تفسير مقاتل بن سليمان - ج ١

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ١

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٤

نصف المهر للزوج ، وأمر الزوج أن يوفيها المهر كله. (إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ـ ٢٣٧ ـ يعنى بصيرا أن ترك أو وفاها.

(حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) الخمس فى مواقيتها (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) يعنى صلاة العصر (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) ـ ٢٣٨ ـ فى صلاتكم يعنى مطيعين نظيرها (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) (١) يعنى من المطيعين وكقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً) (٢) يعنى مطيعا. وكقوله سبحانه (قانِتاتٌ) (٣) يعنى مطيعات وذلك أن أهل الأوثان (٤) يقومون فى صلاتهم عاصين (٥). قال الله قوموا (٦) أنتم مطيعين (فَإِنْ خِفْتُمْ) العدو فصلوا (فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) يقول على أرجلكم أو على دوابكم فصلوا ركعتين حيث كان وجهه (٧) إذا كان الخوف شديدا فإن لم يستطع السجود فليومئ برأسه إيماء وليجعل السجود أخفض من الركوع ولا يجعل جبهته على شيء ثم قال ـ سبحانه ـ : (فَإِذا أَمِنْتُمْ) العدو (فَاذْكُرُوا اللهَ) يقول فصلوا لله (كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) ـ ٢٣٩ ـ (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ) يعنى بالمتاع أن ينفق عليها فى الطعام والكسوة سنة [٤٠ أ] ما لم تتزوج قال : (غَيْرَ إِخْراجٍ) يقول لا تخرج من بيت زوجها سنة وهي كارهة : (فَإِنْ خَرَجْنَ) إلى أهلهن طائعة قبل الحول فلا نفقة لها فعدتها ثلاثة قروء. يقول : (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) فى قراءة ابن مسعود فلا جناح عليهن (فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ) يعنى بالمعروف يعنى أن تتشوف (٨) وتتزين وتلتمس الأزواج (وَاللهُ

__________________

(١) سورة التحريم : ١٢.

(٢) سورة النحل : ١٢٠.

(٣) سورة النساء : ٣٤.

(٤) فى أ : الأديان. والمذكور من ل.

(٥) فى أ : خاضعين. والمذكور من ل.

(٦) فى أ : فقوموا. والمذكور من ل.

(٧) هكذا فى أ ، ل. ولعل المراد حيث ما (تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ).

(٨) فى أ : تشوف.

٢٠١

عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ـ ٢٤٠ ـ عزيز فى ملكه. حكيم فيما حكم من النفقة حولا ، نزلت فى حكيم بن الأشرف (١) قدم الطائف ومات بالمدينة وله أبوان وأولاد فأعطى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الميراث الوالدين وأعطى الأولاد بالمعروف ولم يعط امرأته شيئا. غير أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أمر بالنفقة عليها فى الطعام والكسوة حولا ، فإن كانت المرأة من أهل المدر التمست السكنى فيما بينها وبين الحول وإن كانت من أهل الوبر نسجت ما تسكن فيه إلى الحول فكان هذا قبل أن تنزل آية المواريث ثم نزل (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) نسخت هذه الحول. ثم أنزل الله ـ عزوجل ـ آية المواريث ، فجعل لهن الربع والثمن فنسخت نصيبها من الميراث نفقة سنة ثم قال : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ) اللاتي دخل بهن (مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) يعنى على قدر مال الزوج ولا يجبر الزوج على المتعة لأن لها المهر كامل (٢) (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) ـ ٢٤١ ـ أن يمتع الرجل امرأته (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) يقول هكذا يبين الله لكم أمره فى المتعة (لَعَلَّكُمْ) يعنى لكي (تَعْقِلُونَ) ـ ٢٤٢ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ) من بنى إسرائيل (أُلُوفٌ) ثمانية آلاف (حَذَرَ الْمَوْتِ) يعنى حذر القتل وذلك أن نبيهم حزقيل بن دوم ، وهو ذو الكفل ابن دوم ، ندبهم إلى قتال عدوهم ، فأبوا عليه جبنا عن عدوهم واعتلوا. فقالوا : إن الأرض التي نبعث إليها لنقاتل عدونا هي أرض يكون فيها الطاعون

__________________

(١) قارن بأسباب النزول للسيوطي : ٤٠ ، وللواحدي : ٤٥. وقد ورد فيهما ما ذكر فى تفسير مقاتل ، هذا غير أنهما ذكرا فى أسباب نزول الآية إن رجلا قدم الطائف ... إلخ. وأوضح مقاتل اسم الرجل بأنه حكيم بن الأشرف.

(٢) فى أ ، ل : على المتعة لها لأن المهر كامل.

٢٠٢

فأرسل الله ـ عزوجل ـ عليهم الموت فلما رأوا أن الموت كثر فيهم خرجوا من ديارهم فرارا من الموت. فلما رأى ذلك حزقيل قال (١) : اللهم رب يعقوب وإله موسى قد ترى معصية عبادك ، فأرهم آية فى أنفسهم حتى يعلموا أنهم لن يستطيعوا فرارا منك. فأمهلهم (٢) الله ـ عزوجل ـ حتى خرجوا من ديارهم وهي قرية تسمى دامردان فلما خرجوا قال الله ـ عزوجل ـ لهم : (فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا) عبرة لهم فماتوا جميعا وماتت (٣) دوابهم كموت رجل واحد ثمانية أيام فخرج إليهم الناس فعجزوا عن دفنهم حتى حظروا (٤) عليهم وأروحت (٥) أجسادهم. (ثُمَ) إن الله ـ عزوجل ـ (أَحْياهُمْ) بعد ثمانية أيام (٦) [٤٠ ب] وبهن نتن شديد ثم إن حزقيل بكى إلى ربه ـ عزوجل ـ فقال : اللهم رب إبراهيم وإله موسى لا تكن على عبادك الظلمة كأنفسهم ، واذكر فيهم ميثاق الأولين فسمع الله ـ عزوجل ـ فأمره أن يدعوهم بكلمة واحدة فقاموا كقيام رجل واحد كان وسنانا ، فاستيقظ ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) ـ ٢٤٣ ـ رب هذه النعمة حين أحياهم بعد ما أراهم عقوبته ثم أمرهم ـ عزوجل ـ أن يرجعوا إلى عدوهم فيجاهدوا فذلك قوله (مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) أنه أحياهم بعد ما أماتهم (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ). وقوله ـ سبحانه ـ : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لقولهم إن الأرض التي نبعث إليها فيها الطاعون (عَلِيمٌ) ـ ٢٤٤ ـ بذلك حتى إنه ليوجد فى ذلك السبط من اليهود ريح كريح الموتى وكانوا ثمانية

__________________

(١) فى أ : فقال حزقيل.

(٢) فى أ : وأمهلهم.

(٣) فى أ : ومات.

(٤) حظروا عليهم : بنوا الحظائر.

(٥) أروحت أجسامهم : صارت لها رائحة كريهة.

(٦) فى أ : ثم إن الله ـ عزوجل ـ. بعد ثمانية أيام أحياهم.

٢٠٣

آلاف (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) طيبة بها (١) نفسه محتسبا (فَيُضاعِفَهُ لَهُ) بها (أَضْعافاً كَثِيرَةً) (٢) نزلت فى أبى الدحداح اسمه عمر بن الدحداح الأنصارى وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : من تصدق بصدقة فله مثلها فى الجنة. قال أبو الدحداح : إن تصدقت بحديقتي فلى مثلها فى الجنة. قال : نعم. قال : وأم الدحداح معى. قال : نعم. قال : والصبية. قال : نعم. وكان له حديقتان فتصدق (٣) بأفضلهما واسمها الجنينة فضاعف الله ـ عزوجل ـ صدقته ألفى ألف ضعف (٤) فذلك قوله ـ عزوجل ـ : أضعافا كثيرة (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) يعنى يقتر ويوسع (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ـ ٢٤٥ ـ فيجزيكم بأعمالكم فرجع أبو الدحداح إلى حديقته فوجد أم الدحداح والصبية فى الحديقة التي جعلها صدقة فقام على باب الحديقة وتحرج أن يدخلها وقال (٥) : يا أم الدحداح. قالت له : لبيك يا أبا الدحداح. قال : إنى قد جعلت حديقتى هذه صدقة واشترطت مثلها فى الجنة ، وأم الدحداح معى ، والصبية معى ، قالت : بارك الله لك فيما اشتريت فخرجوا منها وسلم الحديقة إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : كم من نخلة مدلا عذوقها لأبى الدحداح فى الجنة لو اجتمع على عذق منها أهل منى أن يقلوه ما أقلوه (٦). قوله ـ سبحانه ـ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى) وذلك أن

__________________

(١) فى أ ، ل : بها والأنسب به. ولعله ضمن القرض معنى الصدقة فقال طيبة بها.

(٢) فى أ : كبيرة.

(٣) هكذا فى ل ، وأما فى أ : فصدق أفضلهما.

(٤) هكذا فى أ ، ل.

(٥) فى أ : قال.

(٦) جاء هذا الأثر فى تفسير ابن كثير ١ : ٢٩٩ وسنده قال ابن أبى حاتم حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال لما نزلت : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) قال أبو الدحداح الأنصارى : .. إلخ الأثر قال : وقد رواه ابن مردويه من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر ـ رضى الله عنه ـ مرفوعا بنحوه.

٢٠٤

كفار بنى إسرائيل قهروا مؤمنيهم فقتلوهم وسبوهم وأخرجوهم من ديارهم وأبنائهم فمكثوا زمانا ليس لهم ملك يقاتل عدوهم والعدو بين فلسطين ومصر [٤١ أ](إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ) (١) فقالوا لنبي لهم ـ عليه‌السلام ـ اسمه اشماويل وهو بالعربية إسماعيل بن هلقابا واسم أمه حنة وهو من نسل هارون بن عمران أخو موسى (ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ) عدونا (فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ) (٢) لهم نبيهم (هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ) بعث الله لكم ملكا و (كُتِبَ) يعنى وفرض (عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ) أى فلما فرض كقوله ـ سبحانه ـ : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) يعنى فرض عليكم (عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) يعنى على بنى إسرائيل (تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) يعنى كره القتال العصابة الذين وقفوا (٣) فى النهر (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) ـ ٢٤٦ ـ يعنيهم لقولهم (٤) (لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) وكان القليل أصحاب الفرقة ثلاثمائة وثلاثة عشر عدد أصحاب بدر. وقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يوم بدر : إنكم على عدد أصحاب طالوت (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ) إسماعيل (إِنَّ اللهَ) ـ عزوجل ـ (قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ) يعنى من أين يكون له الملك (عَلَيْنا) وليس طالوت من سبط النبوة ولا من سبط الملوك وكان طالوت فيهم حقير الشأن دون (وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ) منا الأنبياء والملوك وكانت النبوة فى سبط لاوى بن يعقوب والملوك فى سبط يهوذا بن يعقوب (وَلَمْ يُؤْتَ) طالوت (سَعَةً مِنَ الْمالِ) أن ينفق علينا (قالَ) لهم نبيهم إسماعيل (إِنَّ اللهَ) ـ عزوجل ـ (اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ) يعنى اختاره كقوله سبحانه ـ (إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ) يعنى اختاره (وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) وكان أعلم

__________________

(١) ما بين الأقواس «...» ساقط من أ.

(٢) فى أ : فقال.

(٣) هكذا فى ل ، وفى أ : وقعوا.

(٤) فى أ ، ل : لقوله.

٢٠٥

بنى إسرائيل وكان طالوت من سبط بنيامين وكان جسيما عالما وكان اسمه شارل بن كيس وبالعربية طالوت بن قيس وسمى طالوت لطوله. (وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ) بعطية الملك (عَلِيمٌ) ـ ٢٤٧ ـ بمن يعطيه الملك فلما أنكروا أن يكون طالوت عليهم ملكا (وَقالَ) (١) (لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ) أنه من الله (أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) الذي أخذ منكم (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) ورأس كرأس الهرة ولها جناحان فإذا صوتت عرفوا أن النصر لهم فكانوا يقدمونها أمام الصف (وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) يعنى بالبقية رضراضا (٢) من الألواح وفقير (٣) من فى طست من ذهب وعصا موسى ـ عليه‌السلام ـ وعمامته وكان التابوت يكون مع الأنبياء إذا حضروا القتال قدموه بين أيديهم يستفتحون به على عدوهم ، فلما تفرقت بنو إسرائيل وعصوا الأنبياء سلط الله ـ عزوجل ـ عليهم عدوهم فقتلوهم وغلبوهم على التابوت فدفنوه فى مخرأة [٤١ ب] لهم فابتلاهم الله ـ عزوجل ـ بالبواسير فكان الرجل إذا تبرز عند التابوت أخذه الباسور ففشى ذلك فيهم فهجروه فقالوا : ما ابتلينا بهذه إلا بفعلنا بالتابوت فاستخرجوه ثم وجهوه إلى بنى إسرائيل على بقرة ذات لبن وبعث الله ـ عزوجل ـ الملائكة فساقوا العجلة فإذا التابوت بين أظهرهم فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) يعنى تسوقه الملائكة (إِنَّ فِي ذلِكَ) يعنى فى رد التابوت (لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ـ ٢٤٨ ـ يعنى مصدقين بأن طالوت ملكه من الله ـ عزوجل ـ وكان التابوت من عود الشمشاد التي تتخذ منه الأمشاط الصفر مموه بالذهب فلما رأوا التابوت أيقنوا بأن ملك طالوت من الله ـ عزوجل ـ فسمعوا له وأطاعوا وكان موسى ـ عليه‌السلام

__________________

(١) فى أ : قال.

(٢) فى أ : رضراض ، ل : رضراضا.

(٣) من ل وفى أ : وفقير.

٢٠٦

ـ ترك التابوت فى التيه قبل موته عند يوشع بن نون ، ثم إن طالوت تجهز لقتال جالوت. وقال النبي إسماعيل (١) لطالوت إن الله ـ عزوجل ـ سيبعث رجلا من أصحابك فيقتل جالوت ، وأعطاه النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ درعا (٢) فقال لطالوت : من صلحت هذه الدرع عليه ، لم تقصر عليه ولم تطل فإنه قاتل جالوت فاجعل لقاتله نصف ملكك ونصف مالك فبلغ ذلك داود النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو يرعى الغنم فى الجبل ، فاستودع غنمه ربه ـ جل وعز ـ فقال : آتى الناس وأطالع إخوتى وهم سبعة من طالوت وانظر ما هذا الخبر فمر داود عليه‌السلام على حجر. فقال : يا داود خذنى ، فأنا حجر هارون الذي قتل به كذا وكذا فارم بى (٣) جالوت الجبار فأقع فى بطنه فأنفذ من جانبه الآخر. فأخذه فألقاه فى مخلاته.

«ثم مر بحجر آخر فقال له : يا داود ، خذنى فأنا حجر موسى الذي قتل بى كذا وكذا فارم بى جالوت فأقع فى قلبه فأنفذ من الجانب الآخر فألقاه فى مخلاته (٤)» ثم مر بحجر آخر فقال : يا داود ، خذنى فأنا الذي أقتل جالوت الجبار فأستعين بالريح فتلقى البيضة فأقع فى دماغه فأقتله فأخذه فألقاه فى مخلاته. ثم انطلق (٥) حتى دخل على طالوت ، فقال : أنا قاتل جالوت ، بإذن الله وكان داود ـ عليه‌السلام ـ رث المنظر هبير دوير فأنكر طالوت أن يقتله داود ـ عليه‌السلام ـ (٦) فقال داود تجعل لي نصف ملكك ونصف مالك إن قتلت جالوت الجبار. قال طالوت : لك ذلك

__________________

(١) فى أ ، ل : وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إسماعيل.

(٢) من ل. وفى أ : وأعطاه النبي ـ عليه‌السلام ـ.

(٣) من ل. وفى أ : فارم.

(٤) ما بين القوسين «..» : ساقط من أ ، ومنقول من ل.

(٥) فى أ : فانطلق.

(٦) المعنى أنكر طالوت أن يقتل داود جالوت.

٢٠٧

عندي وأزوجك ابنتي ولن يخفى (١) على إن كنت أنت صاحبه قد أتانى قومي كلهم يزعم أنه يقتله وقد أخبرنى إسماعيل أن الله يبعث له رجلا من أصحابى فيقتله فالبس هذا الدرع فلبسها داود ـ عليه‌السلام ـ فطالت عليه فانتفض فيها فتقلص منها وجعل داود يدعو الله ـ عزوجل ـ ثم انتفض فيها فتقلص منها ثم انتفض فيها الثالثة فاستوت عليه ، فعلم طالوت أنه يقتل جالوت (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ) [٤٢ أ] وهم مائة ألف إنسان فسار فى حر شديد (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ) ـ (قالَ إِنَّ اللهَ) عزوجل (مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ) بين الأردن (٢) وفلسطين (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) يقول ليس معى على عدوى ، كقول إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) يعنى معى (٣) (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) فإنه معى على عدوى ثم استثنى. فقال : (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) الغرفة يشرب منها الرجل وخدمه ودابته ويملأ قربته ، ووصلوا إلى النهر من مفازة وأصابهم العطش فلما رأى الناس الماء ابتدروا فوقعوا فيه (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) والقليل ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يوم بدر (فَلَمَّا جاوَزَهُ) أى جاوز النهر (هُوَ) يعنى طالوت (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) وكلهم مؤمنون فقال (٤) العصاة الذين وقعوا فى النهر (قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) فرد عليهم أصحاب الغرفة (قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ) يعنى الذين يعلمون ، كقوله ـ سبحانه ـ (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ) (٥) يعنى وعلم ، وكقوله ـ عزوجل ـ : (فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) (٦).

__________________

(١) فى أ : وبر بحقي ، وفى ل : ولن يخفى.

(٢) فى أ : الأزد ، ل : الأردن.

(٣) سورة إبراهيم : ٣٦.

(٤) فى الأصل. فقالت.

(٥) سورة القيامة : ٢٨.

(٦) سورة الكهف : ٥٣ وتمامها (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً).

٢٠٨

وكقوله ـ عزوجل ـ (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ) (١) أى ألا يعلم (أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ) لأنهم قد طابت أنفسهم بالموت (كَمْ مِنْ فِئَةٍ) يعنى جند (قَلِيلَةٍ) عددهم (غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً) عددهم (بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) ـ ٢٤٩ ـ يعنى بنى إسرائيل فى النصر على عدوهم فرد طالوت العصاة وسار بأصحاب الغرفة حتى عاينوا العدو (وَلَمَّا بَرَزُوا) لقتال (لِجالُوتَ) (٢) (وَجُنُودِهِ) قال أصحاب الغرفة (قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) يعنى ألق : أصبب علينا صبرا. كقوله ـ سبحانه ـ : (أَفْرِغْ) : يعنى أصبب (عَلَيْهِ قِطْراً) (٣) (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) عند القتال حتى لا تزول (وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) ـ ٢٥٠ ـ يعنى جالوت وجنوده وكانوا يعبدون الأوثان فاستجاب الله لهم وكانوا مؤمنين ـ أصحاب الغرفة : فى العصاة (٤) ـ فلما التقى الجمعان (٥) وطالوت فى قلة وجالوت فى كثرة ، عمد داود ـ عليه‌السلام ـ فقام بحيال جالوت لا يقوم ذلك المكان إلا من يريد قتال جالوت فجعل الناس يسخرون من داود حين قام بحيال جالوت. وكان جالوت من قوم عاد عليه بيضة فيها ثلاثمائة رطل فقال جالوت : من أين هذا الفتى؟ ارجع ويحك فإنى أراك ضعيفا ولا أرى لك قوة ولا أرى معك سلاحا أرجع فإنى أرحمك فقال داود ـ عليه‌السلام ـ : أنا أقتلك بإذن الله ـ عزوجل ـ. فقال جالوت : بأى شيء تقتلني؟ وقد قمت مقام الأشقياء ، ولا أرى معك سلاحا إلا عصاك هذه (٦) هلم فاضربني بها ما شئت. وهي عصاه التي كان يرد بها غنمه. قال داود : أقتلك بإذن الله ، بما

__________________

(١) سورة المطففّين : ٤ وتمامها (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ).

(٢) فى أ : جالوت.

(٣) سورة الكهف : ٩٦ وتمامها (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً).

(٤) فى أ : والعصاة قوله سبحانه ، والمعنى استجاب الله لأصحاب الفرقة فى العصاة.

(٥) فى أ : زيادة الملكان. والمثبت من ل.

(٦) فى أ : إلا عصى كهذه. والمثبت من ل.

٢٠٩

شاء الله. فتقدم جالوت ليأخذه بيده مقتدرا عليه فى نفسه وقد صارت الحجارة الثلاثة حجرا واحدا [٤٢ ب] فلما دنا جالوت من داود أخرج الحجر من مخلاته وألقت الريح البيضة عن رأسه فرماه فوقع الحجر فى دماغه حتى خرج من أسفله (١) وانهزم الكفار وطالوت ومن معه وقوف ينظرون فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ) «(٢)» بحذافة فيها حجر واحد وقتل معه ثلاثون ألفا ، وطلب داود نصف مال طالوت ، ونصف ملكه فحسده طالوت على صنيعه وأخرجه. فذهب داود حتى نزل قرية من قرى بنى إسرائيل ، وندم طالوت على صنيعه ، فقال فى نفسه : عمدت إلى خير أهل الأرض بعثه الله ـ عزوجل ـ لقتل جالوت فطردته ، ولم أف له وكان داود ـ عليه‌السلام ـ أحب إلى بنى إسرائيل من طالوت فانطلق فى طلب داود فطرق امرأة ليلا من قدماء بنى إسرائيل تعلم اسم الله الأعظم وهي تبكى على داود فضرب بابها فقالت : من هذا؟ قال (٣) : أنا طالوت. فقالت : أنت أشقى الناس وأشرهم (٤) ، هل تعلم ما صنعت؟ طردت داود النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وكان أمره من الله ـ عزوجل ـ وكانت لك آية فيه من أمر الدرع وصفة أشماويل وظهوره على جالوت وقتل الله ـ عزوجل ـ [به] أهل الأوثان فانهزموا. ثم غدرت بداود وطردته هلكت يا شقي. فقال لها : إنما أتيتك لأسألك ما توبتي. قالت توبتك أن تأتى مدينة بلقاء فتقاتل أهلها وحدك ، فإن افتتحتها فهي توبتك فانطلق طالوت فقاتل أهل بلقاء وحده فقتل وعمدت بنو إسرائيل إلى داود ـ عليه‌السلام ـ فردوه وملكوه ، ولم يجتمع بنو إسرائيل لملك قط غير داود

__________________

(١ ، ٢) فى أ : سفله. والمثبت من ل.

(٣) فى أ : فقال.

(٤) فى الأصل : أشره.

٢١٠

عليه‌السلام فكانوا اثنى عشر سبطا لكل سبط ملك بينهم (١) فذلك قوله ـ تبارك وتعالى ـ : (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) يعنى ملكه اثنا عشر سبطا (وَالْحِكْمَةَ) يعنى الزبور (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) علمه صنعة الدروع ، وكلام الدواب ، والطير ، وتسبيح الجبال ، (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) يقول الله ـ سبحانه ـ لو لا دفع الله المشركين بالمسلمين لغلب المشركون على الأرض ، فقتلوا المسلمين وخربوا المساجد والبيع والكنائس والصوامع ، فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) يقول لهلكت الأرض نظيرها (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها) (٢) يعنى أهلكوها (وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) ـ ٢٥١ ـ فى الدفع عنهم (تِلْكَ آياتُ اللهِ) يعنى القرآن (نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) ـ ٢٥٢ ـ (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) وهو موسى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، ومنهم [٤٣ أ] من اتخذه خليلا وهو إبراهيم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، ومنهم من أعطى الزبور وتسبيح الجبال والطير وهو داود ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، ومنهم من سخرت له الريح والشياطين وعلم منطق الطير وهو سليمان ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ. ومنهم من يحيى الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويخلق من الطين طيرا وهو عيسى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، فهذه الدرجات يعنى الفضائل. قال تعالى : (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) (٣) على بعض (وَآتَيْنا)

__________________

(١) أخذ على مقاتل أنه أخذ علم الكتاب من اليهود والنصارى. وما أشبه هذه القصة بما أخذه مقاتل عن أهل الكتاب. فلم يرد ذلك عن المعصوم صلى‌الله‌عليه‌وسلم. بل هو من إسرائيليات أهل الكتاب.

(٢) سورة النمل : ٣٤.

(٣) (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) ساقط من أ ، ل.

٢١١

يقول وأعطينا (عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) يعنى ما كان يصنع من العجائب وما كان يحيى من الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويخلق من الطين ثم قال : (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) يقول ـ سبحانه ـ وقويناه بجبريل ـ عليه‌السلام ـ ثم قال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) يعنى من بعد عيسى وموسى وبينهما ألف نبى أولهم موسى وآخرهم عيسى (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) يعنى العجائب التي كان يصنعها (١) الأنبياء (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا) فصاروا فريقين فى الدين فذلك قوله سبحانه ـ : (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ) يعنى صدق بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) بتوحيد الله (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) ـ ٢٥٣ ـ يعنى أراد ذلك (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ) من الأموال فى طاعة الله (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ) يقول لا فداء فيه (فِيهِ وَلا خُلَّةٌ) فيه ليعطيه بخلة (٢) ما بينهما (وَلا شَفاعَةٌ) فيه للكفار فيه كفعل أهل الدنيا بعضهم فى بعض فليس فى الآخرة شيء من ذلك (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ـ ٢٥٤ ـ (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُ) الذي لا يموت (الْقَيُّومُ) القائم على كل نفس (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ) يعنى ريح من قبل الرأس ، فيغشى العينين ، وهو وسنان بين النائم واليقظان. ثم قال ـ جل ثناؤه ـ : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) من الخلق عبيده وفى ملكه الملائكة وعزير وعيسى ابن مريم وغيره ممن يعبد (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ) من الملائكة (إِلَّا بِإِذْنِهِ) يقول إلا بأمره وذلك قوله ـ سبحانه ـ (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) يقول ما كان قبل خلق

__________________

(١) فى أ : يصنعوها.

(٢) فى أ : خلة ، والمثبت من ل.

٢١٢

الملائكة ، وما كان بعد خلقهم. ثم قال : (وَلا يُحِيطُونَ) يعنى الملائكة (بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) الرب فيعلمهم ثم أخبر عن عظمة الرب ـ جل جلاله ـ فقال ـ سبحانه ـ : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) كلها. كل قائمة للكرسي طولها مثل السموات السبع والأرضين السبع تحت الكرسي فى الصغر كحلقة بأرض فلاة. ثم أخبر عن قدرته فقال ـ عزوجل ـ : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) يقول ولا يثقل عليه ولا يجهده حملهما (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) ـ ٢٥٥ ـ [٤٣ ب] الرفيع فوق كل خلقه العظيم فلا أعظم منه شيء ، يحمل الكرسي أربعة أملاك لكل ملك أربعة وجوه ، أقدامهم تحت الصخرة التي تحت الأرض السفلى ، مسيرة خمس مائة عام ، وما بين كل أرض مسيرة مائة عام ، ملك وجهه على صورة الإنسان وهو سيد الصور ، وهو يسأل الرزق للآدميين ، وملك وجهه على صورة سيد الأنعام يسأل الرزق للبهائم وهو الثور ، لم يزل الملك الذي على صورة الثور على وجهه كالغضاضة منذ عبد العجل من دون الرحمن ـ عزوجل ـ ، وملك وجهه على صورة سيد الطير وهو يسأل الله ـ عزوجل ـ الرزق للطير وهو النسر. وملك على صورة سيد السباع وهو يسأل الرزق للسباع وهو الأسد. (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) لأحد بعد إسلام العرب إذا أقروا بالجزية ، وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان لا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب فلما أسلمت العرب طوعا وكرها قبل الخراج ، من غير أهل الكتاب ، فكتب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى المنذر بن ساوى ، وأهل هجر ، يدعوهم إلى الإسلام فكتب من محمد رسول الله إلى أهل هجر ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : إن من شهد شهادتنا ، وأكل من ذبيحتنا ، واستقبل قبلتنا ،

٢١٣

ودان (١) بديننا. فذلك المسلم الذي له ذمة الله ـ عزوجل ـ وذمة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فإن أسلمتم فلكم ما أسلمتم عليه ، ولكم عشر الثمر ، ولكم نصف عشر الحب فمن أبى الإسلام فعليه الجزية. فكتب المنذر إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إنى قرأت كتابك إلى أهل هجر فمنهم من أسلم ، ومنهم من أبى ، فأما اليهود والمجوس فأقروا بالجزية ، وكرهوا الإسلام فقبل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ منهم بالجزية. فقال منافقوا أهل المدينة : زعم محمد أنه لم يؤمر أن يأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب فما باله قبل من مجوس أهل هجر ، وقد أبى ذلك على آبائنا وإخواننا حتى قاتلهم عليه ، فشق على المسلمين قولهم ، فذكروه (٢) للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأنزل الله ـ عزوجل ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ...) آخر الآية (٣). وأنزل الله ـ عزوجل ـ (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) بعد إسلام العرب (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) يقول قد تبيّن الضلالة من الهدى (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) يعنى الشيطان (وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) بأنه واحد لا شريك له (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) يقول أخذ الثقة يعنى الإسلام التي (لَا انْفِصامَ لَها) يقول لا انقطاع له دون الجنة (وَاللهُ سَمِيعٌ) لقولهم (عَلِيمٌ) ـ ٢٥٦ ـ به (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى ولى المؤمنين بالله ـ عزوجل ـ (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) يعنى من الشرك إلى الإيمان [٤٤ أ] نظيرها فى إبراهيم (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) (٤) لأنه سبق لهم السعادة من الله ـ تعالى ـ فى علمه فلما بعث النبي ـ

__________________

(١) فى أ : وأدان ، وفى ل : ودان.

(٢) فى أ : فذكر.

(٣) سورة المائدة : ١٠٥ وتمامها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

(٤) سورة إبراهيم : ٥.

٢١٤

صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أخرجهم الله ـ سبحانه ـ من الشرك إلى الإيمان ثم قال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى اليهود (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) يعنى كعب ابن الأشرف (يُخْرِجُونَهُمْ) يعنى يدعونهم (مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) نظيرها فى إبراهيم قوله ـ سبحانه ـ (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) (١) ثم قال : يدعونهم من النور الذي كانوا فيه من إيمان بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قبل أن يبعث إلى كفر به بعد أن بعث وهي الظلمة (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ـ ٢٥٧ ـ يعنى لا يموتون (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) وهو نمروذ بن كنعان بن ريب بن نمروذ بن كوشى بن نوح وهو أول من ملك الأرض كلها وهو الذي بنى الصرح ببابل (أَنْ آتاهُ اللهُ) يقول أن أعطاه الله (الْمُلْكَ) وذلك أن إبراهيم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حين كسر الأصنام سجنه نمروذ ثم أخرجه ليحرقه بالنار. فقال لإبراهيم ـ عليه‌السلام ـ : من ربك (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) وإياه أعبد ومنه أسأل الخير (قالَ) نمروذ (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) (٢) قال له إبراهيم : أرنى بيان الذي تقول ، فجاء برجلين فقتل أحدهما ، واستحيا الآخر. وقال (٣) : كان هذا حيا فأمته وأحييت هذا ولو شئت قتلته (قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ) الجبار (الَّذِي كَفَرَ) بتوحيد الله ـ عزوجل ـ يقول بهت نمروذ الجبار فلم يدر ما يرد على إبراهيم ثم إن الله ـ عزوجل ـ سلط على نمروذ بعوضة ، بعد ما أنجا الله ـ عزوجل ـ إبراهيم من النار ، فعضت شفته فأهوى إليها فطارت فى منخره فذهب ليأخذها

__________________

(١) سورة إبراهيم : ٥.

(٢) فى أ : فقال.

(٣) فى أ : قال.

٢١٥

فدخلت خياشيمه ، فذهب يستخرجها فدخلت دماغه فعذبه الله ـ عزوجل ـ بها أربعين يوما ثم مات منها ، وكان يضرب رأسه بالمطرقة ، فإذا ضرب رأسه سكنت البعوضة وإذا (١) رفع عنها تحركت. فقال الله ـ سبحانه ـ : وعزتي وجلالي لا تقوم الساعة حتى آتى بها. يعنى الشمس من قبل المغرب فيعلم من يرى ذلك أنى أنا الله قادر على أن أفعل ما شئت ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ـ ٢٥٨ ـ إلى الحجة يعنى نمروذ مثلها فى براءة (... وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٢) إلى الحجة (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) يعنى ساقطة على سقوفها ، وذلك ان بخت نصر سبا أهل بابل ، وفيهم عزير بن شرحيا (٣) [٤٤ ب] وكان من علماء بنى إسرائيل وأنه ارتحل «ذات يوم على حمار أقمر ، فمر على قرية تدعى سابور على شاطئ دجلة (٤)» بين واسط والمدائن ، وكان هذا بعد ما رفع عيسى بن مريم (٥) ، فربط حماره فى ظل شجرة ، ثم طاف فى القرية فلم ير فيها ساكنا ، وعامة شجرها حامل ، فأصاب من الفاكهة والعنب والتين ، ثم رجع إلى حماره فجلس يأكل من الفاكهة ، وعصر من العنب فشرب منه فجعل فضل الفاكهة فى سلة ، وفضل العصير فى الزق ، فلما رأى

__________________

(١) فى أ : فإذا.

(٢) سورة التوبة : ١٩ وتمامها (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

(٣) فى أ : شرحيا. ل : سرحيا.

(٤) فى ل : ذات يوم من قرية تدعى سابور إباذ على حمار أقمر على شاطى دجلة. وفى أ : ذات يوم فمر على قرية تدعى سابور على حمار أقمر فنزل دير هرقل قرية على شاطئ دجلة.

(٥) فى أ : زيادة صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والمثبت من ل.

٢١٦

خراب القرية وهلاك أهلها (قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ) يعنى أهل هذه القرية (بَعْدَ مَوْتِها) بعد هلاكهم. لم يشك فى البعث ولكنه أحب أن يريه الله ـ عزوجل ـ كيف يبعث الموتى كما سأل إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ ربه ـ عزوجل ـ (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) (١) فلما تكلم بذلك عزير أراد الله ـ عزوجل ـ أن يعلمه كيف يحييها بعد موتها (فَأَماتَهُ اللهُ) ـ عزوجل ـ وأمات حماره (مِائَةَ عامٍ) فحيى والفاكهة والعصير موضوع عنده (ثُمَّ بَعَثَهُ) الله ـ عزوجل ـ فى آخر النهار بعد مائة عام. لم يتغير طعامه وشرابه فنودى فى السماء (قالَ كَمْ لَبِثْتَ) يا عزير ميتا (قالَ لَبِثْتُ يَوْماً) فالتفت فرأى الشمس فقال : (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ) له (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ) ميتا ، ثم أخبره ليعتبر ، فقال سبحانه : (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ) يعنى الفاكهة فى السلة (وَشَرابِكَ) يعنى العصير (لَمْ يَتَسَنَّهْ) «يقول لم يتغير طعمه بعد مائة عام ، نظيرها فى سورة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) (٢)» فقال سبحان الله ، كيف لم يتغير طعمه ، ونظر إلى حماره ، وقد (٣) ابيضت عظامه ، وبليت وتفرقت أوصاله ، فنودى من السماء ، أيتها العظام البالية اجتمعى فإن الله ـ عزوجل ـ منزل عليك روحا ، فسعت (٤) العظام بعضها إلى بعض الذراع إلى العضد ، والعضد إلى المنكبين والكتف ، وسعت الساق إلى الركبتين والركبتان إلى الفخذين ، والفخذان إلى الوركين والتصق (٥) الوركان بالظهر ، ثم وقع الرأس على الجسد

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٦٠.

(٢) فى أ : يقول لم يتغير نظيرها فى سورة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) بعد مائة عام والآية ١٥ : سورة محمد.

(٣) فى أ : قد.

(٤) فى أ : فسعى ، ل : فسعت.

(٥) فى الأصل : التزق.

٢١٧

وعزير ينظر ثم ألقى على العظام العروق والعصب ، ثم رد عليه الشعر ثم نفخ فى منخره الروح. فقام الحمار ينهق عند رأسه. فأعلم كيف يبعث أهل هذه القبور بعد هلاكهم وبعث حماره بعد مائة عام كما لم يتغير طعامه وشرابه ، وبعث بعد طوال الدهر ليعتبر بذلك ـ فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) يعنى لم يتغير طعمه كقوله فى سورة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) يعنى عبرة لأنه بعثه شابا بعد مائة سنة (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ) يعنى عظام الحمار (كَيْفَ نُنْشِزُها) يعنى نحييها نظيرها [٤٥ أ](أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) (١) يعنى يبعثون الموتى (ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ) يعنى لعزير كيف يحيى الله الموتى ، خر لله ساجدا (قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ـ ٢٥٩ ـ يعنى من البعث وغيره ، فرجع عزير إلى أهله وقد هلكوا وبيعت داره وبنيت فردت عليه (٢) وانتسب عزير إلى أولاده فعرفوه وعرفهم وأعطى عزير العلم «من بعد ما بعث بعد مائة عام» (٣) (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) وذلك أنه رأى جيفة حمار على شاطئ البحر تتوزعه دواب البر والبحر والطير فنظر إليها ساعة ثم قال : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) يا إبراهيم ، يعنى قال أولم تصدق بأنى أحيى الموتى يا إبراهيم (قالَ بَلى) صدقت (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) ليسكن قلبي بأنك أريتنى الذي أردت (قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ) قال خذ ديكا وبطة وغرابا وحمامة فاذبحهن يقول قطعهن ثم خالف بين مفاصلهن وأجنحتهن (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) بلغة النبط صرهن (٤) قطعهن ، واخلط

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٢١.

(٢) فى أ : فردها عليه.

(٣) فى أ : بعد ما بعث مائة عام. والمثبت من ل.

(٤) فى أ ، ل : صربه.

٢١٨

ريشهن ودماءهن ثم خالف (١) بين الأعضاء والأجنحة واجعل مقدم الطير مؤخر طير آخر ثم فرقهن على أربعة أجبال (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً) فيها تقديم فدعاهن فتواصلت الأعضاء والأجنحة فأجابته جميعا ليس معهن رءوسهن ثم وضع رءوسهن على أجسادهن ففقت (٢) البطة ، وصوت الديك ، ونعق الغراب ، وقرقر (٣) الحمام يقول خذهن فصرهن وادعهن يسعين على أرجلهن عند غروب الشمس (وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٤) ـ ٢٦٠ ـ فقال عند ذلك أعلم أن الله عزيز فى ملكه حكيم يعنى حكم البعث يقول كما بعث هذه الأطيار الأربعة من هذه الجبال (٥) الأربعة فكذلك يبعث الله ـ عزوجل ـ الناس من أرباع الأرض كلها ونواحيها وكان هذا بالشام وكان أمر الطير قبل أن يكون له ولد وقبل أن تنزل عليه الصحف وهو ابن خمس وسبعين سنة (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) يعنى فى طاعة الله ـ عزوجل ـ (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ) يقول أخرجت (سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ) لتلك الأضعاف (عَلِيمٌ) ـ ٢٦١ ـ بما تنفقون (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ـ ٢٦٢ ـ [عند] الموت نزلت فى عثمان ابن عفان ـ رضى الله عنه ـ فى نفقته فى غزاة تبوك وفى شرائه (٦) رومة ركية بالمدينة وتصدقه (٧) بها على المسلمين ، وفى عبد الرحمن بن عوف الزهري ـ رضى الله عنه ـ حين تصدق بأربعة آلاف درهم كل درهم مثقال وكان نصف ماله.

__________________

(١) فى أ ، ل : يخالف.

(٢) فى ل : فقت ، أ : ففقمت.

(٣) الأنسب وقرقرت الحمامة.

(٤) ما بين الأقواس «...» ساقط من أ ، ل.

(٥) فى أ : الأجبال.

(٦) فى أ : شراء.

(٧) فى أ : وتصدق.

٢١٩

(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) يعنى قول حسن يعنى دعاء الرجل [٤٥ ب] لأخيه المسلم إذا جاء وهو فقير يسأله فلا يعطيه شيئا يدعو بالخير له (وَمَغْفِرَةٌ) يعنى وتجاوز عنه (خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ) يعطيه إياها (يَتْبَعُها أَذىً) يعنى المن (وَاللهُ غَنِيٌ) عما عندكم من الصدقة (حَلِيمٌ) ـ ٢٦٣ ـ حين لا يعجل بالعقوبة على من يمن بالصدقة ويؤذى فيها المعطى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) يقول يمن بها فإن ذلك أذى لصاحبها وكل صدقة يمن بها صاحبها على المعطى فإن المن يبطلها (١) فضرب الله ـ عزوجل ـ مثل لذلك : (كَالَّذِي) (٢) (يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ) يقول ولا يصدق بأنه واحد لا شريك له (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يقول ولا يصدق بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال أنه كائن فمثله يعنى مثل الذي يمن (٣) بصدقته كمثل مشرك أنفق ماله فى غير إيمان فأبطل شركه الصدقة كما أبطل المن والأذى صدقة المؤمن ثم أخبر عمن من بها على صاحبه فلم يعط عليها أجرا ولا ثوابا ثم ضرب الله ـ عزوجل ـ لهما مثلا فقال فى مثله : (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ) يعنى الصفا (عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ) يعنى المطر الشديد (فَتَرَكَهُ صَلْداً) يقول ترك المطر الصفا صلدا نقيا أجرد ليس عليه تراب فكذلك المشرك الذي ينفق فى غير إيمان وينفق رئاء الناس وكذلك صدقة المؤمن إذا من بها ، وذلك قوله ـ سبحانه ـ : (لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) يقول لا يقدرون على ثواب شيء مما أنفقوا يوم القيامة وذلك قوله ـ عزوجل ـ (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى) ثواب (شَيْءٍ) (٤) يوم القيامة كما لم يبق على الصفا شيء من التراب حين أصابه المطر

__________________

(١) فى أ : فإنه يبطله المن.

(٢) فى أ : الذي.

(٣) فى أ : ينفق ، ل : يمن.

(٤) سورة إبراهيم : ١٨.

٢٢٠