه (٢) اليهود ليقتلوه قال لليهود : لست بعيسى أنا فلان ، واسمه يهوذا فكذبوه ، وقالوا له : أنت عيسى ، وكانت اليهود جعلت المقتول رقيبا على عيسى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فألقى الله ـ تعالى ذكره ـ شبهه على الرقيب فقتلوه ، ثم قال سبحانه : (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) يعنى فى عيسى وهم النصارى ، فقال بعضهم قتله اليهود ، وقال بعضهم لم يقتل (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) فى شك من قتله (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) ـ ١٥٧ ـ يقول وما قتلوا ظنهم يقينا (٣) يقول لم يستيقنوا قتله كقول الرجل قتلته علما (٤) ، فأكذب الله ـ عزوجل ـ

__________________

(١) فى أ : وكان قد جعله الله ـ عزوجل. فى ل : وكان الله ـ عزوجل ـ قد جعله.

(٢) فى أ ، ل : أخذوه.

(٣) فى أ : وما قتلوه ما ظنهم يقينا ، فى ل : وما قتلوا ظنهم يقينا.

(٤) فى حاشية أما يأتى : فى الكشاف والقرطبي وغيرهما فى أحد الأوجه : وما قتلوه يعنى العلم.

٤٢٠