تفسير مقاتل بن سليمان - ج ١

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ١

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٤

فى التوراة فإذا فعلتم ذلك (أُوفِ) لكم (بِعَهْدِكُمْ) يعنى المغفرة والجنة فعاهدهم أن أوفوا له بما قال المغفرة والجنة ، فكفروا بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وبعيسى ـ عليه‌السلام ـ فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) فهذا وفاء الرب ـ عزوجل ـ لهم ، (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) ـ ٤٠ ـ يعنى وإياى فخافون فى محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (١) فمن كذب به فله النار. ثم قال : (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً) نزلت فى كعب بن الأشرف وأصحابه رءوس اليهود يقول صدقوا بما أنزلت من القرآن على محمد مصدقا (لِما مَعَكُمْ) يقول محمد تصديقه معكم أنه نبى رسول (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) يعنى محمدا فتتابع (٢) اليهود كلها على كفر به فلما كفروا تتابعت اليهود كلها : أهل خيبر ، وأهل فدك ، وأهل قريظة ، وغيرهم على الكفر بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثم قال لرؤوس اليهود : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) وذلك أن رؤوس اليهود كتموا أمر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى التوراة وكتموا أمره عن سفلة اليهود وكانت للرؤساء منهم مأكلة (٣) فى كل عام من زرعهم وثمارهم ولو تابعوا محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لحبست تلك المأكلة عنهم فقال الله لهم (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) [١٠ أ] : يعنى بكتمان بعث محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عرضا قليلا من الدنيا مما تصيبون من سفلة اليهود ثم يخوفهم (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) ـ ٤١ ـ فى محمد فمن كذب به فله النار. ثم قال لليهود : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَ) وذلك أن اليهود يقرون ببعض أمر محمد ويكتمون بعضا ليصدقوا فى ذلك فقال الله ـ عزوجل ـ : ولا تخلطوا الحق بالباطل نظيرها

__________________

(١) فى أ : زيادة ثم قال.

(٢) هكذا فى ل ، وفى أ : فتايع ، ولعل أصلها فتابع.

(٣) هكذا فى ل ، وفى أ : تأكله.

١٠١

فى آل عمران (١) والأنعام (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) (٢) يعنى ولم يخلطوا بشرك (وَتَكْتُمُوا الْحَقَ) أى ولا تكتموا أمر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ـ ٤٢ ـ أن محمدا نبى ونعته فى التوراة.

وقال لليهود : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فى مواقيتها (وَآتُوا الزَّكاةَ) يعنى وأعطوا الزكاة من أموالكم (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) ـ ٤٣ ـ يعنى اليهود صلوا مع المصلين يعنى مع المؤمنين من أصحاب النبي محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) وذلك أن اليهود قالوا لبعض أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : إن محمدا حق فاتبعوه ترشدوا ، فقال الله ـ عزوجل ـ لليهود أتأمرون الناس بالبر يعنى أصحاب محمد (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) يقول وتتركون أنفسكم فلا تتبعوه (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) يعنى التوراة فيها بيان أمر محمد ونعته (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ـ ٤٤ ـ أنتم فتتبعونه ثم قال : (وَاسْتَعِينُوا) على طلب الآخرة (بِالصَّبْرِ) على الفرائض (وَالصَّلاةِ) الخمس حافظوا عليها فى مواقيتها (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) يعنى حين صرفت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة فكبر ذلك على اليهود منهم جدي بن أخطب ، وسعيد بن عمرو الشاعر ، وغيرهم ثم استثنى فقال : (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) ـ ٤٥ ـ يعنى إلا على المتواضعين من المؤمنين لم يكبر عليهم تحويل القبلة ثم نعت الخاشعين فقال : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ) يعنى يعلمون يقينا (أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) يعنى فى الآخرة (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) ـ ٤٦ ـ فيجزيهم بأعمالهم (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) يعنى اليهود بالمدينة (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي

__________________

(١) (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ـ سورة آل عمران : ٧١.

(٢) الأنعام : ٨٢ وتمامها (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).

١٠٢

أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) يعنى أجدادكم والنعمة عليهم (١) حين أنجاهم من آل فرعون فأهلك عدوهم والخير الذي أنزل عليهم فى أرض التيه وأعطاهم التوراة ثم قال : (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) ـ ٤٧ ـ يعنى عالمي ذلك الزمان يعنى أجدادهم من غير بنى إسرائيل ثم خوفهم فقال : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ) يقول لا تغنى نفس كافرة (عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) من المنفعة فى الآخرة (وَلا يُقْبَلُ مِنْها) يعنى من هذه النفس الكافرة (شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) يعنى فداء كفعل أهل الدنيا بعضهم من بعض ثم قال : (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) ـ ٤٨ ـ يقول ولا هم يمنعون من العذاب ثم ذكرهم النعم ليوحدوه [١٠ ب] فقال سبحانه : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ) يعنى أنفذناكم (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) يعنى أهل مصر (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) يعنى يعذبونكم شدة العذاب يعنى ذبح الأبناء واستحياء النساء لأن فرعون أمر بذبح البنين فى حجور أمهاتهم ثم بين العذاب فقال : (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) فى حجور أمهاتهم (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) يعنى قتل البنين وترك البنات قتل منهم فرعون ثمانية عشر طفلا (٢) مخافة أن يكون فيهم مولود يكون هلاكه (٣) فى سببه يقول الله ـ عزوجل ـ : (وَفِي ذلِكُمْ) يعنى فيما يخبركم من قتل الأبناء وترك البنات (بَلاءٌ) يعنى نقمة (مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) ـ ٤٩ ـ فاذكروا فضله عليكم حين أنجاكم من آل فرعون (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) وذلك أنه فرق البحر يمينا وشمالا كالجبلين المتقابلين كل واحد منهما على الآخر وبينهما كوى من طريق إلى طريق ينظر كل سبط إلى الآخر ليكون آنس لهم (فَأَنْجَيْناكُمْ) من الغرق (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) يعنى أهل مصر يعنى

__________________

(١) (عليهم) ساقطة من أ ، وفى ل : على.

(٢) هكذا فى ل وفى أ : ثمانية عشر ألف طفلا : وهو دليل أن ألف زيدت من الناسخ بعد كتابة ثمانية عشر طفلا ، وإلا لكتبها طفل لأنها مضاف إليه.

(٣) فى أ ، ل : هلاكهم.

١٠٣

القبط (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ـ ٥٠ ـ أجدادهم يعلمون أن ذلك حق وكان ذلك من النعم.

(وَإِذْ واعَدْنا مُوسى) يعنى الميعاد (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) يعنى ثلاثين من ذى القعدة وعشر ليال من ذى الحجة فكان الميعاد الجبل ليعطى التوراة وكان موسى ـ عليه‌السلام ـ أخبر بنى إسرائيل بمصر فقال لهم إذا خرجنا منها أتيناكم من الله ـ عزوجل ـ بكتاب يبين لكم فيه ما تأتون وما تتقون فلما فارقهم موسى مع السبعين واستخلف هارون أخاه عليهم اتخذوا العجل فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ) يقول من بعد انطلاق موسى إلى الجبل (وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) ـ ٥١ ـ وذلك أن موسى قطع البحر يوم العاشر من المحرم فقال بنو إسرائيل : وعدتنا يا موسى أن تأتينا بكتاب من ربنا إلى شهر فأتنا بما وعدتنا فانطلق موسى وأخبرهم أنه يرجع إلى أربعين يوما عن أمر ربه ـ عزوجل ـ فلما سار موسى فدنا من الجبل أمر السبعين أن يقيموا فى أصل الجبل وصعد موسى الجبل فكلم ربه ـ تبارك اسمه ـ وأخذ الألواح فيها التوراة فلما مضى عشرون يوما قالوا (١) : أخلفنا موسى العهد فعدوا عشرين يوما وعشرين ليلة ، فقالوا : هذا أربعون يوما فاتخذوا العجل فأخبر الله ـ عزوجل ـ موسى بذلك على الجبل فقال موسى لربه : من صنع لهم العجل؟ قال : السامري صنعه (٢) لهم ، قال موسى لربه : فمن نفخ فيه الروح؟ قال الرب ـ عزوجل ـ : أنا. فقال موسى : يا رب ، السامري صنع لهم العجل فأضلهم ، وصنعت فيه الخوار فأنت فتنت قومي [١١ أ]. فمن ثم قال الله ـ عزوجل ـ : (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) (٣) يعنى الذين خلفهم مع هارون سوى السبعين

__________________

(١) فى أ : فقالوا.

(٢) فى أ : صنع.

(٣) سورة طه : ٨٥.

١٠٤

حين أمرهم بعبادة العجل فلما نزل موسى من الجبل إلى السبعين أخبرهم بما كان ولم يخبرهم بأمر العجل ، فقال السبعون لموسى : نحن أصحابك جئنا معك ، ولم نخالفك فى أمر ، ولنا عليك حق فأرنا الله جهرة ـ يعنى معاينة ـ كما رأيته فقال موسى : والله ما رأيته ، ولقد أردته على ذلك فأبى وتجلى للجبل فجعله دكا. يعنى فصار دكا وكان أشد منى وأقوى. فقالوا : إنا لا نؤمن بك ولا نقبل ما جئت به حتى تريناه معاينة. فلما قالوا ذلك أخذتهم الصاعقة ، يعنى الموت عقوبة. فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) (١) يعنى الموت نظيرها (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) (٢) يعنى ميتا وكقوله ـ عزوجل ـ : (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ) (٣) يعنى فمات (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) يعنى السبعين ثم أنعم الله عليهم فبعثهم وذلك أنهم لما صعقوا قام موسى يبكى وظن أنهم إنما صعقوا بخطيئة أصحاب العجل فقال ـ عزوجل ـ فى سورة الأعراف : (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ ، أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) (٤) ـ وقال : يا رب ما أقول لبنى إسرائيل إذا رجعت إليهم وقد أهلكت أحبارهم فبعثهم الله ـ عزوجل ـ لما وجد موسى من أمرهم. فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٥) ـ ٥٢ ـ يقول لكي تشكروا ربكم فى هذه النعمة فبعثوا يوم ماتوا ثم انصرفوا مع موسى راجعين فلما دنوا من المعسكر على ساحل البحر سمعوا اللغط حول العجل ، فقالوا هذا قتال فى المحلة فقال موسى ـ عليه‌السلام ـ ليس بقتال ولكنه صوت الفتنة فلما دخلوا المعسكر (٦) رأى موسى ماذا يصنعون حول العجل ، فغضب وألقى الألواح فانكسر منها لوحان

__________________

(١) فى أ : فأخذتهم ـ البقرة ٥٥.

(٢) سورة الأعراف : ١٤٣.

(٣) سورة الزمر : ٦٨.

(٤) سورة الأعراف : ١٥٥.

(٥) فى أ : ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون.

(٦) فى أ ، ل : العسكر.

١٠٥

فارتفع من اللوح بعض كلام الله ـ عزوجل ـ فأمر بالسامري فأخرج من محلة بنى إسرائيل ثم عمد إلى العجل فبرده بالمبرد وأحرقه بالنار ثم ذراه فى البحر فذلك قوله : (لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً) (١) فقال موسى : (إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ) ـ أى ضررتم ـ (أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) إلها من دون الله ـ سبحانه وتعالى (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) يعنى خالقكم وندم القوم على صنيعهم فذلك قوله ـ سبحانه : (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا) يعنى أشركوا بالله ـ عزوجل ـ (قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢) فقالوا كيف لنا بالتوبة يا موسى قال اقتلوا أنفسكم يعنى يقتل بعضكم بعضا كقوله سبحانه فى النساء [١١ ب](وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) يقول لا يقتل بعضكم بعضكم (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) (٣) يعنى ذلك القتل والتوبة خير لكم عند بارئكم يعنى عند خالقكم قالوا قد فعلنا فلما أصبحوا أمر موسى ـ عليه‌السلام ـ البقية الاثنى عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل أن يقتلوهم بالسيف والخناجر فخرج كل بنى أب على حدة من منازلهم فقعدوا بأفنية بيوتهم فقال بعضهم لبعض : هؤلاء إخوانكم أتوكم شاهرين السيوف فاتقوا الله واصبروا فلعنة الله على رجل حل جيوبه أو قام من مجلسه أو اتقى بيد أو رجل أو حار إليهم طرفة عين. قالوا : آمين فقتلوهم من لدن طلوع الشمس إلى انتصاف النهار يوم الجمعة وأرسل الله ـ عزوجل ـ عليهم الظلمة حتى لا يعرف بعضهم بعضا فبلغت القتلى سبعين ألفا ثم أنزل الله ـ عزوجل ـ الرحمة فلم يحد (٤) فيهم السلاح فأخبر الله ـ عزوجل ـ موسى ـ عليه‌السلام ـ أنه قد نزلت

__________________

(١) سورة طه : ٩٧.

(٢) سورة الأعراف : ١٤٩. وفى أ : فلما سقط.

(٣) سورة النساء : ٢٩.

(٤) يحد : يقطع. وفى الحديث : إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته.

وفى أ : بحكم.

١٠٦

الرحمة. فقال لهم : قد نزلت الرحمة ثم أمر موسى المنادى فنادى أن ارفعوا سيوفكم عن إخوانكم فجعل الله ـ عزوجل ـ القتلى شهداء وتاب الله على الأحياء وعفى عن الذين صبروا للقتل فلم يقتلوا فمن مات قبل أن يأتيهم موسى ـ عليه‌السلام ـ على عبادة العجل دخل النار ومن هرب من القتل لعنهم الله و (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) ، فذلك قوله : (سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وذلك قوله سبحانه ـ : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) (١).

فكان الرجل يأتى نادى قومه وهم جلوس فيقتل من العشرة ثلاثة ويدع البقية ويقتل الخمسة من العشرين ومن كتب عليهم الشهادة ويبقى الذين لم يقض لهم أن يقتلوا. فذلك قوله ـ عزوجل ـ (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ) فلم نهلككم جميعا (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) يعنى بعد العجل (لَعَلَّكُمْ) يعنى لكي (تَشْكُرُونَ) ربكم فى هذه النعم يعنى العفو فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم وذلك قوله ـ سبحانه ـ فى الأعراف : (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها) يعنى من بعد عبادة العجل (وَآمَنُوا) يعنى وصدقوا بأن الله واحد لا شريك له (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢) لذو تجاوز عنهم رحيم بهم عند التوبة.

(وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) يعنى التوراة (وَالْفُرْقانَ) يعنى النصر حين فرق بين الحق والباطل ونصر موسى وأهلك فرعون نظيرها فى الأنفال قوله ـ سبحانه ـ : (وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ) يعنى يوم النصر (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) (٣)

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٦٧.

(٢) سورة الأعراف : ١٥٣.

(٣) سورة الأنفال : ٤١.

١٠٧

فنصر الله ـ عزوجل ـ المؤمنين وهزم المشركين (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١) ـ ٥٣ ـ [١٢ أ] من الضلالة بالتوراة يعنى بالنور (٢).

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ـ ٥٤ ـ (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ـ ٥٥ ـ (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ـ ٥٦ ـ (٣).

(وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ) وذلك أن موسى ـ عليه‌السلام ـ قالت له بنو إسرائيل وهم فى التيه : كيف لنا بالأبنية ، وقد نزلنا فى القفر ، وخرجنا من العمران ، من حر الشمس (٤). فظلل الله ـ عزوجل ـ عليهم الغمام الأبيض يقيهم حر الشمس ثم إنهم سألوا موسى ـ عليه‌السلام ـ الطعام فأنزل الله عليهم طعام الجنة وهو (الْمَنَّ وَالسَّلْوى) أما المنّ فهو الترنجبين فكان ينزل بالليل على شجرهم أبيض كالثلج حلو مثل العسل ، فيغدون عليه لكل إنسان صاع لكل ليلة فيغدون عليه فيأخذون ما يكفيهم ليومهم ذلك لكل رجل صاع ولا يرفعون منه فى غد ويأخذون (٥) يوم الجمعة ليومين لأن السبت كان عندهم لا يشخصون فيه ولا يعملون (٦) كان هذا لهم فى التيه وتنبت ثيابهم مع أولادهم فأما الرجال فكانت

__________________

(١) هذه آية ٥٣ من سورة البقرة. وبدأ يفسر بعدها مباشرة الآية ٥٧. وكذلك فى ل. أما الآيات ٥٤ ، ٥٥ ، ٥٦ فقد اكتفى بذكر قصتها وموضوعها فيما تقدم.

(٢) فى أ : النور.

(٣) هذه الآيات ساقطة من أ ، ل.

(٤) هكذا فى أ ، ل ٥ والمقصود كيف سبيلنا إلى الأبنية لتقينا من حر الشمس.

(٥) فى أ : يأخذون.

(٦) هكذا فى أ ، ل.

١٠٨

ثيابهم عليهم لا تبلى ولا تنخرق ولا تدنس. وأما السلوى فهو الطير ، وذلك أن بنى إسرائيل سألوا موسى اللحم ، وهم فى التيه ، فسأل موسى ربه ـ عزوجل ـ فقال الله : لأطعمنهم أقل الطير لحما فبعث الله ـ سبحانه ـ السماء فأمطرت لهم السلوى وهي السمانا ، وجمعتهم ريح الجنوب. وهي طير حمر تكون فى طريق مصر فأمطرت قدر ميل فى عرض الأرض (١) وقدر رمح فى السماء بعضه على بعض. فقال الله ـ عزوجل ـ لهم : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ) يعنى من حلال. كقوله : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) (٢) يعنى حلالا طيبا فى غير مأثم ، وإذا وجدوا الماء فهو حرام : فمن ثم قال طيبا يعنى حلالا من (ما رَزَقْناكُمْ) من السلوى ، ولا تطغوا فيه يعنى تعصوا الله فى الرزق فيما رزقكم ولا ترفعوا منه لغد فرفعوا وقددوا مخافة أن ينفد ، ولو لم يفعلوا لدام لهم ذلك فقددوا منه ورفعوا فدود وتغير ما قددوا منه وما رفعوا فعصوا ربهم فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (وَما ظَلَمُونا) يعنى وما ضرونا يعنى ما نقصونا من ملكنا بمعصيتهم شيئا حين رفعوا وقددوا منه فى غد (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ـ ٥٧ ـ يعنى أنفسهم يضرون نظيرها فى الأعراف قوله ـ سبحانه ـ : (مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) (٣) إلى آخر الآية.

(وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) يعنى إيلياء وهم يومئذ من وراء البحر (فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً) يعنى ما شئتم ، وإذ شئتم ، وحيث شئتم (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) يعنى باب إيلياء سجدا فدخلوا متحرفين على شق وجوههم (وَقُولُوا

__________________

(١) الأرض : ساقطة من ل.

(٢) سورة المائدة : ٦.

(٣) سورة الأعراف : ١٦٠ ، وتمامها (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).

١٠٩

حِطَّةٌ) وذلك أن بنى إسرائيل خرجوا مع يوشع بن نون بن اليشامع بن عميهوذ بن غيران بن شونالخ بن إفراييم بن يوسف ـ عليه‌السلام ـ من أرض التيه إلى العمران حيال أريحا وكانوا أصابوا خطيئة فأراد الله ـ عزوجل ـ أن [١٢ ب] يغفر لهم وكانت الخطيئة أن موسى ـ عليه‌السلام ـ كان أمرهم أن يدخلوا أرض أريحا التي فيها الجبارون فلهذا (١) قال لهم : قولوا حطة ، يعنى بحطة حط عنا خطايانا. ثم قال : (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) ـ ٥٨ ـ الذين لم يصيبوا خطيئة ، فزادهم الله إحسانا إلى إحسانهم ، فلما دخلوا إلى الباب فعل (٢) المحسنون ما أمروا به وقال الآخرون : هطا سقماثا يعنون حنطة حمراء. قالوا : ذلك استهزاء وتبديلا ، لما أمروا به فدخلوا مستقلين فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً) يعنى عذابا (مِنَ السَّماءِ) كقوله فى سورة الأعراف : (قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ) (٣) يعنى عذابا ويقال الطاعون ويقال الظلمة شبه النار (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) ـ ٥٩ ـ وأهلك منهم سبعون ألفا فى يوم واحد عقوبة لقولهم هطا سقماثا فهذا القول ظلمهم.

(وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ) وهم فى التيه ، قالوا : من أين لنا شراب نشرب؟ فدعا موسى ـ عليه‌السلام ـ ربه أن يسقيهم فأوحى الله ـ عزوجل ـ إلى موسى ـ عليه‌السلام ـ (فَقُلْنَا) (٤) (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) وكان الحجر خفيفا مربعا فضربه (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ) (٥) من الحجر (اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) فرووا بإذن الله ـ عزوجل ـ وكانوا اثنى عشر سبطا لكل سبط من بنى إسرائيل عين تجرى على حدة لا يخالطهم غيرهم (٦). فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (قَدْ عَلِمَ كُلُّ

__________________

(١) فى أ : فلها.

(٢) فى أ : فعلوا.

(٣) سورة الأعراف : ٧١.

(٤) فى أ : أن.

(٥) فى أ : وانفجرت.

(٦) فى أ : غيره.

١١٠

أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) يعنى كل سبط مشربهم يقول الله ـ عزوجل ـ (كُلُوا) من المنّ والسلوى (وَاشْرَبُوا) من العيون وهو (مِنْ رِزْقِ اللهِ) حلالا طيبا فذلك قوله ـ سبحانه ـ (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ) يقول لا تعلوا ولا تسعوا (١) فى الأرض (مُفْسِدِينَ) ـ ٦٠ ـ يقول لا تعملوا فى الأرض بالمعاصي فرفعوا من المن والسلوى لغد فذلك قوله ـ سبحانه ـ (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) (٢) يقول لا ترفعوا منه لغد وكان موسى ـ عليه‌السلام ـ إذا ظعن حمل الحجر معه وتنصب العيون منه.

ثم إنهم قالوا : يا موسى ، فأين اللباس؟ فجعلت الثياب تطول مع أولادهم وتبقى على كبارهم ولا تمزق ولا تبلى ولا تدنس ، وكان لهم عمود من نور يضيء لهم بالليل إذا ارتحلوا وغاب (٣) القمر ، فلمّا طال عليهم المن والسلوى سألوا موسى نبات الأرض فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى) فى التيه (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) يعنى المن والسلوى (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها) يعنى الثوم (وَعَدَسِها وَبَصَلِها) فغضب موسى ـ عليه‌السلام ـ (قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى) يقول الذي هو دون المن والسلوى من نبات الأرض (بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) يعنى المنّ والسلوى [١٣ أ] فقال موسى : (اهْبِطُوا مِصْراً) من الأمصار (فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) من نبات الأرض (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) يعنى على اليهود الذلة وهي الجزية (وَالْمَسْكَنَةُ) يعنى الفقر (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) يعنى استوجبوا غضب الله ـ عزوجل ـ (ذلِكَ) الذل والمسكنة الذي نزل بهم (بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) يعنى القرآن (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) ـ ٦١ ـ فى أديانهم (إِنَّ الَّذِينَ

__________________

(١) فى أ : يقول لا تسعوا.

(٢) سورة طه : ٨١.

(٣) فى أ ، ل : مكان القمر. ولكن فى مكان آخر : وغاب القمر.

١١١

آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) يعنى اليهود (وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ) وهم قوم (١) يصلون للقبلة (٢) ، يقرءون الزبور ويعبدون الملائكة ، وذلك أن سلمان الفارسي كان من جند سابور ، فأتى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأسلم وذكر سلمان أمر الراهب وأصحابه ، وأنهم مجتهدون فى دينهم يصلون ويصومون ، فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : هم فى النار فأنزل الله ـ عزوجل ـ فيمن صدق منهم بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وبما جاء به (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى صدقوا يعنى أقروا وليسوا بمنافقين (وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً) يقول من صدق منهم بالله ـ عزوجل ـ بأنه واحد لا شريك له وصدق بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال بأنه كائن (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من نزول العذاب (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ـ ٦٢ ـ عند الموت (٣). يقول إن الذين آمنوا يعنى صدقوا بتوحيد الله ـ تعالى ـ ومن آمن من الذين هادوا ومن النصارى ومن الصابئين من آمن منهم بالله واليوم الآخر فيما تقدم إلى آخر الآية (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) فى التوراة وأن تعملوا بما فيها فلما قرءوا التوراة وفيها الحدود والأحكام كرهوا أن يقروا بما فيها رفع الله ـ عزوجل ـ عليهم الجبل ليرضخ به رءوسهم ، وذلك قوله ـ سبحانه ـ : (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) يعنى الجبل فلما رأوا ذلك أقروا بما فيها فذلك قوله : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ) (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) يقول ما أعطيناكم من التوراة بالجد والمواظبة عليه (وَاذْكُرُوا) يقول احفظوا (ما فِيهِ) من أمره ونهيه ولا تضيعوه (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ـ ٦٣ ـ يقول لكي تتقوا المعاصي (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) يقول أعرضتم (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) عن الحق

__________________

(١) فى أ : قوما.

(٢) فى أ : القبلة.

(٣) فى أ : بالموت.

١١٢

من بعد الجبل (فَلَوْ لا) (١) (فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) يعنى نعمته لعاقبكم و (لَكُنْتُمْ) فى الآخرة (مِنَ الْخاسِرِينَ) ـ ٦٤ ـ فى العقوبة (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ) يعنى اليهود (الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) فصادوا فيه (٢) السمك وكان محرما عليهم صيد السمك يوم السبت فأمهلهم الله ـ سبحانه ـ بعد صيد السمك سنين ثم مسخهم الله قردة فذلك قوله : (فَقُلْنا لَهُمْ) بوحي (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) ـ ٦٥ ـ يعنى صاغرين (فَجَعَلْناها نَكالاً) [١٣ ب] لبنى إسرائيل (لِما بَيْنَ يَدَيْها) يقول أخذناهم بمعاصيهم قبل صيد الحيتان (وَما خَلْفَها) ما استنوا من سنة سيئة فاقتدى بها من بعدهم فالنكال هي العقوبة ثم مسخهم الله ـ عزوجل ـ فى زمان داود ـ عليه‌السلام ـ قردة ثم حذر هذه الأمة فقال ـ سبحانه ـ : (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) ـ ٦٦ ـ يعنى تعظهم يا محمد أن يركبوا ما ركبت بنو إسرائيل من المعاصي فيستحلوا محرما أو صيدا فى حرم الله أو تستحلّوا أنتم حراما لا ينبغي فينزل بكم من العقوبة مثل ما نزل بالذين استحلّوا صيد السمك يوم السبت.

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) يا بنى إسرائيل (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) بأرض مصر قبل الغرق (٣) وذلك أن أخوين كانا فى بنى إسرائيل فقتلا ابن عم لهما ليلا بمصر ليرثاه ثم حملاه فألقياه بين القريتين. قال : حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبى ، قال : حدثنا الهذيل عن مقاتل عن أبى مليكة عن ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : قاسوا ما بين القريتين فكانتا سواء فلما أصبحوا أخذوا أهل القرية (٤) ، فقالوا : والله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا. قالوا : يا موسى ، ادع

__________________

(١) فى أ : ولو لا.

(٢) فى أ : فيها.

(٣) أى قبل غرق فرعون وجنوده.

(٤) هكذا فى أ ، ل. وصوابها القريتين. وهذه القصة واردة من عدة طرق فى تفسير الدر المنثور السيوطي أ : ٧٧.

١١٣

لنا ربّك ، يطلع على القاتل (١) إن كنت نبيا كما تزعم فدعا موسى ربه ـ عزوجل ـ فأتاه جبريل ـ عليه‌السلام ـ فأمره بذبح بقرة. فقال لهم موسى : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ، فتضربوه ببعضها فيحيا ، فيخبركم بقاتله. واسم المقتول عاميل. فظنوا أنه يستهزئ بهم ، فقالوا : نسألك عن القاتل لتخبرنا به فتأمرنا بذبح بقرة استهزاء بنا. فذلك قولهم لموسى : (قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) ـ ٦٧ ـ يعنى من المستهزئين فعلموا أن عنده علم ذلك (قالُوا) يا موسى : (ادْعُ لَنا رَبَّكَ) أى سل لنا ربك (يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ) إن ربكم يقول : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ) يعنى ليست بكبيرة ولا بكر أى شاب (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) يعنى بالعوان بين الكبيرة والشابة (فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) ـ ٦٨ ـ فانطلقوا ثم رجعوا إلى موسى (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ) أى سل ربك : (يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها) يعنى صافية اللون نقية (تَسُرُّ) يعنى تعجب (النَّاظِرِينَ) ـ ٦٩ ـ يعنى من رآها فشددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : إنما أمروا بقرة ولو عمدوا إلى أدنى بقرة لأجزأت (٢) عنهم ، والذي نفس محمد بيده لو لم يستثنوا ما بينت لهم آخر الأبد فانطلقوا ثم رجعوا (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) تشكل (٣) (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) ـ ٧٠ ـ لو لم يستثنوا لم يهتدوا لها أبدا فعند ذلك هموا أن يفعلوا ما أمروا. ولو أنهم عمدوا إلى الصفة الأولى فذبحوها لأجزأت عنهم.

(قالَ إِنَّهُ يَقُولُ) أى قال موسى إن الله يقول [١٤ أ] : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ) يقول ليست (٤) بالذلول التي يعمل عليها فى الحرث (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ)

__________________

(١) فى ل : هذا القاتل.

(٢) هكذا فى ل ، وفى أ : لأجرت.

(٣) بعضه يشبه الآخر وفى ل : تشتكل.

(٤) هكذا فى ل وفى أ : ليس.

١١٤

يقول ليست بالذلول التي يسقى عليها بالسواقى الماء للحرث (مُسَلَّمَةٌ) يعنى صحيحة (لا شِيَةَ فِيها) يقول لا وضح (١) فيها يقول ليس فيها سواد ولا بياض ولا حمرة (قالُوا) : (الْآنَ) يا موسى (جِئْتَ بِالْحَقِ) يقول الآن بينت لنا الحق ، فانطلقوا حتى وجدوها عند امرأة اسمها نور يا بنت (٢) رام فاستاموا بها. فقالوا لموسى : إنها لا تباع إلا بملء مسكها ذهبا. قال موسى : لا تظلموا (٣) انطلقوا اشتروها بما عز وهان ، فاشتروها بملء مسكها ذهبا. (فَذَبَحُوها) فقالوا لموسى : قد ذبحناها. قال : خذوا منها عضوا فاضربوا به القتيل ، فضربوا القتيل ، بفخذ البقرة اليمنى فقام القتيل وأوداجه تشخب دما فقال : قتلني فلان وفلان. يعنى ابني عمه. ثم وقع ميتا. فأخذا فقتلا ، فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) ـ ٧١ ـ (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها) فاختلفتم فى قتلها فقال أهل هذه القرية الأخرى : أنتم قتلتموه. وقال الآخرون : أنتم قتلتموه فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) ـ ٧٢ ـ يعنى كتمان قتل المقتول (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ) يقول هكذا (يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ) فكان ذلك من آياته وعجائبه (لَعَلَّكُمْ) يقول لكي (تَعْقِلُونَ) ـ ٧٣ ـ فتعتبروا فى البعث وإنما فعل الله ذلك بهم لأنه كان فى بنى إسرائيل من يشك فى البعث فأراد الله ـ عزوجل ـ أن يعلمهم أنه قادر على أن يبعث الموتى. وذلك قوله ـ سبحانه ـ : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) فتعتبروا فى البعث.

فقالوا : نحن لم نقتله ، ولكن كذب علينا ، فلما كذبوا المقتول ضرب الله لهم مثلا وذلك قوله ـ سبحانه ـ : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) فى الشدة فلم تطمئن يعنى تلين

__________________

(١) وضح : ساقطة من أوفى البيضاوي (لا شِيَةَ فِيها) لا لون فيها يخالف لون جلدها. وهي فى الأصل مصدر وشاه وشيا وشية إذا خلط بلونه لونا آخر.

(٢) هكذا فى ل ، وفى أ : ابنت.

(٣) هكذا فى أ ، ل : بدون ذكر المفعول فيهما.

١١٥

حتى كذبتم المقتول. ثم قال : (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) يعنى من بعد حياة المقتول (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ) فشبه قلوبهم حين لم تلن بالحجارة فى الشدة ثم عذر الحجارة وعاب قلوبهم ، فقال فهي كالحجارة فى القسوة : (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) ثم قال : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ) ما هي ألين من قلوبهم فمنها (لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما) يعنى ما (يَشَّقَّقُ) يعنى يتصدع (فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ) يقول من بعض الحجارة الذي يهبط من أعلاه فهؤلاء جميعا (مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) يفعلون ذلك وبنو إسرائيل لا يخشون الله ولا ترق قلوبهم كفعل الحجارة ولا يقبلون إلى طاعة ربهم ثم وعدهم فقال ـ عزوجل ـ : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ـ ٧٤ ـ من المعاصي.

(أَفَتَطْمَعُونَ) أى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وحده.

(أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) أن يصدقوا قولك يا محمد يعنى يهود المدينة (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) على عهد موسى [١٥ ب] (١) ـ عليه‌السلام ـ (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ) وذلك أن السبعين الذين اختارهم موسى حين قالوا أرنا الله جهرة فعاقبهم الله ـ عزوجل ـ وأماتهم عقوبة ، وبقي (٢) موسى وحده ، يبكى فلما أحياهم الله ـ سبحانه ـ قالوا : قد علمنا الآن أنك لم تر ربك ولكن سمعت صوته فأسمعنا صوته. قال موسى : أما هذا فعسى. قال موسى : يا رب إن عبادك هؤلاء بنى إسرائيل يحبون أن يسمعوا كلامك. فقال : من أحب منهم أن يسمع كلامي فليعتزل النساء ثلاثة أيام ، وليغتسل يوم الثالث وليلبس ثيابا جددا (٣) ، ثم ليأتى الجبل فأسمعه كلامي. ففعلوا ذلك ثم انطلقوا مع موسى إلى الجبل ، فقال لهم موسى : إذا رأيتم السحابة

__________________

(١) ورقة (١٤ ب) ، (١٥ أ) ليس فيهما شيء والكلام متصل بين (١٤ أ) و (١٥ أ)

(٢) هكذا فى ل ، وفى أ : بقي.

(٣) هكذا فى ل ، وفى أ : ثياب جدد.

١١٦

قد غشيت ، ورأيتم فيها نورا وسمعتم فيها صوتا ، فاسجدوا لربكم وانظروا ما يأمركم به ، فافعلوا ، قالوا : نعم ، فصعد موسى ـ عليه‌السلام ـ الجبل فجاءت الغمامة فحالت بينهم وبين موسى ورأوا النور وسمعوا صوتا كصوت الصور (١) ، وهو البوق (٢) ، فسجدوا وسمعوه وهو يقول : إنى أنا ربكم لا إله إلا أنا الحي القيوم ، وأنا الذي أخرجتكم من أرض مصر بيد رقيقة (٣) وذراع شديد فلا تعبدوا إلها غيرى ، ولا تشركوا بى شيئا ولا تجعلوا لي شبها فإنكم لن تروني ، ولكن تسمعون كلامي. فلما أن سمعوا الكلام ذهبت أرواحهم من هول ما سمعوا ثم أفاقوا وهم سجود. فقالوا لموسى ـ عليه‌السلام ـ : إنا (٤) لا نطيق أن (٥) نسمع كلام ربنا ، فكن بيننا وبين ربنا ، فليقل لك وقل أنت لنا. قال موسى : يا رب إن بنى إسرائيل لم يطيقوا أن يسمعوا كلامك فقل لي ، وأقل لهم. قال الله ـ عزوجل ـ : نعم ما رأوا.

فجعل الله ـ عزوجل ـ يأمر موسى ثم يخبرهم موسى ويقولون سمعنا ربنا وأطعنا فلما فرغ من أمره ونهيه ارتفعت السحابة وذهب الصوت فرفع القوم رءوسهم ورجعوا إلى قومهم. قيل لهم : ماذا أمركم به ربكم ونهاكم عنه؟ فقال بعضهم : أمرنا بكذا وكذا ، ونهانا عن كذا وكذا. وقال آخرون : واتبع فى آخر قوله إن لم تستطيعوا ترك ما نهاكم عنه فافعلوا ما تستطيعون. فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) يعنى طائفة من بنى إسرائيل (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) وفهموه (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ـ ٧٥ ـ أنهم حرفوا الكلام (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا) يعنى صدقنا بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بأنه نبى وذلك أن الرجل

__________________

(١) هكذا فى ل ، وفى أ : الشبور.

(٢) فى ل : البرق.

(٣) فى ل : رفيقة ، وفى أ : رفيعة.

(٤) فى أ : وإنا.

(٥) أن : ساقطة من أ ، وموجودة فى ل.

١١٧

المسلم كان يلقى من اليهود حليفه أو أخاه من الرضاعة [١٦ أ] فيسأله أتجدون محمدا فى كتابكم فيقولون نعم إن نبوة صاحبكم حق وإنا نعرفه فسمع كعب بن الأشرف ، وكعب بن أسيد ، ومالك بن الضيف ، وجدي بن أخطب ، فقالوا لليهود فى السر : أتحدثون أصحاب محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بما فتح الله لكم يعنى بما بين لكم فى التوراة من أمر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فذلك قوله ـ تعالى ـ : [(وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ) (١)](لِيُحَاجُّوكُمْ) يعنى ليخاصموكم (بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) باعترافكم أن محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ نبى ثم لا تتابعوه (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ـ ٧٦ ـ يعنى أفلا ترون أنّ هذه حجة لهم عليكم فقال الله ـ عزوجل ـ : (أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) فى الخلا (وَما يُعْلِنُونَ) ـ ٧٧ ـ فى الملا فيقول بعضهم لبعض : أتحدثونهم بأمر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أو لا يعلمون حين قالوا : إنا نجد محمدا فى كتابنا وإنا لنعرفه (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ) يقول من اليهود من لا يقرأ التوراة إلا أن يحدثهم عنها رءوس اليهود (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) ـ ٧٨ ـ فى غير يقين ما يستيقنون به فإن كذبوا رءوس اليهود أو صدقوا تابعوهم باعترافهم فليس لهم بالتوراة علم إلا ما حدثوا عنها. (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) سوى نعت محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وذلك أن رءوس اليهود بالمدينة محوا نعت محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من التوراة وكتبوا سوى نعته وقالوا لليهود سوى نعت محمد (ثُمَّ يَقُولُونَ هذا) النعت (مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) يعنى عرضا يسيرا مما يعطيهم سفلة اليهود كل سنة من زروعهم وثمارهم يقول (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ) يعنى فى التوراة من تغيير نعت محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا

__________________

(١) ما بين القوسين [ـ .. ـ] ليس فى أ.

١١٨

يَكْسِبُونَ) ـ ٧٩ ـ من تلك المآكل على التكذيب بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولو تابعوا محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إذا لحبست عنهم تلك المآكل (وَقالُوا) يعنى اليهود (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) لأنا أبناء الله وأحباؤه يعنى ولد أنبياء الله : إلا أربعين يوما التي عبد آباؤنا فيها العجل (١). (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً) فعلتم بما عهد إليكم فى التوراة فإن كنتم فعلتم (فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ) يعنى بل تقولون (عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) ـ ٨٠ ـ فإنّه ليس بمعذبكم إلا تلك الأيام فإذا مضت تلك الأيام مقدار كل يوم ألف سنة قالت الخزنة يا أعداء الله ذهب الأجل وبقي الأبد وأيقنوا بالخلود فلما قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة أكذبهم الله ـ عزوجل ـ فقال : (بَلى) يخلد فيها (مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) يعنى الشرك (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) [١٦ ب] حتى مات على الشرك (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ـ ٨١ ـ يعنى لا يموتون ثم بين مستقر المؤمنين فقال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ـ ٨٢ ـ لا يموتون (وَإِذْ) يعنى ولقد (أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) يعنى برا بهما (وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى) يعنى ذوى القرابة صلته (وَالْمَساكِينِ) واليتيم أن تصدق عليه وابن السبيل يعنى الضيف أن تحسن إليه. (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) يعنى حقا نظيرها فى طه قوله ـ عزوجل ـ (أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) (٢) يعنى حقا.

وقوله : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) يعنى (لِلنَّاسِ) أجمعين صدقا فى محمد وعن الإيمان.

__________________

(١) فى أ ، ل زيادة : يعنون آباءهم لقول الله ـ عزوجل ـ.

(٢) سورة طه : ٨٦.

١١٩

(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) يعنى أتموا الصلاة لمواقيتها (وَآتُوا) (١) وأعطوا (الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) يعنى أعرضتم عن الإيمان فلم تقروا ببعث محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) ـ (إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) ـ ٨٣ ـ يعنى ابن سلام ، وسلام بن قيس ، وثعلبة بن سلام ، وقيس بن أخت عبد الله بن سلام ، وأسيد ، وأسد ابني كعب ويامين ، وابن يامين ، وهم مؤمنو أهل التوراة (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) فى التوراة يعنى ولقد أخذنا ميثاقكم فى التوراة (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) يقول لا يقتل بعضكم بعضا (وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ) يعنى لا يخرج بعضكم بعضا (مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) بهذا (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) ـ ٨٤ ـ أن هذا فى التوراة (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ) معشر اليهود بالمدينة (تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) يعنى يقتل بعضكم بعضا (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً) يعنى طائفة (مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ) يعنى تعاونون (عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ) يعنى بالمعصية (وَالْعُدْوانِ) يعنى بالظلم ومكتوب عليهم فى التوراة أن يفدوا أسراهم فيشتروهم إذا أسرهم (٣) أهل الروم فى القتال إن كان عبدا أو أمة يقول الله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ) يقول تصدقون ببعض ما فى التوراة لمن يقتل ، والإخراج من الديار ، فهو محرم عليكم إخراجهم (وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ) يعنى الهوان (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فكان خزي أهل قريظة القتل والسبي (٤) وخزي أهل النضير الجلاء والنفي من منازلهم وجناتهم التي بالمدينة إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام فكان هذا خزيا لهم (٥) وهوانا لهم (٦) (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ)

__________________

(١) ساقطة من أ.

(٢) فى أزيادة : كقوله وقولوا للناس أجمعين صدقا فى محمد وعن الإيمان.

(٣) فى أ : أسروهم.

(٤) فى أ : والسبا.

(٥) فى أ : خزيهم.

(٦) فى أ : وهوان لهم.

١٢٠