هداية المسترشدين في شرح أصول معالم الدين - ج ٣

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

هداية المسترشدين في شرح أصول معالم الدين - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-470-069-4

الصفحات: ٧٣٢

حجّة القول بوجوب تجديد النظر مطلقا ، أنّه يحتمل حينئذ تغيّر اجتهاده بعد تجديد نظره ، كما يتّفق في كثير من المسائل الظنّية ، ومع الاحتمال المذكور لابقاء للظنّ ، فلابدّ ثانيا من استكشاف الحال لدفع هذا الاحتمال.

ويدفعه أوّلا : النقض بقيام الاحتمال المذكور قبل إفتائه في الواقعة الاولى أيضا ، فلو صحّ ما ذكر لزم تكرّر النظر بالنسبة إليها أيضا ، وهو باطل اتّفاقا كما نصّ عليه العضدي ، وهو الظاهر من ملاحظة كلماتهم.

وثانيا : بالمنع من كون قيام الاحتمال المذكور مانعا من حصول الظنّ ، وهو ظاهر جدّا.

قلت : ويمكن الاحتجاج للقول المذكور بالإطلاقات المانعة عن العمل بالظنّ حسب ما عرفت بيانه ، وحينئذ يتوقّف دفعه على إثبات الجواز بالدليل ، فالقاعدة إذن قاضية بوجوب تجديد النظر إلى أن يثبت خلافه.

حجّة القول الثالث : العمومات الدالّة على المنع من الأخذ بالظنّ خرج عنه صورة تذكّر الدليل لما دلّ على حجّية ذلك الدليل ووجوب الأخذ بمقتضاه ، فيبقى الباقي تحت دليل المنع. وأيضا من لم يذكر دليل المسألة لم يكن حكمه فيها مستندا إلى الدليل فيكون محظورا ، لوضوح حرمة الحكم من غير دليل.

ويرد على الأوّل : أنّه إن سلّم قيام الدليل على حجّية الأدلّة الّتي استند إليها في الحكم للواقعة الاولى بالنسبة إلى سائر الوقائع أيضا كان ذلك الاجتهاد كافيا في الحكم للجميع من غير حاجة إلى تجديد الاجتهاد ، ولا فرق حينئذ بين نسيان الدليل وتذكّره ، إذ المفروض نسيان خصوصيّة الدليل. وأمّا كون الحكم مستندا إلى الحجّة الشرعيّة فالمفروض علمه به ، هو كاف في جواز الأخذ به.

وإن قلنا بأنّ القدر الثابت حجّية تلك الأدلّة نظرا إلى تلك الملاحظة بالنسبة إلى حكم الواقعة الاولى دون غيرها ، فلا فرق أيضا في عدم جواز الاستناد إليه بين تذكّر الدليل على سبيل التفصيل وعدمه.

وعلى الثاني : أنّه إنّما يتمّ إذا لم يذكر استناد الحكم إلى الدليل بأن احتمل عدم

٧٠١

استناده إلى الدليل رأسا ، وأمّا إذا علم استناده إلى الدليل إجمالا لكن لم يذكر تفصيل الدليل على ما هو المفروض في المقام فليس الحكم به حكما بغير دليل ، لوضوح كونه حينئذ حاصلا عن الدليل مستندا إليه وإن لم يذكر حين الحكم تفصيله ، كيف ولو كان ذلك مانعا عن الحكم لكان نسيان تفصيل الدليل قبل حكمه في الواقعة الاولى مانعا عن الاعتماد عليه بالنسبة إليها أيضا ، ولا قائل به ظاهرا.

حجّة القول الرابع : أنّ مزيد القوّة بكثرة الاطّلاع والممارسة والاقتدار على استنباط وجوه الدلالة قاض بقوّة احتمال اطّلاعه على ما لم يطّلع عليه في المرّة الاولى ، فلا يبقى له ظنّ بصحّة ما حكم به أوّلا. ويمكن أن يستدلّ له أيضا بأنّ ظنّ صاحب القوّة القويّة أقرب إلى إصابة الواقع من غيره. ولذا قدّم تقليد الأفضل على تقليد المفضول ، فيكون ظنّه الحاصل من الاجتهاد الثاني هو المتّبع بالنسبة إليه دون ظنّه الأوّل ، فلابدّ لتحصيله من تجديد الاجتهاد له.

ويرد على الأوّل : أنّ مجرّد مزيد القوّة لا يقضي بذلك ، كيف! ومن البيّن عدم اختلاف الحال في الحكم في كثير من المسائل بين زيادة القوّة ونقصها ، بل ربما يقطع المجتهد مع زيادة القوّة بعدم اختلاف فهمه للحكم سيّما إذا تذكّر تفصيل الأدلّة ، فلا حاجة إلى المراجعة الجديدة.

ومنه يظهر الجواب عن الوجه الثاني لاختلاف المسائل في ذلك ، فلا يتمّ إطلاق القول بوجوب تجديد النظر مع زيادة القوّة.

والّذي يقتضيه التحقيق في المقام أن يقال : إنّ الإفتاء الثاني إمّا أن يكون عقيب الأوّل من غير تراخ عنه أو مع التراخي ، مع استحضاره لدليل المسألة واستقصائه فيه ـ بحيث يعلم عدم تغيير رأيه مع تجديد النظر كما يتّفق في كثير من المسائل ـ أو عدمه بأن يكون ناسيا للدليل أو يحتمل تجدّد رأيه بتجدّد النظر. فإن كان الإفتاء الثاني عقيب الأوّل الحاصل عقيب الاجتهاد في المسألة فالظاهر أنّه لا مجال للتأمّل في عدم توقّفه على النظر الجديد ، إذ المفروض وقوع الإفتاء المذكور عقيب النظر والاجتهاد وإن سبقه الإفتاء الأوّل ، إذ لا يعقل مانع من

٧٠٢

تعاقب فتاوى عديدة لاجتهاد واحد. وكذا لو كان مستحضرا للدليل على سبيل التفصيل قاطعا بعدم انقلاب رأيه بالنظر الجديد ، وكأنّه ممّا لا ينبغي الخلاف فيه. ولا يبعد جريان ذلك فيما إذا قطع بعدم انقلاب رأيه بتجديد الاجتهاد ولو لم يكن مستحضرا للدليل. وإن عثر على معارض للدليل الّذي اعتمد عليه ، أو عنّ له بعض الوجوه الدافعة لاستدلاله ونحو ذلك ، فالظاهر أنّه لا تأمّل في وجوب تجديد النظر وملاحظة الراجح ، سيّما إذا تراخى إفتاؤه عن الاجتهاد ولو بالنظر إلى الواقعة الاولى ، لوجوب بذل الوسع على المجتهد. وعدم عثوره أوّلا على المعارض إنّما يصحّح حكمه في تلك الحال دون الحالة الثانية ، فلا يصحّ له الحكم قبل إمعان النظر فيه ثانيا. وقد نبّه عليه بعض الأفاضل وكأنّه ممّا لا خلاف فيه أيضا.

وإن تراخى إفتاؤه عن النظر الأوّل من غير أن يعرض له ما يعارض دليله على المسألة واحتمل عدوله عن الحكم بعد تجديد النظر ففي وجوبه حينئذ للواقعة الثانية الوجوه المذكورة، أجودها : القول بعدم الوجوب ، ويدلّ عليه ـ بعد الاستصحاب بالتقريب المذكور المعتضد بالشهرة ـ كما نصّ عليه بعضهم أنّه لا كلام ظاهرا في جواز جريان المقلّد على تقليد المجتهد ما لم يعلم رجوعه عن الحكم ، وهو لا يتمّ إلّا مع حجّية ظنّه بالنسبة إلى الوقائع المتأخّرة من غير اختصاص لها بالواقعة الاولى والأزمنة المقاربة لزمان اجتهاده ، إذ لو كان طول المدّة باعثا على عدم اعتماد المجتهد على ظنّه الأوّل ولزمه تجديد النظر والاجتهاد ثانيا للواقعة المتأخّرة كان عدم اعتماد المقلّد على فتواه أولى ، لظهور كون رجوعه إلى ظنّ المجتهد فرع حجّية قول المجتهد. فلو لم يجز له البناء على ظنّه السابق ولم يكن ذلك الظنّ حجّة في شأنه فوجب عليه تجديد النظر لم يجز لمقلّده البناء على فتواه السابق ، ووجب عليه الرجوع ثانيا لاستعلام ما يؤدّى إليه نظره الثاني ، ولم نقف إلى الآن على من أوجب عليه ذلك وقال بعدم مضي الاجتهاد الأوّل في شأنه بعد طول المدّة بالنسبة إلى الوقائع المتأخّرة : بل ظاهر

٧٠٣

كلامهم الإطباق على جواز الجري على ذلك إلى أن يعلم رجوع المجتهد عنه.

نعم فرّق بعض العامّة في المقام فرجّح وجوب تجديد السؤال عند تجدّد الواقعة إذا علم استناد المجيب إلى الرأي والقياس أو شكّ فيه وكان المقلّد حيّا وقطع بعدم الوجوب في غيره ، وهو وجه ضعيف مبنيّ على اصولهم. وأيضا الظاهر إطباقهم على جواز حكاية المقلّد فتاوى المجتهد لسائر المقلّدين وجواز أخذهم بذلك مع وثاقة الواسطة ولو بعد طول المدّة ، ولا يتمّ ذلك إلّا مع حجّية ظنّه بالنسبة إلى الوقائع المتأخّرة ، ويؤيّده ما مرّ من لزوم العسر والحرج. والقول بالفرق بين نسيانه دليل المسألة وتذكّره لها ، ممّا لا يظهر له وجه يعتمد عليه كما عرفت. وكذا القول في التفصيل الآخر.

نعم لو كان الأمر بحيث يرتفع معه وثوق المجتهد بما أفتى به وأوجب تزلزله في المسألة فلا يبعد القول بوجوب تكرار النظر ليحصل الوثوق والاطمئنان ، والظاهر جريان ذلك بالنسبة إلى فتواه الأوّل أيضا إذا تخلّل فصل بينه وبين زمان الاجتهاد مع خروجه عن محلّ البحث على ما هو ظاهر عناوينهم.

والحاصل : أنّه مع بقاء اطمئنان المجتهد بما ظنّه ووثوقه بكونه مقتضى الأدلّة الشرعيّة، لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب تجديد النظر. وأمّا مع انتفاء وثوقه إمّا لعدم اعتماده على نظره السابق ، أو لاحتمال عثوره على ما لم يعثر عليه أوّلا من المدارك ـ بحيث يضطرب ويتزلزل في كون ما أدركه هو مقتضى الأدلّة ـ فلا يبعد حينئذ وجوب التجديد سيّما إذا لم يبق له ظنّ بالحكم.

فإن قلنا بخروج هذه الصور عن محلّ البحث ـ بناء على النزاع فيما إذا بقى ظنّ المجتهد على الصفة الّتي يطلب حين الاجتهاد بأن يطمئنّ كون ذلك مقتضى الأدلّة ويحسّ من نفسه العجز عن تحصيل غيره لو فرض كونه حكم الله بحسب الواقع ـ كان ذلك اختيارا لما هو المشهور وإلّا كان تفصيلا آخر ، ولا مانع من عدم العثور على من ذهب إليه ، إذ لا إجماع على خلافه.

هذا وربما يتخرّج على هذه المسألة الاجتهاد المتعلّق بالموضوعات فهل

٧٠٤

يجب التكرار هناك بتكرّر الحاجة أو لا؟ كما إذا اجتهد في طلب القبلة لصلاة فحضرت اخرى ، أو طلب الماء للتيمّم مرّة فأحدث ثمّ أراد أن يتيمّم اخرى ، أو زكّي الشاهد عند الحاكم لقبول شهادته في واقعة وشهد في اخرى ، ونحو ذلك فقد يقال بوجوب التكرار هنا بناء على وجوب التكرار في الاجتهاد المتعلّق بالأحكام ، وعدمه بناء على عدم وجوبه هناك، والأظهر انتفاء الملازمة بين الأمرين ، والمتّبع هو ما يقتضيه الدليل في خصوص كلّ من تلك المقامات.

ـ المسألة الثالثة ـ

إذا حكم المفتي بشيء ثمّ عدل عنه وجب عليه الأخذ بمقتضى اجتهاده الثاني سواء كان قاطعا أوّلا بالحكم ثمّ ظنّ خلافه أو بالعكس ، أو كان الحكمان ظنّيين مختلفين في القوّة أو متّفقين ، وسواء كان أقوى نظرا وأوسع باعا حال اجتهاده الأوّل أو بالعكس ، أو تساوى حاله في الحالين. وكذا الحال بالنسبة إلى من قلّده فيه فإنّه يجب عليه العدول عن فتواه الأوّل مطلقا بلا خلاف ظاهر في شيء من المقامين ، بل قد حكي الإجماع على الأمرين.

ففي شرح المبادئ : إذا اجتهد في مسألة فأدّاه اجتهاده إلى حكم ثمّ اجتهد في تلك المسألة فأدّاه اجتهاده إلى غير ذلك الحكم فإنّه يجب عليه الرجوع إلى ما أدّاه اجتهاده ثانيا إليه إجماعا ، ويجب على المستفتي العمل بما أدّاه اجتهاده إليه ثانيا والرجوع عن الأوّل إجماعا. انتهى.

وظاهره دعوى الإجماع على تعيّن أخذ المقلّد بفتواه الثاني ، وهو غير ظاهر ، إذ بعد رجوعه عن تقليده في حكمه الأوّل لا دليل على تعيّن أخذه بالحكم الثاني ، لجواز رجوعه حينئذ إلى مجتهد آخر ، كما هو قضيّة الأصل. وقد ينزّل العبارة على تعيّن أخذه بالفتوى الثاني إن أراد الرجوع إليه والفرض بيان عدم جواز أخذه بفتواه الأوّل ، أو بحمل الوجوب على التخييري. وكيف كان فالمتعيّن رجوع المقلّد عن حكمه الأوّل ، ويتخيّر حينئذ بين الأخذ بفتواه الثاني أو الرجوع إلى غيره على ما كان تكليفه في ذلك قبل تقليده فيه.

٧٠٥

ويظهر من الفقيه الاستاد قدس‌سره احتمال الفرق بين ما إذا كان عدول المجتهد عن فتواه الأوّل على سبيل القطع أو الظنّ ، فقد قطع في الأوّل بعدول المقلّد عن الأوّل وأخذه بالثاني، وجعل ذلك في الثاني هو الأقوى.

قال قدس‌سره : وإن علم عدوله عن حكم مخصوص بطريق علمي عدل ممّا كان عليه أوّلا إلى ما صار إليه أخيرا وإن كان ظنّيا كان الأقوى ذلك أيضا وإن لم نوجب هنا قضاء ما عمل أوّلا ولا إعادته ، وكان الوجه فيه أنّ كلا من فتواه الأوّل والأخير ظنّي فلا وجه لترجيح الثاني. وفيه : أنّه بعد عدوله عنه يكون حاكما بفساد ظنّه الأوّل ، فقضيّة الرجوع إليه ترك الأخذ بحكمه الأوّل ، مضافا إلى الاتّفاق عليه ظاهرا. وقد عرفت إطلاق ما حكي من الإجماع ، فالوجه المقابل للأقوى ضعيف جدّا. وهل يجب على المفتي إعلام من قلّده برجوعه؟ وجهان ، بل قولان ، فظاهر العلّامة في غير واحد من كتبه وجوب ذلك ، وظاهر المحقّق عدمه حيث جعل التعريف أولى ، وهو الظاهر من السيّد العميدي حيث جعله أليق.

واحتجّ للأوّل : بأنّ المقلّد إنّما عمل في المسألة بقول المفتي والمفروض رجوعه عنه ، فلو استمرّ لبقي عاملا بالحكم من غير دليل ولا فتوى مفت. وأنّه روي عن ابن مسعود : أنّه كان يقول باشتراط الدخول في تحريم الزوجة ، فلقي أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذاكرهم فكرهوا ، فرجع ابن مسعود إلى من أفتاه بذلك قال : سألت أصحابي فكرهوا.

وأنت خبير : بأنّ ما حكي عن ابن مسعود على فرض صحّته ودلالته على رجوعه وعلى كون الإعلام على سبيل الوجوب لا حجّة فيه. وأمّا ما ذكر من لزوم كونه عاملا بالحكم من غير دليل ولا فتوى مفت فمدفوع ، بأنّ المفروض كونه آخذا بالحكم عن فتوى المفتي بانيا على استمراره من جهة الاستصحاب المقطوع حجّيته في مثل المقام ، فلا يكون أخذه بالحكم خاليا عن المستند ، ولذا يحكم بصحّة أعماله.

حجّة القول الثاني : الأصل السالم عن المعارض ، لبطلان حجّة القائل

٧٠٦

بالوجوب ، ولزوم الضيق والحرج الشديد بناء على وجوب الإعلام سيّما مع تشتّت المقلّدين في البلدان ، وظاهر السيرة المستمرّة الجارية بين العلماء الأعلام لشيوع تجدّد الآراء مع عدم تعرّضهم للإعلام ، مضافا إلى ما في ذلك من سقوط اعتماد العامّة على اجتهاد المجتهدين وتنفّر طباعهم عمّا يفتون به من أحكام الدين.

أقول وتوضيح الكلام في المرام مع خروج من خصوص المقام أن يقال : إنّ الرجوع عن الحكم إمّا أن يكون في الأحكام أو في الموضوعات ، وعلى كلّ حال فإمّا أن يكون من المجتهد أو من المقلّد ـ كما إذا حكى العدل فتوى المجتهد ثمّ تبيّن له فساد حكايته ، أو شهد في خصوص واقعة ثمّ تبيّن له خلافه ـ ثمّ الرجوع إمّا أن يكون بقطعه بخلاف ما حكم به أو بظنّه ذلك أو بتردّده فيه ، ثمّ إنّ ذلك إمّا أن يكون في المسائل القطعيّة الّتي لا تكون مورد الاجتهاد أو غيرها من المسائل الاجتهاديّة ، وعلى كلّ حال فإمّا أن يعلم بأخذ الغير بقوله وجريه عليه بعد ذلك أو يعلم بعدمه أو لا يعلم شيئا منهما.

فنقول : إنّ الّذي يقتضيه الأصل في جميع ذلك في صورة علمه بعمل الغير به هو وجوب الإعلام مع الإمكان ، نظرا إلى أنّ إيقاع المكلّف إلى ما يخالف الواقع علما أو ظنّا إنّما كان من جهته فلابدّ من تنبيهه وإرجاعه عن ذلك. وجواز عمله به قبل علمه بالحال لا يقضي بجواز إبقائه على حاله ، إذ المفروض كون جواز الجري عليه من جهة جهله بالحال وكونه معذورا من جهته لا لكونه هو المكلّف به بحسب الواقع.

ألا ترى أنّه لا مجال لإنكار وجوب الإعلام في كثير من صور المسألة ، كما إذا شهد الشاهد عند الحاكم ثمّ تفطّن أنّ الأمر على خلاف ما شهد به ، وكذا الحال فيما إذا علم باشتباهه في حكاية قول المجتهد. وكذا لو علم المجتهد بفساد حكمه الأوّل سيّما فيما يتعلّق بأموال الناس. ولو تمّ ما ذكر لم يجب الإعلام في شيء من الصور المذكورة مع وضوح خلافه.

٧٠٧

نعم لو قلنا بأنّ كلّا من حكمي المجتهد حكم ظاهري تكليفي يجوز الجري عليه في حكم الشرع إلّا أن يعلم عدوله عنه ـ فلا يكون العدول باعثا على رجوع المقلّد عن الأوّل في حكم الشرع إلّا بعد بلوغه إليه فيكون عدوله حينئذ كعدمه بالنسبة إليه ـ أمكن القول بعدم وجوب الإعلام إلّا أنّ الظاهر خلافه ، إذ المكلّف به بحسب الواقع أمر واحد والطريق إليه في ظاهر الشرع هو ما ظنّه المجتهد ، والمفروض صيرورة ظنّه الأوّل وهما خارجا عن كونه مظنونا ، فوجب على المجتهد ومن يقلّده الأخذ بالثاني. وجواز أخذ المقلّد بالأوّل قبل علمه به إنّما هو لحكمه ببقاء الظنّ ومعذوريّته في جهالته بذلك على نحو نظائره عن موارد الجهل حسب ما أشرنا إليه ، فوجوب عمله بذلك فعلا لكونه هو المظنون عند المجتهد فعلا لا يجعل الأخذ به حكما شرعيّا من حيث تعلّق ظنّ المجتهد به في الزمان السابق وجهله بعدوله عنه ، وبون بيّن بين الاعتبارين ، وعدم وجوب الإعلام إنّما يتفرّع على الثاني فلا تغفل.

هذا ، وإن علم عدم الأخذ به فالظاهر عدم وجوب الإعلام مطلقا لانتفاء الباعث عليه ، ومجرّد اعتقاده بما يخالف الواقع لا يقضي بوجوب الإعلام. وأمّا مع جهله بالحال ففي وجوب الإعلام وجهان : من الأصل ، ومراعاة الاحتياط ، لاحتمال أخذه به ، فلابدّ من إعلامه لئلّا يقع في الخطأ من جهته. إذا عرفت ذلك تبيّن لك ما يرد على الأدلّة المذكورة للقول بعدم وجوب الإعلام ، أمّا الأصل فبما عرفت. وأمّا لزوم الضيق والحرج فإنّما يتمّ لو قلنا بوجوب ذلك ولو مع جهله بعمله به ، وأمّا إذا قلنا باختصاصه بما إذا علم بذلك فلا ، لتوقّفه على العلم بحاجة المقلّد إلى تلك المسألة وبنائه في العمل على مجرّد الفتوى دون الرجوع إلى الاحتياط ، والعلم بذلك ليس أغلبيّا حتّى يلزم العسر والحرج. ومنه يظهر ما في دعوى السيرة ، إذ قيامها في صورة العلم بالأمرين غير واضح ، فأقصى ما يلزم من ملاحظة السيرة عدم وجوب الإعلام مطلقا ، لا عدم وجوبه مع علمه بعمل المقلّد بفتواه السابق. فغاية ما يسلّم من لزوم الحرج ودعوى السيرة هو عدم وجوب الإعلام مع الشكّ في عمل المقلّد بفتواه، وهو لا يستلزم المدّعى.

٧٠٨

فظهر بما قرّرنا أنّ الحكم بعدم وجوب الإعلام مطلقا كما يظهر من بعض الأفاضل ليس على ما ينبغي ، بل الظاهر فيما إذا قطع (١) ببطلان فتواه السابق وعلم عمل المقلّد به سيّما إذا كان المسألة قطعيّة. وأمّا إذا ظنّ بخلافه أو تردّد في المسألة مع قضاء أصل الفقاهة عنده بخلاف ما أفتى به أوّلا فالحكم بعدم وجوب الإعلام مع العلم بعمل المقلّد به لو لا إعلامه بالحال لا يخلو عن الإشكال ، سيّما بالنسبة إلى مسائل المعاملات مع تصريح جماعة هناك بعدم مضيّ ما وقع بفتوى المجتهد حال ظنّه بالحكم بعد رجوعه عنه إذا لم يضمّ إليه حكم الحاكم كما سيجيء الإشارة إليه إن شاء الله.

ولو سلّم قيام السيرة في المقام أو لزوم الضيق والحرج التامّ فإنّما هو في هذه الصورة دون غيرها ، فلابدّ من الاقتصار عليها في الخروج عن مقتضى القاعدة المذكورة فتأمّل.

بقي الكلام في المقام في الأعمال الواقعة على مقتضى فتواه الأوّل قبل رجوعه عنه ، فهل يحكم بمضيّها بعد العدول عنه أو لا؟ وتفصيل القول في ذلك أنّ الأخذ بالفتوى الأوّل إمّا أن يكون في العبادات والطاعات أو في العقود والإيقاعات أو في الأحكام ، وعلى كلّ حال فإمّا أن يقطع المفتي بفساد فتواه السابق أو يظنّه أو يتردّد فيه ، وعلى كلّ حال فإمّا أن يكون المسألة قطعيّة أو اجتهاديّة ، ثمّ إنّه إمّا أن يراد معرفة حال العمل الواقع عن المفتي أو الأعمال الواقعة عن مقلّديه.

فنقول : إن كانت المسألة قطعيّة وقد قطع المفتي بذلك ، فالظاهر حينئذ فساد ما أتى به من الأفعال الواقعة على مقتضى فتواه الأوّل ، لعلمه بوقوعه على خلاف ما قرّره الشارع، من غير فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات.

__________________

(١) العبارة غلط والغرض بيان أولويّة هذه الصورة في الحكم بوجوب الإعلام وأنّ الحكم في هذه الصورة مقطوع به ولا يبعد أن يكون في الأصل هكذا ، بل قطعيّ البطلان. هامش المطبوع.

٧٠٩

والحقّ انتفاء الاثم عنه مع عدم تقصيره في استنباط الحكم ، كما مرّت الإشارة إليه. وكذا الحال بالنسبة إلى مقلّده إذا رجع إليه أو إلى غيره ممّن يعتقد كون المسألة قطعيّة ، وأمّا إذا رجع إلى من يعتقد كونها اجتهاديّة فحكم بصحّة ما فعله اجتزى به ، ولا يلزمه الرجوع إلى المفتي الأوّل إلّا أن يكون قد تعيّن عليه تقليده من جهة اخرى ، ووقوع عباداته على مقتضى الأمر لا يقضي بصحّتها ، لكون الأمر ظاهريّا صرفا وهو لا يقضي بالإجزاء بعد انكشاف الخلاف. وإن ظنّ خلاف ما أفتى به أو تردّد فيه مع قضاء اصول الفقاهة عنده بخلاف فتواه السابق جرى حكم العدول في المسائل الاجتهاديّة بالنسبة إليه ، لاندراج المسألة في جملتها بحسب اعتقاده. وكذا الحال فيمن قلّده إن رجع في ذلك إليه أو إلى من يوافقه في ذلك. وإن رجع إلى من يعتقد كون المسألة قطعيّة جرى عليها حكمها المتقدّم من البناء على الفساد ، كما أنّه يحكم بعدم ترتّب الآثار على العقود والإيقاعات المفروضة الواقعة عن المجتهد المفروض ومن قلّده في ذلك ، إذ أقصى ما يترتّب على الاجتهاد حينئذ ارتفاع الاثم ، وأمّا الصحّة الشرعيّة فلا ، كما عرفت.

وإن كانت المسألة اجتهاديّة لكن بلغ اجتهاده الثاني إلى حدّ القطع بفساد الأوّل ، فالّذي نصّ عليه بعضهم هو الحكم بفساد ما أتى به من العبادات الواقعة على النحو المذكور ، فيجب عليه الإعادة والقضاء فيما يثبت فيه القضاء بالفوات ، ويدلّ عليه ما أشرنا إليه في الصورة المتقدّمة وهو الأظهر. وظاهر بعض فضلاء العصر عدم وجوب الإعادة والقضاء في المقام وفي المسألة المتقدّمة أيضا ـ نظرا إلى قضاء الأمر بالإجزاء وعدم تكليفه بغير ما أدّى إليه الاجتهاد ، إذ المفروض بذل وسعهم في فهم المسألة ـ وهو ضعيف ، لما عرفت من كون تكليفه بما أدّى إليه ظنّه ظاهريّا فلا يراد منه الأخذ بالظنّ إلّا من حيث كونه كاشفا عن الواقع موصلا إليه ، والفعل المفروض مطلوب شرعا من حيث إنّه واقع لا من حيث ذاته ولو مع مخالفته للواقع ، فلمّا كان ذلك قبل انكشاف الخلاف محكوما في الشرع بأنّه الواقع كان مجزيا ، فبعد انكشاف المخالفة لا يمكن الحكم بأداء الواجب ، فيجب عليه

٧١٠

الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه فيما ثبت وجوب قضائه بعد فواته. وسيأتي إن شاء الله توضيح القول في ذلك في مباحث التقليد. هذا بالنسبة إلى العبادات. وأمّا بالنظر إلى غيرها من العقود والإيقاعات والأحكام فلابدّ من حكمه بالنقض إلّا فيما إذا انضمّ إلى الفتوى حكم الحاكم فيجري فيه الكلام الآتي ، والوجه فيه ظاهر بعد القول بالتخطئة وعدم كون فتوى المجتهد باعثا على تغيير الحكم بحسب الواقع ، والظاهر أنّه ممّا لا كلام فيه عندنا. ولا فرق فيه أيضا بين الأعمال الصادرة عن المجتهد أو عن مقلّديه إن رجعوا في ذلك إليه. وأمّا إن رجعوا إلى غيره ممّن لا قطع له بالحكم فحكم بصحّة الأفعال الواقعة منهم جروا عليه.

وإن بلغ اجتهاده الثاني إلى حدّ الظنّ أو تردّد في المسألة وقضى أصل الفقاهة عنده بخلاف ما أفتى به أوّلا فظاهر المذهب عدم وجوب الإعادة والقضاء للعبادات الواقعة منه ومن مقلّديه ، ويدلّ عليه بعد لزوم العسر والحرج في القول بوجوب القضاء أنّ غاية ما يفيده الدليل الدالّ على وجوب الأخذ بالظنّ الأخير هو بالنسبة إلى حال حصوله وأمّا بالنظر إلى ما قبل حصوله فلا دليل على وجوب الأخذ به ، وقد وقع الفعل المفروض على مقتضى حكم الشرع ، وما دلّ عليه الدليل الشرعي فيكون مجزئا ، والظنّ المذكور القاضي بفساده لم يقم دليل على وجوب الأخذ به بالنسبة إلى الفعل المتقدّم. وحينئذ فلا داعي إلى الخروج عن مقتضى الظنّ الأوّل بعد وقوع الفعل حال حصوله وكون إيقاعه على ذلك الوجه مطلوبا للشرع ، ومنه يعلم الحال بالنسبة إلى من قلّده.

نعم لو سئل عن الواقعة المفروضة غير من قلّده وكانت المسألة قطعيّة عند من استفتاه فأفتاه بوجوب الإعادة والقضاء لزمه ذلك.

فإن قلت : إنّه كما قضى الظنّ الأوّل بصحّة الفعل الواقع على مقتضاه فقد قضى الظنّ الثاني باشتغال الذمّة بالفعل المطابق لمقتضاه ، فغاية الأمر حينئذ عدم وجوب القضاء لعدم تحقّق صدق الفوات ، وأمّا الإعادة فلا وجه لسقوطه عنه ، إذ مع بقاء

٧١١

الوقت وقضاء الظنّ الثاني باشتغال الذمّة بأداء الفعل على الوجه الّذي اقتضاه الظنّ المفروض لابدّ من الإتيان به على ذلك الوجه ، فلا يفتقر الحكم بالاشتغال حينئذ إلى تعلّق أمر آخر حتّى يمكن دفعه بالأصل.

قلت : بعد الحكم شرعا بحصول البراءة بأداء الفعل على مقتضى الظنّ الأوّل لا يبقى مجال للحكم بالاشتغال به بناء على الوجه الثاني ، لوضوح أنّه ليس هناك إلّا تكليف واحد ، فإذا كان الوجه الأوّل طريقا إلى تفريغ الذمّة شرعا ولم يقم دليل على فساد ذلك الطريق وعدم جواز الأخذ به صحّ الحكم بالبراءة ، وحينئذ فلا وجه للحكم بالاشتغال من جهة الظنّ الثاني. نعم لو لم يأت بالفعل على الوجه الأوّل تعيّن الإتيان به على نحو ما يقتضيه الظنّ الثاني.

فإن قلت : كما قضى الظنّ الأوّل بحصول البراءة بإتيان الفعل على الوجه الأوّل فقد قضى الظنّ الثاني بعدم حصول البراءة إلّا بإتيانه على الوجه الثاني ، وكما أنّ الأوّل طريق شرعي فكذا الثاني فأيّ وجه للترجيح؟

قلت : لا ريب أنّه بعد تعارض الظنّين المفروضين لا وجه للحكم بترجيح الأوّل بل يتعيّن الأخذ بالثاني ، كما إذا لم يأت به على الوجه الأوّل حسب ما ذكرناه. وأمّا في الصورة المفروضة فلا تعارض بين الظنّين المفروضين ، إذ بعد الحكم بحصول البراءة بالفعل الأوّل لا اشتغال في ظاهر الشرع حتّى تكون قضيّة الثاني توقّف البراءة عنه بإتيانه على الوجه الثاني.

نعم لو قضى الظنّ الثاني بعدم حصول البراءة بما أتى به أوّلا تمّ الكلام المذكور ، إلّا أنّك قد عرفت أنّه لا دليل على حجّية الظنّ الثاني إلّا بالنسبة إلى ما بعد حصوله أمّا بالنظر إلى الفعل الواقع قبل حصوله فلا. وحينئذ فمع عدم حجّية الظنّ المفروض إلّا بذلك الوجه المخصوص لا يبقى مجال للمعارضة بين الظنّين حسب ما قرّرناه. وأمّا العقود والإيقاعات الواقعة على مقتضى الاجتهاد الأوّل فإمّا أن تكون صادرة عن المجتهد المفروض أو عن مقلّديه ، فإن كانت صادرة عن المجتهد فإمّا أن ينضمّ إليها حكم الحاكم أو لا؟ أمّا على الأوّل فقد نصّ جماعة بعدم نقضه ويعلّل ذلك بوجهين :

٧١٢

أحدهما : أنّه قد اعتضد الفتوى حينئذ بالحكم وتقوّى به فلا يجوز نقضه بمجرّد الفتوى الثاني.

وأورد عليه في النهاية ومنية اللبيب : بأنّ حكم الحاكم تابع لحكم الشيء في نفسه لا متبوع له ، إذ حكم الشيء عندنا لا يتغيّر من جهة حكم القاضي وعدمه ، فلا يجعل حكم القاضي ما ليس بحلال حلالا أو بالعكس. وحينئذ فأيّ فائدة في انضمام حكم القاضي وعدمه.

ثانيهما : أنّ جواز نقض الحكم بمجرّد تغيير الاجتهاد مخالف للمصلحة الّتي تنصب القضاة لأجلها فإنّ المقصود ...

إلى هنا جفّ قلمه الشريف أعلى الله مقامه ورفع الله درجته (١).

قد عرفت أنّ الناس في زمان الغيبة صنفان : مجتهد أو مقلّد ، وعرفت الحال في الواسطة بينهما من المحتاطين ، ومرّ تفصيل القول فيهم. وكذا عرفت الحال في غير القادر على الاجتهاد والوصول إلى فتوى المجتهد الحيّ. وأمّا من يكون قادرا عليه أو على سائر المراتب المتأخّرة عنه جاهلا بالحكم غير آخذ به على الوجه المقرّر على ما هو الحال في كثير من عوام المسلمين فقد وقع الخلاف في حاله أنّه هل يعذر لجهالته أو لا؟ والمقصود حينئذ في المقام توضيح الحال فيه ، وتفصيل الكلام في صحّة عمله وفساده ، ولنجر الكلام في مطلق الجاهل.

فنقول : إنّ الجاهل إمّا أن يكون جاهلا بالحكم أو بموضوعه ، وعلى التقديرين فإمّا أن يكون جاهلا صرفا أو متردّدا ، وعلى كلّ حال فإمّا أن يأتي بالفعل على وفق الواقع من جهة الموافقة الاتّفاقيّة أو لرعاية الاحتياط ، أو لا يأتي به على ما هو الواقع ، وما يراعى فيه الاحتياط إمّا أن يكون في الحقيقة موردا للاحتياط أو يكون الاحتياط فيه من جهة جهله بالحال مع وضوح الأمر بعد الرجوع إلى العالم ، وعلى كلّ حال فإمّا أن يلحظ ذلك في العبادات أو في العقود والإيقاعات أو غيرهما من الأفعال.

__________________

(١) من هنا إلى آخر الكتاب لم يرد في المخطوطات.

٧١٣

ثمّ إنّ الملحوظ في المقام إمّا معذورة (١) من جهة ترتّب العصيان واستحقاق العقاب أو من جهة الصحّة أو من جهة ترتّب سائر الآثار.

وأمّا الجاهل بالحكم فالكلام فيه إمّا من جهة ترتّب الإثم والعقوبة (٢). ونقول حينئذ: إنّه إن كان جاهلا صرفا وغافلا محضا فلا إشكال حينئذ في عدم ترتّب إثم عليه ، سواء كان غافلا عن التكليف مطلقا أو عن ذلك التكليف الخاصّ أو كان ملتفتا إليه معتقدا حصوله على وجه خاصّ لا يستريب في أداء التكليف به فجرى على وفق معتقده ، لوضوح توقّف التكليف على العلم ، والغافل عن الشيء لا يتعلّق به تكليف بالفعل أو الترك حين جهله وغفلته ، ولا يجب عليه السؤال عنه ، فإنّ وجوب السؤال موقوف على تصوير الشيء وقيام الاحتمال عند السائل لينبعث النفس إلى السؤال ، وأمّا إن كان غافلا عن الشيء بالمرّة أو كان معتقدا لحكمه على وجه لا يحتمل خلافه من جهة غفلته عن الطريق المقرّر له لم يمكن في شأنه الترديد الباعث على السؤال. هذا إذا كان جهله كذلك بدون تقصير منه في معرفة الحكم كما إذا كان غافلا محضا عن تعلّق التكليف به أو تفحّص عن الأحكام المتعلّقة به على حسب معرفته وغفل عن ذلك.

وأمّا إذا كان مع التقصير في الرجوع واستعلام الأحكام فاتّفق غفلته عن الحكم في المسألة لأجل ذلك ، ففي تحقّق الاثم والعصيان بالنسبة إليه وجهان : من حصول الغفلة الباعثة على سقوط التكليف ، ومن كون الغفلة ناشئة عن تقصيره في الاستعلام ، فلو لم يقصّر في الاستعلام لتفطّن لذلك ولم يتحقّق غفلته عنه وكان الأظهر هو الثاني. وتحقّق السؤال عنه حين الغفلة وإن كان ممتنعا إلّا أنّ امتناعه مستند إلى اختياره ، وإن كان متفطّنا متردّدا في الحكم سواء كان ظانّا على وجه لا يعلم جواز الركون إليه والأخذ به أو شاكّا جرى عليه حكم العصيان مع إمكان الاستعلام والتماهن فيه ، ومع عدم التمكّن منه كان عليه الاحتياط في الظاهر مع الإمكان ثمّ الأخذ بمقتضى الظنّ على ما مرّ تفصيل القول فيه ، فإن أخذ به فلا

__________________

(١) كذا في ظاهر النسخة.

(٢) كذا ، والكلام مقطوع.

٧١٤

إشكال في ارتفاع الإثم عنه. ولو قصر في الاستعلام ثمّ عرض الضيق المانع منه أو غيره ممّا يتعذّر معه ذلك ففيه الوجهان المذكوران. ويحتمل وجه ثالث وهو أنّه إن تاب من ذلك جرى عليه الحكم المتقدّم ، ومع عدم توبته يحكم عليه بالعصيان لاستناده إلى تقصيره ، وهذا الوجه لا يخلو عن قرب.

وأمّا من جهة الصحّة وترتّب الآثار ، فإمّا أن يكون البحث في العبادات والصحّة المترتّبة عليها أو في المعاملات ونحوها ممّا يترتّب عليه الآثار.

أمّا بالنسبة إلى العبادات فإن كان الغافل غافلا عن المسألة غير ملتفت إليها وكان معتقدا للصحّة من دون تردّد فيها فعند الالتفات إذا وجد العمل مطابقا لما أخذه عن المجتهد جرى عليه حكم الصحّة ، لأدائه المأمور به على ما أمر به الشارع سواء كان ما أتى به موافقا لمتن الواقع كما في المسألة الإجماعيّة ، أو لفتوى جميع الأحياء ، أو خصوص من أخذ الحكم عنه. فعلى الأوّل ظاهر ، وكذا على الثاني إذ تكليفه الأخذ بقول الأحياء ، أمّا على الثالث فلكون فتواه طريقا له إلى الوصول إلى الواقع فيجري عليه ذلك الحكم بالنسبة إلى السابق واللاحق.

ويشكل ذلك : بأنّ ما دلّ على توقّف العمل على العلم واشتراطه به قاض ببطلان العمل الحاصل من دون العلم مطلقا قضاء لحقّ الشرطيّة.

ويدفع ذلك : أنّ اشتراط العلم بالعمل مطلقا ممنوع ، بل الّذي يقتضيه الأصل ـ وهو المستفاد من الأخبار الآمرة بالتفقّه والعلم لأجل العمل وذمّ العامل من غير بصيرة ـ توقّف العمل على العلم في الجملة.

أمّا بالنسبة إلى غير العبادات فللزوم كون التصرّف الحاصل منه على وفق ما يقتضيه الأسباب الشرعيّة الحاصلة فلا بدّ من العلم بتلك الأسباب وما تقتضيه ليجري على مقتضاها ، وذلك قاض بالمنع من التصرّف فيما يحتمل المنع من التصرّف فيه قبل استعلام الحال دون إيقاع نفس العقود أو الإيقاعات وغيرها.

وأمّا في العبادات فلأنّ الإقدام على الطاعة والإتيان بالفعل على وجه القربة لا يتمّ إلّا بعد معرفة المأمور به والتميّز بينه وبين غيره ليأتي به على ذلك الوجه ،

٧١٥

وذلك إنّما يتمّ بالنسبة إلى المتفطّن. وأمّا الجاهل الغافل فلا يتعلّق به الأمر بهذا التميّز حسب ما عرفت في الصورة الاولى ، ولا عصيان بالنسبة إليه في التلبّس بتلك الأفعال وافقت الواقع أو لا ، فلا باعث على فسادها مع توافقها وتحقّق قصد التقرّب بها.

فإن قلت : إن وافق عباداته ما هو المعلوم من الواقع كان الحال على ما ذكرت. وكذا الحال لو وافق فتاوى جميع الأحياء ، وأمّا إذا وافق خصوص فتوى المجتهد الّذي قلّده فيه فمن أين يثبت صحّته؟ إذ غاية الأمر ثبوت ذلك الحكم عليه من حين أخذه بقوله وبناء عمله على فتواه ، وذلك لا يصحّح عمله الواقع قبل ذلك.

قلت : إنّ قول المجتهد حجّة شرعيّة بالنسبة إليه وطريق شرعي له في استكشاف الواقع والوصول إليه ، فهو بمنزلة الظنّ الحاصل من الأدلّة بالنسبة إلى المجتهد ، فإذا ثبت أنّ ذلك هو حكم الله في شأنه جرى عليه بالنسبة إلى المتقدّم والمتأخّر.

فإن قلت : إنّ غاية ما ثبت من الأدلّة حجّيته عليه بعد الأخذ به دون ما قبله ، إذ هو القدر الثابت من الإجماع وغيره ، فلا وجه للحكم بصحّة العمل الواقع قبل الأخذ به من جهة التقليد اللاحق.

قلت : إنّ هناك صحّة للعمل وحكما به والتقليد إنّما يفيد الحكم بها دون نفس الصحّة ، فإنّ الصحّة الواقعيّة تتبع الأمر الواقعي ، والحكم بالصحّة إن ثبت بالتقليد أو الاجتهاد إنّما يفيد الحكم الظاهري ، فغاية الأمر أنّ حكمه بالصحّة إنّما يكون بعد تقليده ، وذلك الحكم كما يتعلّق بالحال أو الاستقبال كذا يتعلّق بالماضي أيضا. فالحكم وإن ثبت في الحال إلّا أنّ المحكوم به هو ما وقع منه في الماضي وهو المطلوب. والقول بتخصيصه بالأوّلين خلاف المستفاد من الأدلّة الدالّة على حجّية ظنّ المجتهد ولزوم أخذ العامي به ، فإنّه لا تفصيل فيه بين الوجوه المذكورة أصلا.

هذا وإن وجدها مخالفا لفتواه قضى ذلك بعدم تحقّق الامتثال وبقاء الشغل على حاله ، فإن كان الوقت باقيا أو لم يكن الواجب موقّتا وجب عليه الإعادة

٧١٦

لبقاء الاشتغال وعدم الإتيان بالمكلّف به ، وإن كان فائتا توقّف وجوب القضاء على ثبوت الأمر الجديد ، فإن ثبت وجوب قضائه مع الفوات جرى في المقام ، لصدق الفوات عند عدم المطابقة وإن لم يكن مكلّفا بالأداء من جهة الجهل والغفلة فإنّ انتفاء التكليف من جهة الغفلة ونحوها لا ينافي صدق الفوات كما في النائم والناسي.

وتوهّم توقّف صدق الفوات على تحقّق التكليف بالفعل الفائت في الوقت ـ كما يظهر من بعض الأفاضل فالحكم بوجوب القضاء في النائم والناسي لقيام الدليل عليه لا لصدق الفوات ـ ضعيف جدّا ، لوضوح صدق اسم الفوات فيهما في المقام ونظائره ممّا يتفوّت بسببهما فعل مشتمل على مصلحة المكلّف ، فيصحّ أن يقال فات عنه بسبب نومه الفعل الفلاني من غير تجوّز أصلا. واعتقاده حال العمل كونه مكلّفا بما أتى به لا يقضي بصحّة العمل ، إذ هو فرع الأمر ولا أمر في المقام ، إذ أقصى الأمر حينئذ عدم ترتّب الإثم عليه من جهة الغفلة. وتعلّق الأمر به في الظاهر بذلك العمل غير ظاهر ، فإنّه ممنوع وإن كان تركه بالمرّة عصيانا في معتقده ، فإنّ ذلك تجرّ على العصيان لا أنّه عصيان ، كما هو الحال في الطاعات المقرّرة في سائر الأديان إذا كان العامل بها قاطعا بصحّتها غير محتمل لفسادها أصلا ، فإنّ ذلك لا يقضي بتعلّق الأمر بها من الشارع حتّى تكون تلك الأعمال امورا مقرّبة من الشارع مطلوبة له على نحو ما نقوله في فتاوى المجتهد إذا لم يطابق ظنّه الواقع.

ومع الغضّ عن ذلك وتسليم تعلّق الأمر به في الظاهر فهو مغيّا بظهور خلافه ، وبعد انكشاف الخلاف يتبيّن أنّه لا أمر به فلا صحّة حسب ما قرّرناه في مسألة دلالة الأمر على الإجزاء.

وأنت خبير بأنّ ما ذكر إنّما يتمّ فيما إذا كان الحكم المذكور مخالفا لأمر قطعي. وأمّا إذا كانت المخالفة في أمر اجتهادي أشكل حينئذ جريان الوجه المذكور بالنسبة إليه ، لكون الثاني أيضا تكليفا ظاهريّا ، فلابدّ إذن من الأخذ بكلّ من الحكمين في محلّه ـ على نحو ما قرّرناه في مسألة رجوع المجتهد عن رأيه ـ

٧١٧

فلا يتمّ الجواب المذكور على إطلاقه. وإن كان متردّدا في الحكم فإن لاحظ فيه جانب الاحتياط وأتى به كذلك كان ما أتى به صحيحا ، لما عرفت من كون الاحتياط أيضا طريقا وإن كان ذلك بتكرار العمل. ولو بنى على التكرار ثمّ علم بعد الإتيان بأحد وجهين أو الوجوه أنّه هو الصحيح فلا حاجة إلى الإتيان بالآخر. والإتيان به أوّلا على وجه احتمال مصادفته الواقع لا ينافي الحكم بصحّته بعد العلم بالحال. وإن حصل عنه غفلة في معرفة الاحتياط فقطع بكونه احتياطا ثمّ ظهر له بعد العمل خلافه جرى فيه ما ذكر من التفصيل في الحكم بصحّة عمل الغافل وعدمه ، إذ هو أيضا من مورد القطع بالصحّة مع ظهور فساد قطعه. هذا إذا علم كونه موردا للاحتياط بحيث لو رجع فيه إلى الفقيه حكم فيه بالاحتياط. وأمّا إذا أراد بالاحتياط إحراز الواقع من غير علم بكونه من مورد الإشكال والاحتياط.

فهناك وجوه أربعة :

أحدها : أن يتعيّن عنده نفس العمل تفصيلا من واجباته ومندوباته ، لكن يتعلّق الجهل بموانعه وما يقضي بفساده. وحينئذ لا إشكال ظاهرا في الصحّة بعد تركه جميع ما يحتمل كونه مانعا ، لقطعه حينئذ بأدائه مطلوب الشارع. وعدم تعيّن المانع في نظره تفصيلا لا يمنع من الصحّة بعد علمه إجمالا بخلوّ ما أتى به من العبادة عن جميع الموانع قطعا وإتيانه بما أمر به يقينا. والظاهر أنّه يجري ذلك بالنسبة إلى الشرائط أيضا ، فإذا أتى بكلّ ما يحتمل الشرطيّة حينئذ كان كافيا في الحكم بالصحّة إلّا أن يكون هناك مانع آخر.

ثانيها : أن يتبيّن عنده أجزاء العبادة تفصيلا ويتميّز له من غيرها ، لكن لا يتميّز عنده الواجب من الأجزاء عن ندبها. فإن اعتبرنا نيّة الوجه ثمّ اعتبرناها بالنسبة إلى الأجزاء أيضا تعيّن عليه التميّز ولم يصحّ العبادة من دونها مع إمكانها في شأنه ، إلّا أنّ القول باعتبار نيّة الوجه ضعيف ، وأضعف منه اعتبارها في الأجزاء ، فلا مانع إذن من الصحّة مع الجهل المذكور أيضا إذا أتى بالجميع ، لعلمه حينئذ بأداء الواجب. نعم إذا أراد ترك شيء منها لم يجز له ذلك إلّا بعد الرجوع والاستعلام.

ثالثها : أن لا يتميّز عنده أجزاء العبادة من غيرها إلّا أنّه ينحصر عنده في

٧١٨

جملة امور يعلم عدم خروجه منها ، ويدور أجزاء الفعل بينها إمّا بأن يعلم وجود ما هو خارج عن العمل في جملتها ولكن لا يتعيّن عنده بالخصوص ، أو لا يعلم ذلك ولكن يحتمله. وعلى كلّ حال فهو يعلم عدم مانعيّة شيء منها لتلك العبادة. وحينئذ فالظاهر صحّة العمل الواقع منه على الوجه المذكور من غير حاجة إلى التميّز ، بأن ينوي التقرّب بالإتيان بذلك الفعل إجمالا الحاصل بإتيان ما يؤدّيه من الأجزاء ، فهو ينوي أداء الفعل المطلوب في الشريعة ويقطع بحصوله بما يأتي به من الأفعال ، فالمصداق الّذي يأتي به من مصاديق ذلك المفهوم قطعا ، وهو ينوي القربة بالمفهوم الحاصل بحصوله وإن لم يتميّز عنده خصوص المأخوذ في ذلك المفهوم من تلك الأجزاء ، فإنّ ذلك ممّا لا دليل على اعتبار العلم به في أداء التكليف، إذ القدر اللازم من العلم هو ما يحصل منه العلم بأداء الواجب فيه ، وهو حاصل بذلك قطعا.

فتوهّم الفساد في هذه الصورة ـ كما هو صريح البعض ـ إمّا من جهة انتفاء العلم بالحقيقة التفصيليّة فيكون ما دلّ من الأخبار وغيره على اشتراط العمل بالعلم قاضيا بفساده، وهو فاسد ، لعدم قيام الدليل عليه كذلك. وأقصى ما يستفاد من الأدلّة اعتبار العلم به على وجه يحصل العلم بأداء مطلوب الشارع به ، وهو حاصل بما ذكرناه قطعا. أو من جهة إبهام المنويّ وعدم تعيّنه عند العامل فلا يكون قصده قبل ارتفاع الإبهام للزوم تعيّن المقصود عنده ، وهو أيضا ظاهر الفساد ، لأنّه إن اريد تعيّنه في الجملة ولو بوجه مّا فهو حاصل في المقام قطعا ، وإن اريد تعيّنه بالكنه ليتميّز حقيقة الفعل على وجه التفصيل فهو ممّا لا دليل عليه.

وأورد في المقام : أنّ ذلك إنّما يجوز عند عدم التمكّن من الاستعلام وقيام الضرورة فيصحّ من جهته ، التقرّب (١) بمجموع امور مشتملة على المطلوب لتحصيل اليقين بالفراغ إنّما يصحّ بعد عجز المكلّف عن التميّز وانحصار أمره في ذلك ، كما في الصلاة في الثوبين المشتبهين وإلى الجوانب الأربع عند اشتباه القبلة ، ولا يجوز ذلك مع إمكان تعيين الجهة أو تميّز الطاهر من النجس قطعا.

__________________

(١) كذا في الأصل ، والأظهر : إذ التقرّب (هامش المطبوع).

٧١٩

ويدفعه : أنّه إنّما ينوي التقرّب في المقام بخصوص ما تعلّق به الأمر الحاصل في ضمن المجموع ، مثلا ينوي التقرّب بالصوم المأمور به شرعا الحاصل في ضمن التروك الخمسين ، ولا ينوي الصوم بمجموع التروك الخمسين حتّى يندرج في البدعة. ولا مانع من عدم تعيّن الأجزاء وتميّزها عنده كلّا أو بعضا ، إذ لا دليل على لزوم تعيّنها بعد قصد الفعل المعيّن في الشرع المعلوم حصوله بذلك.

والحاصل : أنّ تصوّر الفعل بوجه مّا وتعيّنها كذلك كاف في قصده ونيّته. والعلم بحصوله في ضمن تلك الجملة كاف في أدائه وتفريغ الذمّة منه ، فلا بدعة من جهة النيّة حيث إنّه لم ينو التقرّب إلّا بنفس المأمور به ، ولا محذور في أدائه في ضمن الجملة ، لحصول العلم بالإتيان به بذلك من غير لزوم مفسدة.

غاية الأمر عدم تعيّن الأجزاء على وجه التفصيل ولا مانع منه ، إذ لا باعث في اعتباره في أداء المأمور به ، وهذا بخلاف الصلاة في الثوبين المشتبهين ونحوها ، لقصده هناك التقرّب بما ليس بمقرّب في الواقع.

فإن قلت : إنّه إن كان الداعي له على التلبّس بجميع تلك الأفعال هو القربة ، فقد نوى التقرّب بما ليس بمقرّب ، أو بغير ما يعلم أنّه يندرج في المقرّب ، فيندرج في البدعة إلّا حال الضرورة ، لتوقّف الواجب عليه. وإن لم يكن الداعي على بعضها القربة لم يمكن الحكم بالصحّة ، لاحتمال اندراجه في المطلوب فلا يحصل التقرّب بالمجموع مع إيقاع بعضه لا على وجه القربة.

قلت : إنّ قصد التقرّب بالفعل الشرعي إجمالا كالصوم والصلاة ـ مثلا ـ مع العلم بحصول مصداقه بالفعل المفروض كاف في أداء المأمور به على وجه القربة وإن لم ينو التقرّب بالمجموع وهو مستمرّ فعلا أو حكما حين الإتيان بتلك الأجزاء ، ولا يعتبر فيه التقرّب بخصوص كلّ من الأجزاء ، بل لابدّ من مقارنتها لتلك النيّة فعلا أو حكما وهو حاصل في المقام.

نعم لو نوى الإتيان بها على أنّها أجزاء للفعل المطلوب كان ذلك بدعة ، لكنه غير معتبر في الإتيان بالعبادة. ولو اعتبرت نيّة الجزئيّة في الجملة فالإتيان بكلّ

٧٢٠