تفسير مقاتل بن سليمان - ج ١

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ١

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٤

مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ـ ١٢٩ ـ فى تأخير العذاب عن (١) هذين الحيين من بنى سليم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) وذلك أن الرجل كان إذا حل ماله طلبه من صاحبه ، فيقول المطلوب أخر عنى وأزيدك على مالك ، فيفعلون ذلك ، فوعظهم الله ـ تعالى ـ وقال : (وَاتَّقُوا اللهَ) فى الربا (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ـ ١٣٠ ـ ثم خوفهم ، فقال : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) ـ ١٣١ ـ (وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ـ ١٣٢ ـ يعنى لكي ترحموا فلا تعذبوا ثم رغبهم فقال ـ سبحانه ـ : (وَسارِعُوا) بالأعمال الصالحة (إِلى مَغْفِرَةٍ) لذنوبكم (مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) يقول عرض الجنة كعرض سبع سماوات وسبع أرضين جميعا لو ألصق بعضها إلى بعض (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ـ ١٣٣ ـ ثم نعتهم ، فقال : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) يعنى فى «اليسر» (٢) والعسر (٣) وفى الرخاء والشدة (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) وهو الرجل يغضب فى أمر فإذا فعله وقع فى معصية ، فيكظم الغيظ ويغفر. فذلك قوله : (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) ومن يفعل هذا فقد أحسن فذلك قوله : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ـ ١٣٤ ـ فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : إنى أرى هؤلاء فى أمتى قليلا (٤) ، وكانوا أكثر فى الأمم الخالية (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) وذلك أن رجلا خرج غازيا وخلف رجلا فى أهله وولده ، فعرض له الشيطان فى أهله ، فهوى المرأة فكان منه ما ندم ، فأتى أبا بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ فقال : هلكت. قال : وما هلاك. قال : ما من شيء يناله الرجل [٦٢ أ] من المرأة إلا وقد نلته غير الجماع فقال أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ : ويحك أما علمت

__________________

(١) فى أ : على.

(٢) ليست فى النسخ.

(٣) فى أ : العيش ، وفى ل : والعسر.

(٤) فى أ : قليل ، ل : قليلا.

٣٠١

أن الله ـ عزوجل ـ يغار للغازى ما لا يغار للقاعد ، ثم لقى عمر ـ رضى الله عنه ـ فأخبره. فقال له مثل مقالة أبى بكر ـ رضى الله عنه ـ ثم أتى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال له ، مثل مقالتهما فأنزل الله ـ عزوجل ـ فيه (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) يعنى الزنا (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) ما كان نال منها (١) دون الزنا (ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا) يقيموا (عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ـ ١٣٥ ـ أنها معصية فمن استغفر ف (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) يعنى مقيمين فى الجنان لا يموتون (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) ـ ١٣٦ ـ يعنى التائبين من الذنوب. فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ظلمت نفسك ، فاستغفر الله ، وتب إليه. فاستغفر الرجل ، واستغفر له النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ نزلت هذه الآية فى عمر بن قيس (٢) ويكنى أبا مقبل. وذلك حين أقبل إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقد صدمه حائط ، وإذا الدم يسيل على وجهه عقوبة لما فعل. فانتهى إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأذن بلال بالصلاة : صلاة الأولى. فسأل أبو مقبل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ما توبته فلم يجبه ودخل المسجد وصلى الأولى ، ودخل

__________________

(١) فى أ : منهم ، ل : منها.

(٢) جاء فى أسباب النزول للواحدي : ٧٠ قوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) الآية قال ابن عباس فى رواية عطاء : نزلت فى نبهان التمار أتته امرأة حسناء باع منها تمرا فضمها إلى نفسه وقبلها ، ثم ندم على ذلك ، فأتى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وذكر ذلك له فنزلت هذه الآية. وقال فى رواية الكلبي : إن رجلين : أنصاريا وثقفيا آخى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بينهما ، فكانا لا يفترقان. فخرج رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى بعض مغازيه ، وخرج معه الثقفي وخلف الأنصارى فى أهله وحاجته وكان يتعاهد أهل الثقفي .. وأتم القصة بما يوافق كلام مقاتل المذكور آنفا.

٣٠٢

أبو مقبل ، وصلى معه ، فنزل جبريل ـ عليه‌السلام ـ بتوبته (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ) يعنى الصلوات الخمس (يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) (١) يعنى الذنوب التي لم تختم (٢) بالنار وليس عليه حد فى الزنا (٣) وما بين الحدين فهو اللمم والصلوات الخمس تكفر هذه الذنوب وكان ذنب أبى (٤) مقبل من هذه الذنوب فلما صلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال لأبى مقبل : أما توضأت قبل أن تأتينا. قال : بلى. قال : أما شهدت معنا الصلاة. قال : بلى. قال فإن الصلاة قد كفرت ذنبك ، وقرأ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ هذه الآية (٥). (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) يعنى عذاب الأمم الخالية فخوف هذه الأمم بعذاب الأمم ليعتبروا فيوحدوه قوله ـ سبحانه ـ : (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) ـ ١٣٧ ـ للرسل بالعذاب كان عاقبتهم الهلاك ثم وعظهم فقال ـ سبحانه ـ : (هذا) القرآن (بَيانٌ لِلنَّاسِ) من العمى (وَهُدىً) من الضلالة (وَمَوْعِظَةٌ) من الجهل (لِلْمُتَّقِينَ) ـ ١٣٨ ـ (وَلا تَهِنُوا) ولا تضعفوا عن عدوكم (وَلا تَحْزَنُوا) على ما أصابكم من القتل والهزيمة يوم أحد (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) يعنى العالين (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ـ ١٣٩ ـ [٦٢ ب] يعنى إن كنتم مصدقين ثم عزاهم فقال : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) يعنى إن تصبكم (٦) جراحات يوم أحد فقد مس القوم يعنى كفار قريش قرح مثله يقول قد أصاب المشركين جراحات مثله يوم بدر (٧) وذلك قوله ـ سبحانه ـ :

__________________

(١) سورة هود : ١١٤

(٢) فى أ : تحتم ، فى ل : تختم.

(٣) فى أ : الدنيا ، ل : الزنا.

(٤) فى أ : أبو وهو مضاف إليه وصوابه : أبى.

(٥) أى الآية المذكورة قريبا وهي (أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ...).

(٦) فى الأصل : يصيبكم.

(٧) فى أسباب النزول للواحدي : ٧١ ما يوافق ذلك.

٣٠٣

(وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) يوم لكم ببدر ويوم عليكم بأحد مرة للمؤمنين ومرة للكافرين. بديل للكافرين من المؤمنين ويبتلى المؤمنين بالكافرين (وَلِيَعْلَمَ اللهُ) يعنى وليرى إيمان (الَّذِينَ آمَنُوا) منكم عند البلاء فيتبين إيمانهم أيشكوا فى دينهم أم لا (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) ـ ١٤٠ ـ يعنى المنافقين (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) بالبلاء ليرى صبرهم (وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) ـ ١٤١ ـ يعنى ويذهب دعوة الكافرين الشرك يعنى المنافقين فيبين (١) نفاقهم وكفرهم ثم بين للمؤمنين أنه نازل بهم الشدة والبلاء فى ذات الله ـ عزوجل ـ فقال : (أَمْ حَسِبْتُمْ) يعنى أحسبتم وذلك أن المنافقين قالوا للمؤمنين يوم أحد بعد الهزيمة : لم تقتلون أنفسكم ، وتهلكون أموالكم ، فإن محمدا لو كان نبيا لم يسلط عليه القتل. قال المؤمنون : بلى من قتل منا دخل الجنة. فقال المنافقون : لم تمنون أنفسكم الباطل ، فأنزل الله ـ تعالى ـ (أَمْ حَسِبْتُمْ) معشر المؤمنين (أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ) يعنى ولما يرى الله (الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) فى سبيل الله (وَ) لما (يَعْلَمِ) يعنى يرى (الصَّابِرِينَ) ـ ١٤٢ ـ عند البلاء. وليمحص أى يقول إذا جاهدوا وصبروا رأى ذلك منهم ، وإذا لم يفعلوا لم ير ذلك منهم (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) وذلك حين أخبر الله ـ عزوجل ـ عن قتلى بدر وما هم فيه من الخير. قالوا : يا نبى الله أرنا يوما كيوم بدر. فأراهم الله ـ عزوجل ـ يوم أحد فانهزموا فعاتبهم الله ـ عزوجل ـ فقال ـ سبحانه ـ : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ) يعنى القتال من قبل أن تلقوه (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ـ ١٤٣ ـ وقالوا يومئذ إن محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قد قتل. فقال بشر بن النضر الأنصارى ـ وهو عم أنس بن مالك ـ : إن كان محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قد قتل فإن رب

__________________

(١) فى أ : فتبين.

٣٠٤

محمد حي ، أفلا تقاتلون على ما قاتل عليه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حتى تلقوا الله ـ عزوجل ـ. ثم قال النضر : اللهم إنى أعتذر إليك مما يقول هؤلاء ، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء ثم شد عليهم بسيفه فقتل منهم من قتل. وقال المنافقون يومئذ : ارجعوا إلى إخوانكم فاستأمنوهم ، فارجعوا إلى دينكم الأول. فقال النضر عند قول المنافقين تلك المقالة (١) [٦٣ أ] فأنزل الله ـ عزوجل ـ (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) يقول وهل محمد ـ عليه‌السلام ـ لو قتل إلا كمن قتل قبله من الأنبياء (أَفَإِنْ ماتَ) محمد (أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) يعنى رجعتم إلى دينكم الأول الشرك. ثم قال : (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ) يقول ومن يرجع إلى الشرك بعد الإيمان (فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) بارتداده من الإيمان إلى الشرك إنما يضر بذلك نفسه (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) ـ ١٤٤ ـ يعنى الموحدين لله فى الآخرة (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ) يعنى أن تقتل (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) حتى يأذن الله فى موته (كِتاباً مُؤَجَّلاً) فى اللوح المحفوظ (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) يعنى الذين تركوا المركز يوم أحد وطلبوا الغنيمة. وقال ـ سبحانه ـ : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها) الذين ثبتوا مع أميرهم عبد الله بن جبير الأنصارى من بنى عمرو حتى قتلوا (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) ـ ١٤٥ ـ يعنى الموحدين فى الآخرة ثم أخبر بما لقيت الأنبياء والمؤمنون قبلهم يعزيهم ليصبروا ، فقال ـ سبحانه ـ : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍ) وكم من نبى «(قاتَلَ مَعَهُ) قبل محمد» (٢) (رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) يعنى الجمع الكثير (فَما وَهَنُوا) يعنى فما عجزوا لما نزل بهم من قبل أنبيائهم وأنفسهم

__________________

(١) أى قال : اللهم ، إنى أعتذر إليك مما يقول هؤلاء ، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء .. والحديث فى البخاري فى باب الجهاد. وانظر أسباب النزول للواحدي : ٧١ ، ٧٢

(٢) فى أ : قاتل معه قتل معه قبل محمد. والمثبت من ل.

٣٠٥

(لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا) يعنى خضعوا لعدوهم (وَمَا اسْتَكانُوا) يعنى وما استسلموا يعنى الخضوع لعدوهم بعد قتل نبيهم فصبروا (وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) ـ ١٤٦ ـ (وَما كانَ قَوْلَهُمْ) عند قتل أنبيائهم (إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا) يعنى الخطايا الكبار فى أعمالنا (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) عند اللقاء حتى لا تزل (وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) ـ ١٤٧ ـ أفلا تقولون كما قالوا ، وتقاتلون كما قاتلوا ، فتدركون من الثواب فى الدنيا والآخرة مثل ما أدركوا ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا) يقول أعطاهم النصر والغنيمة فى الدنيا (وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) جنة الله ورضوانه فمن فعل ذلك فقد أحسن. فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ـ ١٤٨ ـ وأنزل الله ـ عزوجل ـ فى قول المنافقين للمؤمنين ، عند الهزيمة : ارجعوا إلى إخوانكم فادخلوا فى دينهم. فقال ـ سبحانه ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى المنافقين فى الرجوع إلى أبى سفيان (يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) كفارا بعد الإيمان (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) ـ ١٤٩ ـ [٦٣ ب] إلى دينكم الأول (بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ) (١) يعنى يقول فأطيعوا الله مولاكم يعنى وليكم (وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) ـ ١٥٠ ـ من أبى سفيان وأصحابه ومن معه من كفار العرب يوم أحد (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) فانهزموا إلى مكة من غير شيء (بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) يعنى ما لم ينزل به كتابا فيه حجة لهم بالشرك (وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) ـ ١٥١ ـ يعنى مأوى المشركين النار (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) يعنى تقتلونهم بإذنه يوم أحد ولكم النصر عليهم (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ) يعنى ضعفتم عن ترك المركز

__________________

(١) ما بين الأقواس «...» ساقط من أ.

٣٠٦

(وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ) كان تنازعهم أنه قال بعضهم : ننطلق فتصيب الغنائم ، وقال بعضهم : لا نبرح المركز كما أمرنا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) من النصر على عدوكم فقتل أصحاب الألوية من المشركين (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) الذين طلبوا الغنيمة (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) الذين ثبتوا فى المركز حتى قتلوا (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ) من بعد أن أظفركم عليهم (لِيَبْتَلِيَكُمْ) بالقتل والهزيمة (وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) حيث لم تقتلوا جميعا عقوبة بمعصيتكم (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ) فى عقوبته (عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ـ ١٥٢ ـ حيث لم يقتلوا جميعا (إِذْ تُصْعِدُونَ) من الوادي إلى أحد (وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ) يعنى بأحد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) يعنى يناديكم من ورائكم يا معشر المؤمنين أنا رسول الله. ثم قال : (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ) وذلك أنهم كانوا يذكرون فيما بينهم بعد الهزيمة ما فاتهم من الفتح والغنيمة ، وما أصابهم بعد ذلك من المشركين ، وقتل إخوانهم فهذا الغم الأول والغم الآخر إشراف خالد بن الوليد عليهم من الشعب فى الخيل ، فلما أن عاينوه ذعرهم (١) ذلك وأنساهم ما كانوا فيه من الغم الأول والحزن. فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) من الفتح والغنيمة (وَلا ما أَصابَكُمْ) من القتل والهزيمة (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) ـ ١٥٣ ـ (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً) يعنى من بعد غم الهزيمة أمنة نعاسا ، وذلك أن الله ـ عزوجل ـ ألقى على بعضهم النعاس فذهب غمهم ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (يَغْشى) النعاس (طائِفَةً مِنْكُمْ) نزلت فى سبعة نفر ، فى أبى بكر [٦٤ أ] الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعلى بن أبى طالب ، والحارث بن الصمة ، وسهل بن ضيف ورجلين من الأنصار ـ رضى الله عنهم ـ

__________________

(١) فى أ : وغرهم ، ل : ذعرهم.

٣٠٧

ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) يعنى الذين لم يلق عليهم النعاس (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِ) كذبا يقول المؤمنون إن محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قد قتل (ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) يقول كظن جهال المشركين أبو سفيان (١) وأصحابه وذلك أنهم قالوا إن محمدا قد قتل (يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) هذا قول معتب بن قشير يعنى بالأمر النصر يقول الله ـ عزوجل ـ لنبيّه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ) يعنى النصر (كُلَّهُ لِلَّهِ) ثم قال ـ سبحانه ـ : (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ «يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا») (٢) يقول يسرون فى قلوبهم ما لا يظهرون لك بألسنتهم والذي أخفوا فى أنفسهم أنهم قالوا : لو كنا فى بيوتنا ما قتلناها هنا ، قال الله ـ عزوجل ـ لنبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (قُلْ) لهم يا محمد : (لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ) كما تقولون لخرج من البيوت (الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) فمن كتب عليه القتل لا يموت أبدا ومن كتب عليه الموت لا يقتل أبدا. (وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ـ ١٥٤ ـ يقول الله عليم بما فى القلوب من الإيمان والنفاق والذين أخفوا فى أنفسهم قولهم إن محمدا قد قتل ، وقولهم لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا (٣) هاهنا ، يعنى هذا المكان فهذا الذي قال الله ـ سبحانه ـ لهم : قل لهم يا محمد (لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ) كما تقولون (لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) قوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ) يعنى انهزموا عن عدوهم مدبرين منهزمين (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) جمع المؤمنين وجمع المشركين يوم أحد (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ) يعنى استفزهم الشيطان (بِبَعْضِ

__________________

(١) فى أ : أبو سفين.

(٢) ما بين القوسين «...» ساقط من الأصل.

(٣) فى حاشية أو فى الأصل : حرجنا.

٣٠٨

ما كَسَبُوا) من الذنوب يعنى بمعصيتهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وتركهم المركز منهم عثمان بن عفان ، ورافع بن المعلى ، وخارجة بن زيد ، وحذيفة ابن عبيد بن ربيعة ، وعثمان بن عقبة (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) حين لم يقتلوا جميعا عقوبة بمعصيتهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لذنوبهم (حَلِيمٌ) ـ ١٥٥ ـ عنهم فى هزيمتهم فلم يعاقبهم ثم وعظ الله المؤمنين ألا يشكوا كشك المنافقين. فقال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا) فى القول (كَالَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى المنافقين (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ) يعنى عبد الله بن أبى ، وذلك أنه قال يوم أحد لعبد الله بن رباب (١) الأنصارى وأصحابه : (إِذا ضَرَبُوا) يعنى ساروا (فِي الْأَرْضِ) [٦٤ ب] تجارا (أَوْ كانُوا غُزًّى) جمع غاز (٢) (لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا) يعنى التجار (وَما قُتِلُوا) يعنى الغزاة قال عبد الله بن أبى ذلك حين انهزم المؤمنون وقتلوا. يقول الله ـ عزوجل ـ : (لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ) القتل (حَسْرَةً) يعنى حزنا (فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي) الموتى (وَيُمِيتُ) الأحياء لا يملكهما غيره ، وليس ذلك بأيديهم (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ـ ١٥٦ ـ (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ) فى غير قتل (لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ) لذنوبكم (وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٣) ـ ١٥٧ ـ من الأموال ثم حذرهم القيامة فقال : (وَلَئِنْ مُتُّمْ) فى غير قتل (أَوْ قُتِلْتُمْ) فى سبيله (لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) ـ ١٥٨ ـ فيجزيكم بأعمالكم (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) فبرحمة الله كان (٤) إذ لنت لهم فى القول ، ولم تسرع إليهم بما كان منهم يوم أحد

__________________

(١) فى أ : دياب ، ل : رباب.

(٢) جمع غاز. هكذا كتب فى حاشية أ. ولا أدرى هل سقط من الأصل فتداركه الناسخ أم هي زيادة للشرح والتوضيح. والمرجح أنه سقط سهوا ثم تداركه الناسخ. لأنه لم يكتب بجواره محمد كعادته فيما يزيده من نفسه.

(٣) فى أ : تجمعون.

(٤) فى أ : إذا : ، فى ل : إذ.

٣٠٩

يعنى المنافقين (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا) باللسان (غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) لتفرقوا عنك يعنى المنافقين (فَاعْفُ عَنْهُمْ) يقول اتركهم (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) لما كان منهم يوم أحد (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) وذلك أن العرب فى الجاهلية كان إذا أراد سيدهم أن يقطع أمرا دونهم ولم (١) يشاورهم شق ذلك عليهم. فأمر الله ـ عزوجل ـ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يشاورهم فى الأمر إذا أراد فإن ذلك أعطف لقلوبهم عليه ، وأذهب لضغائنهم (فَإِذا عَزَمْتَ) يقول فإذا فرق الله (٢) لك الأمر بعد المشاورة فامض لأمرك (فَتَوَكَّلْ) (٣) (عَلَى اللهِ) يقول فثق بالله (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) ـ ١٥٩ ـ عليه يعنى الذين يثقون به (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ) يعنى يمنعكم (فَلا غالِبَ لَكُمْ) يعنى لا يهزمكم أحد (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) يعنى يمنعكم من بعد الله (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) ـ ١٦٠ ـ (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) يعنى أن يخون فى الغنيمة يوم أحد ولا يجور فى قسمته فى الغنيمة نزلت فى الذين طلبوا الغنيمة يوم أحد ، وتركوا المركز ، وقالوا : إنا نخشى أن يقول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من أخذ شيئا فهو له ونحن هاهنا وقوف فلما رآهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : ألم أعهد إليكم ألا تبرحوا من المركز حتى يأتيكم أمرى. قالوا : تركنا بقية إخواننا وقوفا فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ظننتم أنا نغل فنزلت (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) ثم خوف الله ـ عزوجل ـ من يغل فقال : (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ) بر وفاجر (ما كَسَبَتْ) من خير أو شر (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ـ ١٦١ ـ فى أعمالهم. ثم قال ـ سبحانه ـ : (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ)

__________________

(١) فى أ ، ل : لم.

(٢) لفظ الجلالة ليس فى ل ومثبت من أ.

(٣) فى أ : وتوكل.

٣١٠

يعنى رضى ربه ـ عزوجل ـ ولم يغلل (كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ) [٦٥ أ] يعنى استوجب السخط من الله ـ عزوجل ـ فى الغلول «ليسوا سواء ثم بين مستقرهما (١) فقال : (وَمَأْواهُ) يعنى ومأوى من غل (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ـ ١٦٢ ـ يعنى أهل الغلول» (٢).

ثم ذكر ـ سبحانه ـ من لا يغل فقال : (هُمْ) يعنى لهم (دَرَجاتٌ) يعنى لهم فضائل (عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) ـ ١٦٣ ـ من غل منكم ومن لم يغل فهو بصير بعمله (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ) يعنى القرآن (وَيُزَكِّيهِمْ) يعنى ويصلحهم (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ) يعنى القرآن (وَالْحِكْمَةَ) يعنى المواعظ التي فى القرآن من الحلال والحرام والسنة (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ) أن يبعث محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ـ ١٦٤ ـ يعنى بين مثلها فى الجمعة (٣) (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) وذلك أن سبعين رجلا من المسلمين قتلوا يوم أحد يوم السبت فى شوال لإحدى عشرة ليلة خلت منه ، وقتل من المشركين قبل ذلك بسنة فى سبع عشرة ليلة خلت من رمضان ببدر سبعين رجلا ، وأسروا سبعين رجلا من المشركين. فذلك قوله ـ سبحانه : (قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) من المشركين يوم بدر بمعصيتكم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وترككم المركز (قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) (٤) (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ـ ١٦٥ ـ من النصرة والهزيمة قدير (وَما أَصابَكُمْ) من القتل والهزيمة بأحد

__________________

(١) أى من يغل ومن لا يغل.

(٢) ما بين الأقواس «...» ساقط من ل ، من الغلول إلى الغلول. ولعله سبق نظر من الناسخ.

(٣) يشير إلى الآية الثانية من سورة الجمعة وهي (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ).

(٤) ساقط من أ ، ل.

٣١١
٣١٢
٣١٣

الذين قتلوا ببدر فأنزل الله ـ تعالى ـ (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) يعنى قتلى بدر (أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) ـ ١٦٩ ـ الثمار فى الجنة وذلك أن الله ـ تعالى ـ جعل أرواح الشهداء طيرا خضرا ترعى فى الجنة لها قناديل معلقة بالعرش تأوى إلى قناديلها فاطلع الله ـ عزوجل ـ عليهم فقال ـ سبحانه ـ : هل تستزيدونى شيئا فأزيدكم؟ قالوا : أو لسنا نسرح فى الجنة حيث نشاء ثم اطلع عليهم أخرى فقال ـ سبحانه ـ : هل تستزيدونى شيئا فأزيدكم؟ ثم أطلع الثالثة فقال ـ سبحانه ـ هل تستزيدونى شيئا فأزيدكم؟ قالوا : ربنا نريد أن ترد أرواحنا فى أجسادنا فنقاتل فى سبيلك مرة أخرى ، لما نرى من كرامتك إيانا ثم قالوا فيما بينهم : ليت إخواننا الذين فى دار الدنيا يعلمون ما نحن فيه من الكرامة والخير والرزق فإن شهدوا قتالا سارعوا بأنفسهم إلى الشهادة : فسمع الله ـ عزوجل ـ كلامهم [٦٦ أ] فأوحى إليهم أنى منزل على نبيكم ومخبر إخوانكم بما أنتم فيه فاستبشروا بذلك فأنزل الله ـ عزوجل ـ يحبب الشهادة إلى المؤمنين (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) من الثمار. ثم قال ـ سبحانه ـ (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ) يعنى راضين بما أعطاهم الله (مِنْ فَضْلِهِ) يعنى الرزق (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) يعنى من بعدهم من إخوانهم فى الدنيا أنهم لو رأوا قتالا لاستشهدوا ليلحقوا بهم. ثم قال ـ سبحانه ـ : (أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من العذاب (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ـ ١٧٠ ـ عند الموت (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ) يعنى رحمة من الله (وَفَضْلٍ) (١) ورزق (وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) ـ ١٧١ ـ يعنى أجر المصدقين بتوحيد الله

__________________

(١) ساقط من أ. وفى حاشية أعلامه على كلمة ورزق وتحت العلامة : التلاوة وفضل.

٣١٤

ـ عزوجل ـ (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) وذلك أن المشركين انصرفوا يوم أحد ولهم الظفر فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إنى سائر فى أثر القوم. وكان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يوم أحد على بغلة شهباء فدب المنافقون إلى المؤمنين. فقالوا : أتوكم فى دياركم فوطئوكم قتلا ، وكان لكم النصر يوم بدر ، فكيف تطلبونهم وهم اليوم عليكم أجرأ ، وأنتم اليوم أرعب. فوقع فى أنفس المؤمنين قول المنافقين ، فاشتكوا ما بهم من الجراحات فأنزل الله ـ عزوجل ـ (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ...) إلى آخر الآية (١). وأنزل الله ـ تعالى ـ (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ ...) ـ يعنى تتوجعون من الجراحات إلى آخر الآية (٢). فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لأطلبنّهم ولو بنفسي. فانتدب مع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ سبعون رجلا من المهاجرين والأنصار حتى بلغوا صفراء بدر الصغرى (٣) فبلغ أبا سفيان (٤) أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يطلبه فأمعن عائدا (٥) إلى مكة مرعوبا ولقى أبو سفيان (٦) نعيم بن مسعود الأشجعى ، وهو يريد المدينة. فقال : يا نعيم : بلغنا أن محمدا فى الأثر فأخبره أن أهل مكة قد جمعوا جمعا كثيرا من قبائل العرب لقتالكم ، وأنهم لقوا أبا سفيان فلاموه بكفه عنكم ، بعد الهزيمة حتى هموا به ، فردوه فإن رددت عنا محمدا فلك عشر ذود من الإبل إذا رجعت إلى مكة فسار نعيم فلقى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى الصفراء.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٤٠ وتمامها (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).

(٢) سورة النساء : ١٠٤ وتمامها (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً).

(٣) فى أ : الصفراء ، ل : الصغرى.

(٤) فى أ : أبا سفين.

(٥) فى أ ، ل : عوادا.

(٦) فى أ : أبا سفين.

٣١٥

فقال : ما وراءك يا نعيم؟ فأخبره بقول أبى سفيان. ثم قال : أتاكم الناس. فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) نعم الملتجأ ونعم الحرز فأنزل الله ـ سبحانه ـ : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) [(مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) يعنى الجراحات (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ) الفعل (وَاتَّقَوْا) معاصيه (أَجْرٌ عَظِيمٌ) ـ ١٧٢ ـ وهو الجنة (١)](الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) يعنى نعيم بن مسعود وحده [٦٦ ب](إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) الجموع لقتالكم (فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً) يعنى تصديقا (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ـ ١٧٣ ـ يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأصحابه ـ رضى الله عنهم ـ فأصابوا (فَانْقَلَبُوا) يعنى فرجعوا إلى المدينة (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) يعنى الرزق وذلك أنهم أصابوا سرية فى الصفراء ، وذلك فى ذى القعدة (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) من عدوهم فى وجوههم (وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ) يعنى رضى الله فى الاستجابة لله ـ عزوجل ـ وللرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى طلب المشركين يقول الله ـ سبحانه ـ : [(وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) ـ ١٧٤ ـ على أهل طاعته]. (٢)

__________________

(١) ما بين الأقواس [...] ساقط من أ ، ل. وهو تمام الآية التي يفسرها. وقد نقلته من مكان آخر فى صحيفة (٦٦ ب) وكان مكانه (٦٦ أ) : إن المذكور ختام الآية ١٧٢ آل عمران ، ولكنه مذكور فى الأصل فى ختام الآية ١٧٤ آل عمران.

(٢) ما بين الأقواس [...] من الجلالين.

وما فى أهو : يقول الله ـ سبحانه ـ : (مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) يعنى الجراحات (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ) الفعل (وَاتَّقَوْا) معاصيه (أَجْرٌ عَظِيمٌ) وهو الجنة. والآية التي يفسرها هي الآية ١٧٤ من آل عمران وخاتمتها (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ). وقد ترك هذه الخاتمة وأتى بخاتمة آية أخرى مشابهة وهي : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) وهي تمام الآية ١٧٢ آل عمران أى تمام الآية قبل السابقة. فلم يذكرها فى ختام آية ١٧٢ بل ذكرها فى غير مكانها فى ختام هذه الآية ١٧٤.

٣١٦

قال : حدثنا عبيد الله بن ثابت ، قال : حدثني أبى ، قال : حدثنا هذيل : قال مقاتل : فنزلت هذه الآيات فى ذى القعدة بذي الحليفة حين انصرفوا عن طلب أبى سفيان وأصحابه بعد قتال أحد (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ندب الناس يوم أحد فى طلب المشركين فقال المنافقون للمسلمين : قد رأيتم ما لقيتم لم ينقلب إلا شريد ، وأنتم فى دياركم تصحرون (١) وأنتم أكلة رأس ، والله لا ينقلب منكم أحد ، فأوقع الشيطان قول المنافقين فى قلوب المؤمنين. فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) يعنى يخوفهم بكثرة أوليائه من المشركين (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ) فى ترك أمرى (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ـ ١٧٥ ـ يعنى إذ كنتم يقول (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فلا تخافوهم. ثم قال : (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) يعنى المشركين يوم أحد (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) يقول لن ينقصوا الله شيئا من ملكه وسلطانه لمسارعتهم (٢) فى الكفر ، إنما يضرون أنفسهم بذلك (يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ) يعنى نصيبا فى الجنة (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) ـ ١٧٦ ـ ثم قال ـ سبحانه ـ يعنيهم : (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ) يعنى باعوا الإيمان بالكفر (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ) يعنى لن ينقصوا الله من ملكه وسلطانه (شَيْئاً) حين باعوا الإيمان بالكفر إنما ضروا أنفسهم بذلك (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ١٧٧ ـ يعنى وجيع (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أبا سفيان وأصحابه يوم أحد (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) حين ظفروا (خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ) فى الكفر (لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) ـ ١٧٨ ـ يعنى الهوان (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ) يا معشر الكفار (عَلى

__________________

(١) فى ل : تصحرون لكم ، أ : تصحرون. ولعل معناه تنفرقون فى الصحراء.

(٢) فى أ : لسارعتم.

٣١٧

ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) من الكفر (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) فى علمه حتى يميز أهل الكفر من أهل الإيمان [٦٧ أ] نظيرها فى الأنفال (١). ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) وذلك أن الكفار قالوا : إن كان محمد صادقا فليخبرنا بمن يؤمن منا ، ومن يكفر. فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) يعنى ليطلعكم على غيب ذلك إنما الوحى إلى الأنبياء بذلك. فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي) يستخلص (مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) فيجعله رسولا فيوحى إليه ذلك ليس الوحى إلا إلى الأنبياء (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) يعنى صدقوا بتوحيد الله ـ تعالى ـ وبرسالة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَإِنْ تُؤْمِنُوا) يعنى تصدقوا بتوحيد الله ـ تعالى ـ (وَتَتَّقُوا) الشرك (فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) ـ ١٧٩ ـ (وَلا يَحْسَبَنَ) (٢) (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) يعنى بما أعطاهم الله من فضله يعنى من الرزق وبخلوا بالزكاة إن ذلك (هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ) البخل (هُوَ) (٣) (شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) وذلك أن كنز أحدهم يتحول شجاعا أقرع ذكر ، ولفيه زبيبتان كأنهما جبلان فيطوق به فى عنقه فينهشه فيتقيه بذراعيه فيلتقمهما (٤) حتى يقضى بين الناس فلا يزال معه حتى يساق إلى النار ويغل ، وذلك قوله ـ سبحانه ـ (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ

__________________

(١) يشير إلى قوله ـ تعالى ـ : (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) سورة الأنفال : ٣٧.

(٢) فى أ : تحسبن.

(٣) هو : ساقطة من أ ، ل.

(٤) فى أ : فيلتقعهما.

٣١٨

الْقِيامَةِ) (١)» ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يقول إن بخلوا بالزكاة فالله يرثهم ويرث أهل السموات وأهل الأرضين فيهلكون ويبقى (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) (٢) (خَبِيرٌ) ـ ١٨٠ ـ يعنى فى ترك الصدقة يعنى اليهود (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كتب مع أبى بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ إلى يهود قينقاع يدعوهم إلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا الله قرضا حسنا. قال فنحاص اليهودي : إن الله فقير حين يسألنا القروض ونحن أغنياء. ويقول الله ـ عزوجل ـ (سَنَكْتُبُ ما قالُوا) فأمر الحفظة أن تكتب (٣) كل ما قالوا (وَ) تكتب (قَتْلَهُمُ) (٤) (الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ) (٥) أى تقول لهم خزنة جهنم فى الآخرة (ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) ـ ١٨١ ـ (ذلِكَ) العذاب (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) من الكفر والتكذيب (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ـ ١٨٢ ـ فيعذب على غير ذنب ، ثم أخبر عن اليهود حين دعوا إلى الإيمان فقال ـ تبارك وتعالى ـ : (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ) فقال ـ عزوجل ـ لنبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ [٦٧ ب](قُلْ) لهم (قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي

__________________

(١) قارن بأسباب النزول للسيوطي ٧٦ ، ٥٧.

وفى أسباب النزول للواحدي ص : ٢٧٦ علق على هذه الآية بقوله : جمهور المفسرين على أنها نزلت فى مانعي الزكاة. وروى عطية عن ابن عباس أن الآية نزلت فى أحبار اليهود كتموا صفة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ونبو. وأراد بالبخل كتمان العلم الذي أتاهم الله.

(٢) فى أ : (والله بما يعملون خبير)

(٣) فى أ : يكتبوا ، ل : تكتب.

(٤) فى أ : قتل.

(٥) وتقول. وفى القرطبي : ٩٨ (وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) أى وننتقم منهم بأن نقول لهم ذوقوا العذاب المحرق وفيه مبالغات فى الوعيد. ولم يذكر سوى هذا الوجه.

٣١٩

بِالْبَيِّناتِ) يعنى التبيين بالآيات (وَبِالَّذِي قُلْتُمْ) من أمر القربان (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ) فلم قتلتم (١) أنبياء الله من قبل محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ـ ١٨٣ ـ بما تقولون (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) يا محمد يعزى نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليصبر على تكذيبهم فلست بأول رسول كذب. فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ) يعنى بالآيات (وَالزُّبُرِ) يعنى بحديث ما كان قبلهم والمواعظ (وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) ـ ١٨٤ ـ يعنى المضيء البين الذي فيه أمره ونهيه ، ثم خوفهم فقال : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ) يعنى جزاء أعمالكم (يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ) يعنى صرف (عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) يعنى فقد نجى. ثم وعظهم فقال : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) ـ ١٨٥ ـ يعنى الفاني الذي ليس بشيء (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) نزلت فى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأبى بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ يعنى بالبلاء والمصيبات (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) حين قالوا : إنّ الله فقير. ثم قال (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) يعنى مشركي العرب (أَذىً كَثِيراً) باللسان والفعل (وَإِنْ تَصْبِرُوا) على ذلك الأذى (وَتَتَّقُوا) معصيته (فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ـ ١٨٦ ـ يعنى ذلك الصبر والتقوى من خير الأمور التي أمر الله ـ عزوجل ـ بها (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعنى أعطوا التوراة (وَلا تَكْتُمُونَهُ) (٢) أى أمره وأن تتبعوه (فَنَبَذُوهُ) يعنى فجعلوه (وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ) بكتمان أمر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (ثَمَناً قَلِيلاً) وذلك أن

__________________

(١) فى أ : تقتلون. فى الأصل تقديم لكلمة (فلم قتلتموهم) على كلمة وبالذي قلتم. فأصلحت ذلك.

(٢) كتب فى أ : (ولا تكتموا) أمره.

٣٢٠