تفسير مقاتل بن سليمان - ج ١

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ١

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٤

من العمل يعنى الدين يعنى إبراهيم وبنيه ويعقوب وبنيه ثم قال لليهود : (وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) من الدين (وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [٢٣ أ] ـ ١٣٤ ـ أولئك (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) وذلك أن رءوس اليهود كعب ابن الأشرف ، وكعب بن أسيد ، وأبا ياسر بن أخطب ، ومالك بن الضيف ، وعازارا ، واشماويل ، وخميشا ، ونصارى نجران السيد والعاقب ، ومن معهما قالوا للمؤمنين : كونوا على ديننا فإنه ليس دين إلا ديننا فكذبهم الله ـ تعالى ـ فقال : (قُلْ بَلْ) الدين (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) يعنى الإسلام ثم قال : (حَنِيفاً) يعنى مخلصا (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ـ ١٣٥ ـ يعنى من اليهود والنصارى ثم أمر الله ـ عزوجل ـ المؤمنين فقال : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ) بأنه واحد لا شريك له (وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) يعنى قرآن محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) وهم بنو يعقوب يوسف وإخوته فنزل على هؤلاء صحف إبراهيم. قال : (وَما أُوتِيَ مُوسى) يعنى التوراة (و) ما أوتى (عِيسى) يعنى الإنجيل : يقول ما أنزل على موسى وعيسى وصدقنا (وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) وأوتى داود وسليمان الزبور (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) فنؤمن ببعض النبيين ، ونكفر ببعض ، كفعل أهل الكتاب (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ـ ١٣٦ ـ يعنى مخلصون نظيرها فى آل عمران. يقول الله ـ سبحانه ـ : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) يقول فإن صدق (١) أهل الكتاب بالذي صدفتم به يا معشر المسلمين من الإيمان بجميع الأنبياء والكتب (٢) (فَقَدِ اهْتَدَوْا) من الضلالة

__________________

(١) فى أ : صدقوا.

(٢) فى أ ، ل : يا معشر جميع المسلمين بالإيمان من الأنبياء والكتب.

١٤١

(وَإِنْ تَوَلَّوْا) (١) أى وإن كفروا بالنّبيين وجميع الكتب (فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ) يعنى فى ضلال واختلاف نظيرها (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) (٢) يعنى لفي ضلال واختلاف لأن اليهود كفروا بعيسى ، ومحمد ـ صلى الله عليهما وسلم ـ وبما جاءا به ، وكفرت النصارى بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وبما جاء به ، فلما نزلت هذه الآية قرأها النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على اليهود والنصارى ، فقال : إن الله ـ عزوجل ـ أمرنى أن أوصى بهذه الآية ، فإن أنتم آمنتم يعنى صدقتم بالنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والكتاب ، فقد اهتديتم وإن توليتم وأبيتم عن الإيمان فإنما أنتم فى شقاق فلما سمعت اليهود ذكر عيسى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قالوا : لا نؤمن بعيسى. وقالت النصارى : وعيسى بمنزلتهم مع الأنبياء ، ولكنه ولد الله. يقول : إن أبوا أن يؤمنوا بمثل ما آمنتم به (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) يا محمد يعنى أهل الكتاب ففعل الله ـ عزوجل ـ ذلك فقتل أهل قريظة ، وأجلى [بنى] النضير من المدينة إلى الشام ، (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ـ ١٣٧ ـ لقولهم للمؤمنين كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ثم قال العليم بما قالوا قل لهم (صِبْغَةَ اللهِ) التي صبغ الناس عليها (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) يعنى الإسلام لقولهم للمؤمنين اتبعوا ديننا فإنه ليس دين إلا ديننا [٢٣ ب] يقول الله ـ عزوجل ـ دين الله ومن أحسن من الله دينا يعنى الإسلام (وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) ـ ١٣٨ ـ يعنى موحدون (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ) يقول أتخاصموننا فى الله (وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) ، فقال لهم : (وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) ـ ١٣٩ ـ يقول لنا

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) سورة البقرة : ١٧٦ وتمامها (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ).

١٤٢

ديننا ولكم دينكم يعنى أن يهود أهل المدينة ونصارى أهل نجران ، قالوا للمؤمنين : إنّ أنبياء الله كانوا منا من بنى إسرائيل فكانوا على ديننا فأنزل الله ـ عزوجل ـ يكذبهم (أَمْ تَقُولُونَ) (١) (إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ) وإنما سموا الأسباط لأنه ولد (٢) لكل واحد منهم أمة من الناس (٣) (كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ) لهم يا محمد (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ) بدينهم (أَمِ اللهُ) ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ أَظْلَمُ) يقول فلا أحد أظلم (مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ـ ١٤٠ ـ فكتموا تلك الشهادة التي عندهم وذلك أن الله ـ عزوجل ـ بين أمر محمد فى التوراة والإنجيل وكتموا تلك الشهادة التي عندهم وذلك قوله (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ) (٤) (لِلنَّاسِ).

يعنى أمر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فلما قالوا : إن إبراهيم وبنيه ويعقوب وبنيه كانوا على ديننا ، قال الله (٥) ـ تعالى ـ (تِلْكَ أُمَّةٌ) يعنى عصبة يعنى إبراهيم وبنيه ويعقوب وبنيه (قَدْ خَلَتْ) يعنى قد مضت (لَها ما كَسَبَتْ) يعنى من العمل يعنى من الدين (وَلَكُمْ) معشر اليهود والنصارى (ما كَسَبْتُمْ) من العمل يعنى من الدين (وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ١٤١ ـ أولئك. (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ) وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأصحابه كانوا بمكة يصلون ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي ، فلما عرج بالنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى السماء ليلا أمر بالصلوات (٦) الخمس ، فصارت الركعتان للمسافر ، وللمقيم أربع

__________________

(١) فى أ : يقولون.

(٢) فى أ : لأنهم إذ ، وفى ل : لأنه ولد.

(٣) وفى البيضاوي : والأسباط جمع سبط وهو الحافد يريد به حفدة يعقوب أو أبناؤه وذريتهم فإنهم حفدة إبراهيم وإسحاق.

(٤) فى أ : ليبيننه ـ ١٨٧ سورة آل عمران.

(٥) فى أ : يقول.

(٦) فى أ : بالصلاة.

١٤٣

ركعات ، فلما هاجر إلى المدينة لليلتين خلتا من ربيع الأول أمر أن يصلى نحو بيت المقدس لئلا يكذب به أهل الكتاب إذا صلى «إلى غير) قبلتهم (١) مع ما يجدون من نعته فى التوراة فصلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأصحابه قبل بيت المقدس من أول مقدمه المدينة سبعة عشر شهرا وصلت الأنصار قبل بيت المقدس سنتين قبل هجرة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وكانت الكعبة أحب القبلتين إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال لجبريل ـ عليه‌السلام ـ وددت أن ربى صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها. فقال جبريل ـ عليه‌السلام ـ إنما أنا عبد مثلك لا أملك شيئا ، فأسأل ربك ذلك ، وصعد جبريل إلى السماء ، وجعل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل ـ عليه‌السلام ـ بما سأل. فأنزل الله ـ عزوجل ـ فى رجب عند صلاة الأولى قبل قتال بدر بشهرين (ـ قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (٢) ـ ولما صرفت القبلة إلى الكعبة قال مشركو مكة : قد تردد على أمره واشتاق إلى مولد آبائه. وقد توجه إليكم وهو راجع إلى دينكم ، فكان قولهم هذا سفها منهم فأنزل الله ـ عزوجل ـ (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ) يعنى مشركي مكة (ما وَلَّاهُمْ) يقول ما صرفهم (عَنْ قِبْلَتِهِمُ) الأولى (الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ) يا محمد (لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ ١٤٢ ـ يعنى دين الإسلام يهدى الله نبيه والمؤمنين لدينه (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) وذلك أن اليهود منهم مرحب ، ورافع ، وربيعة ، قالوا لمعاذ :

__________________

(١) فى أل : إذا صلى إلى قبلتهم.

(٢) ما بين العلامتين (ـ ـ) شطر من آية رقم ١٤٤. وقد فسرت فى الأصل قبل آية رقم ١٤٢ ، ١٤٣ وقد راعيت فى التحقيق ترتيب الآيات كما وردت فى المصحف ، وأخرت تفسير آية ٤٤١ إلى مكانه.

١٤٤

ما ترك محمد قبلتنا إلا حسدا وإن قبلتنا قبلة الأنبياء ، ولقد علم محمد أنا عدل بين الناس. فقال معاذ (١) : إنا على حق وعدل ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ فى قول معاذ (وَكَذلِكَ) يعنى وهكذا (جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) يعنى عدلا نظيرها فى ن والقلم قوله ـ سبحانه : (قالَ أَوْسَطُهُمْ) (٢) يعنى أعدلهم وقوله سبحانه ـ : (مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) (٣) يعنى أعدل فقول الله : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) يعنى أمة محمد تشهد بالعدل فى الآخرة بين الأنبياء وبين أممهم (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) يعنى على الرسل هل بلغت الرسالة عن ربها إلى أممهم (٤) (وَيَكُونَ الرَّسُولُ) يعنى محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (عَلَيْكُمْ شَهِيداً) يعنى على أمته أنه بلغهم الرسالة (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) (٥) يعنى بيت المقدس (إِلَّا لِنَعْلَمَ) إلا لنرى (مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) يعنى محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على دينه فى القبلة ومن يخالفه من اليهود (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) يقول ومن يرجع إلى دينه الأول (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً) يعنى القبلة حين صرفها عن بيت المقدس إلى الكعبة عظمت على اليهود ، ثم استثنى فقال : (إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) (٦) فإنه لا يكبر عليهم ذلك.

(وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) وذلك أن حيى بن أخطب اليهودي وأصحابه ، قالوا للمسلمين : أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس ، أكانت هدى أم ضلالة فوالله لئن كانت هدى ، لقد تحولتم عنه. ولئن كانت ضلالة لقد دنتم الله بها فتقربتم

__________________

(١) فى أ : محمد.

(٢) سورة القلم : ٢٨.

(٣) سورة المائدة : ٨٩.

(٤) فى أ ، ل اضطراب وتقديم سطر قبل موضعه.

(٥) فى الأصل خطأ فى النقل. حيث فسر النصف الأخير من آية ١٤٣ قبل النصف الأول. وقد أصلحت الخطأ فى التحقيق وراعيت ترتيب المصحف.

(٦) فى أ : (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) من المؤمنين يعنى المتواضعين من المؤمنين فإنه لا يكبر عليهم ذلك فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ). وقد خلط بين هذه الآية والآية رقم ٤٥ : البقرة (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ).

١٤٥

إليه بها ، وإن من مات منكم عليها مات على الضلالة. فقال المسلمون : إنما الهدى ما أمر الله ـ عزوجل ـ به ، والضلالة ما نهى الله عنه. قالوا : فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا ، وكان قد مات (١) قبل أن تحول القبلة إلى الكعبة أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ابن مالك بن الخزرج من بنى النجار (٢) ، ومات البراء بن معرور بن صخر بن سنان بن عبيد بن عدى بن سلمة بن سعد (٣) [٢٤ ب] بن على بن شاردة بن زيد بن جشم ابن الخزرج من بنى (٤) سلمة ، وكانا من النقباء. ومات رجال فانطلقت عشائرهم فقالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : توفى إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى وقد صرفك (٥) الله ـ عزوجل ـ إلى قبلة إبراهيم عليه‌السلام ـ فكيف بإخواننا فأنزل الله ـ عزوجل ـ (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ). يعنى إيمان صلاتكم نحو بيت المقدس يقول لقد تقبّلت منهم (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ) يعنى يرق لهم (رَحِيمٌ) ـ ١٤٣ ـ حين قبلها منهم قبل تحويل القبلة. (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ) (٦) (وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) يعنى نرى أنك تديم نظرك إلى [٢٤ أ] السماء (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ) يعنى لنحولنك إلى (قِبْلَةً تَرْضاها) لأن الكعبة كانت أحب إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من بيت المقدس (فَوَلِ) يعنى فحول (وَجْهَكَ شَطْرَ) يعنى تلقاء (الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ) من الأرض (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) يعنى فحولوا وجوهكم فى الصلاة تلقاءه ، وقد كان النبي ـ صلى الله عليه

__________________

(١) فى أ : وقد كان قبل.

(٢) فى : ابن عدس ابن عبيد ، كل ابن بألف رغم وقوعها بين علمين ثانيهما أب للأول.

(٣) ابن سعد ساقط من ل.

(٤) كل ابن له ألف فى أ : والألف ساقطة من ل.

(٥) فى أ : صرفكم.

(٦) نقل تفسير جزء آية ١٤٣ الأول بعد الأخير فى الأصل. وقد أصلحته.

١٤٦

وسلم ـ يصلى (١) فى مسجد بنى سلمة فصلى ركعة ثم حولت القبلة إلى الكعبة وفرض الله صيام رمضان ، وتحويل القبلة ، والصلاة إلى الكعبة قبل بدر بشهرين. وحرم الخمر قبل الخندق (٢).

(وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعنى أهل التوراة وهم اليهود منهم الحميس بن عمرو قال : يا محمد ما أمرت بهذا الأمر ، وما هذا إلا شيء ابتدعته ، يعنى فى أمر القبلة فأنزل الله ـ عزوجل ـ (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعنى أهل التوراة (لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) بأن القبلة هي الكعبة فأوعدهم الله ، فقال : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) ـ ١٤٤ ـ يعنى عما يعملون من كفرهم بالقبلة (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعنى اليهود ينحوم (٣) بن سكين ، ورافع بن سكين ، ورافع بن حريملة ، ومن النصارى أهل نجران السيد والعاقب. فقالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ائتنا بآية نعرفها كما كانت الأنبياء تأتى بها فأنزل الله ـ عزوجل ـ (وَلَئِنْ أَتَيْتَ) يقول ولئن جئت يا محمد (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) يعنى الكعبة (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) يعنى بيت المقدس ثم قال : (وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) يقول إن اليهود يصلون قبل المغرب لبيت المقدس والنصارى قبل المشرق فأنزل الله ـ عزوجل ـ يحذر نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ويخوفه (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) فصليت إلى قبلتهم (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) يعنى البيان (إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) ـ ١٤٥ ـ (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) يعنى اليهود منهم

__________________

(١) فى أ : صلى.

(٢) بالأصل فرق بين أول هذه الآية وبين آخرها بآيتين : ١٤٢ ، ١٤٣.

(٣) فى ل : بيحوم بن سكر.

١٤٧

أبو ياسر بن أخطب ، وكعب بن الأشرف (١) وكعب بن أسيد ، وسلام بن صوريا ، وكنانة بن أبى الحقيق ، ووهب بن يهوذا. وأبو نافع ، فقالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ [٢٥ أ] لم تطوفون بالكعبة وإنما هي حجارة مبنية. فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : إنكم لتعلمون أن الطواف بالبيت حق (٢) ، فإنه هو القبلة مكتوب فى التوراة والإنجيل ، ولكنكم تكتمون ما فى كتاب الله من الحق وتجحدونه. فقال ابن صوريا : ما كتمنا شيئا مما فى كتابنا فأنزل الله ـ عزوجل ـ (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) يقول أعطيناهم التوراة (يَعْرِفُونَهُ) أى يعرفون (٣) البيت الحرام أنه القبلة (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ) يعنى طائفة من هؤلاء الرءوس (لَيَكْتُمُونَ الْحَقَ) يعنى أمر القبلة (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ـ ١٤٦ ـ أن البيت هو القبلة ثم قال ـ سبحانه ـ : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) يا محمد إن القبلة التي وليناكها هي القبلة (فَلا) يعنى لئلا (تَكُونَنَ) يا محمد (مِنَ الْمُمْتَرِينَ) ـ ١٤٧ ـ يعنى من الشاكين أن البيت الحرام هو (٤) القبلة (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) يقول لكل أهل ملة قبلة هم مستقبلوها ، يريدون بها الله ـ عزوجل ـ : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) يقول سارعوا فى الصالحات من الأعمال (أَيْنَ ما تَكُونُوا) من الأرض أنتم وأهل الكتاب (يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) يوم القيامة (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ـ ١٤٨ ـ من البعث وغيره قدير (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) يقول ومن أين توجهت من الأرض (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) يقول فحول وجهك فى الصلاة تلقاء المسجد الحرام (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ـ ١٤٩ ـ (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ

__________________

(١) فى أ : أشرف.

(٢) فى أ : الحق.

(٣) فى أ : التوراة يعرفون.

(٤) فى أ : هي.

١٤٨

وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) يعنى الحرم كله فإنه مسجد كله (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ) من الأرض (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) يعنى فحولوا وجوهكم تلقاءه ، ثم قال : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) يعنى اليهود [فى] أن الكعبة هي القبلة ولا حجة لهم عليكم فى انصرافكم إليها ثم استثنى فقال : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) يعنى من الناس يعنى مشركي (١) العرب وذلك أن مشركي مكة قالوا : إن الكعبة هي القبلة (٢) فما بال محمد تركها وكانت لهم فى ذلك حجة. يقول الله ـ عزوجل ـ : (فَلا تَخْشَوْهُمْ) أن يكون لهم عليكم حجة فى شيء غيرها (وَاخْشَوْنِي) فى ترك أمرى فى أمر القبلة ، ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) فى انصرافكم إلى الكعبة ، وهي القبلة (وَلَعَلَّكُمْ) ولكي (تَهْتَدُونَ) ـ ١٥٠ ـ من الضلالة فإن الصلاة قبل بيت المقدس بعد ما نسخت الصلاة إليه ضلالة «قال : حدثنا عبيد الله بن ثابت ، قال : حدثنا أبى ، قال الهذيل عن ليث بن سعد عن يزيد ابن أبى حبيب عن أبى الجهم مرثد عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : إنكم ستفتحون قسطنطينية والرومية وحمقلة. قال : حدثنا عبيد الله ، قال : حدثنا أبى قال : حدثنا الهذيل عن ابن لهيعة عن أبى قبيل عن عبد الله بن عمرو [٢٥ ب] قال : إنكم ستفتحون رومية فإذا دخلتموها فادخلوا كنيستها الشرقية فعدوا سبع بلاطات واقلعوا الثامنة وهي بلاطة حمراء فإن تحتها عصا موسى وإنجيل عيسى وحلىّ إيلياء. يعنى بيت المقدس هذا خزيهم فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب النار. قال : حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبى عن الهذيل بن حبيب عن مقاتل ، قال : كل من ملك القبط يسمى قبطوس وكل من ملك الروم يسمى

__________________

(١) فى أ : بمشركي.

(٢) فى أ : قبلة.

١٤٩

قيصر ، وكل من ملك الفرس يسمى كسرى» (١) (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ) يعنى محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ) (٢) (آياتِنا) القرآن (وَيُزَكِّيكُمْ) يعنى ويطهركم من الشرك والكفر (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ) يعنى القرآن (وَالْحِكْمَةَ) يعنى الحلال والحرام (وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) ـ ١٥١ ـ إذا فعلت ذلك بكم (٣) (فَاذْكُرُونِي) يقول فاذكروني بالطاعة (أَذْكُرْكُمْ) بخير (وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) ـ ١٥٢ ـ يقول اشكروا الله ـ عزوجل ـ فى هذه النعم لا تكفروا بها (٤) لقوله (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ) إلى آخر الآية.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) يقول استعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض والصلوات الخمس فى مواقيتها نحو الكعبة ، حين عيرتهم اليهود بترك قبلتهم. (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) ـ ١٥٣ ـ على الفرائض والصلاة (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ) نزلت فى قتلى بدر من المسلمين وهم أربعة عشر رجلا من المسلمين. ثمانية من الأنصار ، وستة من المهاجرين فمن المهاجرين عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ، وعمير بن نضلة ، وعقيل بن بكير ، ومهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ وصفوان بن بيضاء ، فهؤلاء ستة من المهاجرين ، ومن الأنصار سعد بن خيثمة بن الحارث بن النخاط بن كعب بن غنم بن أسلم بن مالك بن الأوس ، ومبشر

__________________

(١) ما بين القوسين «» ساقط من ل. وقد ذكر نقاد الحديث أن الأحاديث التي رويت عن عبد الله بن عمرو بن العاص يجب أن نتحفظ فى الأخذ بها خشية أن تكون من الزاملتين اللتين أصابهما فى بعض الغزوات ، والأثر الأول عن عبد الله بن عمرو ، والأثر الثاني عنه وكلاهما مستفاد من الإسرائيليات.

(٢) فى أ : آيات.

(٣) هكذا فى ل ، وفى أ : بهم.

(٤) فى أ : زيادة يعنى بها.

١٥٠

ابن عبد المنذر ويزيد بن الحارث ، وعمر بن الحمام ، ورافع بن المعلى ، وحارثة ابن سراقة ، ومعوذ بن عفراء ، وعوف بن عفراء وهما ابنا الحارث بن مالك ابن سوار ، فهؤلاء ثمانية من الأنصار.

وذلك أن الرجل كان يقتل فى سبيل الله فيقولون مات فلان فأنزل الله ـ عزوجل ـ (وَلا تَقُولُوا) معشر المؤمنين (لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ) مرزوقون فى الجنة عند الله ، ثم قال سبحانه : (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) ـ ١٥٤ ـ بأنهم أحياء مرزوقون. ومساكن أرواح الشهداء سدرة المنتهى فى جنة المأوى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) (١) (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) يعنى القحط (٢) (وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ) يعنى قحط المطر (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) ـ ١٥٥ ـ على هذه البلية بالجنة [٢٦ أ] ثم نعت أهل المصيبة ، فقال : (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) يعنى فيما ذكر من هذه الآية (قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) ـ ١٥٦ ـ (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ) يعنى مغفرة كقوله سبحانه : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) يعنى استغفر لهم (إِنَّ صَلاتَكَ) يعنى استغفارك (سَكَنٌ لَهُمْ) (٣) من ربهم (وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) ـ ١٥٧ ـ للاسترجاع (٤).

«قال عبد الله بن ثابت : سمعت أبى ، يقول : سمعت هذا الكتاب من أوله إلى آخره من هذيل أبى صالح عن مقاتل بن سليمان ، ببغداد فى درب السدرة فى المدينة سنة تسعين ومائة ، وسمعته من أوله إلى آخره قراءة عليه فى سنة أربعين

__________________

(١) فى أ : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) يعنى ولنبلونكم ، وفى ل : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) يقول ولنبتليكم.

(٢) فى أ ، ل : القتل وفى الجلالين القحط.

(٣) سورة التوبة : ١٠٣.

(٤) فى أ : الاسترجاع.

١٥١

ومائتين ومات وهو ابن خمس وثمانين. قال أبو عمرو : وسمعت هذا الكتاب من عبد الله بن ثابت سنة أربع وثمانين ومائتين» (١)

(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) وذلك أن الخمس : وهم قريش ، وكنانة ، وخزاعة ، وعامر بن صعصعة ، قالوا : ليست الصفا والمروة من شعائر الله ، وكان على الصفا صنم يقال له نائلة ، وعلى المروة صنم يقال له يساف فى الجاهلية. قالوا ، إنه حرج علينا فى الطواف بينهما (٢). فكانوا لا يطوفون بينهما فأنزل الله ـ عزوجل ـ (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) يقول هما من أمر المناسك التي أمر الله بها (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) يقول لا حرج عليه أن يطوف بينهما (٣) لقولهم إن علينا حرجا فى الطواف بينهما. ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) بعد الفريضة فزاد فى الطواف (٤) (فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ) ـ ١٥٨ ـ لأعمالكم عليم بها وقد طاف إبراهيم الخليل ـ عليه‌السلام ـ بين الصفا والمروة (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ) وذلك أن معاذ بن جبل ، وسعد بن معاذ ، وحارثة بن زيد ، سألوا اليهود عن أمر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وعن الرجم وغيره فكتموهم يعنى اليهود ، منهم كعب بن الأشرف ، وابن صوريا ، (ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ) يعنى ما بين الله ـ عزوجل ـ فى التوراة يعنى الرجم والحلال والحرام (وَالْهُدى) يعنى أمر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى التوراة فكتموه الناس يقول الله ـ سبحانه ـ :

__________________

(١) ما بين القوسين «» فى ل وليس فى أ. وبعد سبع ورقات من أ. أى فى ورقة ٣٣ نجد فيها هذا الكلام ولا يوجد فى ل هناك.

ولكن تزيد ل هنا عن أهناك (قال أبو عمرو وسمعت هذا الكتاب من عبد الله بن ثابت سنة أربع وثمانين ومائتين)

(٢) فى أ : بهما.

(٣) فى أ : يطوف.

(٤) أى زاد فى السعى بين الصفا والمروة.

١٥٢

(مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ) يعنى أمر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ) يعنى لبنى إسرائيل فى التوراة وذلك قوله ـ سبحانه ـ فى العنكبوت : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) أى بمحمد (١) ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (إِلَّا الظَّالِمُونَ) (٢) يعنى المكذبون بالتوراة وهم (أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) ـ ١٥٩ ـ وذلك أن الكافر يضرب فى قبره فيصيح ويسمع صوته الخليقة كلهم غير الجن والإنس فيقولون : إنما كان يحبس عنا الرزق بذنب هذا فتلعنهم الخليقة فهم اللاعنون. ثم استثنى مؤمنى أهل التوراة فقال ـ سبحانه ـ : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) من الكفر (وَأَصْلَحُوا) العمل (وَبَيَّنُوا) أمر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ للناس (فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ) يعنى أتجاوز عنهم (وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ـ ١٦٠ ـ ثم ذكر من مات من اليهود على الكفر ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَ) [٢٦ ب] لعنة (الْمَلائِكَةِ وَ) لعنة (النَّاسِ أَجْمَعِينَ) ـ ١٦١ ـ يعنى المؤمنين جميعا (خالِدِينَ فِيها) يعنى فى اللعنة واللعنة النار (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) ـ ١٦٢ ـ لا يناظر بهم حتى يعذبوا (٣) ثم قال لأهل الكتاب : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) يقول ربكم رب واحد فوحد نفسه تبارك اسمه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) ـ ١٦٣ ـ (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وذلك أن كفار مكة قالوا لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ائتنا بآية : اجعل لنا الصفا ذهبا. فقال الله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي) يعنى السفن التي (فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ) فى معايشهم (وَما أَنْزَلَ) (٤) (اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ) يعنى بالماء

__________________

(١) فى أ : أى محمدا

(٢) سورة العنكبوت : ٤٩.

(٣) فى أ : يعذب

(٤) فى أ : وفيما أنزل

١٥٣

(الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) يبسها (١) (وَبَثَّ فِيها) يعنى وبسط (٢) (مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) فى العذاب والرحمة (وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ـ ١٦٤ ـ فيما ذكر من صنعه فيوحدوه (وَمِنَ النَّاسِ) يعنى مشركي العرب (مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً) يعنى شركاء وهي الآلهة (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ) يقول ، يحبون آلهتهم كما يحب الذين آمنوا ربهم ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) منهم لآلهتهم ثم أخبر عنهم ، فقال : (وَلَوْ يَرَى) (٣) محمد يوم القيامة (الَّذِينَ ظَلَمُوا) يعنى مشركي العرب ستراهم يا محمد فى الآخرة (إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ) فيعلمون حينئذ (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ) ـ ١٦٥ ـ ثم أخبر ـ سبحانه ـ عنهم ، فقال : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا) يعنى القادة (مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) يعنى الأتباع (وَرَأَوُا الْعَذابَ) يعنى القادة والأتباع (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) ـ ١٦٦ ـ يعنى المنازل والأرحام التي كانوا يجتمعون عليها من معاصى الله ويتحابون (٤) عليها فى غير عبادة الله انقطع عنهم ذلك وندموا (وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) أى الأتّباع (لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) يعنى رجعة إلى الدنيا (فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ) من القادة (كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا) فى الآخرة وذلك قوله سبحانه : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ) يعنى يتبرأ (بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) (٥) (كَذلِكَ) يقول هكذا (يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ) يعنى القادة والأتباع

__________________

(١) فى أ : البعث ، ل : البيت ، وفى الجلالين يبسها.

(٢) فى الجلالين (وبث) : فرق ونشر به.

(٣) قراءة حفص (لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أى ولو يعلم الذين ظلموا باتخاذ الأنداد. وقرأ ابن عامر ونافع ويعقوب ولو ترى على أنه خطاب للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أى ولو ترى ذلك لرأيت أمرا عظيما. وابن عامر إذ يرون على البناء للمفعول. انظر تفسير البيضاوي : ٣٤.

وفى الجلالين (وَلَوْ يَرَى) تبصر يا محمد. فأتى بقراءة حفص بالياء وفسرها على أنها ترى على قراءة ابن عامر ونافع ويعقوب. انظر الجلالين : ص ٢٣.

(٤) فى أ : يتجاوبون ، ل : يتحابون.

(٥) سورة العنكبوت : ٢٥ وتمامها : (وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ).

١٥٤

(حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) يعنى ندامة (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) ـ ١٦٧ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) يعنى مما حرموا من الحرث والأنعام نزلت فى ثقيف ، وفى بنى عامر بن صعصعة ، وخزاعة ، وبنى مدلج ، وعامر ، والحارث ابني عبد مناة ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) يعنى تزيين الشيطان فى تحريم الحرث والأنعام (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ـ ١٦٨ ـ يعنى بين (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ) يعنى بالإثم (وَالْفَحْشاءِ) [٢٧ أ] يعنى وبالمعاصي لأنه لكم عدو مبين (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ) بأنه حرم عليكم (ما لا تَعْلَمُونَ) ـ ١٦٩ ـ أنتم أنه حرمه. ثم أخبر عنهم فقال : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) من القرآن فى تحليل ما حرموه (قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) من أمر الدين فإن آباءنا أمرونا أن نعبد ما كانوا يعبدون. قل يا محمد : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً) من الدين (وَلا يَهْتَدُونَ) ـ ١٧٠ ـ به أفتتبعونهم (١). ثم ضرب لهم مثلا فقال ـ سبحانه ـ : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) يعنى الشاة والحمار (بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) يعنى مثل الكافر كمثل البهيمة إن أمرت أن تأكل أو تشرب سمعت صوتا ولا تعقل ما يقال لها فكذلك الكافر الذين يسمع الهدى والموعظة إذا دعى إليها فلا يعقل ولا يفهم بمنزلة البهيمة يقول : (صُمٌ) فلا يسمعون الهدى (بُكْمٌ) فلا يتكلمون بالهدى (عُمْيٌ) فلا يبصرون الهدى (فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ـ ١٧١ ـ الهدى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) من تحليل الحرث والأنعام يعنى بالطيب الحلال (٢) (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) ـ ١٧٢ ـ ولا تحرموا ما أحل الله لكم من الحرث والأنعام ثم بين ما حرم فقال : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ

__________________

(١) فى أ : لها أفتتبعونه.

(٢) فى أ : يعنى الحلال بالطيب.

١٥٥

وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) يقول وما ذبح للأوثان (فَمَنِ اضْطُرَّ) إلى شيء مما حرم الله (غَيْرَ باغٍ) استحلاله (وَلا عادٍ) يعنى ولا متعديا لم يضطر إليه (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) فى أكله (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لما أكل من الحرام فى الاضطرار (رَحِيمٌ) ـ ١٧٣ ـ إذ رخص لهم فى الاضطرار مثلها فى الأنعام (١) «والمضطر» يأكل على قدر قوته.

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ) يعنى التوراة أنزلت فى رءوس اليهود منهم كعب بن الأشرف ، وابن صوريا ، كتموا أمر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى التوراة (وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) يعنى عرضا من الدنيا ويختارون على الكفر بمحمد ثمنا قليلا يعنى عرضا من الدنيا يسيرا مما يصيبون من سفلة اليهود من المآكل كل عام ولو تابعوا محمدا لحبست عنهم تلك المآكل. فقال الله ـ تعالى ذكره ـ : (أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ) يقول ولا يزكى لهم أعمالهم (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ١٧٤ ـ يعنى وجيع ثم أخبر عنهم ، فقال ـ سبحانه ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) يعنى باعوا الهدى الذي كانوا فيه من إيمان بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قبل أن يبعث بالضلالة التي دخلوا فيها بعد ما بعث محمد ثم قال : (وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ) أى اختاروا العذاب (٢) على المغفرة. (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) ـ ١٧٥ ـ يقول أى شيء جرأهم على عمل يدخلهم

__________________

(١) يشير إلى الآية ١٤٥ من سورة الأنعام وهي (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

(٢) فى أ : ثم قال واختاروا العذاب على المغفرة. وفى الحاشية الآية : بالمغفرة.

١٥٦

النار فما أصبرهم عليها [٢٧ ب] إلا أعمالهم الخبيثة (ذلِكَ) العذاب الذي نزل بهم فى الآخرة (١) (بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ) يعنى القرآن (بِالْحَقِ) يقول لم ينزل باطلا لغير شيء فلم يؤمنوا به (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ) يعنى فى القرآن (لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) ـ ١٧٦ ـ يعنى لفي ضلال بعيد يعنى طويل (٢).

(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) يعنى ليس التقوى أن تحولوا وجوهكم فى الصلاة (قِبَلَ) يعنى تلقاء (الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) فلا تفعلوا ذلك (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) يعنى صدق بالله بأنه واحد لا شريك له (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يعنى وصدق بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال. بأنه كائن (وَالْمَلائِكَةِ) أى وصدق بالملائكة (وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ) يعنى وأعطى المال (عَلى حُبِّهِ) له أعطى (ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) يعنى والضيف نازل عليك (وَ) أعطى (السَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ) فهذا تطوع. ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَأَقامَ الصَّلاةَ) المكتوبة (وَآتَى) (٣) وأعطى (الزَّكاةَ) المفروضة (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) فيما بينهم وبين الناس (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) يعنى الفقر والضراء يعنى البلاء (وَحِينَ الْبَأْسِ) يعنى وعند القتال هم صابرون (أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) فى إيمانهم (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) ـ ١٧٧ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) إذا كان عمدا وذلك أن حيين من العرب اقتتلوا فى الجاهلية قبل الإسلام بقليل ، وكانت بينهم قتلى وجرحى ، حتى قتل العبيد والنساء ، فلم يأخذ بعضهم من بعض الأموال حتى أسلموا ، وكان أحد الحيين له طول على الآخر (٤) فى العدد والأموال ، فحلفوا ألا نرضى حتى يقتل بالعبد منا الحر منهم ،

__________________

(١) فى أ : الآخرة ذلك.

(٢) فى أ : الطويل.

(٣) فى أ : (وَآتَى) ساقطة.

(٤) فى ل ، فى أ : الآخرين.

١٥٧

وبالمرأة منا الرجل منهم ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) فسوى بينهم فى الدماء وأمرهم بالعدل فرضوا فصارت منسوخة نسختها الآية التي فى المائدة قوله ـ سبحانه ـ (وَكَتَبْنا) فيما قضينا (عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (١) يعنى : النفس : المسلم الحر بالنفس : المسلم الحر ، والمسلمة الحرة بالمسلمة الحرة (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) ثم رجع إلى أول الآية فى قوله ـ سبحانه ـ : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) إذا كان عمدا إذا عفى ولى المقتول عن أخيه القاتل ورضى بالدّية (فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ) يعنى الطالب ليطلب ذلك فى رفق ثم قال للمطلوب : (وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) يقول ليؤدى الدية إلى الطالب عفوا فى غير مشقة ولا أذى (ذلِكَ) العفو والدية (تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ) إذ جعل فى قتل [٢٨ أ] العمد العفو والدية (٢) ثم قال : (وَرَحْمَةٌ) يعنى وتراحموا وكان الله ـ عزوجل ـ حكم على أهل التوراة أن يقتل القاتل ، ولا يعفى عنه ، ولا يقبل منه الدية ، وحكم على أهل الإنجيل العفو ، ولا يقتل القاتل بالقصاص ، ولا يأخذ ولى المقتول الدية ثم جعل الله ـ عزوجل ـ التخفيف لأمة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إن شاء ولى المقتول قتل القاتل ، وإن شاء عفا عنه ، وإن شاء أخذ منه الدية.

فكان لأهل التوراة أن يقتل قاتل الخطأ والعمد فرخص الله ـ عزوجل ـ لأمة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فذلك قوله ـ سبحانه ـ فى الأعراف : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) (٣) من التشديدات (وهي أن) يقتل قاتل

__________________

(١) سورة المائدة : ٤٥.

(٢) ما بعد ذلك ساقط من ل حتى قوله تعالى : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) أى من الآية ١٧٩ إلى أواخر الآية ١٨٧ : فلعل ورقة سقطت من المخطوطة ل ، أو نسى المصور تصويرها.

(٣) سورة الأعراف : ١٥٧.

١٥٨

العمد ولا يعفى عنه ولا يؤخذ منه الدية ، ثم قال : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ١٧٨ ـ يعنى وجيع فإنه يقتل ، ولا يؤخذ منه دية ، قال (١) النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : لا عفو عمن قتل القاتل بعد أخذ الدية. وقد جعل الله له عذابا أليما. ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) يعنى بقاء يحجز بعضكم عن بعض (يا أُولِي الْأَلْبابِ) يعنى من كان له لب أو عقل فذكر القصاص فيحجزه الخوف عن القتل (لَعَلَّكُمْ) يعنى لكي (تَتَّقُونَ) ـ ١٧٩ ـ الدماء مخافة القصاص. (كُتِبَ عَلَيْكُمْ) يعنى فرض عليكم ، نظيرها (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) (٢) يعنى فرض ، نظيرها أيضا (ما كَتَبْناها) يعنى ما فرضناها (عَلَيْهِمْ) (٣) يعنى الرهبانية. (إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ) بعد موته (خَيْراً) يعنى المال (الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ) يعنى تفضيل الوالدين على الأقربين فى الوصية ، وليوص للأقربين بالمعروف ، والذين لا يرثون يقول الله ـ عزوجل ـ تلك الوصية (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) ـ ١٨٠ ـ فمن لم يوص لقرابته عند موته فقد ختم عمله بالمعصية ، ثم نزلت (٤) آية الميراث بعد هذه الآية فنسخت للوالدين (٥) ، وبقيت (٦) الوصية للأقربين الذين لا يرثون : ما بينه وبين ثلث ما له (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ) يقول من بدل وصية الميت يعنى الوصي والولي بعد ما سمعه من الميت فلم يمض وصيته (فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) يعنى الوصي والولي وبرىء منه الميت (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لوصية الميت (عَلِيمٌ) ـ ١٨١ ـ بها. ثم قال (فَمَنْ خافَ) يعنى الوصي (مِنْ مُوصٍ) يعنى الميت (جَنَفاً) ميلا عن الحق خطأ (أَوْ إِثْماً)

__________________

(١) فى أ : وقال.

(٢) سورة البقرة : ٢١٦.

(٣) سورة الحديد : ٢٧.

(٤) فى أ : نزل.

(٥) وفيه نظر لأن آية المواريث لا تعارض الوصية بل تؤكدها من حيث أنها تدل على تقديم الوصية مطلقا ـ القرطبي.

(٦) فى أ : فبقيت.

١٥٩

تعمدا للجنف (١) أى إن جار الميت فى وصيته عمدا أو خطأ ، فلم يعدل فخاف الوصي أو الولي من جور وصيته (فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ) بين الورثة بالحق والعدل (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) حين خالف جور [٢٨ ب] الميت (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) للمصلح (رَحِيمٌ) ـ ١٨٢ ـ به إذا رخص فى مخالفة (٢) جور الميت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) وذلك أن لبيد الأنصارى من بنى عبد الأشهل كبر فعجز عن الصوم ، فقال للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ما على من عجز عن الصوم فأنزل الله ـ عزوجل ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) يعنى فرض عليكم نظيرها (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) يعنى فرض عليكم القتال (٣) (كَما كُتِبَ) يعنى كما فرض (عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) يعنى أهل الإنجيل (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ـ ١٨٣ ـ يعنى لكي تتّقون الطعام والشراب والجماع فمن صلى العشاء الآخرة أو نام قبل أن يصلى العشاء الآخرة حرم عليه ما يحرم على الصائم .. وكان ذلك (٤) على الذين من قبلنا (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) وهي دون الأربعين فإذا كانت فوق الأربعين فلا يقال لها معدودات (٥) (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) أى ومن كان يطيق الصوم ، وليس بمريض ولا مسافر ،

__________________

(١) فى أ : (جنفا) يعنى عمدا (أو إثما) يعنى خطأ.

وكتب التفسير بالمأثور وبالمعقول. على أن الجنف : الميل عن الحق خطأ والإثم : تعمد ذلك. انظر الجلالين والبيضاوي وابن كثير. وفى ابن كثير : قال ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والضحاك والربيع بن أنس والسدى : الجنف الخطأ ، وهذا يشمل أنواع الخطأ كلها بأن زادوا وارثا بواسطة أو وسيلة كما إذا أوصى ببيعه الشيء الفلاني مخافات أو أوصى ليزيدها أو نحو ذلك من الوسائل إما مخطئا غير عامد بل بطبعه وقوة شفقته من غير تبصر أو متعمدا آثما فى ذلك فالوصى والحالة هذه أن يصلح القضية ويعدل فى الوصية على الوجه الشرعي ، ويعدل على الذي أوصى به الميت إلى ما هو أقرب الأشياء إليه وأشبه الأمور به جمعا بين مقصور الموصى والطريق الشرعي.

(٢) فى أ : خلافة.

(٣) فى أ : الصيام : (سورة البقرة : ٢١٦)

(٤) فى أ : فهذا كان.

(٥) فى أ : فإذا كان فوق الأربعين فلا يقال له معدودة.

١٦٠